أنا شاب عمري 20 سنة، أدرس علوم الكمبيوتر (في السنة الثالثة)، أحببت ابنة الجيران منذ سنتين، وكنا نتبادل مشاعرنا العاطفية عن بُعد دون مصارحة، وكنت خائفا من أن يكون هذا الحب من طرف واحد فقط، ولكن الفتاة كانت مُصرة دائماً على محادثتي عبر الهاتف، رغم أنني كنت دائماً رافضاً لهذا المبدأ، وكنت أشعر بالذنب عند التحدث إليها عبر الهاتف، ولكن ماذا أفعل؟! إنني أحبها.
لقد صارحتها بعد ذلك بحبي لها خوفاً من مغادرتها البلاد؛ حيث إنها كانت في الثانوية العامة، مع العلم أن أهلها كانوا على علم بهذا الموضوع. ولقد تحدثت مع والدتها، واتفقنا على خطبة ابنتها بعد تخرجي.
هذه الفتاة جعلتني أفكر بجدية في المستقبل، وإنهاء دراستي بأسرع وقت ممكن، إلا أن والدي رفض مبدأ حبي لهذه الفتاة؛ حيث قال لي: "إن الشباب في مثل عمرك ليس من حقهم الحب، ومن حقك أن تتسلى مع هذه الفتاة وغيرها أيضا"، وطبعا أنا أرفض هذا المبدأ. ولقد حاول جاهداً إفساد علاقتي بهذه الفتاة وأهلها أيضاً، وبعد تعرض أهل الفتاة للمشاكل تغير رأيهم، وبعد أن ذاقوا الكلام المرير من والدي طلبوا مني نسيان الفتاة، ولم أحاول ذلك، وكنت على اتصال يومي بالفتاة حتى في أيام المشاكل.
لم أستطع تحمل الوضع الذي يعاني منه أهل الفتاة، فأنا أحبهم أيضاً.. طلبوا مني عدة مرات عدم الرد على المكالمات، فوعدتهم أكثر من مرة، ولكني لم أستطع.. لا أستطع رؤية رقم الفتاة على الهاتف وعدم الرد عليها؛ لأنني جربت ذلك، وكنت أشعر أنها تتعذب عذابا أليما عند عدم ردي عليها، وأنا الآن تغيرت إلى شخص لا يبالي بأي شيء، لا يهتم بشعور الآخرين، سوى إرضاء الفتاة، والإخلاص في حبها، وأنا الآن مقتنع بهذا المبدأ..
أطلب منكم المساعدة في حل هذه المشكلة،
شاكراً لكم مساعدتكم.. والله الموفق.
2/1/2023
رد المستشار
وصلتنا مجموعة رسائل من نفس البريد الإلكتروني، ووضعنا هذا الأمر في حيرة، وقد وجدت د. فيروز تكاملاً بين رسالتين، فافترضت أنها أمام قصة حقيقية، وكتبت تقول:
ها هي قصة حب جديدة تصل إلى باب استشارات مجانين، والمفارقة العجيبة أن الطرفين يرسلان المشكلة كل على حدة- من البريد الإلكتروني نفسه- وهو ما يجعل الصورة تكتمل أمام فريق المستشارين وأمام زوار الصفحة.
هي قصة حب مكتملة الأركان- إذا جاز التعبير- تشبه كثيرًا الفيلم الأمريكي "قصة حب" أو الفيلم المصري "إني راحلة" أو "الوسادة الخالية" مع الفارق في النهايات؛ فهو الزواج في الفيلم الأول، وانتحار البطلة في الثاني، والتطلع للحياة والمستقبل وعدم الاستسلام في الثالث. وإذا كنت أشبه قصتكما بالأفلام الروائية فهذا ليس بقصد السخرية، ولكن لكي أقول: إن القصة متكررة، وهو ما جعلها مادة خصبة للأفلام، ومع ذلك ما يزال كل عاشق يظن- في غمرة العشق- أن تجربته فريدة، وأن حبه لم يعرفه أحد من قبل.
وكما قلت: تختلف النهاية في كل قصة عن الأخرى، وقصتكما ستنتهي نهاية من الثلاثة، أرجو ألا تكون الثانية بالطبع. ولكن أجد لزامًا عليّ قبل الوصول إلى (النهاية) أن أنبه إلى الخطأين الشهيرين اللذين يرتكبهما معظم المحبين، وهو ما يدفع الحب وصاحبه دفعًا إلى نهاية غير حميدة، وهما:
الخطأ الأول: أن نعطي الحب مساحة من حياتنا أكثر مما ينبغي، فيتصور كل شاب أن حبه هو كل حياته ومستقبله وأمله في الحياة.
وإذا ما هُدد هذا الحب فإن حياته كلها تفقد معناها ولا يَعُد لأي شيء فيها طعم أو قيمة، وأنه لا سبيل لمقاومة سلطان الحب وعنفوانه، وأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن، لذلك كان التعبير القرآني دقيقًا عندما قال: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه...".
ما أقبح أن يتحول الحب إلى إله يأمر فيُطاع، نسجد له ونركع دون مقاومة أو تفكير في العواقب بعد أن أصابنا خدره فسلب عقولنا وإرادتنا، فنندفع نحو الرذيلة أو الانتحار أو اليأس والإضراب عن الحياة والمستقبل باسم هذا الحب الإله. أقول لكم: لا إله إلا الله.
والخطأ الثاني: هو ألا تعرف قلوبنا إلا نوعًا واحدًا من الحب، هو الحب بين الرجل والمرأة، ونحن هكذا في الحقيقة ندمر قلوبنا بحرمانها من صفوف الحب الأخرى التي تُحدِث لنا التوازن الوجداني المطلوب لصحة القلب، أما إتخام القلب بصنف واحد من الطعام- أو الحب- وعدم تقديم وجبة متكاملة له فيؤدي ذلك إلى هزاله وضعفه وعدم توازنه.
لا تسخر مني إذا قلت إن القلب لا بد أن يذوق طعم حب الله مثلاً والشوق له والائتناس بمناجاته، ويذوق طعم حب الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والصالحين، ويهدأ باله بالجلوس على مأدبة سيرتهم، ويتحرق شوقًا لصحبتهم في الجنة، ويذوق طعم حب القرآن، ويذوق طعم حب الحياة وحب الناس والتوجع لآلامهم ومد يد العون لهم مهما كانت عيوبهم ونقائصهم، بل يذوق حب السماء والطيور وربما الجبال أيضا، فلقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشير إلى جبل "أحد": فيقول: "هذا جبل نحبه ويحبنا".
إن قلبًا لا يعرف هذه الأصناف من الحب، ويحتله نوع واحد- وهو حب الرجل والمرأة- لا نستغرب أن يسرح فيه هذا الحب ويمرح كما شاء، ويفرض سلطانه الذي لا ينازعه فيه أحد.
والآن تعالوا إلى كلمة (النهاية)، وأنا هنا أريد أن أوجّه كلمتي أولاً لهذا الشاب العاشق؛ لأنه في قصتنا هذه هو الذي سيتحمل المسؤولية والضريبة الباهظة إذا أصر على إتمام الزواج دون رضا أهله. أقول لك أيها الشاب: ادرس ظروفك جيدًا، فإن كنت ترى أن هناك أملاً في إقناع أهلك فلا بأس من إعادة المحاولة، مع اللجوء إلى الله، والإكثار من الاستخارة والدعاء، فهو سبحانه وتعالى مغير القلوب، لعله يحوّل رأي أهلك إن كان الأمر خيرًا لك، أما إذا وجدت الطريق مسدودًا فلا حل أمامك سوى الابتعاد نهائيًا عن هذه الفتاة- وأقول نهائيًا- دون عهود أو مواثيق، ودون أن يطارد أحدكما الآخر ولو عن بعد؛ لأن الوضع المعلق معناه الخسارة المزدوجة، فلا أنت ستظفر بفتاتك، ولا ستنجو بمستقبلك. لا أبالغ
إذا قلت: إن آلام الفراق أشد من آلام الكي، ولكني أيضًا لا أبالغ إذا قلت: إن هذه الآلام تتناقص مع الأيام والسنين حتى إنك عندما تتذكرها فيما بعد ستضحك على نفسك وعلى ضياع الأيام والليالي.
منتهى الرجولة والقوة والأمانة ألا ترد على تليفوناتها إذا أيقنت أن هذا الحب يسير في طريق مسدود.
أما الفتاة فأقول لها: طالما أنك أرسلت بمشكلتك إلى هذا الباب؛ فهذا مؤشر طيب يدل على أنك لا تريدين الاستسلام للحالة التي وصلت إليها، والتي أدت بك إلى محاولات الانتحار، ولكن دعينا نتفق على أن من يذهب للطيب الأمين لا يشترط عليه أن يصف له دواءً محددًا، وإنما يسلم له نفسه ليصف له العلاج المناسب من واقع خبراته وعلمه. أليس الأمر كذلك، أم أنك تنتظرين منا أن ندلك على وصفة سحرية من أجل العودة لحبيبك، وإن لم نفعل فإنك تهدديننا وتهددين زوار الصفحة بالانتحار؟!
إن كنت تريدين النصيحة فإن أول ما أقوله لك هو أن تحذفي كلمة (انتحار) هذه من قاموس حياتك نهائيًا، نحن ربما نقبل هذا التفكير من فتاة غضة في سن الثالثة عشرة، ولكن لا عذر فيه أبدًا لمن اقتربت من سن الرشد، وأنا واثقة أنك إذا وقفت وقفة صدق وتوبة مع الله فلن تقبلي أبدًا أن تدفعي بنفسك إلى نار جنهم خالدةً فيها، أيًا كانت الأسباب، وأيًا كانت الفجيعة، ومهما كانت نار الدنيا وآلامها وأوجاعها. عليك أن تساعدي هذا الشاب الطيب، وتتركيه يدرس ظروفه، ولا تدعي أنانية حبك له تدمر مستقبله ومستقبلك أنت أيضًا، ولا تطارديه بنظرات العتاب؛ لأنه لم يستطع أن يظفر بك.
وإن كان في هذا الحبيب خير، فلعل الله يمُنّ عليك به، ويسعد فؤادك بالحياة معه، وإن أراد الله غير ذلك- "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم"- فعندئذٍ ليس أمامك إلا أن تصبري وتحتسبي ثم تستعدي للتعويض العظيم الذي سيرزقك الله به إذا تقبلت القدر برضا وتسليم.
كلمة أخيرة لكما معًا: "اللهم اقدر لنا الخير، وأرنا الحق حقًا".