سيدي الفاضل/ بعد التحية، أنا شاب في 27 من عمري تزوجت منذ 3 سنوات من فتاة تصغرني بعامين، ورزقنا الله بطفل جميل عمره سنتان.
فأنا في أول زواجنا كنت منشغلاً جداً بعملي وبناء مستقبلي ومستقبل أسرتي الصغيرة، خصوصاً أني قد تزوجت في سن صغيرة، وقد رزقني الله بعمل حسدني عليه الكثير من زملائي فكان علي أن أتمسك به وأبذل فيه قصارى جهدي. والحمد لله فلقد وفقني الله فيه كثيراً وكنت من أشد المتفوقين فيه؛ فنلت استحسان كل رؤسائي وترقيت عدة ترقيات كبيرة في وقت قياسي حتى أصبحت الآن أصغر مدير في هذا المكان والكل يتوقع لي مستقبلاً عظيما. ولكن منذ أول زواجنا وحتى الآن وأنا وزوجتي في مشاكل وخلافات دائمة بالرغم من أننا قد تزوجنا عن حب ومشاعر صادقة ولكن زوجتي بالرغم من تفانيها في خدمة ولدنا والاعتناء به فإنها في نفس الوقت كانت مهملة إلى حد كبير في واجباتها كزوجة لي؛ فلم تكن تقوم بأداء معظم حقوقي كزوج وعندما كانت تفعل فإنها تقوم به على مضض.
حاولت مراراً أن ألتمس لها العذر من أنها صغيرة في السن وكانت تتوقع حياة أفضل مليئة بالحب والرومانسية ولم تجد مني غير التعب والإنهاك وضيق الصدر من أقل القليل خصوصا وأن عملي فيه الكثير من الضغط العصبي والنفسي والبدني فلم يكن باستطاعتي الدخول في أي مناقشات أو مهاترات بعد عودتي من العمل ولم أكن على استعداد للعيش حياة أسرية وتلبية متطلبات الأسرة إلا في عطلة نهاية الأسبوع.
وأنا الآن وبعد ترقيتي وأصبحت في مركز مرموق إلى حد بعيد أصبح لي وقت أكبر من سابقاً فحاولت أن أتقرب من أسرتي الصغيرة أكثر وتعويضهم ما قد فاتهم من انشغالي عنهم بعملي ولكني فوجئت بزوجتي وهي تطلب مني الطلاق وتخبرني أنها لا تريد العيش مع زوج مثلي وليس هذا فقط فأخذت تخبرني أنها لا تريد أي شيء في هذا الكون غير ولدها.
حاولت معها مراراً كثيرة وأعطيتها الكثير من وقتي وأعصابي واحتملت الكثير والكثير من تجاهلها لي ونظرات الكره والرفض في عينيها وعدم الاحترام واللامبالاة بمشاعري وأحاسيسي وبما يرضيني أو يغضبني بل ولا تعطيني أي حق من حقوقي كزوج أصرت على النوم في حجرة منفصلة وذلك منذ سنتان وحتى الآن أي منذ ولادة ولدنا.
فكنت أضجر من ذلك أحياناً وتقوم ثائرتي ولكني أعود مرةً أخرى وألتمس لها العذر للشهور الأولى لزواجنا التي لم تجد فيها ما كانت تحلم به ، فأعود وأعاملها معاملةً أفضل من آنفاً وأقوم بتلبية كل رغباتها من اهتمام ورعاية لها ولولدنا. ولكنها لا تلين ولا تريد العيش معي حياة أسرية طبيعية هادئة بالرغم من أن الله قد منٌ علينا بنعم كثيرة لا تتوافر لعدد كبير من العباد ولا يسع من يمن عليه بمثلها إلا الشكر والحمد له على كل ما منحنا إياه.
في كل مرة أحاول مناقشتها أو ملاطفتها أو محاولة معرفة ما يفسد عليها حياتها فلا أجد منها إلا البكاء والصراخ وقمة العصبية التي لا يمكن تصورها أو وصفها. فكرت في حلول كثيرة وسرت فيها ولكنها باءت كلها بالفشل ومنها؛ الشدة أحياناً واللين أحياناً أخرى؛ ومنها العرض على طبيب نفسي ولكنها رفضت بالطبع؛ حاولت أن أجعلها تتقرب من الله أكثر وأحدثها عن الحجاب والالتزام ولكنها تقابل ذلك بالكثير من العناد والصلف. وفي الوقت ذاته لا أكل ولا أمل من محولة المعاملة الحسنة والطيبة لها علها تتراجع عن موقفها ولكنها وللأسف الشديد لا حياة لمن تنادي. لا أدري ماذا أفعل فأنا متمسك بها وبولدي وبحياتنا جميعاً معاً وهي في الوقت ذاته تزداد عنداً ورفضاً فهي تشبه حياتي معها بشخص قتل آخر وأخذ ينظر إليه وهو يدمي غير عابئ بآلامه وبعد أن مات أخذ يحاول علاجه.
مع العلم يا سيدي أنني لا أتوانى في تلبية كل رغبات الحياة لها ولولدنا؛ حتى إن كل من حولنا يحسدونها على ما أنعم الله عليها من زوج طيب ومخلص مثلي وذلك بشهادة جميع أهلها الذين دأبوا في إقناعها والشجار معها بسبب ما تقوم به معي.
سيدي أنا لا أريد أن أطلقها فيحصد ولدنا ويلات ما زرعناه نحن بالإضافة إلى حبي لها وقناعتي بوجود حل لها وعلاج يجعلنا نعيش حياة سعيدة هنيئة. فهل يمكنك إرشادي لما تراه صالحاً، أنعم الله عليكم بالعقل الرشيد والرأي السديد، وأعانكم وأعاننا على العمل بما فيه الخير لنا ولديننا ولأمتنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
7/3/2024
رد المستشار
الأخ الكريم، لقد انشغلت ببناء مستقبلك المهني وتوطيد أركانه ودعائمه وتحسينه وتطويره وحققت فيه ما كنت تصبو إليه وأكثر، حتى أصبحت موضع فخر الرؤساء وحسد الزملاء، ولكنك تشاغلت في هذه الآونة عن بناء آخر لا يقل أهمية عن البناء الأول، وقد يفوقه في الأهمية عند من يعقلون ويقدرون الأمور بقدرها، هذا البناء هو بناء الأسرة، فجاء البناء هشا ضعيفا ومختلا، وبدل أن تنشغل ببناء جسور الود والتفاهم بينك وبين زوجتك، سمحت للسوس أن ينخر في أساسات البناء، وتركت الموانع والحواجز الإسمنتية تفصل بينكما، وتغافلت عن مؤشرات خطيرة ومنها صراخ زوجتك الدائم وتركها لفراش الزوجية ولمدة عامين كاملين،
زوجتك كانت ترسل لك رسائل إنذار مستمرة تحاول أن توضح لك فيها أن الكيل قد فاض وأنها لم تعد تحتمل وأن صبرها قد أوشك علي النفاد، ولكنك تغاضيت عن ذلك كله ولم تلمح في كل هذا إلا تقصيرها في حقوقك الزوجية (أو الجسدية(، وظللت على حالك تلتمس الأعذار لنفسك بضيق الصدر والتعب والإنهاك لضغوط العمل، فما علاقة ضغط العمل بكلمة حلوة تحمل الحب والتقدير والعرفان أو لمسة حب تقدمها لزوجتك، وكلمات الحب والتقدير لها فعل السحر في قلوب النساء، وما زلت أذكر كلمة لإحدى الزوجات تقول فيها: "كلمة شكر وتقدير من زوجي تبعث بالحيوية في أوصالي وتدفعني للقيام بما يريده مهما كنت متعبة".
أخي الكريم، تخطئ إذا ظننت أنني أقصد اللوم بكلماتي هذه، ولكنني أحاول فقط أن أبرر لك حال زوجتك الآن ورد فعلها العنيف معك، وقد كانت تنتظر منك الحب والعطف فلم تجد منك إلا ضيق الصدر والغضب والانفعال كما تقول أنت، ومن الواضح الآن أن أساس البنيان غير ثابت وجدرانه مختلة، وبنيان كهذا احتمالات سقوطه أكيدة، والحل في إعادة البناء على أسس سليمة، ولكن إعادة البناء أصعب من البناء في البداية؛ وذلك لأنها تتطلب هدم البنيان المختل وإزالة كل الحدود والسدود، ورفع الأنقاض والبدء في وضع أساسات سليمة ترتكز عليها جدران البناء؛ فهل أنت مستعد وراغب وقادر على تحمل هذه الصعوبات من أجل حبكما وحياتكما وطفلكما؟ لن يكون الأمر هينا ولن تتبدل الأمور بين عشية وضحاها ولن تنصلح الأمور بينكما إلا بكثير من التحمل وضبط النفس؛ فهل أنت مستعد للتخلي عن عصبيتك وضيق صدرك؟ وهل أنت مستعد أن تكف عن التماس الأعذار لنفسك وإيجاد المبررات؟ وهل أنت مستعد لصرف الوقت والجهد – ولو كان ذلك على حساب عملك وطموحاتك؟ إذا كانت الإجابة بنعم فتعال نبدأ بعون الله خطوة خطوة، وتذكر أن دورك في المراحل الأولى أن تقدم الكثير، ولا تنتظر مقابلا من زوجتك:
· تذكر أن الله سبحانه بيده الأمر كله وهو القادر سبحانه أن يزيل أسباب الخلاف بينكما؛ فالتمس منه العون واسأله التوفيق.
· قبل أن تبدأ عليك بالاطلاع على مشكلة سابقة على صفحتنا هذه بعنوان:
- استمع قولنا فاتبع أحسنه.. قصة نجاح
ففيها الكثير مما يفيدك تطبيقه.
· تحدث معها بكل صراحة، اعتذر لها عن تقصيرك في حقها وحق بيتك وطفلك، وضح لها أنك أدركت خطأك وأنك على استعداد لأن تفعل ما تريده لأجل حبكما ولأجل طفلكما الذي لا تريد غيره من دنياها.
· رتب لقضاء إجازة في مكان تحبه، وحبذا لو كان في نفس المكان الذي قضيتما فيه أيام العسل الأولى ليكون فرصة لاستعادة ذكرياتكما السعيدة، وتفرغ تماما لها ولولدك، ورتب قبل السفر كيفية إدارة شئون عملك؛ حتى لا يزعجكما أحد.
· تذكر أنك الآن في مرحلة هدم الحواجز ورفع الأنقاض وتفريغ الكأس الممتلئة عن آخرها بمشاعر المرارة واليأس والألم، والمرأة – وهي في هذا الأمر تختلف كليا عن الرجل – لا ترتاح إلا إذا استطاعت أن تعبر عن مشاعر الألم التي تعتمل بداخلها، ويريحها أن تجد من يستمع لها ومن تبثه ألمها ومن يقدم لها الدعم المعنوي (وبمعنى آخر الفضفضة)، فشجعها أن تعبر عن مشاعرها وألمها بكل الوسائل الممكنة حتى لو وصل بها الأمر للبكاء، وفي هذه الأثناء ربت على يديها وضع رأسها فوق صدرك، واحتوها بين يديك، وإياك والانزعاج فهي لا تلومك ولكنها فقط تتخلص من مخزون الألم، وقد تفضل التعبير كتابة فشجعها علي كتابة رسائل غضب ورد عليها برسائل حب.
· استمتعا معا برعاية الصغير وشاركها بإيجابية في كل عمل تقوم به له؛ العب معه، بدل له ملابسه، وأطعمه بيدك، لتشعرها بأهمية دورك في حياته.
· إذا شعرت بأن الأمور تسير إلى الأفضل، فاعمل على تحسين العلاقة الجسدية بينكما واجعلها تتذوق جمال الحب، ويفيدك في هذا الصدد أن تتطلع على مشاكلنا السابقة ومنها:
- باردة كأخواتها : زرعنا الثلج فحصدنا الجليد
· إذا لم تشعر بتحسن فقد يكون من المفيد استشارة إخصائي نفسي، اعرض عليها الأمر من منطلق مساعدتكما في رأب الصدع الذي أصاب علاقتكما، لا من منطلق أنها مريضة وتحتاج للعلاج.
في الأغلب سوف تتحسن الأمور بينكما إذا كنت صادقا في سعيك ولمست منك زوجتك هذا الصدق، ولكن إذا وجدت أن الأمور لا تسير على ما يرام رغم كل ما تبذله، فقد تكون المحاولة الأخيرة أن تعطيها فرصة للتفكير واتخاذ القرار بشأن حياتكما؛ وفي أثناء هذه المهلة - والتي أفضل أن تكون وهي ما زالت مقيمة في المنزل - لا تطالب بحقوق، ولكن قدم الحب والرعاية والاهتمام لها ولطفلك.
أخي الكريم، كما وضحت لك سابقا أن الوضع بينكما الآن يتطلب منك بذل الكثير من الجهد، واستعمال أقصى درجات ضبط النفس، ولكن هذا الجهد لن يذهب هباء – إذا صح منك العزم وصدقت النوايا – وسوف تنعم بجمال الحياة في ظل الحب والاستقرار الأسري، ونحن معك دائما فتابعنا بالتطورات.