مشكلتي تكمن مع والدي وتتلخص فيما يلي: والدي لا يتقبل الأمور بصدر رحب مهما كانت القضية، ولا يؤمن بقضاء الله وقدره، ويتعامل مع الأسرة كاملة بشكل عصبي للغاية، ولا يتقبل سماع المشاكل؛ لذا أضطر إلى اللجوء إلى أخي الأكبر أو أصدقائي، مع العلم أن الحل عند والدي، حاولت التعامل معه بعدة طرق؛ لكني لم أنجح أرجو تقديم النصائح، والتوجيهات بأسرع وقت.
21/2/2024
رد المستشار
أخي العزيز، خطابك مختصر، ومكتوب بأسلوب عام للغاية مع أنه يضع قائمة اتهامات من النوع الثقيل.
وقلنا من قبل: إن الأسئلة العامة الغامضة لن تحظى بغير إجابات عامة واسعة أيضاً.
وقبل أن نجيب عن تساؤلك، أتوجه إليك، وأنبهك إلى أن الكثير من الشباب يتمسكون بآرائهم، ويطمحون إلى إنفاذ رغباتهم ضد رأي الأهل ورغبتهم، والوالد خاصة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر - مجرد النظر - في رأي الوالد بعمق وتجرد، بل إنهم ربما يقبلون النصح إذا جاء من صديق أو أخ أكبر، ويرفضونه حين يأتي من الأب لمجرد أنه مصدره، وهذا من ضعف التجربة، وقلة الخبرة والحكمة.
وفي مقابل ذلك فإن الرغبة الجامحة لدى الآباء في إبعاد أبنائهم عن تكرار أخطائهم الشخصية، ورغبتهم في أن يروهم في أحسن مكان قد تترافق مع عدم القدرة على إدارة العلاقة بين الأكبر والأصغر على نحو يتم فيه الاستماع والتناصح على أكمل وجه، وتتحول الأمور - أحياناً - إلى شكل يشبه طبيباً يسقي مريضه دواءً شديد المرارة، والمريض المسكين يتجرعه ولا يكاد يسيغه، وهو يجهل تركيب الدواء وأثره وسبب مرارته!!
ولا حل لهذا الوضع إلا بالمرونة والتقدير من الطرفين: بأن يفهم الأبناء دوافع سمت الآباء الذي ينزع إلى السيطرة أو محاولة التحكم في مجريات الأمور، وعدم تفويض بعض المهام، وإعطاء بعض الثقة تدريجياً للأبناء مخافة أن تفسد النتائج، ويكون مطلوباً من الأبناء أن يستمعوا بإنصات، ويتأملوا بوعي في مضمون رسائل الأهل، ومواقفهم بغض النظر عن أسلوب هذه الرسائل، وحدة تلك المواقف، وبالمقابل فإن التربية عبء كبير، ولها همومها في كل مرحلة، وفي مرحلة تجاوز الأبناء سن الطفولة والتنشئة فإنه يكون مطلوباً من الآباء الدخول في عملية "طويلة المدى"؛ لتدريب أطفال اليوم/ رجال الغد على تحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات.
وللأسف يا أخي العزيز، فإن المرحلة التي ينبغي، ويمكن أن تنتقل فيها الخبرات من الأكبر إلى الأصغر وبالعكس، سرعان ما تنقضي حين يستقل الأبناء بحياتهم، وفي بيوتهم وأسرهم الناشئة الجديدة، ونكون بصدد دورة جديدة تتبدل فيها المواقع، وقد يشكو فيها الأبناء الجدد مما كان آباؤهم يشتكون آباءهم فيه، والحكماء من الناس آباءً وأبناءً يستطيعون أن يحققوا المعادلة الصعبة، فيكونون بذلك قد أدوا ما عليهم من أمانة عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
يا أخي، ترفق بوالدك، ولو كان خشناً لا يتقبل الأمور بصدر رحب، واجعل همك اليوم أن تتعلم منه، ولو كان الثمن بعض الصبر عليه، فغداً يفوت أوان التعلم، ويأتي أوان المسؤولية فماذا أعددت له؟
واقرأ أيضًا:
رحلة حياتنا: تأثير الوالدين ومسؤولية الأبناء!
والدي جدار بيني وطموحاتي: ما الحل؟
هذا ما جناه علي أبي: هل من نصيحة؟
أنا وأبي: مطارق وقواقع وصخور!
مشاكل أسرية:أبي وأفكاري السوداوية!
قصة كل يوم: أبي ودموع وضميري!