السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود أن أطرح مشكلتي، وهي أني شاب متزوج منذ ثلاث سنوات ولي طفلة عمرها سنة وشهران، زوجتي تطلب طلبات كثيرة للمنزل، وتقول إنني بخيل مع العذر في اللفظ، ولكنني لست كذلك.
أنا ورثت عن والدي مبلغا معينا من المال، حاولت أن أعمل به مشروعا لكني فشلت فادخرته في البنك وأصرف على البيت من مرتب وظيفتي، ومرتب وظيفتي مع غلاء المعيشة لا يكفي؛ فهي تريد أن تجعلني أصرف من مبلغ الإرث.
وكذلك زوجتي لها تصرفات أخرى كثيرة تقلب عليّ أهلها، وشديدة الغيرة، وحاولت مرارا أن أكون صالحا معها لكنها قابلت ذلك بخباثة ومكر، فماذا أفعل؟ وأنا لا أريد طلاقها لأنني أحبها، فهل الزواج عليها يحل هذه المشكلة مع أنها من عائلة غير ميسورة الحال؟ الرجاء الإفادة، وشكرا.
14/1/2024
رد المستشار
الأخ الكريم:
في كثير من الأحيان والمواقف يدور في ذهني هذه التساؤلات الحائرة:
هل يدرك الرجل دوره في أسرته؟ وهل يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه منذ أن يقرر البدء في مشروع تكوين أسرة؟! وهل ندرك جميعا مدى أهمية وخطورة هذا الكيان المسمى "أسرة"؟! وهل ندرك جميعا أن الأسرة الزوجية هي نموذج مصغر للأمة وخصائصها، وأن أبرز خصائص هذا الكيان هي القوامة والشورى؟!
فما القوامة وما مفهومها ومعناها؟
القوامة وردت في الاستخدام القرآني في ثلاثة مواضع حيث قال الله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (النساء: 34)، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ" (النساء: 135)، وقال أيضا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ" (المائدة: 8)، وقد حدد الإسلام طبيعة سلطة الرجل في أسرته فجعله "قواما" على هذه الأسرة، أي أن الرجل هو القائم على شئون هذه الأسرة وأنه المسؤول عن:
توفير احتياجات أسرته (زوجته وأبنائه) المادية والمعنوية.
توفير الحماية والرعاية وتحقيق مبدأ العدل.
أما بالنسبة لمبدأ الشورى فنجد أن الإسلام أمر به حتى في فطام الطفل مع انفصال الزوجين، فجعل للمطلقة حقا في الشورى والتفاهم للاتفاق على ما فيه مصلحة الطفل؛ فمن باب أولى أن هذا الحق مكفول للزوجة القائمة على البيت وعلى رعايته، لكن القليل منا من يدرك هذا والنسبة الأقل هي التي تطبقه بحقه.
وأحسب أنني أسمعك تقول:
أحدثك عن مشكلتي مع زوجتي وعن شكواها المستمرة من بخلي وعن تصرفاتها غير المسؤولة فأجدك تحدثينني عن القوامة والشورى، فما علاقة هذا الكلام النظري بموضوعي ومشكلتي؟!
وقبل أن أجيبك على تساؤلك هذا أجد أنه من الضروري أن أسألك أنا سؤالا تعجبيا هو: في تصورك كيف يمكن أن يحل الزواج الثاني مشكلتك الحالية مع زوجتك؟! هل تنوى أن تتزوج امرأة غنية مثلا لتنفق عليك وعلى أسرتك الأولى ويكون هذا شرط زواجك بها؟! أم أنك ستنفق على بيتك الجديد من المال الموروث الذي ترفض أن تنفق منه الآن لتوسع على أسرتك الأولى؟!
وحتى يأتيني رد منك أقول لك:
يا أخي الكريم إنك قوام على هذه الأسرة ومسؤول عن تلبية احتياجاتها، وإن قوامتك وقيمة الشورى -التي تحدثنا عنها- تستوجب منك أن تجلس مع زوجتك لتتفقا معا على كيفية إدارة شئون هذه الأسرة وإدارة التعاملات فيما بينكما، فلا بد من النقاش بموضوعية وعقلانية حول الأخطاء التي ترتكبها زوجتك حينما تشكوك لأهلها وتوغر صدورهم عليك، والأولى بها أن تتحدث معك دوما فيما يضايقها لكن بأسلوب يبتعد عن الاستهزاء؛ على أن تجد منك أذنا مصغية وعقلا واعيا ومتفتحا ورغبة صادقة في التغيير للأفضل.
والاطلاع على المشاكل المتعلقة بدبلوماسية العائلة تفيدك عند تحاورك مع زوجتك.
وإدارة شأن الإنفاق في الأسرة لا بد أن يكون من الأمور التي تناقش بينكما بانتظام، فادخار جزء من المال أمر واجب وضروري، لكن لا بد أن يتفق الزوجان عليه، وعليكما معا مع بداية كل شهر أن تضعا خطة لحسابات الشهر وأن يتم التركيز على الضروريات وأن تؤجل الكماليات والرفاهيات إن كانت الميزانية لا تسمح، مع وضع مبلغ ولو صغير في صندوق الطوارئ تحسبا لأي ظروف طارئة، وقد يكون من القرارات التي يتم اتخاذها معا أن تبحث عن عمل أفضل أو أن تعمل أعمالا إضافية أو أن تفكر زوجتك في عمل ما يدر عليها بعض الدخل الذي يساعد في المصاريف المنزلية أو في توفير بعض من احتياجاتها واحتياجات طفلتكما، المهم أن تشعر زوجتك أنك لا تستقل باتخاذ القرارات بمفردك.. وأن تشاركك في مسؤولية اتخاذ القرار.
وكل شأن من شئون حياتكما يمكن أيضا أن يتم مناقشته في جو من الاحترام والود المتبادل، المهم أن تجعل لك مع زوجتك أوقاتا ووقفات تصلحون بها من مسيرة حياتكما، فأنت يا أخي الكريم ربان هذه السفينة وقائدها فهل يعقل أن يتخلى ربان السفينة عن دفة القيادة ويهرب إلى أخرى تاركا سفينته في مهب الريح تتقاذفها الأمواج وتضربها العواصف والأنواء؟
خلاصة ما أحب أن أقوله لك:
إن الزواج الثاني لن يكون بأي حال من الأحوال حلا لمشكلتك الحالية، لكنه نوع من الهروب من مواجهة المشكلات، وكل ما نطلبه منك الآن أن تواجه مشكلاتك وأن توجد لها الحلول المناسبة وأن تسعى لتلبية احتياجات أسرتك والقيام بمهام هذه الأسرة على أكمل وجه، فإذا وجدت أنك قد وفيت أسرتك الأولى حقها وأديت نحوها كل التزاماتك المادية والمعنوية ووجدت بعدها أن عندك فائضا ومخزونا من الطاقة يمكنك أن تقدمه لأسرة ثانية فتوكل على الله وتزوج من أخرى، لكن لا تنس ساعتها أن تقرأ بعضا من مشاكلنا السابقة والتي تحدثنا فيها عن الزواج الثاني، ومنها:
الزواج الثاني.. قيد على قيد
الزواج الثاني المباح الحرام
بهدوء الزواج الثاني وحوار ساخن
الزواج من ثانية.. وسيكولوجية الرجل الشرقي