جزاكم الله خيرا على جهدكم، ونفع بكم كل مسلم ومسلمة.. الغالية الحبيبة: أستاذتي د. حنان طقش يشهد الله كم أتأثر بكلماتك، وأتابع لك دوما في مجانين، يعجبني فكرك وحبك الخير للمسلمين.
اسمحي لي أمي أن أبثك ما تحمله نفسي، كنت أظن أن الحياة سهلة، مجرد أن يلتزم الإنسان ويعود إلى ربه سيفرش له طريقه بالورود.
ولكن خاب ظني، قد أذكر لك ما أذكر وستقولين كأي إنسان على وجه البسيطة لابد أن يُبتلى المسلم ويُمحص، لكني أردت منك أن تعلميني فقه البلاء، لا أزعم أني أكثر الناس بلاء، ولكني في هذه الفترة من حياتي كل ما وضعت في امتحان جديد لا يكفيني مواجهته، بل أجتر القديم وأنسج واقعا جديدا يؤلمني يبكيني ويحيرني، هل الله يحبني؟؟
اعذريني أمي كطفل صغير يسأل أمه عن أشياء لم يفهمها، تخرجت في الجامعة بتفوق ولربي الحمد والمنة، حاولت أن أعمل لأنمي ذاتي وشخصيتي فلم أجد عملا، هكذا أغلقت الأبواب في وجهي، سعيت لأن أضع لي أهدافا شتى، منها إكمال دراستي، وبعد سنوات تحقق لي الحلم كما أحب واستطعت أن ألتحق بإحدى الجامعات.
ولكن ليس التخصص الذي أحبه، ولكنه يفيدني في تخصصي الأساسي من جهة، ويحقق لي هدفا آخر أن أراجع حفظي من القرآن، وأحصل على السند في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ما يؤلمني أني بعيدة عن أهلي، تغربت لأجل تحقيق أهدافي، لكنهم لا يؤلمهم بعدي في عائلتنا تسير الحياة عادية لا للمشاعر، أعذرهم لأن عددنا كبير، واهتماماتهم متعددة، وأتهم نفسي بالأنانية حينا آخر، فأمي أجهدها المرض، كم هي الليالي التي أبكي فيها إلى حد النشيج، أجهدني التفكير كيف سيكون مستقبلي؟؟
في بيئتي ينظر لي إخوتي، حتى أمي وأبي، على أنني فاتني العمر لأتزوج، وكثيرا ما يصرحون لي بذلك أن اقبلي أي أحد "فظل راجل ولا ظل حيطة" في نظري أنهم يضيقون واسعا لا تحسبي أني أضع شروطا خيالية لمن أود أن أرتبط به، لا والله، يكفيني أن يصلي وقدرا من الخلق لأعيش معه.
نظراتهم واستفهاماتهم أرهقتني وجعلتني أمشي الهوينى في تحقيق أهدافي، كم كنت أعد نفسي للاستخلاف في الأرض، وأحاول جاهدة أن يكون لي نصيب من العلم ومن الدعوة مع الخلق، لكني في هذه الفترة من حياتي أصبت بفترة لا أعلم هل واقعي هو السبب أم استسلامي له؟
أمي حبيبتي أنتظر كلماتك..
همساتك ليطمئن قلبي طمأن الله قلبك بحبه ورضاه.
12/06/2024
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا بك وسامحيني على تأخري الشنيع في الرد عليك، فمثلك تشغلني حوادث الحياة.
مبدئيا يبدو من سطورك حساسيتك الزائدة والتي تكون سببا في عسر المزاج أو الاكتئاب الذي يسبب لك نوبات البكاء والنشيج، وتشوش التفكير ما بين رغبتك في تحقيق أهدافك وبين غضبك لعدم تأثر أهلك بغيابك، يمكنك التفكير بالاستعانة بخدمة نفسية إن عجزت عن السيطرة على ما تعانين، عفاك الله وأعانك.
تخطئين حين تظنين أن التدين يعفيك من الابتلاءات، وكما يقال يبتلى المرء فيما يحب، التدين بحد ذاته نعمة من الله علينا تستحق الشكر أكثر من باقي النعم. التدين نعمة دائمة ليس كباقي النعم الدنيوية الزائلة، أرجو ألا يجعلنا الله ممن يمنون على الله أن آمنوا بل الله يمن علينا أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. هل أذكرك بقول الله تعالى في سورة آل عمران "وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (141) أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ (142)"
نجاهد في الالتزام بالدين ونصبر على ما نجده في حياتنا. هل أذكرك بتنبيه الله لنا في سورة البقرة "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)" لم يكتف الكريم بتنبيهنا لما قد نلاقيه في حياتنا بل أكرمنا بإضافة العلاج وهو تذكر وليس مجرد قول إنا لله وإنا إليه راجعون، أي ما نعانيه الآن مهما كان فهو زائل لأنا إلى ربنا راجعون، سنترك النعم والمعاناة ونعود لمالكنا. عيشي معاني الآيات تهون عليك الدنيا بما فيها.
تشكين قلة العمل وتأخر الزواج عسى الله أن يكون قد عجل رزقك من واسع فضله قبل أن تقرئي ردي عليك فهو الكريم. أعلم أن إيماننا يزيد وينقص ولهذا يجب أن نستعين بالعقل عندما يبهت الإيمان في مواجهة ما نجد من أمور الحياة. إن لم تجدي عملا حسب تخصصك الدراسي ابحثي عن أي عمل في مجال قريب منه، إن لم تجدي عليك بالتطوع في مجالك أوغيره المهم ألا تتركي نفسك للفراغ، ولا تيأسي من طلب العمل، وشكرا مني لاعتباري أمك سأخبرك إني بحثت عن عمل طوال عشرين عاما، ثابري ورابطي كما أوصانا رب العالمين.
يجب عليك أن تقرري ما يمثله أو يقدمه الزواج لك وتتعاملي مع الأمر بناء على ذلك. الزواج سنة من سنن الله في خلقه ولكنه ليس حاجة أساسية كالهواء مثلا تعتمد عليه حياتنا، لو كان الزواج حاجة كالحاجة للهواء لكفله الله كما سخر لنا الهواء وجبلنا على التنفس. كما أن لا موعد له بغض النظر عما يقول من حولنا فالمهم هو ما نعتقده نحن.
يقدم الزواج إشباع لحاجات جسدية قوية ولكن يمكن ضبطها، ولنا في سير بعض العلامات الفارقة في تاريخنا الإسلامي أمثلة فابن تيمية والإمام الطبري والإمام النووي – عليهم جميعًا رحمة الله – هم نموذج من نماذج العلماء العزاب الذين لم يتزوجوا. فدعي عنك مزاعم هرم الحاجات الأساسية، لا ننكرها ولكن لا نستسلم لها... يقدم الزواج لنا على سبيل المثال لا الحصر مكانة اجتماعية، واستقرار نفسي، وإشباع الأمومة، ودور في المجتمع ولكن جميع ما سبق وغيره مما نحتاج له توجد طرق عدة لإشباعه. بعد تحديدك للهدف الذي تريدينه من الزواج يمكنك البحث عن سبل أخرى لتحقيقه كي لا تتوقف حياتك فقط لتأخر زواجك.
تعلمي أن تسعدي بما لديك مهما كان ولا تظني أبدا إلا أن الخير فيما اختاره الله لنا. لا يعني هذا أن زواجك أمر صعب أو لن يتحقق فقط لا توقفي حياتك على أمر مهما كان. قد أستمر في التفكير معك إلى عشرات الصفحات ولكن اللبيب تكفيه الإشارة.