تحية طيبة وبعد..
أنا صاحبة المشكلة التي أجبتم عليها تحت عنوان: أسلمت وتعاني: قاطعي حزب "كلام الناس" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
ليست الأمة كما يتصور البعض في هذا الضلال البعيد، لا تكونوا متشائمين؛ فما يزال الخير في أمة محمد عليه السلام إلى يوم الدين، هناك ملايين القصص التي تروي نجاح الملايين من الناس، دعوني أولا أوحد المفاهيم حتى تكون اللغة بيننا مشتركة.
ما هو النجاح في هذه الدنيا؟ ما هو طموحك للحياة؟ ما الذي تريد أن تظفر به قبل الممات؟
لا أحاول أن أكتب ما يشعر به الكاتب، ولكني أكتب من واقع مجرب لشخص عاش الألم مئات مئات المرات وما زال، ولكن من أعماق أعماق النفس يعلم أنه انتصر مئات المرات.. وأقول رغم أني أعجز عن التعبير في مرات كثيرة: إني رأيت من ظلمي آلاف الحكايات، مشيت في الطريق حافية القدمين عارية الجسد؛ ألهو وألهو وكأني في هذه الدنيا خالدة مخلدة، لم يكن لدي أدنى يقين عن رب يُعبد أو آله يطاع، فلم يكن همي في هذه الدنيا إلا: ماذا سآكل؟ وماذا سألبس؟ وكيف سأمضي الليل؟ أفي لعب شطرنج، أم ورق لعب، أو تلفاز؟... إلخ.
لم تكن الصلاة تعني لي إلا كنيسة أذهب إليها أردد بعض الكلمات وأخرج لا أفقه منها شيئا، فلا عن الرذيلة نهتني ولا إلى الحق دعتني، وكأني أقول طلاسم وأؤمن بأوهام، مر اثنا عشر عاما من عمري على مثل هذه الحالة.
رأيت الإسلام، عرفته، ولكن نفسي العنيدة أبت لدين الحق اتباعا، حاولت أن أنتصر على قوى الشر في نفسي، وأن أطرد الشيطان من حياتي، عاندت نفسي مرات عقب مرات، وأخيرا صرخت بأعلى صوتي: "وعجلت إليك ربي لترضى"، وأسلمت.
هكذا انتصرت على قوى الشر في نفسي، وما زلت أقاوم وأنجح متى أردت النجاح!!
هذه مجرد حادثة من الحوادث، وقصة صغيرة من قصص النجاح التي لو أردت لقصصت عليكم مئات منها، من تجربتي ومن تجربة غيري في هذه الحياة.
أعلم أن جيلنا نشأ في زمن النكسات، لست كبيرة في العمر؛ فأنا لم أبلغ الثلاثين عاما بعد، ولكني من نكسة إلى نكسة وهذا هو حال الأمة؛ فمن ضياع فلسطين، إلى حرب البوسنة والهرسك، إلى أفغانستان ثم العراق، وتتوالى النكبات ولكن النصر آت؛ فالنصر والنجاح يبدآن من نفس الإنسان؛ فمتى انتصر على قوى الشر في نفسه سينتصر على العدو؛ ومن ثم النجاح.
ثم إني لا أقول: إن الفشل في قصة زواج أو في تعليم ليس بفشل، لكنه ليس نهاية المطاف، وكل شيء من عند رب العزة بمقدار؛ أي بوقت وزمان وكيف وكم لا يعلم غيبه إلا رب الناس، فمتى علم وتيقن كل منا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنه لحكمة سكنت نفسه وقرت عيناه وقال: الحمد لله.
أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت،
وتوكل على الله الحي الذي لا يموت، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
3/1/2024
رد المستشار
الأخت الكريمة، أخشى أن مشاركتك هذه تكون الأخيرة بعد أن تأخر ظهور إجابتي على مشكلتك الأصلية لبعض الوقت، ونحن نرحب بكل المشاركات، ونحب أن تتابعينا وتسامحينا على بعض التأخير في النشر أحيانًا.
هناك الآلاف بل الملايين الذين تنقلب حياتهم، أو بالأحرى يتغير حالهم من الأسوأ إلى الأحسن فينصلح حالهم، وتصبح لهم قضية وهدف، وتتسق أذهانهم مع أرواحهم، ويمارسون حريتهم في الاختيار، ثم يدفعون الثمن كالعادة.. فهل هذه الأحداث يمكن تصنيفها على أنها "قصص نجاح"؟!
في الحقيقة يمكن القول بالنفي والإيجاب!!
فالناس غالبا يتحدثون عن "قصص النجاح" فيما يخص الخطوات المرحلية، والنقلات الجزئية من "تفوق دراسي" أو "زواج سعيد" أو الحصول على منحة دراسية بعد تنافس محمود مع زملاء آخرين... وهكذا.
ويغيب عن هذا التصنيف نوعان مما يمكن اعتباره مندرجًا ضمن قصص النجاح:
النوع الأول وهو ما يتعلق بقصص النجاح الجماعية؛ فليس من المعتاد أن نقرأ عن قصة نجاح مؤسسة أو جماعة أو أمة من الأمم، وهذا منظور فردي سقيم، ولكن يبدو أنه شائع!!
والنوع الثاني الغائب هو ما يتعلق بصراع الإنسان مع الشر بداخله أو من حوله، ويرتبط هذا بمفهومنا للشر، وإدراكنا لمعنى الانتصار عليه.
فالشر شيء أوسع من أشكال التبسيط التي تحدد من إدراكنا الغالب له، واختصار الشر في شخص أو شيء أو بلد أو شعب أو في الآخرين المخالفين لنا... إلخ، هذا التبسيط والاختصار مخل، وله نتائج كارثة نعيشها وندفع ثمنها يوميًّا، بينما الشر يكون أحيانًا أخفى وأدق، وأعمق تغلغلا، وألمع بريقا، ومختلطًا بالخير على نحو يحتاج إلى حكمة في إدراكه والتعامل معه على نحو مختلف عن السائد في حياتنا.
قلت لك من قبل وأكرر للجميع: إن الصراع مع الشر لا ينتهي بالدخول في الإسلام أو الإيمان، ولكن المشاهد تتغير والامتحانات تصبح "أصعب"، والمعايير تختلف بحسب درجة الوعي والتقوى، والقرآن يلفت النظر إلى هذا التركيب وتلك الصعوبة التي ينبغي فهمها، ووزن الأمور بها "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ".
تحياتي ودعواتي لك بالمزيد من الانتصارات.وللمشاركة برأيك.