السلام عليكم، شكرا على معاونتكم الكريمة..
حتى لا أطيل أنا زوجة ولي سؤالان:
أولهما معاناتي الشديدة من الخوف تجاه أشياء معينة، وهي الخوف من آلام الجماع؛ لأني قد تعرضت عند زواجي لمحنة معينة طالت 6 شهور بسبب السحر والحمد لله منَّ الله علي بالشفاء، وكانت المشكلة هي عدم استطاعة زوجي جماعي بالوضع الطبيعي، وبعد الشفاء مباشرة حدث الحمل وسافر هو، وبالطبع لم نصل للطبيعي بيننا لأننا كنا في البداية.
أما الآن وبعد سنة ونصف واقتراب مجيء زوجي أخاف جدا، مع أني أجاهد نفسي وخوفي بأن الله سيقف بجانبي وسأعيش كبقية النساء فأسعد زوجي، والحمد لله لا يوجد مانع طبي أو أي شيء آخر، ولكني احتاج إلى معاونتكم لأتغلب على خوفي حتى لا أخلق عائقا لنفسي.
والجزء الثاني من الموضوع أو السؤال الآخر باختصار أحلم وأتمنى من الله أن أكون أنا وزوجي وابني أسرة مسلمة بحق، وزوجي في أحيان كثيرة لا يتوافق مع أحلامي، مع أنه يتمنى أيضا ذلك، ولكن عندما أحثه بكل الطرق لنتقدم في عباداتنا وأخلاقنا لله أجده غير مستجيب وأصاب بالإحباط الشديد، مع أننا في نفس المستوى العلمي والفكري، ولكن طبيعته لا تستجيب بسهولة.
وهناك شيء آخر في زوجي وهو أنه مصاب بإحساسه الدائم بالرضا عن نفسه وشعوره بأن الله يرضى عنه، مع أنه مثلا مقصر في الصلاة في المسجد، هذا طبعا قبل سفره ولا أعرف الآن مدى تطوره، ولكن أخاف أن يكون كما هو، وهذا يكون مدخلا للشيطان عندي بأني اخترت خطأ، وبكون أيضا سببا للندم وجفائي معه.
الحمد لله أهتم كثير بكل ما يتعلق بتربية الأولاد التربية الإسلامية، وأتابع استشاراتكم، وقبل كل هذا أقيم نفسي باستمرار وأعيد تربية وتهذيب ما أصدق نفسي فيه بأني على خطأ، ولكن زوجي ليس معي في هذه المرحلة.
أرجوكم أعينوني على التقرب من زوجي في هذه النقطة واستغلال حبه لي وحبي له، وأمدوني بحيل كثيرة حتى لا أحبط بسرعة، وكيف أبدأ معه بعد عودته بأسلوب جديد لا ينفره مني ويجذب اهتمامه ويحلم معي ويعينني على طاعة الله ونسير ونكمل الطريق معا، ونعين بعضنا على دفع ثمن الجنة على أقصى ما نستطيع ليشملنا الله برحمته،
وجزاكم الله خير،
وأعتذر عن الإطالة.
27/2/2024
رد المستشار
الأخت الكريمة،
رسالتك مقتضبة ومختصرة وتغفل كثيرا من التفاصيل، ولكن تساؤلاتك على اقتضابها تعكس وبشدة مقدار ما نعانيه بسبب استمرارنا في مسلسل الجهل الجنسي والزواجي الممل والمتكرر، ونحسب أننا ومنذ بداية هذه الصفحة ونحن ندق ناقوس الخطر، مطالبين الجميع لبذل الجهد على المستوى الفردي والجماعي لمواجهة هذا الجهل المستشري بين جنبات حياتنا.
وتعالي معا وبنظرة بسيطة لنجدك تذكرين أن آلام الجماع في بدايات الزواج سببها السحر... رغم أن للآلام في بدايات الزوج تفسيرا آخر حيث تنتج بعض الآلام البسيطة والمحتملة نتيجة محاولة الإيلاج في قناة المهبل التي تتميز بالضيق عند الفتاة البكر؛ ولكن قلق وخوف الزوجة يضاعف من هذه الآلام بما يسببه من انقباض لا إرادي بعضلات الفرج، وهذه الحالة تعرف بتشنج الفرج الأولي أو التشنج المهبلي vaginismus. أما أن نعلق كل مشاكلنا على شماعة السحر، ونركن لهذه الشماعة فهذا أمر يثير العجب، ويدعونا لمناقشة قناعاتنا المختلفة.
ثم نجدك تذكرين أن زوجك لا يمكنه معاشرتك في الوضع الطبيعي... فمن قال بأن هناك وضعا طبيعيا لممارسة الجنس؟ أي وضع يرضي الزوجين ويسعدهما هو وضع طبيعي طالما أن الإيلاج يتم في موضع الحرث، والمولى عز وجل يقول في كتابه الكريم: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ".
والمهم أنه ومن قصتك يتضح لنا أن الجماع قد تم بينكما قبل سفر زوجك، وأنه لا توجد أي عوائق طبية، والآن كل المطلوب منك أن تهدئي، انفضي عنك القلق والخوف، أنت طبيعية جدا، ويمكنك أن تمارسي حياتك بطريقة طبيعية..
انتظري زوجك بهدوء، اجتهدي لتسعدي معه وتسعديه، احرصا معا على الابتكار في المداعبات القبلية، اختارا ما يسعدكما من الممارسات والأوضاع، احرصا على التحاور المستمر حول علاقتكما.
أما بالنسبة لقلقك من مستوى تدين زوجك وشعوره بالرضا عن نفسه رغم تقصيره أجد من المفيد بداية أن ننقض الصورة الملائكية والساذجة والتي ترسم في مخيلتنا للملتزمين والملتزمات؛ فنحن جميعا بشر، خلقنا لنقصر ونرتكب الذنوب ونعصي الله، والله سبحانه برحمته يجبر التقصير ويعفو عن الذنوب، والمشكلة أن من يوصفون بالالتزام منا يرسمون في مخيلتهم صورا لملائكة تعيش في الجنة.
وأولى خطوات تعاملنا مع الواقع بمعطياته هو أن نلغي من عقولنا هذه الصورة الخيالية والمرسومة مسبقا، بحيث نتقبل من أنفسنا وممن حولنا أن يقصروا وأن يقعوا في الذنوب؛ لأن وقوعنا في براثن هذه الصورة الملائكية المتخلية يعد مدخلا خطيرا من مداخل الشيطان يجعل الإنسان يفقد الأمل في رحمة الله إن هو قصر أو وقع في الذنب، ويدفع الإنسان منا دفعا للنظرة المتعالية لمن هم دونه في العبادات والطاعات، وخصوصا بين الزوجين حيث تتاح فرصة أكثر للاقتراب والالتصاق مما ييسر اطلاع كلا الزوجين على عيوب وتقصير الآخر.
وبداية علاج مشكلتك هذه مع زوجك أن تتعاملي معه على أنه إنسان عادي، يخطئ ويصيب ويحسن ويقصر، هو مثلك تماما يرتكب بعض الذنوب...
راجعي نفسك، تذكري ذنوبك، كم مرة وقعت في الغيبة، كذبت (كذبة بيضاء كما يقولون)، أخرت الصلوات، قصرت في عملك، وكم... وكم؟!!
إذن أنت مقصرة كزوجك، ولا فضل لأحدكما على الآخر، ولكن كليكما يرغب في رضا الله والتقرب إليه، والأفضل لكما أن تتعاونا معا على هذا... انطلقي من هذه النقطة، لا تعتمدي أسلوب التوجيه أو النصح أو اللوم وكيل الاتهامات؛ فأسوأ سبيل هو أن تتعاملي مع زوجك على أنك أنت المعلمة أو الموجهة وهو تلميذك، يكفي أن تحرصي على أن تكوني قدوة.
اذكري دوما نعم الله عليكما وأهمية أن تتعاونا معا على شكره سبحانه، اطلبي منه أن يكون عونا لك على نفسك، واجعلي حبك له وحبه لك دافعا لمزيد من التقرب لله بالأعمال الصالحة، وابحثي معه عن دور يناسبكما، ويناسب ميولكما تتشاركان فيه في خدمة المجتمع.
أختي الكريمة، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يبارك لك في زوجك وابنك، وأن يشملكم برعايته وحفظه.