أولا أشكركم على عونكم لنا؛ فمتابعتي للاستشارات أفادتني كثيرًا في أمور حياتي، وأعرض عليكم مشكلتي..
منذ تخرجي أكرمني الله بعمل في مكان رائع وبمرتب مجز بالنسبة لخريجة الجامعة، وبفضل الله أثبت قدرتي على العمل، وتفوقت فيه حتى تضاعف راتبي في سنوات قليلة، خلال هذه السنوات تزوجت وأنجبت طفلين، وجاءت لزوجي فرصة عمل في بلاد الخليج، وسافر عاما، وخلال هذا العام لم يستطع البعد عني ولا عن طفليه ؛ فكل همه أن نجتمع معا.
وبالنسبة لعملي فهو خاص ولا يريد أصحاب العمل إعطائي إجازة بدون مرتب ؛ وأنا محتارة جدا، هل أضحى بعملي في هذا الوقت الذي تصعب فيه جدا فرص العمل وبهذا المكان الرائع من حيث المرتب والمعاملة، وأنتم تعلمون أن العمل في الخليج غير آمن، وعقده ربما يجدد وربما لا، أم أستجيب لرغبة زوجي وأترك العمل وأسافر معه أنا وأولادي؟
أنا أعلم أن الرزق بيد الله، ولكن أريد أن أفكر بواقعية؛ ففرصة العمل التي بيدي لا تعوض، وسفري إلى زوجي وإرضاء الله مهمان جدا بالنسبة لي، ولكن أريد أن أوضح أن زوجي عمله خاص؛ أي إذا حدثت أي ظروف، وانتهى العقد وعاد فليس له أي عمل، ونعود ونبحث من جديد على فرصة لي وله؟
أعتذر عن الإطالة، ولكني أحب أن أوضح أنني نفسيا لا أستطيع العيش في البيت فقط دون عمل؛ فأنا أحب بيتي، وأحب عملي أيضا، ولا أستطيع أن أجلس في البيت طوال النهار لتربية الأولاد وانتظار الزوج؛ فأنا أؤدي واجباتي مع العمل ولا أقصر في شيء، وعندي إحساس أني لا أستطيع أن أعيش في الغربة دون عمل في انتظار زوجي الذي يعود في وقت متأخر وأنا في انتظاره.
أنا لا أعترض على دور المرأة؛ فأنا أعلم أن الإسلام أمرنا بذلك، ولكن لا أستطيع أن أعيش حياة فارغة دون عمل أو إضافة، ومهما كانت علاقتي بالنت أو التليفزيون أو الدش فكل هذه الوسائل أكيد لن تملأ الفراغ بالنسبة لي بالمقارنة بعملي وخروجي من المنزل لإثبات ذاتي.
أرجو أن أكون قد استطعت توصيل ما بداخلي إليكم من أحاسيس متضاربة، مع العلم أني سوف أسافر لمدة شهر لزوجي؛ فهو يريدني أن أستمر معه وأترك العمل، مع العلم أن هناك فرصة للتعيين في الحكومة تابعة لنفس الهيئة لمن مر عليهم أكثر من ثلاث سنوات، وهذا الكلام يظهر صدقه أو عدمه في شهر ديسمبر.. فماذا أفعل؟
هل أسافر وأقدم استقالتي أم أغضب زوجي وأعود على أمل التعيين والاحتفاظ بالمكان؟
أرجوكم أفيدوني برأيكم جزاكم الله عنا كل خير.
10/1/2024
رد المستشار
أهم عنصر في هذه المشكلة؛ هو نظرتك كزوجة لعلاقتك بزوجك وبيتك وأولادك، وأنا أحسب أن هذه المعاني كان من المهم التركيز عليها والبدء بها حتى يوضع كل شيء في نصابه ولا تتبدل الأولويات.. ثم تأتي بعد ذلك بعض التفاصيل التي تنتقل بنا من العام إلى الخاص.. وسأحاول أن أركز هذه التفاصيل في النقاط التالية:
1- لاحظت أن هناك خللا يتعلق بأسلوبنا في التفكير -نحن العرب، أو ربما دول العالم الثالث.. لا أدري- وهو الخلط بين معنى "الاستقرار" و"الجمود"!!
الاستقرار مطلب آدمي وحضاري، ولكن شديد التشابه مع الجمود الذي يؤدي للتخلف والركود والفشل.. أنت عندما أمسكت بهذه الوظيفة بيديك حلمت "بالاستقرار" المادي والنفسي، وأصبح من الصعب عليك أن تتصوري لنفسك حياة جديدة، واستقرارا آخر؛ فالاستقرار له معنى واحد عندك، وهو هذه الوظيفة في هذا البلد.. أقول لك: عندما يصبح للاستقرار صورة واحدة ومعنى واحد فهو "جمود".
أذكر لك قصة واقعية لعلها تقرب لك المعنى:
إحدى قريباتي كانت معيدة في إحدى الجامعات، وقطعت شوطا طويلا في تحضير رسالة الماجستير، ثم جاء الزواج، ثم سافر الزوج للخليج.. وعندئذ كان عليها أن تختار مثلك، وقالت "أنا" هنا هي "أنا" هناك، وإن كنت نجحت هنا فسأنجح هناك، واختارت السفر، ولكن كان لديها القدرة على "تعديل" أحلامها، بحثت عن وظيفة هناك، ولكنها لم تعمل "معيدة"، وإنما عملت "مدرسة"، ونجحت وتدرجت في وظيفتها وتضاعف راتبها. ووجدت استقرارا آخر غير استقرارها الأول، وهي الآن أم لأربعة من الأولاد، أكبرهم -وهو الذي أنهى دراسته- معيد بإحدى الجامعات.
أريد أن أقول: لا تضعي شكلا واحدا ثابتا لأحلامك وحياتك، بل كوني مستعدة دائما لتغيير خططك؛ لأن الحياة متحركة وليست ثابتة.
2- أنا لا ألوم عليك مطلقا أنك من ذلك النوع الذي يحب العمل خارج إطار البيت -بالإضافة لعدم التقصير في البيت- أنا فقط أذكرك بألا يدفعك هذا إلى أن تنظري لرسالتك في البيت نظرة ازدراء؛ فربما تأتي عليك بعض الأوقات تضطرين فيها للبقاء في المنزل، ربما حتى تجدي وظيفة، أو ربما في سن معينة للأولاد تشعرين فيه أنهم بحاجة لرعاية أكبر، فإذا حانت هذه اللحظة فأعطها حقها غير نادمة ولا متأففة.
وأكرر: ليس معنى كلامي هذا أني أثبطك عن عملك الخارجي؛ فهو -أيا كان- رسالة تخدمين بها دينك وتنشدين الثواب من ربك وليس فقط مجرد وسيلة لإثبات الذات.
وأخيرا.. لا تنسي الدعاء والاستخارة.. وأهلا بك.