شتى أنواع الوسواس القهري
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته: أولا، أود شكركم على قراءتكم لرسالتي، لم أظن أنه سيصل بي الأمر إلى هذا، ولكن الحمد لله على كل حال.
عانيت من الوسواس القهري الفكري والسلوكي منذ صغري، لكنه لم يكن حادا جدا، فكانت الأفكار القهرية نادرا ما تأتي.
في نهاية عام 2019، أردت التقرب إلى الله عز وجل أكثر، فكنت أصلي رغم الكسل، إلى أن جاء يوم الوسوسة عن وجود الله سبحانه وتعالى... ضاق صدري ولم أكن أعلم أن بي مشكلة نفسية فحاربته بالأجوبة والأبحاث لمدة شهر أو أكثر، لأني لم أكن أعرف الكثير عن ديني، وكنت أبكي كل يوم دون إخبار أحد، وكنت أدعو الله وأصلي، إلى أن اطمأنت، وفرحت لبضعة أيام، ثم جاء بعده وسواس آخر، عن صحة الإسلام وأن المسيحية قد تكون دين الحق، وأمور سيئة عن الرسول صلى الله عليه وسلم... وقمت بنفس الشيء، أبحاث وردود وبكاء!! الى أن انتهى الأمر، وعشت بلا وسواس (القليل منه فقط لكنه لم أكن منشغلة به) لمدة عام ونصف.
فكنت سعيدة بديني وأصوم وأصلي و... و... و... بعد هذا كثرت المشاكل في البيت أكثر من قبل، وكنت (وحتى قبل ذلك) أتمنى لنفسي الموت ومغادرة هذه الدنيا. حينها جاءني وسواس جنسي متعلق بالمحارم، وفزعت منه كثيرا، خاصة بسبب ردود الفعل الجسدية اللاإرادية، لكنني نسيته بعد بضعة أسابيع بسبب الضغط والانشغال بالمشاكل، وبعد وقت صعب جدا جدا، تحررنا من ذلك الكابوس أنا ووالدتي وأختي.
حينها، كنت مليئة بالغضب، والحزن لكنني سرعان ما تأقلمت للحياة الطبيعية التي كنت أراها عبر شاشة فقط، لكنني كنت لازلت أتهرب من الحياة وأعيش في خيالي الجميل، وكنت أسأل الله أن يتوفاني قبل نهاية عام 2021، وكان عمري 17 سنة.
بعد شهرين وبسبب مشكلة غير متوقعة عشناها، انتابني القلق، وعادت الوسوسة الجنسية المتعلقة بالمحارم، عانيت في سكوت لمدة 3 أشهر أو أكثر، لم أحدث أحدا ولم أكن أعلم ما يحدث لي، أحسست أني مقززة ومقرفة، وأن تلك الفكرة الوسواسية قد تكون حقيقة.
وكان أحيانا يلاحق هذه الوسوسة التسلطية، سب وشتم متسارع تجاه الله جل جلاله، عندما تعبت من كل هذا، قررت ذات أمسية أن أوقف الأفكار كلها، فكلما أحسست بقدومها، أوقفتها، وعشت في هدوء لمدة عام كامل ونصف، ونسيتها تماما، لكنني في أعماق قلبي، كنت أخشى عودتها.
في منتصف عام 2023، جاءتني وسوسة جديدة، أجبتها قليلا ثم تجاهلتها، لكنها سرعان ما عادت وبدأت تسيطر عليّ لأني كنت أناقشها دائما، بعد شهرين من القلق والتعب، عادت الوسوسة القديمة الجنسية المتعلقة بالمحارم، وجلبت معها وساوس جنسية أخرى إلا أني كنت مهتمة بالوسوستين الرئيسيتين، وكان الأمر مصحوبا بسلوك قهري، وقلق وحزن.
ومرة أخرى، لم أخبر أحدا، إلى أن جاء اليوم الذي لم أستطع التحمل أكثر بعد أن قرأت ملخص قصة مقرفة مريعة (لم أكن مهتمة، كان الأمر فضولا) لكنني لم أتحمل كمية الكفر والعفن في تلك القصة المقرفة، وفي اليوم التالي، انفجرت بكاء وأخبرت أمي وأختي بكل شيء... كل الوساوس، بعد التحدث معهما، شعرت بالراحة والتعب، وفي اليوم التالي كنت سعيدة، ولكن في نفس الوقت قلقة جدا جدا، ولم آكل كثيرا، وقررت إخبار أمي بكل شيء، الوسواس وكذلك بعض الأمور... في أعماق قلبي، كنت خائفة من خروج وسوسة جديدة.
ولكن الأمر حدث بعد 3 أيام تقريبا، وجاءتني وسوسة وأنا أصلي العشاء، ماذا لو كان الله جل جلاله - والعياذ بالله - إنسان؟؟!! (وإنسان أكرهه كثيرا لكفره وشره) فاسترسلت معها وحاولت إثبات العكس لكنني فشلت وأحسست أن تلك الوسوسة الخبيثة كانت على حق!! كنت أبكي وتوقفت عن الأكل، إلى أن قررت عدم مناقشتها، فنجح الأمر، لكنها استبدلت بوسوسة أخرى، تخص أمي، ثم صحتي، أي الخوف من سماع أصوات موجودة ولكن بالتدقيق، وبعدها وساوس أخرى تخص الله عز وجل، وساوس تافهة لا معنى لها، كلما كنت أذكر الله، أرى شخصا آخر... وتجاهلت رغم القلق والحزن والأمر لم يتوقف... أصبحت أشك أني نرجسية، وثقتي بنفسي اختفت، وأني قذرة وكافرة، لأن احيانا، تأتيني جمل في شدة الاستهزاء والشر، فاستغفر، علما أني لا أريدها ولم أكن هكذا من قبل.
توصلت الوساوس إلى شتم الله عز وجل، وتخيل نفسي أمامي وأختي في أمور غير لائقة على الإطلاق... بل حتى وسواس إيذاء أمي مرة، ثم أصبح الأمر إلى تخيل الله عز وجل، والملائكة، والأنبياء، وحتى أمي وأختي فيما لا يليق، أمور... حقا حقا قذرة، أخبرت أمي عن الموضوع عامة دون التدقيق، وأحيانا كانت تأتيني هذه التخيلات وهذا الكلام عن الله عز وجل عندما أنظر لأي شيء، أو أسمع أو أفعل أو ألمس أي شيء... فأستغفر كثيرا وأبكي بشدة.
اكتأبت كثيرا وأصبحت أتمنى الموت وأنتظره بفارغ الصبر، تغيرت الأمور وأصبحت لدي جمل مسيئة لله، أو جمل تجعلني كأني كافرة، أو حتى أغنية مزعجة تتكرر في بالي كثيرا كثيرا، حتى إني أحسست أني جننت.. أردت اللقاء مع طبيبة نفسية مسلمة، لكنني بحثت وذهبت ولم أجد.
البارحة جاءني وسواس عن وجود الله، هنا تألمت كثيرا، لأني لم أحس بالذنب كالعادة، ولكن بالشك الحقيقي، أحسست أن الله عز وجل والعياذ بالله... غير موجود، رغم إني أعلم أن الأمر مستحيل، فبكيت كثيرا كثيرا واليوم أيضا ولم أتمكن من تجاهله.
أنا على هذه الحال منذ بداية العام هذا 2024، أعاني من شتى أنواع الوسواس فيما يخص الله تعالى والآخرة، وأمور أخرى... وصل بي الأمر إني أحس بالغيرة تجاه المسلمين العاديين، وكنت أتمنى لو كان مرضي عضويا ويبقى قلبي صافيا ومؤمنا... والله لو كان الانتحار حلالا، لقمت به، مع هذه الوسوسة خفت كثيرا، لأني أحسست بعدم وجود الله وأستغفر الله تعالى... أعلم أنها كلها وساوس عادية، وأن الصحابة أصيبوا بها، لكنني تعبت كثيرا، وأريد استرجاع إيماني... أصبحت أحس بالنفاق في كل ما أفعل وأقول، وأعلم أن التجاهل هو الحل.
لكنني أخاف أن أقع في الرضا بالوسواس وعدم الانزعاج منها أو محتواها، فأكرهه في البداية، ثم أرضى بالكفر والعياذ بالله، فتتحول أفكاري إلى أفعال، ولا أريد ذلك، وحتى أنه وصل بي الأمر إلى الشعور بأنني قد رضيت بالأمر ولا أبالي بالكفر رغم الإحساس بالفراغ والحزن؟؟!!
أحب الله عز وجل، وأعلم أن الدنيا لها خالق. وأنا مواظبة على الصلاة والأذكار والقرآن. لكنني تعبت، وأريد الراحة، والإيمان واليقين والسكينة، خاصة لأن رمضان قريب جدا... تمنيت الموت، ولكني لا زلت على قيد الحياة، ضربات قلبي سريعة جدا، لا آكل كثيرا معظم الأحيان وأحس بالقلق والخوف سرعان ما أستيقظ. ليس لدي نوبات هلع لكن قلقي شديد.
أحس بالحزن معظم الوقت وأبكي كثيرا، ولم أعد أستمتع بالأمور التي كنت أقوم بها من قبل. أخاف أن يتحول كل هذا إلى رضا بهذه الوساوس، فأصبح كالكفار وأرضى بحياة ضنكا.
شكرا لقراءتكم لمشكلتي.
16/2/2024
رد المستشار
الابنة المتصفحة الفاضلة "ليديا" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك خدمة الاستشارات بالموقع.
أشكرك أيضًا على حسن وصفك لأعراض حالتك، فجاء الوصف تفصيلا لأعراض ما نسميه وسواس الذنب التعمق القهري و.ذ.ت.ق فبدأنا بالذنب المرتبط بوسواس العقيدة ثم الذنب المرتبط بوسواس الجنس مع المحارم، ثم المرتبط بالسب الكفري ثم الكفرجنسي، ويخفت ذا ويشتد ذاك ثم يخفت ذاك ويشتد ذا... وأنت تجابهين كل ذلك بقهور تتسم بالتعمق في التحاشي والتطرف في جلد الذات.
المعلومة التي يجب أن تستوعبيها أنت وكل مرضى الوسواس القهري الديني هي أن مشاعر المريض تجاه وساوسه لا تكون حقيقية ولا حرة ولا يقينية لأن مريض الوسواس يتعثر في قراءة مشاعره بسبب عمه الدواخل، فـ "لا يكاد يوقن من نفسه شيئا يبني عليه" كما قال فقهاؤنا القدامى، والمقصود بالتعثر في قراءة المشاعر هو الصعوبة في الوصول للحالات الداخلية، والقابلية العالية للشك فيها، وعدم الوصول إلى اكتمال الشعور بالهدف الداخلي بما يدفع لا للشك فقط وإنما لتكرار الاستبطان، سعيا وراء الشعور المنشود.
لعل ما كتبته أعلاه يوضح لك أيتها الموسوسة الصغيرة "ليديا" أن ما تشعرين به من غياب الرفض أو الكره أو المقاومة أحيانا للوسوسة الكفرية أو ما تسمينه أنت الرضا بالوسواس وعدم الانزعاج منه ليس رضا بالوسواس وإنما عجزٌ عن الوصول لمشاعر الرفض أو الكره وهذا يحدث عادة بعد عدة مرات من استبطان المشاعر فلا يكتمل الشعور بالشعور المستهدف ويقع الموسوس في فخ تفتيش الدواخل. ويحدث هذا بنفس الطريقة حين تستهدفين شعورك الداخلي للتبرؤ من وسوسة بالكفر أو بالجنس مع المحارم... إلخ، وهكذا تشعرين بالذنب والتقزز من نفسك أكثر فأكثر... عافاك الله.
فيما قد يبدو صادما لك أن الخطوة الأولى للعلاج هي أن نعلم المريض الرضا بالوسواس! والرضا بالوسواس لا يعني الرضا بمحتواه وإنما يعني الرضا بأنه يحدث في وعيك وتعرفين أنه ابتلاء من الله ولست مطالبة لا بدفعه ولا بنفيه ولا كبحه وإنما تجاهل حدوثه، أما عدم الرضا بحدوث الوسواس فمأساة كل الموسوسين التي تدفعهم إلى تحاشيه أو تحاشي مثيراته والتعمق في التحاشي وفي أفعال التكفير عن الذنب المتوهم.
بقي أن أنصحك بضرورة التوجه بسرعة لطبيب ومعالج نفساني ذي خبرة في علاج الوسواس القهري لتحصلي على تشخيص كامل لحالتك وتتفقان على طريقة العلاج، وسأضع لك أدناه عددا من الارتباطات المهمة التي تشرح لك ما لم يرد أعلاه، وأخيرا لفتت نظري عبارة (أردت اللقاء مع طبيبة نفسية مسلمة، لكنني بحثت وذهبت ولم أجد) بداية حسبتك تعيشين في المهجر لكن اتضح أنك في بلد عربي مسلم هو الجزائر فهل لا توجد طبيبة نفسانية مسلمة في الجزائر؟
اقرئي على مجانين:
وسواس الكفرية: استجلاب الوسواس حرام أم حلال؟
وسواس الكفرية: وهم استجلاب الوساوس!
وسواس الكفرية: استدعاء الوسواس حرام أم حلال؟
وسواس الكفرية: الموسوس لا يكفر ولا يرتد
أشعر أنها مني! وسواس الكفرية!
وسواس الكفرية حيل كالمعتاد عديدة!
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.