شاب يتقلب في النار، دموعه لا تجف ولا تختفي، يستغيث بالقلوب الحية،
الموضوع: إغاثة نفس تتهاوى، تتمنى الموت على الإسلام.
أخي وأستاذي .. وسامحني على هذا الإيميل الطويل، وأنا مطلع على أعمالك وأشغالك وضيق وقتك، ولكن حرارة الموت تضطرني لذلك.
أسأل الله أن يكون برئي على أيديكم، وهاكم قصتي وأنا في أنفاسي الأخيرة..
معاناة لم أعرف لها مثيلا، قرأت كثيرا في الكتب القديمة والحديثة الدينية والدنيوية، والجرائد والمجلات، والإنترنت، ولاحقت البرامج التلفزيونية لأجد حلا لهذه الكارثة التي ألمت بي في أول العشرينيات من عمري، ولكن للأسف لم أعثر حتى الآن على الدواء، متاهة ما بعدها متاهة، أنا والنار صنوان، طلاسم يا عباد الله، والذي أصابني من الحيرة والقلق والعذاب والاختناق أضعاف ما أصابني من البلية، لو أستطيع أن أكتبها بالدم والهم والغم لكتبت فيها كتابا، ولكنها السبب حتى في مجرد الكتابة والمراسلة، هي أعجزتني عن القيام بأتفه الأشياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إخواني الكرام، أغيثوا صاحبكم، فإنه على حافة الهاوية، إنها هاوية وساوس وهواجس وضغوطات الكفر، والعياذ بالله.
أنا شاب من فلسطين، من أولى القبلتين، من قرية نائية، عشت حياة في قمة الاستقامة، من الطفولة حتى العشرين من عمري، بدون أية مشاكل نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو، عائلتي محافظة بالفطرة، وأنا تدينت مبكرا في المراهقة، وكنت متفوقا في الفرع العلمي في دراستي، لا غبار في حياة عائلتي بتاتا، وأنا ولدت بينهم ومعهم، اعتقلت سنة كاملة في التاسعة عشرة من عمري وهناك تدينت تدينا مميزا وبدأت رحلتي الحقيقية مع عالم القراءة، والروحانية والزهد وحفظ القرآن، ومرت عادية كأي اعتقال، دخلت الجامعة بعدها.
وفي كلية الشريعة عام ستة وتسعين في الفصل الثاني، كنت في هذه الفترة في الطابق الأرضي وأهلي في الثاني أنام فيه وحدي وأقرأ، وهنا وجدت نفسي ثقيلا جدا جدا وانطرحت على الأرض لأستريح، فلم أستطع رفع جسدي، صبرت وصابرت حتى رفعت جسدي، بعدها أصبح ينتابني ثقل في جسدي ونعاس ثقيلان، هذا الثقل والنعاس أبرز ما عرفته في حياتي، ويا ويلي منهما، خاصة النعاس، ما ألبث أجلس للقراءة حتى يهاجمني النوم بطريقة غريبة جدا، لا أستطيع الحراك، فأنام على حالي، على الكرسي أو الطاولة، بحذائي بلباسي والكتاب يسقط من يدي على الأرض ولو كان مصحفا، وإن كان الوقت مساء مثلا أنام حتى الصباح على حالي بدون غطاء، وكان هذا يعرضني للخطر والمرض، أحيانا أنام قريبا من المدفأة أو منقل نار في الشتاء، مرة كادت ثيابي أن تحترق ومرة صحوت مختنقا لا أجد الأكسجين وهذا في بدايات المرض، كنت أنام وحدي لا يعرف أهلي ولا يرون شيئا، وبعد ذلك بأربع سنوات صرت أنام مع أهلي.
وقبل إكمال قصة هذا العذاب أريد أن أضعكم في صورة حياتي آنذاك قبل ظهور المرض، وكيف أصبح يغير مني شيئا فشيئا، حتى صرت في أسوأ حال:
1) كنت رياضيا ماهرا ومعي شهادات مدرسية رياضية ودخلت فرق الجامعة والنادي في بلدي، وكنت قوي الجسم، ألعب الكاراتيه وحصلت على أحزمة ويشهد لي كل من عرفني بقوتي وفني حتى تفوقت على الذين دربوني..
2) أعطاني ربي الشخصية الكاريزمية، اتزان وطول وجمال ومتكلم وقوة وأخلاق وتدين وحب من الجميع.
3) وكنت متفوقا في دراستي المدرسية والجامعية وكنت الأول على الكلية.
4) حب كبير للقراءة والكتب، أقضي وقتا كبيرا فيهما.
5) الروحانية والزهد وقراءة القرآن والخشوع في الصلاة والسكينة والدموع السيالة.
6) الخلوة نوعا ما كانت ألذ عندي من الاختلاط، حتى أذكر أني مرة يوم العيد وبعد الصلاة ورؤية الأرحام عدت صباحا إلى البيت لأقرأ في تهذيب مدارج السالكين، والعادة عندنا ألا يبقى أحد في البيوت في الأعياد.
7) كنت أصوم بشكل وسطي، وأقوم من الليل ثلاث ساعات تقريبا، ولا يمكن أن تفوتني صلاة جماعة، وما أجملها من أيام وليال، رحمها الله.
8) كنت قد حسمت أمري ووضعت هدفي في الحياة وهو تكريس حياتي لله عز وجل، وذلك من خلال دراسة الشريعة حتى آخر مراحلها الأكاديمية، وأصبح دكتورا في الجامعة، وأكثر ما دعاني إلى ذلك وجود أكبر حزب شيوعي في الضفة الغربية عندنا في القرية.
نعود:
بعد تلك الأعراض الأولى لم أهتم أن شيئا حدث وكأنه عارض وسيمر، استمر المرض معي وكان محصورا فقط في النوم والثقل البالغ في جسمي، لم أحدث أحدا اعتقادا مني أن الله يبتليني ولا يجوز أن أشكو ربي، كانت إرادتي والحديد صنوان، ولا يعجزني شيء، إلا أني صبرت سنة ونصفا وأنا ملتزم بعدم الحديث لأحد.
لم أطق المزيد من الصمت، فكلمت أستاذا لنا في الجامعة، فقرر أن يقرأ علي شيئا من القرآن، وحين قرأ علي أجهشت بالبكاء الكثير، لأول مرة أبكي بهذه الطريقة، حاولت أن أوقف نفسي ولم أستطع، أحسست أني مرغم على البكاء وأن شيئا في نفسي هو الذي يبكي ولست أنا، وانتهينا على أمل أن أخبره بوضعي بعد ذلك ولم يخبرني هو عن طبيعة مرضي.
مع ملاحظة أني لا أعرف شيئا عن السحر أبدا أو الجن أو العلاج بالقرآن وكنت مستغربا من هذه الأمور، لم أتحسن بتاتا، وضاقت علي الأمور؛ لأن النوم كان يحرمني من أحب شيء على قلبي وهو القراءة وبالذات القرآن، صار النوم يلاحقني في كل مكان، في المحاضرة، والسيارة، والمساجد، وكل مكان، حتى بين الشجر، والله العظيم مرة نمت وأنا أصلي أثناء السجود، وأصبح من حولي يلاحظ ذلك.
بدأت أعرض نفسي على أشهر أطباء الأعصاب والنفس والعضويين، وعملت كل التحاليل والتخطيطات للقلب والدماغ، حتى أذكر تماما كيف كنت أنام وأنا على سرير الفحص لتخطيط الدماغ، وأنام في صالون الانتظار بين زوار الطبيب، ويأتي الطبيب ويفيقني ويأخذني إليه، وصور أشعة للجيوب الأنفية وغيرها، وبدون أي نتيجة.
وكانت السنون تمضي واحدة بعد الأخرى، وأصبح بعد ذلك الموضوع غير قاصر على النوم والثقل في الجسم، وتتسرب إليّ أعراض ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أكتشفها إلى أن تستقر وتصبح ظاهرة، وهنا أجمل لكم أبرز هذه الأعراض التي لا تفارقني حتى اليوم، وأقسم لكم عن حقيقتها، وأنها ليست وهما كما يحلو للبعض، واليوم عمري ثلاثون سنة، عشر سنين من الجحيم.
(أعراض عضوية):
1) النوم الطويل والثقيل، وبدون أي طعم بل نوم عذاب، وأحيانا أصحو ولا أستطيع فتح عيني، وأحلامي أصبحت معروفة ولا يوجد غيرها، أحلم فقط بالمقابر والجنازات والموتى وكيف أكلمهم ويكلمونني، وأحلم بالأفاعي الصغيرة والكبيرة، سوداء اللون، تلاحقني وتفزعني وأفر منها ولا أستطيع، وأحلم بالكلاب السوداء تلاحقني وتهاجمي وأفر منها ولا أستطيع.
وقبل سنة فقط انقلبت الآية أصبحت لا أنام أبدا، أرق شديد مع خوف شديد بدون مبررات، حتى صرت أتمنى أن لو يعود النوم، وبحق عاد بعد ستة أشهر من عذاب الأرق والخوف، وعاد إلي النوم والأحلام، ولكن تقل عن السابق بدرجة، حتى هذا الوقت والوضع كذلك.
2) الصداع المتفجر والمستمر وقلما يفارقني، وقد تخف حدته، وهو متنقل في الرأس لا يستقر في جهة.
3) الثقل والخمول في الجسد، لا يمكنني من العمل ولا حمل شيء ولا أن أخدم حتى نفسي، أحيانا قد أصلي جالسا وأحيانا قد أزحف زحفا، لا أقدر على إنجاز شيء ولا أحب فعل شيء، ولولا أن أمي تطعمني لمت من الجوع.
4) وجع مستقر تحت كتفي اليسرى، عشر سنوات ولم يفارقني إلا سنتين ثم عاد.
5) وجع آخر في أسفل الظهر، يغيب كثيرا ثم يرجع وأيضا في كل ما يسمى مفاصل.
6) وجع لمدة سنتين في المعدة، ثم غاب ولم يعد، ربنا ما يعيده كان يحرمني الأكل نهائيا، مرة من المرات ما أكلت ثلاثة أيام بتاتا.
7) شهية الطعام والشراب شبه معدومة، بعدما كنت مشهورا بكثرة تناولي للطعام وحبي له.
8) ضعف عام في الجسد بعدما كانت صحتي قوية، كانت قوة دمي قبل المرض (18) وبعده صارت (5.13 9) في الشتاء لا أفارق المدفأة من شدة البرد، أصاب ببرد شديد غير عادي.
10) شاحب الوجه قبيح الشكل ضعيف جدا ونحيف كأنما عمري 90 سنة.
آخر نقطة:
رعشة ورجفة في أصابع يدي وملاحظة لأي واحد، ومزعجة؛ لأنها لا تمكنني من الأشياء التي تحتاج إلى تركيز (كالماوس والكيبورد) مثلا.
القدرة الجنسية:
كانت عادية كأي إنسان لمدة ثماني سنين، خطبت فتاة بعد ذلك وكانت الطامة أن فقدت قدرتي الجنسية بعد خمسة أشهر من الخطوبة ولا تسألوا عن العذاب النفسي بعد ذلك وكان ما بي يكفيني ولكنه أمر الله، لم أخبر أحدا بذلك ولا خطيبتي هذا في البداية، وأجلت الزواج سنة أخرى لعل الله أن يشفيني، وبعد أن كنا جميعا ننتظر الصيف للزواج أخذت أنا أتعلل بالتأجيل، وفعلا أجلت إلى هذه الصيفية القادمة، وما زلت على حالي ضعيفا جنسيا، طبعا أخبرت خطيبتي وتمسكت هي بي وصبرت حتى تأتي هذه الصيفية فلعلي أشفى، إلا أنها أخبرتني مؤخرا أنها تريد الفسخ، لم نفسخ حتى كتابة هذه الكلمات.
وأخبرت أمي وأبي، والمساكين كأنهم قبروني من الصدمة، مشينا من جديد طبيا لهذه المشكلة بالتحديد، والفحوصات (تستوستيرون والبروستاتا) تقول لا مشكلة طبية عندي والأمر بالنسبة لهم نفسي لا غير، والمنشطات كالفياجرا لم تعمل شيئا، فحالة الحزن عندي شديدة جدا، وأتمنى لو أقدر على الابتسامة، بل قلبي يتفتت ألما. وبعد ذلك أصبحت لا أصرف بصري عن أي امرأة، وأتلذذ بالصور العارية، بل أبحث عنها وبطريقة غير عادية، وبدون ملل، وشهرتي كانت بغض البصر كالعلم ولكني، . وعلمي بالحلال والحرام لا يؤثر علي بتاتا.
* ومن الأعراض المستمرة أن يكون معي إما إسهال أو إمساك، وأمكث طويلا في الخلاء، أجلكم الله.
* لا أطيق الماء البارد للاستحمام في الصيف، وفي الشتاء أريده ساخنا، بشكل غير عادي عندي نفور من الماء.
* فقدان الذاكرة بشكل كبير جدا، وفقدت التركيز والذكاء وأحتاج وقتا طويلا لأستوعب أي فكرة أو موضوع، ومن النوادر أني نسيت مرة تاريخ ولادتي وأخذت وقتا وأنا أتذكر، وفي هذه النقطة بالتحديد نسيت معظم أجزاء القرآن التي كنت أحفظها، وأخطئ كثيرا، وأرتبك وأسهو بشكل ملحوظ حتى في قصار السور، وهناك أبحاث فقهية كنت كتبتها في موضوعات مختلفة وناقشتها وحفظتها مثل اسمي الآن لا أذكر منها شيئا.
* حوالي أول ست سنوات ومنطقة القلب خصوصا تؤلمني كأنه الجمر والدقات غير طبيعية، ثم فارقني هذا الوجع إلى هذا الوقت والحمد لله، وأيضا الصدر عموما كأنما عليه صخرة أتنفس من خرم إبرة، . ثم ذهب هذا أيضا وبقي القليل.
* عندي جفاف دائم ويبوسة في شفتي ووجهي.
* لون بشرتي الأصلي أشقر، الآن وجهي معتم يميل إلى السواد. أعراض نفسية واجتماعية ومعنوية، أليمة جدا.
* صدق أو لا تصدق، أصبحت هكذا لا أطيق شيئا، فقط على سبيل المثال لا الحصر.. لا أطيق المسجد، ولا القرآن ولا أي كتاب أو الصلاة، والعبادات كلها أو أمي أو أبي أو إخواني أو أخواتي، لا أطيق رؤية البشر ولا الجلوس معهم وأفر منهم إلى الجبال وأنام هناك بين الشجر، لا أطيق أحدا يتكلم معي أو يطلب مني قشة، والأمر شامل لخطيبتي طبع، . ولا أرتاح في مكان، وأندم كثيرا على أي شيء.
* بطريقة ممقوتة أبغض أمي بغضا لا يمكنني من طاعتها أو برها ولا أستطيع أن أرد عليها لو سألتني مثلا، أو تكلمت معي لا أنبس ببنت شفة، وأنفر منها، ولا أقدر على النظر إليها، يا إخوان معلش والله من أيام طردتها من غرفتي ولأول مرة في التاريخ وبدون سبب، من يصدق ذلك، ولماذا؟ ولو أن أمي حلفت يمين بذلك ما صدقها أحد، من يصبر على هكذا كوارث؟ ولم أر من أمي إلا كل خير، من يصبر على ذلك؟ وكلما قيل لي: اصبر. أقول في نفسي: الله أكبر، من يصبر على ذهاب دينه؟ من يصبر على النار؟ من يصبر على الكبائر والصغائر والرذائل؟
* لم أعد أحس بالحياة ولا أشعر بمعنى السعادة ولا أتمتع بشيء ولا أفرح لأي خبر حتى لو قيل لي تعال ندخل الجنة، ولا أتأثر بأي خبر سيئ أو محزن ولو كان وفاة مقربين جدا، أصبحت مجردا من الإحساس والمشاعر، ووالله كنت مرهفا.
* أكره الحياة بشكل فاحش وأتمنى الموت ألف مرة يوميا، وأسأل الله الموت بشكل يومي، وأحس بالندم على وجودي في الحياة، وناقم على كل شيء، وأحس أن كل من حولي قد خذلني، وألعن الدنيا ونفسي والحياة طول الوقت، تنفيسا مما في داخلي من عذاب، وأحيانا من شدة الألم أنهار من البكاء، وأجهش حتى يسمعه من حولي.
* أحب الخلوة بشكل كبير، وأستوحش من الناس إلا أني أحس بالخوف إذا بعدوا عني.
* خائف من المستقبل ومن الدنيا ومن المسؤولية، وأحيانا يركبني رعب من لا شيء، أهرع عندها إلى أمي ليهدأ خوفي.
* الحزن الشديد والمتواصل، والأسى والأسف والحسرة والاكتئاب والدموع ما أكثرها وما أسخنها ولا تعرف الابتسامة إلي سبيلا، وأحسد كل إنسان يبتسم.
* العصبية الحادة والسريعة ولأسباب تافهة وما كنت سابقا كذلك أبدا.
* سوء الخلق بعدما كان ما أحلاه.
* الشتات الذهني والصفن ولو كنت بين الناس، وكثيرا ما أطلب إعادة الكلام من المتكلم، ولا أركز مع من يتحدث إلي بتاتا.
* كم أتمنى لو أن الانتحار حلال لفعلته من زمن ولكن حرمته واقفة في وجهي.
* وساوس وهواجس بالكفر والاعتراض على القدر وعدم الرضى عن أمر الله.
* اليأس والإحباط المطبقان وفقدان الأمل والاستسلام للفراش.
* الحيرة في كل شيء، وعدم القدرة على اتخاذ القرار في أي شيء، وسرعان ما أندم وأتراجع، وبعد التراجع أيضا أندم.
• موت الإرادة نهائيا وقد كانت كالحديد، والتأجيل عندي كثير ولأتفه الأمور ما بعد المرض؟ باختصار شديد "من القمة إلى القاع"، بعد أن كنت عابد الحرمين -لا أريد أن أفضح نفسي- أفعل اليوم من المنكرات ما لا يمكن أن يصدقه أقرب الناس، كل ذلك رغما عن رقبتي لأن الفراغ الذي أعيشه قاتلي، ورأسي لا يكف عن التفكير في المرض وأسبابه وكيفية الخروج منه وعن ذنبي فيه وعن الحاضر والمستقبل وعن مبررات وجودي ما دام الوضع كذلك؟
أما الأعمال الصالحة التي كنت عليها، وبالتدريج إلى أسفل درجة بعد أخرى، اليوم لا أفعل غير الفريضة من الصلاة، حتى الوتر لا أصليه وأحيانا أقضي فريضة على أختها وصلاة الفجر طبعا صارت بعد الشمس. كنت في بدايات المرض قويا جدا، فأقمت في المسجد أكثر من عشرين درسا ودورة قرآن في الأسبوع، اليوم صفر اليدين لا شيء مما ذكرت، فقد تناقصت تدريجيا حتى لم أستطع الاستمرار، بعد المقاومة العنيفة.
الدراسة الجامعية:
بدايات المرض لم تؤثر علي كثيرا، وكنت الأول على الكلية ثلاث سنين، وبدأت في الرابعة أتراجع، وسجلت بعدها للدراسات العليا، وقبلوني لأني كنت معروفا باجتهادي وتفوقي وحسن سيرتي، ومن علاماتي في الماجستير يرى أي واحد كيف التراجع، حتى أني رسبت في مواد، وعلاماتي متدنية جدا، ووصلني عدة كتب من الجامعة منذرة إياي بالفصل من الجامعة بسبب الرسوب المتكرر، وآخر هذه الأزمات هو أني تجاوزت المدة القانونية، فمكثت خمس سنوات والقانون يقول أربعا فقط، والماجستير كله لا يستحق أكثر من سنتين، ولولا يد العون من بعض الطلاب الذين ساعدوني في الرسالة لخسرت الماجستير، والحمد لله، ولو أنك سألت أي واحد هل تصدق أن فلانا (أنا) يرسب في مواد لما صدق أبدا.
** عينت إماما لمسجد قريتنا قبل خمس سنوات، وكما قلت لكم كنت في قمة الالتزام والنشاط والحيوية والطموح والإنتاج الدعوي بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى، طبعا قبل تعييني وبقيت كذلك حتى سنتين أو ثلاث من التعيين، والناس يضربون في الأمثال في التدين والانضباط والأدب، سيرتي على كل لسان وصرت أكبر قدوة للكبار والصغار والشباب والنساء، ولكن هدني المرض هدا، وأخذ يضعف مني رويدا رويدا، ولم أعد كعهدي الأول، ولم أعد أستطيع المقاومة، وإرادتي في تراجع.
وعشر سنين اليوم مرت وقد نفدت ذخيرتي، وأنا أقابل منشارة المرض بالصدر العاري، وحالي لمن يعرفني تثير الشفقة وتذكر بقول الله تعالى: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان،"، تركت المسجد وتركت كل شيء أيضا رغما عني، بالتأكيد سيحلو للبعض أن ينصح بالكثير من كلمات الصبر والمصابرة والأجر للصابرين، ولكن ليس الخبر كالمعاينة، ووالله العظيم لقد صبرت حتى لم يبق لدي ما أفعله، وأنا اليوم قعيد البيت والفراغ، والعذاب يحاصرني من كل مكان، وأحلف بالله لو أن غيري أصابه المرض بهذه الطريقة لصار مجنونا يلعب به الصبيان، وقد اقتربت من هذه الحالة.
** قد يكون في هذه الدنيا من هو أنكس وأبأس مني، إلا أن مشكلتي الحقيقية أن الله خلقني شديد الحساسية، شغوفا بالكمال، طموحا لبعيد، أحب العمل والإنتاج والتغيير وأمنياتي كثيرة وكبيرة وهي واقعية، وكان المستقبل أمامي مشرع الأبواب، لا أرضى بالقليل أو بسفاسف الأمور أو الدنايا، ووجدت أمامي اليوم سد يأجوج ومأجوج فلم أسطع أن أظهره ولم أستطع له نقبا، أما الآخرون فقد لا يكونون من الحساسية والطموح وهمة السماء كما هي عندي، وإن كان لديهم فهم مثلي إذن في النار. واليوم عمري ثلاثون، بلا عمل بلا بيت بلا زوجة ولا أستطيع الزواج، بلا علم بلا أمل بلا حاضر ولا مستقبل، والعذاب يدكني دكا دكا، ولا أشتهي غير الموت.
** لذة وحلاوة الإيمان لا يعرفها إلا من ذاقها، من أكبر مصائبي أني خسرتها، فمن القيام إلى الصيام والقرآن والإحسان والذكر والدعاء والدموع والخشوع والتفكر والزهد، المهم في هذه المفردات أنها تختلف من واحد إلى آخر، أما أنا فلا تسألوا عنها؟ لأني حقيقة عاجز عن توصيل الرسالة وعن عذوبتها وطهرها ورقيه، من أكثر ما يؤلمني خسارتها، ولو أن ضلالي كان ضلالا عاديا لوجدت في الدنيا ما يعوضني، ولكن ضلالي غريبا ورغما عني وحالي في الدنيا نثرت لكم طرفا منه، فاليوم أجد نفسي بدون دين وبدون دنيا، وأجمل خبر عندي هو موافقة الله على وفاتي، مع ضمان رحمتي.
وقبل الهجوم علي بهذا السؤال، "ما الذي فعلته كي تداوي نفسك؟" سوف أجيب:
* كما قلت لكم بدأت بالأطباء العضويين والتحاليل وصور الأشعة والأدوية، ثم الأطباء العصبيين وتخطيطات الدماغ والقلب والأدوية، هؤلاء بدون أي فائدة.
* ثم الأطباء النفسيين، قبل سنتين ونصف، أي بعد سبع سنوات من المرض، ومكثت عند أحدهم ثمانية عشر شهرا: أول شهرين تحسنت وأحسست بالفرج، واعتقدت أني وقعت على الدواء، وكان الدواء هو: (كلونيكس، فلوكسيكير، إلاترول)، والتحسن أقصد به شاملا، يعني كل عرض أو وجع ذكرته لكم ينقلب إلى ضده، ويعني أيضا: (قصة آخر رجل يخرج من النار المعروفة)، ولم أفرح طويلا، فبعد الشهرين بدأ التراجع، وظل طبيبي يأخذ ويعطي، ويغير ويجرب في الأدوية، بدون فائدة تذكر.. وكان أحيانا يطرأ علي تحسن بعض الشيء ولبعض الوقت ثم ينقضي، وأحيانا كان الدواء يرميني بالفراش أسبوعا، طبعا مللت أنا هذه الحالة وشعرت أنه جعل مني حقلا لتجارب الأدوية، وطالت المدة وقال لي قد تطول إلى خمس سنوات ولا وعودات أيضا مع كل ذلك بالشفاء، والتكاليف باهظة جدا جدا فتركته، خاصة أن حالتي عنده أخذت تسوء آخر أمرها.
وأثناء التداوي عنده دخل علي أهم كارثتين في المرض، فقدت القدرة الجنسية عنده، وبدأ الخوف والفزع والهلع يداهمني بشكل جنوني وعنده أيضا انقلبت حالي من النوم الثقيل والطويل إلى عكسه تماما، لا أعرف النوم إلا الساعة الثالثة صباحا مع الخوف غير المبرر. هذان العرضان الأخيران دخلا علي وأنا أتداوى عنده، فتركته.
ومرة أرشدوني إلى معالج بالإبر الصينية، وذهبت ولم يترك مكانا في جسمي إلا وغزه بالإبر حتى رأسي، وبقيت عنده ثلاثة أشهر، حتى أخبرني أنه استنفد كل طرق العلاج وأن العلة عندي في الدماغ ولكنه لا يعرف حلها.
وفي الاتجاه الآخر كنت أذهب خلال السنوات العشر إلى المعالجين بالقرآن، للأسف لا أحد منهم خبير في رقيته، ولا في أمور السحر ولا المس، وإنما يجربون هم الآخرون، وما أكثر أحاديثهم في الحالات التي عالجوها، وتسمع منهم قصصا خيالية ويهونون عليك مشكلتك، وعند الاختبار والجلوس بين أيديهم لا تجد أي نتيجة، ثم أستمر مع الواحد منهم جلسات عدة يكون مصيرها الملل والعدم ثم البحث عن آخر، ومعظمهم يأخذ الأجرة على عمله، ومعظمهم أيضا عليه شبهة الدجل والعرافة والشعوذة، بعضهم عمله صحيح ولكن أيضا بدون فائدة.
وحتى تكونوا في الصورة، سأذكر لكم أني ولسنوات من المرض لم أكن ألتزم بما يقولونه لي من برنامج علاج بشكل كامل وإنما بنسبة 50%، والسبب ضعفي الذي سببه المرض، وضعف قناعتي بجدوى ما يطلبون، أما ما كان يحدث معي عندما تبدأ القراءة علي، فيتمثل بالتالي:
* كهرباء هائجة تنتشر في جسمي وأطرافي.
* تتابع في أنفاسي كأنما أكون متعبا.
* أحيانا كنت أشعر بالغثيان.
* أحيانا قليلة كنت أشعر بصداع متنقل.
* مرة من المرات طلب مني المعالج خلع القميص وحده وأخذ يصب علي الماء البارد ويرشقه علي رشقا، يومها ولأول مرة أخذ رأسي يهز هزا كهز رؤوس اليهود عند حائط البراق، رغما عني، ثم يتوقف ثم يستأنف بدون تدخل مني، وشعرت بالاقتراب من الفرج، وهذا المعالج بالذات أكثرت من الذهاب إليه بعد ذلك، ولكن أيضا بدون فائدة. فقط هذه الأمور التي كانت تحدث معي، وليست دائمة فأحيانا تغيب، وأحيانا تكون قوية جدا وظاهرة وأحيانا خلاف ذلك،
ويا إخواني الكرام، الله لا يبليكم، كنت أتعرض للضرب من بعضهم، أو للخنق أو للسع والحرق بالكهرباء أو بالجرح بالشفرة أو بالسكين أو، . ووالله ودموعي على وجهي ما تجف، شفقة على مآلي وحالي، وأبواب هؤلاء ليست مشرعة للمرضى، وإنما يجب أن تتعلم على أبوابهم الذل والتوسل والرجاء حتى يرضى بك حقلا للتجارب والمغامرات.. وكانت منشارة المرض تفعل فعلها يوما بعد يوم، ورضيت مؤخرا بالذهاب إلى المشهورين بالعرافة وذهبت إلى معظمهم ودون أي فائدة. ما أكثر الأموال التي دفعتها، والطرق الالتفافية التي أتيتها، والحواجز التي صلبت عليها والقرى النائية والمدن التي سافرت إليها وعبرتها.
وأخيرا ضاقت علي الدنيا بما رحبت وضاقت علي نفسي أكثر من الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله في تبوك، فعمدت إلى الكتب المختصة بالسحر والمختصة بالأمراض النفسية، والمختصة بالضعف الجنسي وأسبابه.
أما المختصة بالنفسية فيعترف بعضهم أنهم يعالجون ما يظهر لهم دون المعرفة بالأسباب الحقيقية للمرض؛ لذلك أدويتهم تمارس عملية التهدئة الموقوتة لا أكثر، وإن نفعت فقد تنفع المريض نفسيا بحق وليس كل من يأتي النفسانيين مريضا نفسيا... أما الكتب المختصة بالضعف الجنسي، قرأت قريبا من عشرة كتب، فلا تعترف إلا بسببين له: العضوي والنفسي، وتقصي السحر والجن جانبا، وآخرها للدكتور النشواتي، وحتى يتعرف المريض على الأسباب، يعمل له جدولا للأعراض بالسبب النفسي والأعراض بالسبب العضوي، وفي النهاية تكون نتيجتي أنا مريض بالسبب النفسي، وقطعا -كما قلت لكم- لم يكن عندي أي أرضية خصبة لنشوء المرض النفسي... أما الكتب المختصة بالسحر، فقرأت أكثر من 15 كتابا، وفيها العجائب وقرأت من القصص ما يحكي فيها أصحابها عن عذابهم ما لامس عذاباتي وكأنهم يتكلمون نيابة عني، والأعراض التي يسردونها للمسحور أو الممسوس في معظمها عندي بلا ريب، فقمت بعد ذلك بالالتزام بحرفية العلاجات المكتوبة في هذه الكتب، كالاغتسالات الكثيرة بالسدر، وكتابة آيات وشربها أو الاغتسال بها، وسماع القرآن وآيات الرقية أربع ساعات يوميا، والتزمت بذلك منذ إبريل 2004 وكانت أطول مدة مطروحة لذلك أربعة أشهر، إلا أني إلى هذا اليوم 10/2/2005 لم أر النور.
وللأمانة تحسنت بنسبة 10% تزيد درجة أو تنقص درجات ولا أزال أستمع للقرآن حتى وأنا أكتب لكم هذه السطور، التي أخذت مني شهرا كاملا، وقد مللت حياتي بشكل فاحش، ويستحيل الاستمرار مع هذا السعير، وما أزال تحت طاحونة العذاب، عذاب المرض وعذاب الشفاء من المرض، وأنا في ذكري لكم ذلك لا أحكم على علتي وإنما أساعد المشفقين علي من أمثالكم لعلهم يهتدون لعلتي، والأهم من ذلك شفائي.
أما اللجوء إليه سبحانه في كل ما مضى، والحمد لله الذي منّ علي أن كنت قريبا منه في الرخاء، ويوم البلاء أصبح اللجوء والضراعة والتوسل والرجاء والتحبب إليه أشد وأشد، ولم أفوت مناسبة دينية ووقتا لإجابة الدعاء إلا وكنت مطروحا بين يديه، ولكن المشكلة أن طبيعة المرض أبعدتني كثيرا جدا ووالله رغما عني، وهذا الأمر بالضبط هو الذي أدخلني في دوائر الجزع والتسخط والتشكك واليأس، فأقول لله في سجودي: "يا رب ما الذي تريده مني؟ قبل البلاء كنت كما تعلمني، إلا أنك أحببت أن تختبرني، فلم أترك وسيلة للشفاء إلا وسلكتها، وكان الشكر والصبر رفيقي في الطريق، ولم أجد الشفاء، ألم تكن العشر سنين كافية لتعلم مني ما تحب أن تعلم، يا رب ما عدت أطيق ونفد صبري وخسرت ديني ودنياي، يا رب أهي النار تريد أن تقذفني فيها وأنا لك محب ولها كاره، يا رب ما تفعل بعذابي وقد شكرت وآمنت، يا رب كنت أظنك أرحم وأحلم وأحن، فلا تخيب ظني فيك، وأنا أحبب عبادك فيك ولو علموا ما يصيبني لنفروا، يا رب إني قد وهن الإيمان مني واشتعل القلب نارا وما كنت بدعائك رب شقيا، رب الموت أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيده أصب إليه وأكن من الخاسرين، رب إني تحت قولك: "ذق" منذ عشر سنين، إن لم يكن من أجلي فمن أجل أمي أو أبي، من أجل أطفال المسجد الذين تركتهم والمحراب الذي فقدني، يا رب أستغيث بكل ما فيك من رحمة وحنان وعفو وهي لا حدود لها فيك، يا رب من أولى بي غيرك، يا رب ما أعجبك من حالي وأنا كالعريان ليس معي ما أغطي به سوءتي، يا رب هذه كلماتي: يا رب، يا رب، يا رب، فأين كلماتك: (فاستجبنا فاستجبنا فاستجبنا)".
وهكذا دأبي مع الله أكلمه كأنه لا يسمع غيري وكأنما هو متفرغ لي، وبيني وبين نفسي أعلم أني لربما أتجاوز الأدب فأستغفر، والحقيقة يا إخوان أني أذكر لكم من كل فصل من فصول مأساتي سطرا واحدا، وغيضا من فيض، والمخفي أعظم، ووالله إني مقصر في شرح معاناتي ونكستي وخيبتي.. وأنا أعلم أخي -قارئ رسالتي- أني أطلت عليك، ولكني أعيد الكلام مرة ثانية: هذا غيض من فيض، هذا عذاب جهنم ولم أرها بعد، هذا عذاب من يعفر وجهه في الرماد وجسمه في الجمر، إلى أن وصل النخاع، هذا عذاب من أصبح يحس أنه سيموت كافرا.
** أما أهلي:
فلا يمكن لي أن أصدق أنهم أهلي، لا يحسون بي بتاتا ولا يدعمونني دعما ماليا أو معنويا، أمي وأبي شبه أميين، ولا يصدقان أني مريض لا نفسيا ولا بالسحر ولا شيء حتى بعد أن فقدت القدرة وموضوع خطوبتي، لا أجد منهما الحد الأدنى من الحنان، وأكون إلى جانبهما في غرفتي مطروحا ولا أستطيع الحركة ولا أستطيع الكلام ولا أنبس ببنت شفة أياما، والله ما بظهر واحد منهما يقول شو مالك؟ ولا يوجد في دارنا أخوات فقد تزوجن منذ زمن، ولي أخوان يعملان وغير مهتمين بتاتا، هذه هي أسرتي؟ ولا يتناقض هذا مع كلامي في البداية أني عشت معهم من الطفولة إلى هذا الوقت بدون أي مشكلة بتاتا ولا كنت محروما من شيء، إلا أنهم خذلوني في محنتي فلم أتلق منهم أي دعم معنوي كالحنان، وهذا ضاعف من أحزاني، مع التنبيه أن نصف مدة المرض كانت من وراء عيونهم في الطابق الأرضي الذي أشرت لكم إليه، وبعد السنة والنصف من الكتمان أخبرتهم بأني أشعر بكذا وكذا فلم يهتموا أو يصدقوا؟ هذه أحوالي المستديمة.
وأما حين يشد علي المرض شدا، هنا يعصرني عصرا ويصب علي العذاب صبا هنا لا قدرة لدي ولا كلمات عندي تستطيع أن تعبر لكم عن سوء الحال ومنها أني أغلق على نفسي بالمفتاح لا أتناول الطعام لأيام ولا أصلي إلا جالسا وقضاء وهممت من جمعتين ألا أخرج لصلاة الجمعة، وأقطع عن نفسي وسائل الاتصال وأعيش مع الوساوس والاعتراض على القدر وآخذ أسأل الله أسئلة غريبة: عن ذنبي وسبب وجودي وعن المنفعة التي يجنيها الله من تعذيب البشر بهذه الطريقة بل أكثر من ذلك، هذا حال من كرس حياته لدينه وربه، وكان كعابد الحرمين وحفظ عشرين جزءا من القرآن ومعه ماجستير علم الحديث وإمام لمسجد، وخطيب ومؤذن وقدوة، صار كما ترون، ولا أدري ما هو مخبوء لي في مستقبل الأيام، وأنا أكتب لكم السطور وأنا أمسح الدمع وأكتب وأمسح.
قد تكونون قرأتم قصصا مشابهة ورأيتم التشابه في الكلمات والتعابير، ووالله إن التشابه هو فقط في الكلمات، أما مدلولاتها بيني وبين الآخرين فلا تشابه أبدا. ووالله إن العذاب الذي أعيش فيه لا تطيقه الدواب والحمير ولو وزع على عشرات الحمير لاستشاطت غضبا وتخبطت وما أمسك بها أحد، ولو أنزل على جبال لانهارت، ولو وزع على ألف أو ألفين موظف في شركة ليأتين عليها يوم وما بها أحد.
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ونار المرض تشويني ساعة بساعة ويوما بيوم، وكلما مضى الوقت اشتد الألم وانعدم الأمل وماتت الإرادة ومات القلب
واليوم أبحث عمن يفتيني بجواز شرب السم والانتحار، فإن أموت مسلما عاصيا أرحم من الموت كافرا.
18/3/2024
رد المستشار
1- المقدمة:
الأخ العزيز
أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أنني منذ بدأت العمل كمستشار إليكتروني على موقع مجانين، ولي على هذا الحال ما يفوق العقدين من الزمان، مرت علي خلالها استشارات واستشارات لكنني أبدا ما جوبهت بمثل استشارتك هذه التي تعد كتابا طويلا في المعاناة النفسية الجسدية مبهمة الأسباب والتفاصيل، فرغم أنك كتبت لنا عشر صفحات فإن كثيرا من الإطناب والإسهاب والتقديم والتذييل وعدم الترتيب شاب ما كتبته لنا فضلا عن تعدد وتشعب الاحتمالات التشخيصية التي تنشب في رأس أي طبيب نفساني يقرأ مشكلتك هذه، وأقول لك صادقا إنني لم أقرأ من قبل استشارة لأكثر من عشر مرات بحيث أجد أنني كل مرة إذا وصلت آخرها نسيت تفاصيل من تفاصيلها.
وكم يزيد انفعال المستشار وهو يقرأ قولك: "قد تكونون قد قرأتم قصصا مشابهة ورأيتم التشابه في الكلمات والتعابير، ووالله إن التشابه هو فقط في الكلمات، أما مدلولاتها بيني وبين الآخرين، فلا تشابه أبدا"،.. ولا أخفيك يا أخي أنني وسوس لي خاطر بأنك جمعت معاناة آخرين من على النت وألفت مشكلة مثلما فعلها بعضهم مع أخي ابن عبد الله من قبل على موقع مجانين، ولكنني على أي حال مضطرٌ لتصديق معاناتك كما تصفها، وألتمس العذر لك لإدراكي لمعاناتك الشديدة الطويلة، وصدقني لا أعرف حتى الآن إن كانت إجابة واحدة ستكفي للرد على هكذا استشارة، ولا أدري هل سيمكن عرضها بهذا الشكل المسرف الطول هي وردي عليها، أم سيضطر محرر الصفحة إلى عرضها على مراحل؟
من المنطقي بعد معاناة مع مرض -لا يعالج أو لا يتحسن- دامت سنوات طويلة أن تظهر عواقب وآثار ليس أهونها الاكتئاب (وهو واضح وشديد في حالتك)، ولكن هذا لا يعني أن الاكتئاب في هذه الحالة استجابة طبيعية منطقية لا تحتاج علاجا، وإنما هي استجابة محتملة الحدوث وقد تكون شائعة، وإذا كنت بدأت هذا الشطر من ردي عليك بقول "من المنطقي" فإنما أردت فقط أن أذكر بأن فهمنا لاستجابة نفسية بأنها منطقية لا يشترط أن ينزع الصفة المرضية لتلك الاستجابة، ذلك أن المعيار هو شدة تمكن سلبيات تلك الاستجابة من سلوكيات ومعرفيات صاحبها أو بكلام طبنفساني فإن المعيار هو شدة الأعراض المرضية وتمكنها من المريض.
يبدأ الكلام في ردك حين بدأت تفصيل ما اعتراك من أعراض، يبدأ بوصف لما قد يكون شكلا من أشكال فرط النوم النهاري النوبي، وهذا ما سنكتب لك عنه في الجزء الأول من ردنا هذا، فنبين ونتساءل، ثم تأخذنا تفاصيل إفادتك بالتدريج بعد ذلك في اتجاه الأعراض الجسدية والتي قد تكون الأعراض الجسدية للاكتئاب أو القلق وكل من الاكتئاب والقلق يلازمانك منذ بداية المرض ولكن بتفاوت في الشدة واليد الطولى على مشاعرك وسلوكياتك من حين لآخر، وقد تكون الأعراض الجسدية أيضا ضمن الأعراض النفسية جسدية الشكل Somatoform Symptoms ، وعندنا في الأخير اكتئاب يضاف إلى ما سبق.. عافاك الله يا أخي هي محنة حقا أعانك الله على تجاوزها، وسأحاول أن أبين لك طرفا من المعلومات عن كل احتمالٍ من تلك الاحتمالات.
وأما ما عرضت نفسك له من محاولات التداوي عند غير أهل التخصص فهذا شأنك وأنت تتحمل مسؤوليته أمام الله، وإن كانت روايتك عن المرات التي قام بعضهم فيها بالقراءة عليك قد أفادتنا في محاولتنا لفهم بعض جوانب شخصيتك، فقد بينت لنا قابليتك للإيحاء على أي حال، وأما تعرضت له من ضرب على يد من يدعون العلم بالغيب ويستعملون كلام الله وكأنه تعاويذ يخاطبون بها الجان سامحهم الله، وفي الوقت الذي أنت فيه دارس للشريعة الإسلامية أسأل الله أن يغفر لك، وما أنزل الله بكل ما فعلوه من سلطان، وعلى أي حال فليس غريبا أن أول من قرأ عليك لم يخبرك بماهية مرضك؛ لأنه لا يعرف ولا يريد أن يكذب في نفس الوقت الذي لا يريد فيه حرمانك من إمكانية التحسن بالإيحاء، ولكنك مع الأسف كنت تعاني مرضا حقيقيا على أغلب الظن هو ما سأبدأ هنا بعرض طرف من المتوافر عنه علميا:
2- نوبات النوم (فرط النوم النفسي أم الاكتئاب أم التغفيق Narcolepsy النوم الانتيابي):
أول ما تشتكي أنت منه هو نوبات النعاس والثقل الشديد في الجسد، وقد بدأت في العشرينيات من عمرك ودون أي خلفية متماشية مع ما في ذهنك من أرضية المرض النفسي، ولذلك سأبدأ معك بوصف لواحد من اضطرابات النوم هو أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة صفحاتك الأولى.
تجعلنا نوبات النوم هذه التي داهمتك في بداية اضطرابك نقف حائرين بين عدد من الاحتمالات التشخيصية المختلفة، فهناك احتمال الأسباب العضوية وهناك احتمال اضطراب النوم نفسي المنشأ، وهناك احتمالات أخرى، وما ورد في سطورك لا يساعدنا كثيرا على استبعاد الأسباب العضوية خاصة تلك التي لم يعالجها الأطباء، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو ما نسميه اضطراب التغفيق وهو اضطراب عصبي عضوي neurological disorder يعاني المريض فيه من نوبات من النوم المفاجئ أثناء النهار ولكن تلك النوبات تكون غير قابلة للمقاومة وعادة ما يكون هناك عرض إضافي أو أكثر إضافة إلى نوبات النوم مثل:
-الجمدة cataplexy، وتحدث في ثلاثة أرباع الحالات (75%)، وهي نوبات قصيرة من الفقدان المفاجئ للتوتر في العضلات الجسدية مما يجعلها ترتخي ارتخاء تاما، تستمر مدة بين عدة ثوان وحتى نصف الساعة، ويعجز الشخص عن الحركة خلالها تماما ويصبح مرخي الجفون، ويحدث هذا دون فقدان للوعي، أي أن الشخص يكون مدركا لما يحدث له ولا يجد له تفسيرا.
-شلل النوم Sleep paralysis ويقصد به الشعور بعدم القدرة على أي حركة لمدة دقائق في بداية الدخول في النوم أو الاستيقاظ منه.
-هلاوس الدخول في النوم Hypnagogic hallucinations، وهي هلاوس سمعية أو بصرية تشبه الأحلام تحدث عند بداية الدخول في نوبات النوم.
كما أن نوبات النوم في اضطراب التغفيق لا تقاوم وتكون أكثر إنعاشا، كما يكون النوم الليلي متقطعا ومبتورا، ويفسر خبراء اضطرابات النوم هذه النوبات (الجمدة وشلل النوم والهلاوس) بأنها اقتحام متكرر لأجزاء من المكونات الفسيولوجية لنوم حركة العين السريعة rapid eye movement sleep في فترات الانتقال من اليقظة إلى النوم أو العكس، ونوم حركة العين السريعة هو أكثر أنواع النوم إلغازا ما يزال ويمكنك أن تعرف كثيرا من المعلومات عنه بقراءة الرابط التالي: النوم والأحلام في الطب النفسي الحديث
وعلى العكس من ذلك نجد أن عدد هجمات النوم النهاري في فرط النوم نفسي المنشأ أقل وإن كان كل منها يستمر مدة أطول، ويستطيع المريض في كثير من الأحوال أن يحول دون حدوثها، والنوم الليلي عادة ممتد، وهناك صعوبة في تحقيق حالة من اليقظة الكاملة عند الاستيقاظ وهو ما يسمى "سكرة النوم" Sleep Drunkenness. ويمكنك أن تجد معلومات أكثر عن هذه الاضطرابات على الرابط التالي: فرط النوم نفسي المنشأ؟ ربما!.
وإذا رجعنا إلى سطورك نجد أنك انتقيت كلمات تجعلنا حائرين رغم الشبه الكبير بين ما وصفناه من أعراض وما تشتكي أنت منه، فنوبات النوم التي تعاني أنت منها لا تصفها بأنها مريحة أو منعشة مثلا، خاصة أن هذا الاضطراب يسهل تشخيصه إكلينيكيا عند طبيب الأمراض العصبية ويتم تأكيد التشخيص في معمل النوم، ومن المؤكد لو أنها حالتك لأخبروك بها ولخفت حدة المشكلة بالعلاج، ولكننا للأسف لا نجد ما يبين لنا أكثر من نوبات نوم لا ندري هل هي منعشة أم لا وكذلك لا ندري ما تقصده بثقل في جسدك هل تقصد الإشارة إلى نوبات الجمدة بذلك أم ماذا تقصد؟.
على أي حال لو افترضنا أن هذا الاضطراب سابق على كل اضطراباتك النفسية، فإن معاناة طويلة مع فرط النوم بهذا الشكل يمكن جدا أن تشكل أرضية خصبة لنشوء الاكتئاب وزيادة شدته على مر الشهور لا السنين مثلما في حالتك، خاصة أنه يعيق صاحبه عن كثير من وظائفه الاجتماعية.
3- اكتئاب وقلق.. أعراض جسدية أم جسدية الشكل؟
عبرت أنت عن أثر تلك الأعراض المقعدة نفسيا واجتماعيا على حياتك كأبلغ ما يكون التعبير حين رحت تقارن حالك قبل المرض بحالك بعده، ولكنه مع الأسف تعبير لا يقودنا في ظلمة تلمس انطباع تشخيصي على الإنترنت، لحالة كحالتك، مرة أخرى جعلتنا نتساءل عن تفسير لكل هذا التدهور المتزايد؟ هل هي نوبات النوم التي بقيت غير معروفة السبب؟ أم هي بقية أعراض الاكتئاب النفسية والجسدية بدأت تظهر، أم هو الاكتئاب الثانوي؟ أم أننا ندور أصلا في دوامة، وما وصلنا من انطباع عن وجود أساس عضوي لحالتك إنما نتج عن جزالة ألفاظك ورغبتك في أسر مشاعرنا، خاصة وقد بدأت تستشعر قلة تعاطف من حولك مع حالتك، كما وصلني من كلماتك وإن كان استشعار ذلك إنما تم "بطريقة تخصني"، وقد تحتاج طبيبا نفسيا يقرأ رسالتك عشر مرات مثلا أو ربما يكون غيري أقدر، المهم هو أنني سأفصل لك في الجزء التالي شيئا عن العلاقة بين المرض المزمن وكيان الإنسان النفسي الجسدي لأجمع لك الاكتئاب والقلق (وربما ما هو أعظم) على أعراض اعتلال الجسد.
فالأمراض النفسية في حقيقة الأمرِ يمكن أن تظهر بإحدى ثلاث صور:
1- مجموعة من الأعراض النفسية دون أن يصاحبها أية أعراض عضوية.
2- مجموعة من الأعراض العضوية كالغثيان والقيء وألم الظهر والأطراف، دون أن يكون هناك أعراض نفسية واضحة مصاحبة، مما يجعل المريض وذووه يعتقدون أن المرض عضوي لا نفسي، وقد يحدث العكس فتظهر الأمراض العضوية بأعراض نفسية، كما هو الحال في اضطرابات الغدة الدرقية وغيرها.
3- أو أن تظهر الأمراض النفسية بمجموعة من الأعراض النفسية والعضوية في آن واحد، وهو ما يحدث في أغلب الأحول، كشكوى مريض القلق على سبيل المثال من خفقان القلب والعرق والرعشة في بعض أنحاء الجسم (كأعراض عضوية)، إضافة إلى الخوف والتوجس وعدم الشعور بالاستقرار والطمأنينة (كأعراض نفسية)، وحالتك تتمثل فيها هذه التوليفة بين الأعراض الجسدية والنفسية.
فأنت تقول:
(وكانت السنون تمضي واحدة بعد الأخرى، وأصبح بعد ذلك الموضوع غير قاصر على النوم والثقل في الجسم، وتتسرب إلي أعراض ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أكتشفها إلى أن تستقر وتصبح ظاهرة، وهنا أجمل لكم أبرز هذه الأعراض التي لا تفارقني حتى اليوم، وأقسم لكم عن حقيقتها، وأنها ليست وهما كما يحلو للبعض، واليوم عمري ثلاثون سنة، عشر سنين من الجحيم) وترص لنا بعد ذلك أعراضا جسدية لا يمكن أن تجتمع على إنسان بهذا الشكل وتستمر ولا سبب يكتشف لها إلا أن تكونَ أعراضا نفسية المنشأ يضيعها الأطباء الباطنيون أو أطباء جراحة المخ والأعصاب ربما، بينما هي بسبب اكتئاب أو قلق أو ذهان أو اضطراب جسدي الشكل، أو أنك تبالغ في الوصف، وتلك قد تكون -والله أعلم- من بين صفاتك حيث تميل إلى تضخيم المعاناة طلبا لدعم أكبر.
ولا أدري من هم الذين يحلو لهم وصف شكاواك تلك بالوهم؟ وكيف يطلق البعض صفة الوهم على حال جعلك من الثقل والخمول في الجسد إلى درجة أنك كما تصف نفسك: (لا يمكنني من العمل ولا حمل شيء ولا أن أخدم حتى نفسي، أحياناً قد أصلي جالسا وأحيانا قد أزحف زحفا لا أقدر على إنجاز شيء ولا أحب فعل شيء، ولولا أن أمي تطعمني لمت من الجوع)، إن أحدا لا يجرؤ على وصف ذلك بالوهم إلا مستندا على رأي أطباء فحصوك وقرروا ألا شيء لديك أكثر من حالة نفسية، ولما كان في مجتمعاتنا كثيرون يعتبرون المرض النفسي وهما فقد باعد ذلك بينك وبين طلب العلاج من مصدره الصحيح، وزاد في طول معاناتك.
ثم إن هناك إشارة واضحة إلى فقدان الإرادة وفقدان الإرادة نهائيا وبالشكل الذي تصفه، ممكن الحدوث في حالات الاكتئاب، لكنه لا يمكن أن يعجز الطبيب النفسي بإذن الله عن علاجه، وخبرتك أنت مع الطبيب النفسي غير واضحة لنا فرغم أنها فترة طويلة تلك التي قضيتها مواظبا على علاجه كما تقول، فإنني لا أعرف نوعية العقاقير التي أعطاها لك لأنك لم تذكر الأسماء العلمية للعقاقير وإنما ذكرت أسماءها التجارية التي تختلف من قطر عربي إلى آخر ما تزال، وما أخمنه هو أن ما وصف لك كان مزيجا من عقاقير علاج الاكتئاب ومضادات الذهان، ولا أعرف هل كان تشخيص حالتك في رأي طبيبك المعالج اكتئابا أم فصاما أم اضطرابا جسدي الشكل؟ وأما كونك تحسنت مبدئيا ثم انتكست الحالة وأخذ الطبيب يغير العقاقير فهذا متوقع إذا كان التشخيص ملتبسا بالطبع.
4- الانفلات الجنسي وفقدان القدرة:
يبقى لنا الانفلات الجنسي وأحسبه أحد مظاهر الاكتئاب مع الأسف مثلما يكون انتحار المسلم انفلاتا في علاقته بالله سبحانه وتعالى، إذ يمثل أقصى صور الاعتراض على قضاء الله (وهو عرض ذهاني في حالات الاكتئاب الشديد)؛ لأن الاكتئاب يسلب الإيمان ويفتح للشيطان كما بينا في إجابة سابقة على هذه الصفحة، ولما كان اكتئابك طويلا فقد انزلقت نفسك بك إلى الوقوع في الذنوب التي تلذُّ في لحظة الفعل للفاعل المسكين، ولكنه يقع بعدها في ندم وشعور بالذنب عظيم قد يكون من بين مظاهره فقدان القدرة على الانتصاب الذي نسميه فشل الاستجابة الجنسية، والذي أصبح الآن من أهم أركان مأساتك، كما أن الاتجاه العكسي الذي اخترت أن تصفه لنا وهو أن يحدث الضعف الجنسي أولا ثم يليه الانفلات فأيضا ممكن الحدوث كنوع من التعويض ربما، والله أعلم.
إلا أن التردد على مدعي العلم بالغيب خاصة من قبل صاحب قابلية عالية للإيحاء يشعر بأعراض كالتي وصفتها لنا عند القراءة، مثل هذا التردد يضع صاحبه أحيانا في مواضع كهذه، فكثيرون من مرضى فشل الاستجابة الجنسية الذين وفقنا الله في علاجهم بدأت حكاية فقد القدرة على الانتصاب لديهم أثناء فترة التردد على المعالجين التقليدين (سواء بالقرآن أو بغيره) ويقول الواحد منهم "كنت أعالج من نوبات خوف تأتيني فإذا بي أفقد رجولتي"، وكثيرا ما يحدث ذلك وأسبابه في ظاهرها لنا هي الإيحاء، خاصة أن عدد مرتادي هذا الصنف من المعالجين من مرضى فشل الاستجابة الجنسية يقارب نصف عدد المرتادين كلهم، أي أنك قد تكون أصبت بفقدان القدرة على الانتصاب نفسية المنشأ لهذا السبب وربما بسبب اكتئابك المزمن وربما بسبب القلق وربما بخليط من كل ذلك، لكنني لا أحسب مرضا عضويا يقف في خلفية ذلك كله.
من الواضح يا أخي الفاضل (شهيد المرض في فلسطين) أنك تخفي علينا كثيرا من آراء وأقوال الآخرين من حولك سواء كانوا من الأطباء أو من ذويك، وفي حالة كحالتك أحسب أننا نحتاج إلى كل تلك المعلومات على أن تكتبها باختصار كي لا تعذب من يقوم بالرد عليك إسهابا وإطنابا لا يزيد الصورة أمامنا إلا ضبابية مع الأسف، ولكنني أرى أن أوضح الاضطرابات في حالتك الآن بعد استثناء فرط النوم الذي نبقى غير متأكدين منه هو الاكتئاب الجسيم المصحوب بأعراض جسدية، وأنصح في مثل حالتك ومباشرة إذا تأكد التشخيص بأن يكونَ العلاج سريعا ومستمرا ولو حتى باللجوء إلى العلاج الكهربي.
واقرأ عن الاكتئاب:
علاج الاكتئاب بين العقاقير والعلاج النفساني
متى يجب أخذ عقار للاكتئاب؟
متى يعالج الاكتئاب بالصدمات الكهربية؟
ولكنني رغم ذلك أشكرك على قصة آخر رجل يخرج من النار التي لم أكن أعرفها واهتديت بالبحث إليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "سأل موسى ربه، فقال يا رب دلني على أدنى أهل الجنة منزلة، فقال الله عز وجل يا موسى ذلك آخر رجل يخرج من النار. يخرج من النار حبوا ينظر إليها ويقول: الحمد الله الذي نجاني منك، فيقول له الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة. فيذهب فينظر إليها فيخيل إليه أنها ملأى. فيعود ويقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل له: أما ترضى أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك ملوك الدنيا؟ فيقول: يا رب لا تهزأ بي وأنت رب العالمين؟
فيقول له الله عز وجل: لك مثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول العبد في الخامسة: رضيت يا رب رضيت يا رب: فيقول له الله عز وجل: لك مثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثال. ولك فيها ما اشتهيت وتمنت عينك وأنت فيها خالد. فقال موسى: يا رب.. أذلك أدناهم منزلة؟ قال نعم يا موسى فقال موسى: يا رب فمن أعلاهم منزلة؟ فقال الله عز وجل: يا موسى أولئك الذين أردت. زرعت كرامتهم بيدي). ولكنني لم أستطع إدراك سبب إشارتك إلى هذه القصة في ذلك الموضع من إفادتك؟
أتعبتني والله يا عبد الله ولولا أنك من فلسطين لقسوت عليك أكثر مما قسوت، سأقول لك في آخر ردي عليك خطوات لا بد أن تتبعها إن أردت الخروج من نار المرض النفسي المزمن:
أولا: امتنع تماما عن زيارة من يدعي العلم بالغيب، بما في ذلك من يقرأ عليك القرآن لطرد الجان.
ثانيا: تابع مع من تختار من الأطباء النفسانيين وقل كل تفاصيل الموضوع التي لديك، أي ساعد طبيبك على البدء من النقطة التي أنت فيها من ناحية فهم الاضطراب الحاصل.
ثالثا: اطلاع خطيبتك على ما تنوي فعله من طلب العلاج من اتجاه واحد هو إن شاء الله الصحيح.
رابعا: عليك أن تلزم نفسك قدر إمكانك بالطاعات وتقوية الإيمانيات؛ لأن في ذلك ما يساعدك على مقاومة النزوع للانتحار حفظك الله، فضلا عن أثره المعضد لعمل العقاقير، والمقلل من الإقدام على المعاصي.
وبعد... وبعد... لا أحسب أنني غطيت كل جوانب الموضوع ولا أحسب أنها قابلة للتغطية أصلا عبر الإنترنت،
فاستعن بالله وتحرك في طريق طلب العلاج الصحيح وتوكل على الله ولا تعجز، وتابعنا بأخبارك باختصار وتركيز من فضلك.