أنا شخص متزوج حديثا منذ شهرين، مشكلتي تدور حول عدم الشعور بالمسؤولية سواء في العمل أو المنزل؛ حيث إنني أعمل في مركز مرموق بإحدى الشركات الكبرى وأنجز أعمالا ومشاريع ضخمة وبملايين الريالات، ولكنني لا أحس بضخامة هذه المشاريع، حيث أتعامل معها ببرود وعدم مسؤولية، وتحدث أخطاء تافهة جدا لا ألمحها أو أتجاهل عنها بمعرفتي، والتقرير الشهري الخاص بالإدارة أتساهل فيه أيضا، زملائي في العمل يقومون بأدوار أقل مني ويرونها كبيرة ويقدرونها وينظمونها، وهو ما جعلني أراجع نفسي كثيرا.
ولدي عدم الشعور بالمسؤولية في المنزل؛ فحياتي لم تختلف شيئا كثيرا، فالأمر بالنسبة لي عازب مثل متزوج؛ أكل ونوم وصلاة، وربما إهمال بعض الشيء في الأشياء الخاصة بالزوجة، والذهاب للطبيب والمجاملة... إلخ.
عدم الشعور بالمسؤولية في تطوير مهاراتي الشخصية هذا ملخص سريع لشخصيتي، علما بأنني شخصية مترددة.
ونقطة أخيرة أرجو أن تنصحوني فيها، وهي أنني كذبت كذبة على أصدقائي ومجتمعي الذي أعيش فيه، وهذه الكذبة مصيرها الانكشاف وافتضاح أمرها ولا مفر من ذلك، أريد أن أصارحهم بحقيقتها دون أن يغضبوا مني وأخسرهم أو أن اتهم بالكذب الذي هو أبشع صفة في الرجل، تبت إلى الله وضميري يعذبني في هذه النقطة، ولكم جزيل الشكر.
27/02/2024
رد المستشار
الابن المتصفح الفاضل "بكير" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك خدمة الاستشارات بالموقع.
أنت لم تقدم ملخصا سريعا لشخصيتك كما قلت في إفادتك أنك فعلت، فما قلته ليس إلا مشاعر شعرت بها تجاه نفسك وأفكارا بنيتها على مشاعرك تلك، وبالرغم من ذلك فإن لدي إحساسا أنك كتبت خطابك للموقع دون أن تحدد مسبقا ماذا ستكتب فيه أو أنك كتبته باستعجال وربما من مكان عملك، أو لعل الأمر يتعلق بحالة اللامبالاة التي تشتكي منها.
ومع ذلك فسوف أفكر معك في هدوء:
أولا: لو أنك شخصية غير مسؤولة كما ذكرت فإن من المستبعد أن تصل إلى مركز مرموق في عملك في بلد غير بلدك، لابد أنك تتقن عملك إذن أو على الأقل كنت تتقنه قبل ذلك بحيث تصبح تتكلم عن حالة ألمت بك وليس عن ملمح من ملامح شخصيتك فهل الأمر كذلك؟
ثانيا: أتبعت ما سميته أنت "ملخص سريع لشخصيتي" بقولك علما بأنني شخصية مترددة وأنا لا أرى في كونك شخصية مترددة ما قد يتعارض مع مركزك المرموق لأن الشخص المتردد في نوعيات العمل التي تماثل عملك كما أتخيله أنا هو الشخص الذي يتردد في اتخاذ القرارات التي يخاف أن تكون خاطئة فيصر على الانضباط والدقة والالتزام بأدق التفاصيل، وهذا الشخص يعطيك الإحساس بأنه شخص مفرط في الشعور بالمسؤولية.
ألا ترى معي أخي السائل أننا وصلنا من تحليلنا لكلامك إلى اتجاهين متعارضين تماما فهل أنت تقصد شيئا آخر بالتردد، غير الذي نفهمه كواحد من سمات الشخصية القسرية؟ بمعنى آخر هل أنت كما تتهم نفسك شخص لديه عدم شعور بالمسؤولية كسمة من سمات شخصيته وهو ما يجعلنا نتجه إلى سمات الشخصية المستهينة بالمجتمع Dissocial Personality Disorder وهي شخصية تخطئ ولا تتعلم من خطئها فتعود لتكراره رغم ما يجلبه عليها وعلى المحيطين بها من مشاكل، كما أنها تتصف بالطيش وعدم التروي في اتخاذ القرارات "أي على النقيض من التردد"، إلا أن التعمق في دراسة كل من السمتين يظهر أن العلاقة بينهما أكثر تعقيدا مما يبدو، إذ يرتبط التردد إيجابيا بالاندفاعية المعيقة Dysfunctional Impulsivity وسلبا بالاندفاعية المفيدة Functional Impulsivity كما يرتبط التردد بشكل إيجابي وقوي بشكل خاص بالعجلة الاندفاعية (الاستعجال الاندفاعي) Impulsive Urgency ونقص الصبر ...إلخ، وإن أردت نتائج الأبحاث الحديثة في هذه المفارقة فاقرأ مقالنا عن التردد.
من الواضح أن الأمر أعمق مما تحاول إيصاله لنا لكن في حكايتك ما يشدني ويشعرني بالرغبة في سبر غوار الموضوع خاصة وأنك أخ سوداني وكل من عرفتهم من السودانيين أصحاب اعتزاز شديد بكرامتهم، وأراك تلوم نفسك على كذبة كذبتها على أصدقائي ومجتمعي الذي أعيش فيه وتعلم أنها مفضوحة لا محالة، وتقول بالحرف الواحد "وهذه الكذبة مصيرها تنكشف ويفتضح أمرها لا مفر من ذلك أريد أن اصارحهم بحقيقتها دون أن يغضبوا مني وأخسرهم" ... وتضيف أجمل ما قلت في إفادتك وهو "أو أن اتهم بالكذب الذي هو أبشع صفة في الرجل" صدقت يا أخي ويا ليت بعض القائمين على أمور الأمة يشعرون بذلك. من الطبيعي والبديهي قبل أن أقول أي تعليق على هذا الموضوع أن أعرف ما هي ولن أخمن في هذه المرة لأن التخمين صعب.
وثالثا تقول في إفادتك "عدم الشعور بالمسؤولية في المنزل لم يختلف شيء كثير بالنسبة لي عازم مثل متزوج اكل نوم صلاة ربما إهمال بعض الشيء في الأشياء الخاصة بالزوجة – الذهاب للطبيب – المجاملة... إلخ" أي أنك لا تبالي بأشياء عديدة تخص عروسك، وتخص التزامك أمام الله وأما النفس أنت إذن غير مستمتع بحياتك يا أخي رغم أنك حديث الزواج وهذا هو ما يعطيك الإحساس بأنك قد مللت كل شيء ولم تعد تجد المتعة فيما كنت تجدها فيه من قبل، وأنا لا أدري لماذا لم تقارن نفسك بما كنت عليه من قبل، حسب تخميني السابق الذي رأيت فيه أنك لم تكن بحالتك هذه لفترة سابقة طويلة من حياتك واعتبرت على أساسه أنك تمر بحالة عابرة، وأنا أحس هنا أنني أمام شخص مكتئب فقد مبالاته بالأشياء وتغير من شخص متردد لأنه يخاف من عواقب اختياره وأفعاله إلى شخص لا يبالي بالعواقب، ولا يهتم بالأفعال ولا بحقوق الآخرين عليه، وهذا شكل من أشكال الاكتئاب التي يظهر تغيرك فيها بسبب الاكتئاب.
هناك سر في حياتك تخاف من أن يفتضح وهناك عروس يبدو أنها مسكينة معك تحبك ولا تعرف كيف تستطيع رؤية ما يبين فرحتك بها واهتمامك بها، وهناك لا مبالاة حتى في كتابتك لخطابك لمجانين، كما أن هناك العديد من المفاهيم الخاصة بالصحة النفسية وعلم النفس غائبة عنك يا أخي، تحتاج لتصحيحها إلى طبيب نفساني متخصص يقوم بعلاجك إن شاء الله قريبا أو على الأقل مساعدتك في العلاج.
وفي النهاية أستطيع أن أقول لك إنك على ما يبدو تمر الآن بحالة هي ليست أنت أي أنك أصبحت لا تبالي بالكثير مما كنت تبالي به من قبل غير قادر على إيجاد الجديد في حياتك مع زوجتك وغير حريص على أن تستمتع بإشراكها معك في حياتكما، ولا أدري هل يكون هذا كافيا لتخمين حالتك بحالة اكتئاب عابرة بإذن الله أريد تفاصيل أكثر عن حالتك فإن كنت تقر معي أن ما تعانيه هو حالة فأنا أنصحك بأن تسارع لأقرب طبيب نفساني من مكان إقامتك، وأرجوك أن تصبر على الدواء لأنه لن يعمل قبل عدة أسابيع وعمله بطيء لكنه يوصلك بإذن الله إلى سالف عهدك بنفسك وقدرتك على الاستمتاع بحياتك كما أنه يقلل من سمات التردد الناشئة عن الاكتئاب أو عن السمات القسرية.
وأنصحك أيضًا بقراءة إجابات سابقة لنا تتعلق بمواضيع مشابهة لموضوعك ومنها:
عدم الالتزام بقرار: هل هو التردد الوسواسي؟
التردد وعلاقته بالكروب الحياتية!
الإهمال والتردد: أريد حلا!
كسل وتسويف: وسواس واكتئاب وليس بخفيف!
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين، أتمنى أن تتابعني بأخبارك.