إلى الدكتور الفاضل وائل أبو هندي
أنا صاحبة مشكلة: مفاهيم خاطئة عن الأكل والجسد! إني آسفة جدا جدا على هذا الرد المتأخر جدا؛ فاعذرني يا دكتور؛ وذلك بسبب ذهابي إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية لي، فلما عدت لم أجد الوقت الكافي للرد عليك.
ولكن أبشرك يا دكتور أنه بفضل الله، ثم بفضلك استطعت أن أقاوم هذه المشكلة بحيث أصبح وزني الآن 50كيلوجراما بعد ما كان وزني 40 كيلوجراما، وبالنسبة للطول فإن طولي هو 156سم.
ولكن يا دكتور كيف أحمي الآن نفسي من هذه المشكلة؛ لأنها أحيانا تعاودني عندما أرى فتيات في الجامعة أنحف مني، أي بمعنى كيف أثق بجسمي دون النظر إلى الأخريات،
وجزاك الله تعالى كل خير وأكرر اعتذاري مرة أخرى.
01/02/2024
رد المستشار
الابنة الفاضلة "نسايم" أهلا وسهلا بك، وحمدا لله على سلامتك، وعسى أن تكوني بعد الجراحة التي أجريت لك قد استعدت كامل صحتك النفسية والجسدية، وقدر ما تأخر ردك علينا، قدر ما نسأل الله أن تكون أفكارنا قد أصبحت أنضج وأعمق، فلا بأس إذن، ولعل غيابك وغياب متابعتك لنا ولومي لك على ذلك في إحدى الإجابات قائلا ما نصه:
"أتمنى أن تتابعنا صاحبة مشكلة مفاهيم خاطئة عن الأكل والجسد! التي ما زلنا لا نعرف لا وزنها ولا طولها، كل ما نعرفه عنها هو أنها كانت تخاف من أكل التفاحة، وترى من رعب السمنة أشباحًا، ولا ندري السر في أنها لم تفتح بريدها الإلكتروني حتى الآن، أو لعلنا نكون قد وفقنا بفضل الله في تعديل بعض المفاهيم لديها بالفعل من خلال ردنا عليها وما أحلناها إليه من ردود سابقة على الصفحة، فكان أن تخلصت من خوفها ونصرها الله عليه".
وأول ما يجب أن أحييك عليه الآن هو ذلك الإنجاز الذي حققته بالفعل بفضل الله وحده، فقد أصبح منسب كتلة جسدك الآن = 20.8 كجم/المتر المربع، بعد أن كان 16.7 كجم/المتر المربع، أي أنك انتقلت من منسب كتلة جسد يقع في دائرة القهم العصبي Anorexia Nervosa، والتي تضم منسبات كتلة الجسد من 17.5 كجم/المتر المربع فأقل، إلى منسب كتلة جسد يقع في دائرة الأصحاء، وهذا إنجاز يعجزون عنه في الغرب في معظم الحالات، طبعا أنت لم تكملي معايير التشخيص اللازمة للقهم العصبي؛ لأنك لم تغب عنك الدورة الشهرية مثلا ثلاثة شهور متتالية أو على الأقل لم تذكري لنا ذلك، لكنك والحمد لله حققت إنجازا طيبا؛ فاشكري ربك.
أصل بعد ذلك إلى محاولة الإجابة عن تساؤلك كيف أحمي نفسي من هذه المشكلة؟ أو كيف أثق بجسمي دون النظر إلى الأخريات؟ وأصحح لك فقط تصحيحا لغويا بسيطا هنا وهو كيف أثق بجسدي؟ لأن كلمة الجسد تعني الجسم الحي فهي أدق إذن من كلمة الجسم التي تستخدم لوصف الكائن الحي والجماد على السواء.
وأما كيف تتحقق الثقة بالجسد دون التأثر بالأخريات، أو بمعنى أشمل دون التأثر بالصور التي تقصف وعيك ووعي الجميع ليل نهار، وبمعدلات غير مسبوقة في تاريخ البشرية، صور الأجساد النحيلة المروجة مع كل معاني التفوق والنجاح والتي تحتل أغلفة المجلات وشاشات التلفاز، والفيديو كليب والكومبيوترات... إلخ، فليست المشكلة يا ابنتي متعلقة فقط بأن تري بنتا أنحل منك في الجامعة، صحيح أن بناتنا يبدأن سباق الضمور والنحول منذ سنوات العمر الأولى في أغلب الأحيان، لكن تأثير الصور الإعلامية لا يمكن تجاهله ونحن نعيش ثقافة الصورة!
إن ما أحاول الإجابة عليه إذن هو كيف تخرج الفتاة المسلمة من فخ الصورة؟ أو كيف لا تقع فيه إن كان من الممكن لبشر يملك عينين ويعيش بيننا ألا يقع فيه، وجزء مهم من الكلام الذي يجب أن يقال في هذا الموضوع ستجدينه في الإجابات التالية:
ما الرجيم إلا أسطورة كبيرة حل بديل
الأصل وصورة المرآة.. وما أدراك ما المرآة!
من قال إنها إرادة؟.. إنه الجسد صنع الله
فتح حوار نفسي: مع ذات السؤالين!
فخ الصورة: أول الملف
والمهم يا ابنتي هو أن عليك مثلما غيرت موقفك من المأكول ونظرتك إليه أن تغيري موقفك من جسدك ونظرتك إليه كذلك، وأن تتأكدي تماما أن صورة جسدك تسير في اتجاه الجمال دائما أبدًا كلما سيرت ذلك الجسد في طريق أقرب ما يكون إلى الطبيعة التي خلقه الله سبحانه ليسير فيها، فبالضبط مثلما تعرفين أن المأكول كلما كان أقرب إلى صورته الطبيعية كان في أصلح صوره كي يفيد الجسد، وهذه هي الحقيقة التي يكتشفها العلماء وتخفيها شركات معالجة الأغذية، وسأضرب مثلا واحدًا هنا هو ثمرة البطاطس (أو البطاطا والتي تصنع منها شرائح الشيبس)، فمن المعروف علميا أن ثمرة البطاطس بقشرتها إذا سلقت وأكلت كاملة مع مرقها فإنها وجبة غذائية كاملة ومتوازنة؛ حتى أنه بإمكان الإنسان عمليا أن يعيش على البطاطس! ولا تظهر عليه أعراض نقص غذائي، واحبسي أنفاسك وأنت تعرفين أن من المعروف علميا أيضًا أن قيمة هذه البطاطس الغذائية تنحدر تدريجيا (بدءًا من نزع قشرتها) لتتناقص ونحن نقطعها حتى تساوي صفرا، كلما ازدادت الشريحة رقة، فما رأيك فيمن تشتري الشيبس المعد لأطفالها وتحرمهم من بطاطس البيت؟! وحتى لو أحب الأطفال الشيبس!
ما رأيك أن نفس هذا المثال ينطبق على الجسد البشري، ولكن بشكل يناسب الجسد طبعا، فنحن لا نسلقه ولا نقليه ولا نأكله بالتأكيد، لكننا نقشره أحيانا فقط، وهذا على سبيل الدعابة طبعا، وما أرمي إليه هنا هو معنى مختلف عن ذلك، وهو: أن الله خلق الجسد البشري مسخرًا للسعي في الأرض مطيعا لإرادة صاحبه وجعل التريض أفضل وسيلة لحفظه؛ لأنها وسيلة التعامل الطبيعية مع طبيعة الأرض التي خلق ليسعى بها ويعمرها، وبصورة مباشرة لم نخلق لنركب السيارة فقط وإنما لنمشي، ولم نخلق لنجلس أمام الشاشات فقط، وإنما لنتزاور ونتحاور وجها لوجه، وتذكري دائما أن التريض كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الثابت أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أصحابه بعد صلاة العصر (وهم صائمون)، وكان يمشي معهم مقدار الظهراوين (أي سورتي البقرة وآل عمران فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اقرؤوا الظهراوين من القرآن البقرة وسورة آل عمران")، ويحتاج المشي في هذه الحالة إلى ما يزيد عن الساعة يوميا، إذن فالتريض هو من صميم ما حثتنا عليه السنة النبوية المطهرة.
فهل ترين معي أنه قد آن الأوان لكي نقلل من تكورنا أمام الشاشات وعلى المقاعد الوثيرة، لكي نسير بالجسد بنفس الشكل الذي خلق ليسير فيه، هل تنوين إذن تغيير ثلاثة أرباع طريقتك في فعل الأشياء على الأقل؟ فتزيدين من رعايتك لجسدك؟ ولا تنسي أثناء ذلك أن تأكلي مرتين أو ثلاث مرات على الأقل كل يوم، وأبشري إن كنت ستأكلين بأقرب شكل إلى السنة النبوية المطهرة، كما عرفت من المرحلة الأولى من برنامجنا العلاجي المقترح: جدد علاقتك بأكلك وجسدك
وأيضًا أنصحك لكي تعرفي وتطمئني إلى أننا لم ننس جسدك وهو إن شاء الله يكمل أدواره الأنثوية في حياتك الطيبة في طاعة الله زوجة فحاملا فمرضعَةً ودودا ولودا إن شاء الله، لا تنسي قراءة:
لا الزواج ولا الحمل: بل الريجيم المتكرر!
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.