إخواني في الله، مشكلتي أظنها مستعصية وصعبة الإرضاء لطرفي أو الطرف الآخر، أنا شاب عمري 25 عامًا، لست أقول عن نفسي إنني ملتزم، ولكن أؤدي الفرائض والسنن وأحاول جاهداً للأفضل، وأنا موظف معتدل الحال، وأقدر بفضل الله أن أعول وأؤسس عائلة. أما من جهة الثقافة فلست من ذوي الدرجات العالية جدًّا أيضًا.
أسرد عليكم هذا لأنه ستكون هناك مقارنة بيني وبين شخص آخر لاحقاً. أعتذر لحضراتكم إن كنت سأطيل، ولكن أظنها مسألة مهمة وحري بنا الخوض بتفاصيلها. كنت موظفًا بشركة، وكانت لي زميلة في العمل اسمها (س)، ملتزمة متزنة الخلق، بل على درجة رفيعة من الأخلاق الحميدة والإيمان بالله تعالى.
سبحان الله العظيم، من النظرة الأولى بها أحسست باندفاع للتقرب منها، ولكن لم أفعل، بل تريثت حتى أرى وأكتشف أخلاقها عمليًّا، وفعلاً مرت الأيام والأشهر وهي تزداد مراتبها في نفسي يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، إلى أن قررت الارتباط بها، كانت لي في نفس الشركة قريبة لي سأختصر اسمها (ع)، هي أخت مقربة لي جدًّا، لنا عند بعضنا البعض أخوة كبيرة، كما أنها متزوجة، فطرحت الموضوع لها وسألتها عن (س) إن كانت مرتبطة، فقالت لي نعم، وإن (س) كانت تشعر ومتخوفة من أني سأفعل شيئاً تجاهها (أي سأتقدم لها) فصدمت حقيقة، ولكن صبرت وقلت لـ (ع) بألا تخاف علي فإني سأصبر بإذن الله، وألا تحدثها بالأمر خشية أن يؤثر ذلك عليها، وقد عرضت علي أن أتكلم مع (س) شخصيًّا، ولكني كنت أخشى عليها فلم أستطع القبول.
مرت الأيام وقطعت عهداً على نفسي بأن أكون أخاً لها بكل ما للكلمة من معنى، أحاول ألا أجعلها تحتاج شيئا، أحاول أن أصونها وأرعاها بكل ما أستطيع عليه، ولكن لا أخفي عليكم كنت أزداد ولعًا وإدراكا بعظمة أخلاقها، كما كنت أزداد تألماً إذ لم يكن بوسعي التكلم، أو في الحقيقة كنت أعتبر أنه لا يحق لي ذلك فهي مرتبطة.
استمرت الحالة تقريباً سنتين إلى أن حدثت لي ظروف في الشركة، وقررت أن أترك الشركة والبحث عن عمل آخر. وكانت تواسيني وتدعمني معنويًّا جدًّا بعد تركي العمل، وحتى من قبل كانت لي أختاً عطوفاً حنونة بكل ما في الكون من حنان. مر من الوقت حوالي شهر، وكنت أتتبع أخبارها وأحوالها عن طريق البريد الإلكتروني، فأراسلها وتراسلني. وأحب أن أشير إلى أمر هو أن طوال فترة معرفتي بها كان كلامنا بين بعضنا البعض لا يشوبه أي سوء بل وبالعكس تمامًا كان كله احترام وتقدير لكلينا.
وفي رسالة منها عن طريق البريد الإلكتروني ذكرت لي أن هناك موضوع خطوبة وهي لا تدري ماذا ستقرر وأنها ستترك الأمر لأهلها ليقرروا، وقالت لي بأن كل ما تعرفه عن هذا الشاب هو أنه ملتزم، وأن الأمر لا يكاد يعني لها شيئا. فكانت هذه من جملة الصدمات، ولكن لم أستغرب للأمر فلقد كنت أتوقع ذلك وأحاول الاستعداد له بالصبر ومزيد من الصبر، صدمت لأني أخفي لها في داخلي شيئاً ساميا لا يعلمه إلا الله، ولم أستطع التكلم به طوال سنين، ولأنها قالت أمراً أيضا هو أنها لا تدري ماذا ستفعل حيال هذا الأمر.
فسبحان الله، شاء الله أن أظل في غبائي وسوء تقديري للأمر، فأبعث لها رسالة بأني أسأل الله لها التوفيق، وأن يسعدها في حياتها، وأن يتمم لها بخير، وقد ندمت (لاحقا) أني لم أتخذ إجراءً آخر، كسؤالها إن كنت أستطيع التقدم لها، وستعلمون السبب... حتى أفقت، من بعد آخر رسالة بعثتها لها، وأصبحت أريد عرض التقدم لها، وأصبحت أبعث لها وأشرح لها كم هي غالية علي، ولكنها لم تكن تجاوب، ارتابني الخوف.
ومن بعد رسالتين قررت أن أقول لها إني سوف أتقدم لها رسميًّا في اليومين القادمين، وفي يومها كانت هناك زميلة لي ولـ (س) بنفس الوقت اسمها (ق)، تكلمت معها على (الشات) وذكرت لي أمراً أشعل شمعتي التي كادت أن تنطفئ من جديد، أخبرتني بأنها كانت قد تكلمت مع (س) منذ أسبوع، وأنه قد تم قراءة الفاتحة من قبل شاب، والأمر الذي أشعلني هو أن (ق) سألتها من هو الشاب؟ أهو الذي ببالي؟ فقالت لها من تقصدين؟ فردت عليها (ق) بأنها تقصدني، وكان جواب (س) بأنه لا، لأنه لم يكن يقول لها شيئاً، ولم يفتح الموضوع بتاتا معها.
فهنا بدأت أبعث بالرسائل مجددا لـ (س) موضحاً لها بأني لم أكن أعلم إن كان هناك قبول بي من طرفها، وكم يهمني أمرها، وتفجر كل ما كنت أكنه لها من خلال هذه الرسائل الأخيرة. وتوصلت إلى أن يكون هناك اجتماع بيني وبينها وبين أخيها الأصغر (هو شاب متفاهم وجامعي) وبين (ع)، نحن الأربعة فقط، التقينا وتباحثنا، وبينت لي بأن ارتباطها كان بغير قبول منها، إنما من أهلها (هم محافظون وطيبون جدًّا، ولكن ظنوا أنها رفضت لأنها غير قادرة على اتخاذ قرارات مناسبة، بسبب ضغط عملها)، وأخبرتني بأن الشاب (ن) هو نفسه الذي كانت مرتبطة به سابقاً، وقد فسخت العلاقة منذ حوالي 6 أشهر بسبب بعض الخلافات، وقالت لي بأن الشاب ملتزم وعلى خلق.
للذكر أن (س) قالت لي بأنها كانت مرتبطة أيضاً بشاب آخر من قبل اسمه (ح)، منذ ما يقارب السنتين والنصف، أيضاً ملتزم جدا، وأنه حصل معها حادثة فدخلت المستشفى، فأصيب هذا الشاب بأزمة صحية من جراء تأثره بما جرى لها، ودخل المستشفى أيضا، وكان الشاب يعمل، فدخوله المستشفى أثر على عمله، فصرفه أصحاب العمل وهكذا أصبح بلا عمل، ولم تكن ممانعة للأمر، إنما أهلها فسخوا ما كان بينهما أيضاً.
وقالت لي بأنها رأت رؤيا بأن (ح) كان يقرأ القرآن لوالدتها، ويقرأ سورة آل عمران، وأتى على الآية (وكفلها زكريا)، ووالدتها أيضاً رأت رؤيا أخرى، وهي أي (س) تربط ما رأت بارتباطها الجديد مع (ن)، وأقول لحضراتكم بأن (س) صالحة جدا، ويجب ألا نتهاون بالرؤيا.
نعود للاجتماع جدير بالذكر بأن (ن) على علم بالاجتماع، هي أخبرته، توصلنا إلى أنها وعدتني بأن تفكر ملياً بالموضوع وأن تفتش عن سعادتها هي (هذا بناءً على طلبي منها)، ولكن قالت لها بأني لم أقصد أن السعادة هي معي، بل أقصد سعادتها فقط، مع أي شخص كان، وأوضحت لها بأني على استعداد تام لأن أتقدم لها من أهلها رسميًّا حينما تشاء، وأنه إن كان هناك ما يتوجب علي من فعله، مثل التكلم مع (ن) بالأمر.
على فكرة (س) عندها أخ آخر اسمه (م) قد خطب أخت (ن) منذ فترة، من قبل فسخها العلاقة مع (ن)، وهذا سبب أيضا حساس لاستمرارها معه، وعرضت عليها التكلم مع (م) أيضاً. وفي ختام الاجتماع أردت أن أطرح عليها سؤالاً، وهو هل لي مكانة عندها في قلبها أكثر من أخ (شريك حياة)، فكان الجواب أنه قد طرح عليها السؤال سابقاً من قبل (ع) وجاوبتها بأنهم لو خيروها بين (ن) وبيني، لكانت اختارتني.
أرجو التكرم علينا بالنصح لوجه الله؛، لأنني معجب بخبرتكم، أنار الله قلوبكم لهداية العباد إلى الطريق القويم.
إنني أتأسف لحضراتكم جدًّا على الإطالة، ولكن أعتبر وأظن أن كل ما ذكر هو مهم لمساعدتكم لنا. أرجو المعذرة، ولكن الأمر مستعجل جدًّا، كما تعلمون.
8/3/2024
رد المستشار
الأخ الكريم، مشكلتك ليست صعبة بعون الله، أنت من صعبتها على نفسك وعلى هذه الفتاة بترددك في مفاتحتها بالأمر، وقد كانت الفرصة متاحة أمامك مرات عدة، وقريبتك كان يمكنها القيام بدور الوسيط بينكما، ولكنك ظللت على ترددك؛ حتى قبلت هي أن ترتبط بمن لا تقتنع به، ولقد أصبحت الآن مرتبطة بغيرك، ولن يمكنك التقدم لها رسميا إلا بعد أن تنهي هي هذا الارتباط؛ "فالكرة الآن في ملعبها" كما يقولون.
وسيقتصر دورك على توضيح بعض الأمور لها –سواء مباشرة أو عن طريق قريبتك التي تعمل معها– ومن ذلك أن الزواج لا بد أن يبنى على الاقتناع الكامل، ويجب ألا يتم الزواج إذعانًا لرغبة الأهل أو حرصا على علاقة أخيها بخطيبته؛ لأن فسخ خطبتها الآن قد يكون ضرره أقل على مشروع زواج الأخ من ضرره لو حدثت خلافات بعد زواجها، عليك أن توضح لها أن اختيار شريك الحياة لا بد أن يخضع لمعايير محددة بناء على اعتبارات العقل والقلب معا، وهذا ما تجد توضيحا له وتفصيلا في الاستشارات تحت تصنيف: نفسي عائلي: اختيار شريك الحياة Spouse Choice
وهذه الفتاة أمامها الآن اختياران: أنت وخطيبها وعليها أن تفاضل بينكما، وأن تحسم اختيارها بناء على ما تجده مناسبا لها ومتكافئا معها.
وبالنسبة لما رأته هي ووالدتها في منامهما، فمن أدراك أن هذه رؤيا! وليست حلما من الأحلام اليومية، وصلاح الإنسان لا يعني أن كل ما يراه في منامه من الرؤى، ورؤية الإنسان للأحلام في منامه لا تتنافى مع كونه من الصالحين؟ مقتضى علمنا وقناعتنا في هذا الأمر أن الأحلام لا تجُبُّ حكم العقل والاعتبارات الأخرى.
والمفاضلة بين أمرين (سواء زواج أو عمل أو مجال دراسة أو غير ذلك من الشئون الحياتية) تتم عن طريق دراسة كل الظروف والملابسات والميول، ومن خلال هذه الدراسة يحدد المرء ما يناسبه من اختيارات وفي أي اتجاه سوف يسير، وفي هذه الأثناء يلجأ إلى الله ويستخيره ويسأله العون، ثم يبدأ السير قدما في الاتجاه الذي اختاره، فإن كان فيه الخير فسوف ييسره الله، وإن كان الأمر غير ذلك فسوف تتضح أمور أخرى تجعل المرء يعيد حساباته أو تظهر عقبات جديدة تحول بين المرء وبين هذا الطريق.
ولا أدري من أين رسخ في ذهن الكثير منا تصور أن الأحلام تصلح أن تكون قائدا وحاكما لنا، ويمكنها أن تدفعنا لترك هذا وإتيان هذا بغض النظر عن كل الاعتبارات الأخرى، وهذا التصور يتنافى مع فهمنا الصحيح لديننا الإسلامي الذي يعنى أيما عناية بشأن العقل، ويتنافى مع فهمنا لقول حبيبنا ومعلمنا وقائدنا صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل".
أخي الكريم، خلاصة القول في أمركما أن تستخيرا المولى -عز وجل- وتطلبا منه العون والتوفيق، ثم احسما أموركما بناء على الاعتبارات السابقة.
وأدعو الله أن يوفقكما وييسر لكما الخير، وتابعنا بالتطورات.