بسم الله الرحمن الرحيم..
الأخ الحبيب: د. أحمد عبد الله، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، بداية أحبك في الله، أما بعد:
أنا صاحب السؤال لكم بعنوان: استمع قولنا فاتبع أحسنه.. قصة نجاح.
لكن يبدو أن قصة النجاح لم يكتب لها الاستمرار، نعم تغيرت زوجتي لكن للأسف بدأت تظهر مشكلة جديدة، وهي اعتبارها مساعدتي لها ضعفا، وتسامحي معها جبنا، وهو ما حذاها بدفع واجب البيت نحوي، ومعاملتي أسوأ معاملة، وهي تعلم أني سوف أحتمل ذلك، وأصبر.
نعم أصبح تقصيرها أكثر من ذي قبل، ومعاملتها لي سيئة جدا، حتى الحوار والنقاش أصبحت ترد عليه بشكل هائج ومهين، مع العلم أني قادر على أن أرد عليها بنفس أسلوبها لكن تربيتي وأخلاقي تمنعني من ذلك.
وحقيقة قد جرحني هذا السلوك منها بشكل كبير جدا، وهي تعلم أني أصبر وأحتمل حبا في بيتي وأولادي الذين لا أصبر على فراقهم، وحرصي الشديد على عدم خراب بيتنا، لكن للأسف لا مبالاة بذلك، فهي تعلم أنه في حالة حدوث شجار أو مشاكل، أو عجزي عن العيش معها سوف أترك لها المنزل وأعيش مع جدتي التي تسكن قريبا منا، حتى أكون بمقربة من أولادي ولا أبتعد عنهم، وتعرف تماما أني ملتزم ماديا لها وللأولاد، لكنها للأسف لا تجعل هذا في ميزان حسناتي معها بل في ميزان ضعفي أمامها وأني أنا الذي أحتاجها لا هي أيضا.
وللأسف فشلت جميع محاولاتي للحوار معها، وفشلت وساطة أهلها الذين وقفوا في جانبي، وبينوا لها خطأها لكنها للأسف لم تستجب، وحقيقة صبري نفد، وهو ما حذاني إلى هجرها في نفس البيت حيث اتخذت لي غرفة منه، ونقلت فيه ملابسي، وأموري، ونومي، وأصبحت أعد طعامي بنفسي أو آكل خارج المنزل، بالرغم أني في هذا كله أقضي بقية يومي كما كان سابقا من مراعاة حاجاتي بيتي المادية، وأمور أولادي المعنوية والتعليمية، لكن مع مخاصمة زوجتي، ودون أن يشعر الأولاد بذلك أو أهلي أو أهلها.
وحقيقة وجدت راحة كبيرة أحسست معها براحة أكبر مما كنت فيه وأنا متزوج؛ هدوء وسكن، حقيقة أمر في غاية الروعة كل الهم والنكد والمشاكل التي كنت أحتبسها في قلبي زالت، وهذا الحال جعلني أقف على سؤال في غاية الخطورة وهو: هل الخير في استمراريتنا مع بعضنا أم الفراق؟
بالنسبة لي قلبت هذا السؤال على عدة وجوه، فأنا أعلم أن استمرارنا خير من فراقنا من عدة نواح:
أولا: وأهم شيء أولادنا فلن يجدوا هذه الرعاية التي يجدونها الآن ولا المحبة أيضا، سواء كانوا عندي أم عندها.
ثانيا: أعلم أنها في البيت عندي أحسن حالا من عند أهلها، فهي في مملكتها التي تديرها كيفما تشاء، وعند زوج يسير سهل متسامح بعكس أبيها فهو صعب جدا، يضرب بشكل جنوني، فهي عنده أشبه بالأمة لا البنت.
ثالثا: الوفاء للسنوات الماضية فمهما عانيت معها لا أنسى أنها رفيقة عشرة دامت سبع سنوات كان فيها من سوء الحالة الاقتصادية ما فيها، ولها الحق الآن بأن تحيا حياة الرغد الاقتصادية والمسكن المستقل بعد أن يسر الله علينا الحال، لكن أتستمر على حساب سعادتي، أأضحي بسعادتي لأجل زوجتي وأبنائي؟
حقيقة فعلت، وما كانت مراسلتي السابقة، ومحاولاتي السابقة لها من خلال السنوات السبع الماضية إلا دليلا على صدق فعلي، لكني ما عدت أحتمل، أكتب لك هذه الكلمات وقلبي يبكي دما على حالي، ويبقى سؤالي: هل أعود لسابق عهدي معها من الصبر ولو على حساب نفسي ومشاعري وحياتي؟ أم أبقى هاجرا لها وأكسب راحتي؟ علما بأن الهجر لم يصلح من حالها شيئا، فقد وصلت لحالة من التبلد؟ أم أتزوج وفي حالتي هذه لا يصلح معي إلا زواج المسيار؟ أرشدني أخي الحبيب، فإن مشكلتي هذه أفسدت علي عملي وعملي الدعوي في مسجدي؟
2/3/2024
رد المستشار
الأخ الفاضل، كل رمضان وأنت بخير وعافية في دينك وأهلك ومالك وعيالك، ولقد حاولت الاتصال بك، وأرسلت تبعًا لرغبتك رسالة على بريدك الإلكتروني المسجل في المؤسسة التي تعمل بها، وكذلك على عنوان آخر، ولكن رسائلي عادت!!
منذ القراءة الأولى لرسالتك هذه قلت إننا أمام رسالة من الرسائل التي تستدعي ردًّا مفصلاً، ليس ردًّا على ثقتك التي أعتز بها فحسب، ولكن لأن حالتك موجودة ومتكررة حتى أصبحنا دائمًا أمام ظالم ومظلوم في بيوتنا؛ فالرجل إما طاغية متعسف، والمرأة تشكو من سوء أخلاقه، ونكد طباعه، وربما تأتي إلى عيادة الطب النفسي لتتعالج من الاكتئاب، وإما تكون المرأة متسلطة أو كسولة لا تحسن القيام بواجبات التبعل والأمومة، وتستسلم لميراث التخلف الذي تربت عليه، فهي مثل قطعة أثاث يحملونها ويضعونها، أو مثل الوسادة لا تنهض بجهد، مستكينة في كنف الرجل الذي تزوجته.
ومن خيبتنا القوية أننا ما زلنا نفهم علاقات الأسرة بمنظور القوة والضعف لا بمفهوم المودة والفضل كما أمر الله سبحانه، ولذلك فإن العنف والإهانات، أو على الأقل عدم الحساسية في فهم الشريك، وسد الآذان والعيون في الاستجابة لمبادراته أو الالتفات... كل هذه أصبحت هي خبزنا اليومي في بيوت تعيسة باردة، إلا من رحم ربك، وقليل ما هم.
وأسباب ذلك كثيرة، وفي حالة زوجتك يبدو العنف الذي تربت عليه مسئولاً عن قدر كبير من حالتها التي هي عليها الآن، وسيد قطب يقول إن: "الاستبداد يفسد الطباع فيتصف الإنسان بصفات العبيد"، ويعود قطب بتحليله العميق ذاكرًا من صفات العبد: "استكانة تحت السوط، وبطر وتمرد إذا رفع عنه، وسفه حين تمسه النعمة فلا يستطيع إدارتها أو استثمارها..."، وصدق الحبيب فيما روي عنه : "إن العنف لا يكون في شيء إلا شانه، والرفق لا يكون في شيء إلا زانه، والله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره" ... ومن طول القهر والتخلف لم تترب لدينا سوى مستقبلات الضعف والقوة.
عامل زوجتك بالمعروف فأنت أهل لهذا، والمعروف هو المناخ الممكن لتستطيع تعليمها لأنها تحتاج إلى تعليم من جديد ليمحو الآثار السلبية لما تعلمته في البيت والمدرسة والمجتمع.
زوجتك يا سيدي لم تعرف الحب حقيقة، فمن بيت أبيها القاسي إلى مكابدة سنوات الشقاء في بداية حياتكما تتراكم الضغوط فتكسر النفس، وتهيل التراب على أي غرس لنبتة حب أو بادرة حياة، وليست زوجتك عروسًا تتحرك بالخيوط حتى إذا ما زال السوط، أو تحسنت الأحوال انقلبت من الهم إلى الحبور، ومن العجز النفسي إلى السرور، ولقد تعودت في إجابات سابقة أن أنتقد النساء في قلة حيلتهن وقصورهن في المبادرة لإصلاح أنفسهن، وأحوال أزواجهن، واليوم جاء الدور عليك، وعلى كل الرجال فتحملني.
* جاءت امرأة تشكو إلى عمرو بن الخطاب –فيما أذكر- وبألفاظ صريحة اتهمت زوجها بالعجز الجنسي على الملأ، فاستدعى عمر زوجها وسأله فأنكر هذا، وقال: والله يا أمير المؤمنين إنني لأنفضها نفض الأديم... وللقصة بقية لا تهمنا هنا. وتأمل معي في "نفض الأديم" هذه، ولا أدري هل رأيت من قبل كيف تمسك إحداهن بسجادة فتنفض عنها التراب نفضًا له صوت، وفيه قوة... وهكذا ينبغي أو هكذا فعل الحب العميق... ينفض الإنسان نفض الأديم.
وما قمت به يا أخي الكريم من جهود سابقة لم يتعد محاولات تعديل السلوك، فالاحتفاء بالإيجابيات، وغض الطرف أو اللوم على السلبيات هو نوع من العلاج أو التدريب باستخدام الثواب والعقاب، وهو يعمل على المستوى السلوكي، ولا يتطرق إلى أعماق جذور هذا السلوك، أو علاج أسبابه، والحب الحقيقي يغرس محراثه في جوف التربة ليقلبها قبل أن يبذر البذور أو يروي بالماء، وهو يضرب بمعوله عميقًا عميقًا ليقتلع أسس البلادة والخمول، والكسل والبرود.
* كيف ستنجح بيوتنا ونساؤنا غابات من جليد، ورجالنا لا يحسنون الزراعة، والزراعة حرث وبذر، وصبر ورعاية بالموالاة، وتنقية للحشائش الضارة، وانتظار لقطف الثمار في الوقت المناسب دون استعجال أو تباطؤ، أو كلل أو ملل.
وعجبت لمن يفهمون من قوله سبحانه: "نساؤكم حرث لكم" مجرد المعنى الجنسي الدال على موضع المعاشرة، والمعاني أوسع من هذا بكثير، والحب والمودة والعلاقة بين الرجل وزوجته بمستوياتها المتعددة هي زراعة بكل ما في الزراعة من فنون ومهارات مطلوبة، ونجهلها في عصر"التصنيع" و"تكنولوجيا المعلومات"!!!
* نحتاج إلى من يعلمنا إذن كيف نزرع، وكيف ننفض زوجاتنا نفض الأديم فتتحرك قلوبهن بعد ذوبان الجليد، وتهتز للمسة الحانية، والهمسة القريبة من زوج محب يعرف كيف يعامل زوجته بما يناسبها، وكيف تتكون لديها مستقبلات الحب.
لا أمل لنا في مستقبل مختلف إلا إذا تعلم كل زوج كيف يصلح ما أفسدته تربية المجتمع المتخلف للأنثى بوصفها بقرة تحمل وتلد، وتنطح أو تخور، فإن حاولت أن ترتقي إلى المكانة التي أرادها الله لها ساقوها إلى الحظيرة وقالوا لها: مكانك هنا تلتهمين العلف لتعطين اللحم واللبن، أو تحملين الصغار، وتلدين "الأجيال الجديدة"، ولن نفهم جميعًا لغة الحب إلا إذا تعلمنا مفرداتها وحروفها، وهذا ممكن.
في مشهد لن أنساه تمتد صحراء الجليد لتملأ الشاشة، والسيدة تسير مع زوجها وطفلها، وهي لم تأكل جيدًا، ولم تتجهز للرحلة، ولا يدفئها زوجها، فتتجمد وتموت.
يا إخواني الرجال، لا تتركوا زوجاتكم في غابات الجليد يفتك بهن الصقيع أو تهوي بهن رياح الوحدة في وادٍ سحيق، فإن هذا لا يرضي الله سبحانه، وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول، وكما أن للزوجة حقا في مال زوجها، وفي جسده، فإن لها حقًا في مشاعره واهتمامه، وفي حلمه وصبره، وتعليمه وإدارته.
نحتاج إلى تدريب طويل لنتعلم ما هي مشاعر المرأة، وما هي مفاتيح قلب المرأة، وما هي محاريث تربة المرأة، وعلى صفحتنا هذه سنحاول أن نتعلم معًا.
وإليك يا أخي أقول:
- إذا كانت زوجتك قد صبرت معك سنوات، كما تعترف أنت بصدق وتقدير، فألا تستحق منك صبر سنوات مماثلة؟!!
وإذا كان رب العزة يأمرنا ألا نمل من الدعاء، ونستعجل الإجابة، وهو القادر عليها في الحال، أفلا نصبر على زوجاتنا المنهلكات بين المطبخ والفراش، المشدودات بين تربية قاصرة، ومسئوليات حاضرة ضاغطة؟!!
- ما هو معنى الوفاء في تقديرك؟!! هل هو رد الجميل بجميل أم أنه يحمل معنى الصبر، والرد على السيئة بالحسنة؟!
وهل حلم الرسول الكريم على من كان يجهل عليه، ولم يكن يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلمًا –بأبي هو وأمي– هل كان هذا ضعفًا أم كان جزءًا أصيلاً، ومعلمًا جليلاً من معالم تلك الرحمة المهداة، وهو يعلم الإنسانية دروسًا بسيطة وعميقة في كل لفظة يقولها، ومنها قوله للأحنف بن قيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة".
- تأمل في مسالك زوجتك، وادرس طرقها في الاستجابة، وطريقتها في التفكير لتصل إلى مفاتيح شخصيتها، وتعرف ما تحب وتكره، وتصل إلى ما يهزها من الأعماق، وينفضها نفض الأديم، فيذوب الجليد وتتساقط أكوام التراب، وتعود –كما هي أصلاً- إنسانة جديرة بإنسانيتها، واعلم أن إنسانيتها هذه مدفونة تحت ركام ثقيل من تنشئة كاتمة خرقاء أسلمتها مثل غيرها فريسة سائغة لتعليم متخلف استكمل تشويه ما تبقى سليمًا من فطرتها، لتخرج كما هي الآن وسط مجتمع يعيش فوضى عارمة بين نزعة محافظة طفولية، ونزعة تحرر مستوردة بلهاء، فصرنا في ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، أدعوه ملحًا أن يلهمنا الرشد فنرى بنوره، ونستبين الصراط المستقيم.
- ليس أمامك من خيار مثل أي كريم، ولا يكرم النساء إلا كريم، ولا يؤذيهن إلا لئيم، أو كما قال الإمام على إنهن يغلبن الكريم، ويغلبهن اللئيم. وزواج المسيار لن يحل مشكلة زوجتك هذه، ولا علاقتك بها، ولكنه قد يكون تجربة جديدة لها أعباؤها وميزاتها، والناس تظن وهمًا أن كله مميزات، ولا يوجد في الدنيا شيء كله مميزات.
فضع لنفسك خطة حرث وزرع طويلة المدى متتابعة الخطوات تصلح بها نفسك، وقدراتك على تفتيت الصخور التي تحيط بإنسانية زوجتك وعواطفها، وإن مر بك زواج مسيار مناسب يضيف إلى حياتك أكثر مما يحذف منها، ينفعك في دينك ودنياك، وتواسي به أخرى، ولكن ليس على حساب نفسك، ولا حساب زوجتك الحالية... إذا مر بك زواج كهذا فأرسل إلي نتحاور بشأنه؛ فالأمر يستحق الحوار في حينه، وإلا كنت مثل الكحال الذي بدلاً من إصلاح شكل عين عوراء... أصابها بالعمى!!! وتقبل مودتي.