المشاركة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
الإخوة الكرام أبناء وطني الحبيب، فلسطين.. يا من ضحيتم بكل ما تملكون لتعيشوا في كرامة وعزة نفس.. أحييكم على هذه الكلمات التي خرجت من أعماقكم لتعبر عن الهم الذي يعيشه كل فلسطيني.. لكن إخوتي اسمحوا لي بهذه المشاركة البسيطة، وليسمح لي الإخوة بموقع مجانين بأن أتقدم بهذه المشاركة مشكورين.. أنا لن أقول لكم شعارات وأنادي بأمور مثالية.. لكنه الواقع الذي ولدنا من أجله.. وعاشه أهلنا وأجدادنا وسيعيشه أبناؤنا إلى أن يشاء الله تعالى، الواقع الذي قد تعب منه البعض والبعض الآخر يحاول الهروب منه، مع تقديري لكل ظرف يعيشه وعاشه.
أنا فلسطيني وأعيش في فلسطين، والآن أكمل دراستي ببلد عربي آخر، لم أترك فلسطين ولم أخرج منها رغبة في الهروب منها كما يظن البعض، لا وألف لا للخروج من فلسطين حتى أبحث عن مكان آخر أجد فيه راحة النفس، عشت بفلسطين ومررت بظروف لا يعلمها إلا الله، وعملت في سن مبكرة، وبالرغم من ذلك والحمد لله كنت متفوقا دائما وحصلت على الثانوية العامة، ومن ثم دخلت الجامعة، وكنت ولله الحمد أعيش بحياة أفضل من تلك التي يعيشها أصحاب المال والغنى فالغنى يا إخوتي غنى النفس، والإنسان هو إنسان بقناعته بحياته وبما قسم الله له به، عانيت الأمرين في الدراسة وتجميع أقساط الجامعة.. والحمد لله أنهيت الدراسة.. وهذا بفضل الله، ومن ثم بإرادتي القوية بالوجود عملت بأقل أجر طرح علي إلا أنني يا إخوتي -واسمحوا لي بهذا السرد الخاص بحياتي وتجربتي- تمكنت بأقل وقت من التفوق بالعمل وأصبحت أكثر واحد يُعتمد علي بالفعل، لأنني صممت على الإرادة القوية.
إخوتي..
لو كتبت لكم قصة حياتي لرأيتم أنني عانيت الكثير، لم يبقَ أحدٌ من أصحابي الذين عرفتهم موجودا، الغالبية استُشهدوا والغالبية الأخرى اعتقلوا، حتى أنا تعرضت للاعتقال أيضا، ولكن الحمد لله لم تطل فترة اعتقالي وخرجت أقوى وبعزيمة أكبر، هذه التجربة التي عشتها لم أترك لها مكانا حتى تؤثر في حياتي وفي عزيمتي، على العكس كنت أزداد قوة وتماسكا.. أتعلمون لماذا؟! لأنني أردت أن أقول: لا للاستسلام.
إخوتي..
هذا ما يريده الاحتلال أصلا: النيل من عزيمتنا، والنيل من نفوسنا لماذا نتركه يفعل بنا ذلك؟! لماذا نتركه يؤثر في نفوسنا.؟!! نحن نصنع، نحن نختار الطريق، ولا نستسلم للواقع بل نبحث بكل سبيل علنا نصل إلى النور الذي نبحث عنه منذ زمن. ولا أريد أن أطيل عليكم، لو بقيت أكتب لما انتهيت.
أريد أن أقول لكم حتى يكون واضحا لكم إنني كنت أعيش في حياة لا يعلمها إلا الله، أربع سنوات عشت فيها بعيدا عن أهلي وعائلتي، في الثكنات يعلم طبيعة الإغلاق والحصار، والطرق الترابية والصعبة التي كنا نعاني منها في سفرنا، وتنقلنا من مدينة لأخرى، كل هذا كان يزيدنا قوة وأنا الآن أضرب المثل لكل عربي بذلك الفلسطيني، الذي عاش ويعيش سيبقى موجودا رغم كل ما يعانيه.
أريد أن أذكر لكم حادثة صغيرة، وأنتم احكموا عليها، سئلت في ذات يوم عما هو الفرق بين شاب فلسطيني وبين شاب من بلد عربي ؟ وسئلت أيضا ما الذي يجعل شباب فلسطين ينضجون ويصبحون أبطالا رغم صغر سنهم؟! أتوقع أن هذه الأسئلة قد تكون وجهت لأكثر من واحد في فلسطين، وربما أنتم يا إخوتي واجهتم هذه الأسئلة. فما هو الجواب باعتقادكم؟!
هل أقول لهم إن الشاب الفلسطيني هو من يرغب بعلو المنصب والمكانة، أم أقول لهم نحن خلقنا هكذا!! أم ماذا أقول لهم؟ أقول لكم بصراحة أجبت على السؤال بإجابة منقوصة قلت لهم فيها: نحن وجدنا لنكون ولا مكان لليأس عندنا. فلسطين أنجبتنا، ونحن سنبقى الأبناء لها ولم أنه الإجابة، ولكن أردت أن تعرفوا كيف يكون الشباب الفلسطيني، ومن يرد فليذهب إلى فلسطين ويعيش هناك ليعرف كيف يعيش وكيف يفكر هذا الشاب، اعذروني يا إخوتي على هذه الإطالة إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3/2/2024
المشاركة الثانية: بسم الله الرحمن الرحيم
أنا صاحب مشكلة "من ضحايا الانتفاضة : فلسطينى فى الشتات".
يبدو أن هذه المشكلة لا تحدث فقط لمن هم في الشتات، إنما يصاب بها أهلنا في الداخل، وقد كنت أعتقد أن ذلك لن يحدث حيث إنهم في المكان الذي يسمح لهم بعمل شيء يمكن أن يفجروا به طاقاتهم الداخلية ويفرغوها في العدو، وقد أصبح عندهم مناعة من هذه الأشياء، ولكن يبدو أن الأمر مختلف.
لكن لي تعليقان:
الأول: لأخينا صاحب المشكلة وهو أن الإنسان إذا حاول أن يعيش الحياة بمفرده وتخيل أنه يستطيع مقاومة مشاكل هذه الحياة من غير زاد من إخوان يعينونه ويثبتونه ويرشدونه إلى الطريق الصحيح فسوف يقع في مطبات الكآبة والقلق المرضي، خصوصا إذا كان الإنسان يعيش من غير هدف واضح ومحدد في نقاط يسعى لتنفيذها على مراحل، وأنا لا أدري أين تعيش بالتحديد هل في الضفة؟ أم في غزة؟ ولكن في الاثنتين هناك الكثير ممن يشاركونك نفس الشعور ونفس الآمال والآلام، وبالذات من أصحاب المشروع الإسلامي (كحماس)، وأعتقد أن هؤلاء الناس قد استطاعوا أن يتخطوا مرحلة الإحباط واليأس والقلق والاكتئاب إلى مرحلة جديدة استطاعوا فيها تحديد هدف ووضع برنامج عمل وبدءوا تنفيذه ولم يلتفتوا للمحبطات والمثبطات التي تلفهم من كل ناحية، ولو استسلموا لليأس والقلق والاكتئاب لما قدموا شيئا، ولما خرج منهم استشهادي واحد، وما انقلبت بعض موازين الصراع، وأصبح يحسب لهم ألف حساب، فلذلك أخي الكريم أنصحك أن تبحث عن هؤلاء الناس وتنضم إليهم وتعرف كيف يعيشون وكيف يحلون مشاكلهم وكيف يفعل الأمل والإيمان بالله، وبإذن الله سوف تتحسن نفسيتك وتعود إلى سابق عهدك مسلما تمضي إلى طريقك رافعا رأسك بين العالمين بأنك عبد لله عرف طريقه، ولا يوجد أحد على وجه الأرض يستطيع أن يجعلك تحيد عن المضي في طريقك.
أما بالنسبة لأستاذنا الدكتور أحمد عبد الله فجزاك الله خيرا على نصائحك، ولكنك قد نصحتنا بالذهاب إلى طبيب نفساني لنعرض عليه أنفسنا ونستشيره طلبا للعلاج، ولكن من هو هذا الطبيب النفساني الذي يمكن الوثوق به؟ فمثلا وأنا الآن أتكلم عن نفسي، قريبي هو أحد أكبر وأشهر الأطباء النفسيين في البلد الذي أعيش فيه ولا أضمن ألا يقوم هذا الطبيب القريب بإفشاء سري إن قمت باستشارته نظرا لما أعرفه عنه، وبالتالي هناك أزمة ثقة يصعب حلها الكل يخاف فيها من خياله، والهاجس الأمني لدى أجهزة الأمن كبير، فما هو الحل أو البديل المناسب؟!
في الحقيقة أن حالتي لم يطرأ عليها تغير كبير، ولكني كنت وما زلت أجاهد نفسي وأقوم بعمل ذاتي لأحاول إصلاحها، والحمد لله حصل بعض التقدم، ولكن ليس كما أريد وأسعى إليه، والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.
3/2/2024
رد المستشار
ما نزال نرى نزيف الدم الفلسطيني، ونرى المجزرة المنصوبة لأحباب القلب هناك بحيث تجري على أرضنا في غزة والقطاع ورام الله وكل فلسطين.. أبشع عملية استئصال لحاضر شعب ومستقبله، والعالم "الحر" يرسل الوفود أو يصدر التصريحات المتحفظة، ويناشد "الطرفين" "وقف العنف"، وإخواننا العرب والمسلمون تائهون حيارى تحت ضربات الأمريكان في العراق، وآلة الدمار الشاروني الخسيسة، ولكننا على الرغم من هذا وذاك ما زلنا نعيش.. ونقاوم، وسنظل هكذا بعون الله وتأييده، فينا طائفة قائمة على الحق لا يضرهم أن بعضنا غافل أو متغافل، كسول أو متكاسل، أو مخنوق بحشود الفرق الأمنية المحلية وهراواتها الجاهزة لتأديب من تسول له نفسه التعبير عن "الغضب"، مجرد الغضب، والتعبير عنه صار مرفوضا في بلادي العربية من المحيط "الهادر" إلى الخليج "الثائر" كما كانوا يقولون في ستينيات القرن العشرين!
شهدنا منذ سنوات دخول عشرة دول إلى الاتحاد الأوربي، وأذكر أنني فكرت في لحظة تجلٍّ وخيال أننا يمكن أن نسعى ونطالب بانضمام فلسطين هي الأخرى إلى الاتحاد الأوربي فيكون لأهلنا هناك مثل ما للأوربيين، وعليهم ما على مواطني الخمس والعشرين دولة، التي يضمها الاتحاد بعد التوسع الأخير!! بمعيار المصلحة والنفع أليس هذا أجدر من بقائها ضمن ما يسمى بالجامعة العربية؟!
وربما إذا انضمت للاتحاد الأوربي يقتنع الناس في العالم "الحر" أن إخواننا وأحباب قلوبنا هناك هم من "البشر" الآدميين فيتحركون لنصرتهم، ويخفون لنجدتهم دون خوف من قوات القمع الوطني، أو التعذيب في المخافر، أو المحاكمات العسكرية وغيرها من مكونات حزمة "الأمن القومي" المقدس عندنا!!
هذه مجرد خواطر أعود بعدها لأقول إنني لن أمل من التكرار، إن جهاد الصهاينة ونصرة إخواننا في فلسطين هو فرض عين على كل مسلم بل هو شرف لكل إنسان مهما كان لونه أو جنسه أو انتماؤه؛ لأن إسرائيل هي الظلم والعدوان والباطل متجسدا في دولة لمن أراد نصرة العدل والحق والإنسانية، وهي معانٍ مشتركة بين أهل الملل والنحل جميعا.
وجهاد الصهاينة في متناول الجميع:
البعض يستطيعه بالسلاح والالتحام المباشر، لكن الأغلبية أيضا يمكنهم تحويله إلى برنامج يومي عبر أفكار وممارسات "الجهاد المدني" الذي لا يتضمن بالمناسبة الاكتفاء بالفرجة أو التنقل بين القنوات المتاحة عبر الأطباق اللاقطة للبث الفضائي، ولكن أشكال "الجهاد المدني" متعددة، ولا نهائية.
وأعود إلى رسائل الأصدقاء:
أشكر أخي "ابن فلسطين"، وقصة كفاحه ونجاحه يمكن أن تكون نموذجا لكل شاب فلسطيني أو عربي، أو أي شاب جاد يعرف أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس كما قال الزعيم مصطفى كامل -رحمه الله- وهو الذي ملأ الدنيا بفضح الاستعمار البريطاني لمصر، وجاهد بقلمه ولسانه وقلبه وخطَبَ وحاضَر، وجاب القطر المصري كله محرضا على الثورة، وسافر إلى فرنسا مستفيدا من التناقضات الداخلية بين الإنجليز والفرنسيين آنذاك لصالح القضية الوطنية، واستمر في نضاله المجيد ومات في بداية الثلاثينيات راهبا في حب الوطن والدين لينضم إلى طابور العشاق الذين قال فيهم الشاعر:
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي *** في حب مصرَ كثيرة العشاق
وفي تاريخنا القديم والحديث أمثلة رائعة للبذل والتفاني والتضحية والوفاء مما تفخر به أي أمة لها ذاكرة وتاريخ، ولكن محو الذاكرة ونسيان التاريخ هو من أبرز خطايا عصر "المعلومات" حين يعرف الشاب عندنا عن صور الممارسة الجنسية مثلا أكثر مما يعرف عن وطنه وتاريخه وأجداده، فأي مستقبل ينتظر جيلا مشتعل الشهوة.. فاقد الذاكرة؟!
ثم أنتم هؤلاء تنشرون باللحم الحي والدم الذكي الطاهر، وبالأعمال قبل الأقوال صفحات عز، وتعيدون للتاريخ والدين والإنسانية المجد والكرامة حين تسطرون يوما بعد يوم، وتثبتون بالشهادة الحية أن البشر مخلوقات عجيبة لا نهاية ولا أفق ولا حدود لإبداعها ومقاومتها للعدوان والباطل والشر والشيطان بالمعاني الواسعة العميقة لهذه الكلمات، فهنيئا لكم، وهنيئا لنا بكم، وكم أتذكر قصيدة "أحمد مطر" التي كتبها في الانتفاضة الأولى عام 1987 بعنوان:
طلب انتماء للعصر الحجري، ومطلعها:
أهل الضفة أنتم حق... وجميع الناس أباطيل
ولو أن في هذه الأمة عقولا تعي، وعزائم تريد فتنفذ، وطاقات ذهنية وإدارية وإعلامية تستحق الاعتبار لكان جهادكم حديث البشر جميعا حول العالم؛ لأن انتصار الإنسان على الشر، ومعركة الحق والكرامة في وجه الظلم والخسة هي اهتمام فطري لدى كل بني آدم، ولكن من يضعها كذلك ومن يكتب عنها هكذا؟!، ومن يصنع أفلاما، أو يكتب روايات، أو يبدع شعرا وموسيقى، وكل أشكال التوثيق والتمجيد التي نهدرها نحن في أوجه السفه، ويستخدمها غيرنا في الدفاع عن أساطيرهم، ونغفل نحن ونتقاعس ونتعثر في خيبات تلو خيبات، ونتخبط في ظلمات فوق ظلمات بينما نوركم ساطع، وصوتكم صادق واضح "لمن كان له قلب أو ألقى السمع"، ويأكل كبدي أن أرى أهل أمتي في التيه الملتبس، ومفاتيح النصر والعزة والتقدم والظهور في الأرض وعمارتها بالحق، هذه المفاتيح في جيوبهم، ولكنهم تائهون مذهولون:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورها محمول
إلى مصطفى كامل، ونيلسون مانديلا، وعمر المختار، وتشي جيفارا، ومن قبلهم كل الذين جاهدوا في سبيل الحق ونصرته عبر الزمان والمكان، إلى هؤلاء جميعا تنتمون، ولذلك فليس افتعالا أن تنتشر في أروقة المنتدى الاجتماعي عاما بعد عام الصور الشهيرة، صورة جيفارا المجاهد البوليفي الراحل مرتديا الكوفية الفلسطينية؛ لأن النضال واحد في جوهره -مع اختلاف في صورته وموقعه- والعدو واحد، والحق والخير والجمال هي القيم التي ندافع عنها في فلسطين، ولنا الفخر أن نخوض معركة الإنسانية بصدورنا العارية، بأهلنا ونسائنا وبيوتنا وأطفالنا ضد الكذب والشر وأحط أنواع السياسات والأنظمة والاستعمار والتمييز ضد البشر، وضد سحق الإنسانية بكل قيمها ومعانيها التي جاهدت من أجلها عبر العصور.
ما أجملك وأنت تقول -واقبلوني معكم، فإليكم أحب أن أنسب وأنتسب- تقول أنت: "نحن نصنع الحياة، ونحن نختار الطريق، لا نستسلم ولا نرضخ بل نبحث بكل سبيل".
اقبلوني معكم، و"خذوا روحي تظللكم جميعا، فما عاشت ترفرف من بعيد" شوقا إليكم في محنتكم.
علمونا وعلموا الدنيا كلها كيف يكون الإنسان والإنسانية، وكيف يكون الجهاد في سبيل القيم العليا والكرامة؟!
قل لمن يسألك إن المحن ونارها هي تنقية للذهب من الشوائب، وهي شحذ الهمم في أتون التحدي. قل لمن يسألك إن الجهاد هو سبيل العزة لا سبيل سواه، ولا عزاء للقاعدين، ولا عذر للمتفرجين فمجالات الجهاد كثيرة، ونحن نحتاج إليه بأكثر مما يحتاجنا هو.
ومن أجل نصرتكم إنسانيا ونفسيا أرجو أن تتقبلوا جهدنا المتواضع "رفح ونصرتها" على موقع إسلام أون لاين، وفلسطين يدا بيدعلي موقع مجانين .
ونحن في شوق للمزيد من المقترحات العملية والأفكار الإبداعية ببرامج للنصرة والدعم ومواصلة الجهاد والإبداع.
واقرأ أيضًا:
دماغي محتاجة تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني!