الأستاذة الفاضلة المربية د. سحر طلعت..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اسمحي لي أن أقدم نفسي.
أنا شاب مصر في كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم بترول وتعدين.
في الحقيقة أنا حديث العهد بالتعرف على موقع مجانين! ورغم ذلك أعجبت به جدا لما يناقشه من موضوعات الشباب التي لا يناقشها الآباء أنفسهم مع أبنائهم، ولا أدري لماذا.
وسؤالي هو:
أريد معرفة رأي الموقع في الزواج المبكر للشباب وليس للأطفال كما في الأرياف.. فبالرغم من فائدة الزواج من حصانة للفرج وغض للبصر فإن معظم الآباء لا يقتنعون به إما لأنهم لا يريدون أن يشغلوا ابنهم عن الدراسة.. أو لأنهم لا يريدون أن يتحملوا نفقات هذا الوافد الجديد؟؟ وإذا وافقت أسرة الشاب فإن أسرة الفتاة ترفض للسبب المذكور سلفا، وهو أنهم لا يريدون أن يشغلوا ابنتهم بشيء عن المذاكرة خصوصا إن كانت ابنتهم في كلية عملية كالهندسة أو الطب مثلا!
شيء عجيب وكأن الدراسة هذه الأيام هي المشكلة الرئيسية، ولا ينظر الآباء إلى ما الذي يدفع ابنهم للإقدام على هذه الخطوة في هذه السن، فقد يكون الشاب محتاجا لزوجة تشاركه حياته وتفهمه؟ أو يكون يريد تحصنا خاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن!! والآن بعد أن طرحت المشكلة (وهي شباب الجامعة والزواج المبكر ودور الأسرة) أترك لكم زمام الأمور لكي تعرضوها بطريقتكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
19/2/2024
رد المستشار
ابني الكريم، أهلا وسهلا بك فلا تدري كم أسعدتني رسالتك وما تثيره من قضية شديدة الأهمية،
كما أشكرك على حسن ثقتك بنا وأدعو الله سبحانه أن نكون عند حسن ظنك، وأدعوك لأن تغفر لي تأخري في الرد عليك فرسائلكم كثرت علينا، ونحن في الأغلب نعطي الأولوية لمن يعاني مشكلة بعينها ويريد منا ردا عليها، وقد نؤخر بسبب هذا رسالة تحمل وتناقش قضية هامة، ولكننا لا نهملها.
والحقيقة أن القضية التي تثيرها قد تناولناها في ملفات سابقة وبصور متعددة، ومن هذه الملفات ملف الزواج للجميع والذي بدأناه بـ " الجنس للبعض أم الزواج للجميع؟..خبرة ملتزم"، و"الزواج للجميع.. انتفاضة اجتماعية: الجمهور مبدعًا"، و"الجنس للبعض والزواج للجميع..الاتصراف وهم على وهم مشاركة"، ويمكنك بالطبع الاطلاع على كل هذه المساهمات لتتعرف على وجهة نظرنا في القضية التي تطرحها.
وعموما سأحاول في السطور التالية أن ألخص لك المحاور الأساسية للقضية التي تثيرها:
أولا: نحن في الحقيقة ندعم ونؤيد الزواج المبكر للشباب تحقيقا لمعنى الإحصان ودعما لقيمة العفة في مجتمعاتنا، وكعلاج لمشكلات العلاقات والتجاوزات بين الجنسين والزواج العرفي، ولكن المشكلة لا تكمن في موافقتنا أو رفضنا للزواج المبكر، المشكلة تكمن في كيفية تحقيق ودعم هذا الزواج المبكر في أفضل صورة، بحيث لا يكون وبالا عليكم وعلى الأجيال التي تأتي بعدكم وعلى مجتمعاتنا بأكملها.
ثانيا: الهاجس الأوحد للشباب منكم عندما يطلب الزواج هو الرغبة في الإحصان وإيجاد مصرف حلال للشهوة الجنسية، وهذه غاية عظمى ولكنها لا تفي وحدها باحتياجات ومتطلبات بناء أسرة، وبالطبع لا أعني فقط الاحتياجات المادية، ولكنني أعني أيضا النضج العقلي والنفسي والعاطفي الذي يسمح ويوفر لهذه الأسرة الناشئة دعائم الاستقرار والرسوخ، والمهم أن حال البعض منكم يشبه حال ابني البالغ من العمر أربعة عشر عاما والذي طلب مني فور حضورنا لأحد الأفراح منذ عدة أيام أن يتزوج في الحال، عندها جلست معه لنتفاهم حول ما يعني الزواج بالنسبة له، قلت له: أين ستقيم مع عروسك؟... قال في غرفتي وعلى سريري، ومن سينفق عليكم؟.. قال: أنتم، ومن سيربي لكم أولادكم؟.. قال: أنتم، فهل تريدون من جيل الآباء أن يتحمل عنكم كل العبء؟!
أعلم أن ابني صغير ولن يتزوج الآن، والزواج بالنسبة له فرح وأغان وبدلة، ولكنني كنت سأرفض زواجه أيضا لو رد عليّ هذه الردود وهو في العشرينيات من عمره، ولكننا على استعداد لأن نساعده بما نقدر وبما نملك -ومثلنا كل أب وأم- لو وجدنا منه رغبة حقيقية وخطة واقعية لإدارة شئون حياته الزوجية ومعها شئون حياته الدراسية، يشارك هو وزوجته بالجزء الأكبر في تحمل المسؤولية ونساعده نحن كآباء وأمهات بما يمكننا أن نقدمه.
وسأضرب لك مثالا للنموذج الذي نقبله ومثالا للنموذج الذي نرفضه، وكلاهما نماذج واقعية تتكرر في حياتنا بصور مختلفة:
النموذج الأول لشاب وفتاة قررا أن يكملا سويا مشوار حياتهما، وضعا كل ما يملكانه وتنازلا عن الكثير من طموحاتهما المادية، والكثير من كماليات الحياة، وعاونهما الأهل من الطرفين -كل بما يقدر عليه-، وكانت البداية بدخلهما المحدود الذي لن يوفر لهما بعد تدبيرٍ إلا مستوى أقل بكثير جدا مما تعودا عليه سابقا، ولكنهما اعتبرا السعادة في رضاهما عن حياتهما وفي اجتماعهما سويا في الحلال، وتأتي كل مساعدة من الأهل -سواء مادية أو معنوية- لهما لتخفف بعضا من شظف العيش الذي يعيشان فيه، هذان الزوجان اشتركا سويا في مسؤولية تكوين عش الزوجية وإدارته وكذلك إدارة شئون أطفالهما، وشتان بين هذا النموذج ونموذج آخر لزوج شاب يطلب من والديه أن يقدما له كل شيء، حتى إنه يأخذ من بيت والديه تموين الشهر من المواد الغذائية الذي اشترته الوالدة لبيتها، وهذا طبعا بالإضافة للمصروفات الشهرية ورعاية الأبناء، فأي النموذجين يروق لشبابنا؟!
مشكلة الزواج المبكر -مع غياب النضج الكافي- أنه يحدث غالبا تحت ضغط الاحتياجات الجسدية أو تحت ضغط الرغبات القلبية، وبالتالي لا يتيح فرصة كافية لاختيار الأنسب والأكثر ملاءمة، ويفيق الزوجان بعد انتهاء هذه الضغوط ليكتشفا أنه كان من الأفضل لهما أن ينتظرا قليلا وأن يتمهلا في الاختيار لبعض الوقت.
نشر ثقافة الزواج المبكر تحتاج لأكثر من مجرد كلمات على الورق، تحتاج لمن يتبنى هذه القضية ويجعلها قضية حياته، حلمي أن نتمكن من إنشاء جمعية هدفها دعم مبادرات الزواج من أجل العفة، وتصوري أن تعمل في المحاور التالية:
1.محور التوعية والإعلام:
للحث على الحد من مصروفات وتكاليف الزواج والتوقف عن التفاخر والتباهي بالمظاهر والكماليات، وخصوصا في الأفراح الأسطورية، وذلك من خلال برامج تليفزيونية وشرائط كاسيت وندوات في النوادي والجامعات والمدارس، ومن خلال خطب ودروس المساجد وكذلك الكنائس.
2.محور الدعم المادي:
وذلك بتوفير بعض احتياجات الشباب الضرورية بمبالغ رمزية أو كتبرعات أو كقروض (كل حسب قدراته وإمكانياته)، ويمكن أن يساهم رجال الأعمال وأصحاب معارض الأثاث والملابس بتقديم زكاة أموالهم في صورة عينية لتعين شابا على الزواج، كما يمكن جمع الأثاث والأجهزة الكهربائية المستعملة بحيث تجدد وتقدم لمن يحتاجها.
3.محور التدريب:
حيث يوفر المركز دورات تدريبية لإنضاج الشباب والفتيات؛ وذلك لإعدادهم للقيام بواجب الزوجية والوالدية.
وبدون هذه الجهود سنظل نتكلم وندعو وسيظل الشباب يشتكون وسيظل الآباء يعترضون، فهل من راغب في المساعدة؟! وهل من راغب في بذل الجهد؟!.. للمشاركة برأيك.