السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
السادة الأفاضل في استشارات مجانين.. شكرًا لكم على ما اقترحتموه علي في مشكلتي السابقة التي عنوانها "ثقيلة الدم ...خفيفة الدم"، ولو أن لي عتابًا على الإخوة الذين قاموا بالرد على موضوعي، فخلال قراءتي لاحظت أنكم رأيتم أنني إنسانة لا أفعل شيئاً سوى القعود لانتظار العريس، ولو كان هذا صحيحًا لكان لي من الأبناء اثنان أو ثلاثة، الآن لا أدري كيف أقولها لكم، ولكني بإيجاز أحاول قدر استطاعتي تربية أهلي على دين الحق وإعادة تأهيلهم ليخوضوا المجتمع من جديد بعدما خسروا رضا الله.
كما لاحظت أيضًا استصغارًا ملحوظًا لأمور عظيمة تحدث معي، وكمثال على ذلك قولكم: إن خطبتي لم تكن تجربة أصلًا، وأنكرتم علي شيئًا مهمًا، وهو مدى تعلقي بخطيبي آنذاك ..لقد كنت في الجامعة قبل ذلك، ولست بالإنسانة التي تركن إلى الهدوء، ولا تتفاعل مع المجتمع، ولكني أيضًا لا أتفاعل إلى الحد الذي يورطني في مشاكل أنا في غنى عنها، فهل الحذر يأس أو عجز؟ ثم إن هذا العصر ليس بالعصر الذي يمكن أن تأمن فيه الفتاة على نفسها، حتى من أقرب الناس لها فما بالكم بالغرباء، ومع ذلك أقول: إنني لست خائفة من الاختلاط الذي هو مكروه شرعًا، وإنما أخاف من عواقبه، والسبب تميزي عن جميع قرنائي، وهذا شيء ملحوظ جدًّا لأي إنسان يقترب مني.
ولكم أن تستغربوا إذا ما قلت لكم: إنني أكثر من غيري ألفة، فأنا محببة لدى الجميع؛ وهذا ما يسبب لي الحسد والضغينة ... أخبرتكم عن فسخ الخطبة ولم أخبركم بالسبب الحقيقي ألا وهو الغيرة التي من أهم أسبابها شكل خطيبي الجميل وطوله، وهذا والله العظيم لم يكن أصلا في بالي، وإنما كنت دائمًا أرشد الفتيات إلى عدم الاختلاط بدعوى أن من سأتزوجه هو زوجي (كتاب مكتوب عند الله) فلا داعي لأن أتعرف على هذا أو ذاك وأخسر نفسي أو احترامي لها، واختياري سيكون على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والموزونة؛
ولذا كانت صدمتي كبيرة في خطيبي الذي هو أول حب لي في حياتي، والذي ما زال يحبني إلى الآن كما علمت من جارتنا، ويرفض الزواج ويسمي نفسه بالخائن إذا ما تزوج، وهذا رأيه هو، وبالطبع لا يمثل شيئًا لدي، فهو الآن إنسان غريب عني، ربما أكون قاسية في قراري، ولكن الأمر لا يحتمل إلا أن أكون كذلك، فهو من تركني و"بهدلني" مع أهلي الذين عارضتهم بسبب أنهم طلبوا مهرًا كبيرًا، وهو تعذر وقال: إنه يستطيع أن يدفع نصف مبلغ المهر فقط، المشكلة تافهة، ولو أن أهلي استمعوا لي أو إلى صوت العقل لما تطورت، وعمره كان وقتها ستة وعشرين عاما،
وكان أمامي بعد فسخ الخطبة إما أن أكذب وأقول هو إنسان قذر أو أن أفضح أهلي وأساليبهم أو أن أفضح نفسي وأسكت، ولكني آثرت قول الحقيقة؛ لأن سمعة من ينصر دين الله من سمعة الإسلام، وأنا عاتبت خطيبي وقتها كثيرا على تركي، وأخبرته أنه سيندم؛ لأن كرامته وجهها في اتجاه خاطئ، فالإنسان الملتزم بدينه فعلا كرامته من كرامة الإسلام، فإن حفظ الله فإن الله يحفظه، وإن حفظ أمَةَ الله (أنا) التي أوكل الله إليه أمرها فإن الله سيغنيه
لقد كان حبي له حبًّا في الدين نفسه، وفراقي له فراقًا في الدين، أما الحلم فسأقدم لكم حديثًا قرأته خلال تصفحي لموقعكم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله؛ فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان؛ فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره"،
وأشكركم على مجرد القراءة، ولكني أحببت أن أوضح أنني إنسانة لها حقوق وعليها واجبات،
ولكني مقهورة ومغلوبة على أمري.
12/3/2024
رد المستشار
أختي الفاضلة، أهلاً بك مرة ثانية.. نشكر لك تفاعلك معنا، وثقتك بنا، وستجدين عندنا دوماً الإصغاء والرأي بإذن الله، حاشا لله أن نستصغر أمرًا يعظمه لنا أخ مسترشد، أو أخت حائرة، ولكنك يا أختي عرضت – في المرة السابقة – لشأن خطبتك في عبارة مقتضبة للغاية هي بالنص "أربعة أشهر من الخطبة التي لم تتم رسميًّا"، ولم تذكري لنا عن عاطفة كانت في قلبك تجاهه تصفينها هذه المرة بأنه "أول حب في حياتك"، ولم تذكري لنا المرة السابقة أسباب فسخ الخطبة، وتفاصيل موقف الشاب.. إلخ.
ونحن لم نقابلك يا أختي، ولم نتعرف عليك لنعرف أنك كنت تدرسين في الجامعة، وأنك، وأنك.. إلخ. لم يكن أمامنا سوى نص محدود للغاية، وكلمات مبهمة، ومشاعر متناثرة، والحكمة تقول: "تحدث حتى أراك"، وأنت لم تتحدثي بما فيه الكفاية في المرة السابقة، ومن نافلة القول أن أذكر أننا نعكف على قراءة كل كلمة، ومحاولة فهم ما وراءها، ونهتم بكل التفاصيل الصغيرة لكننا يا أختي لا نعلم الغيب، فقط نقرأ نصاً أمامنا، وقلت قبل ذلك: إن من يذكر تفاصيل أكثر سيحظى بإجابات أدق، ومن يبعث لنا بالمعلومات على دفعات سيحصل على الإجابة بنفس الطريقة، ولا أظن في مقدورنا غير ذلك.
على كل حال أنا مدين لك بالشكر على التفاصيل التي أضاءت الصورة أمامنا هذه المرة، وتعالي نتحاور فيما تثيرينه:
أولاً: حان الوقت لتأصيل المسائل، وتحديد المفاهيم، ومنها مصطلح "الاختلاط" الذي هو مصطلح حديث أطلقه البعض على تلك الحال التي نراها من عدم الانضباط بالشرع الحنيف في علاقات النساء والرجال، والخلط من أخطر آفات حياتنا الاجتماعية والفكرية؛ لأنه في حالة إذا شاع هذا المفهوم – على سبيل المثال – فإن هناك حرجاً شرعيًّا –ما أسميته أنت "كراهة" – في محض حركة المرأة في المجال العام للمجتمع الذي يتضمن رجالا ونساءً بطبيعته، وهذا وهم شاع، وظن منتشر لا علاقة له بدين الله شرعاً أو ممارسة في الزمن الأول، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم كما يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم- والصواب الذي نعتقده أن تفاعل النساء والرجال في المجال العام لا حرج فيه – من ناحية الشكل – طالما التزم هؤلاء وأولئك بآداب الإسلام من غض للبصر، وعدم الخضوع بالقول... إلخ.
وفساد ممارسة البعض أو نيته في هذا لا يلغي ثبات المبدأ، وفي إطار هذه الحركة الاجتماعية العامة على قاعدة الشرع وضوابطه من الطبيعي أن تنشأ بين بعض الرجال وبعض النساء مشاعر عاطفية يتوجها الزواج أحياناً، وتفشل في حدوث هذا التتويج أحياناً أخرى، ومن هنا ورد في الأثر: كنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نرى للمتحابين أفضل من الزواج.
في مجتمع طبيعي متحرك عاش الرجال والنساء متفاعلين حول الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ثم من بعده يبنون الحياة، منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة، كما يتحدث القرآن الكريم. والتي تنزل إلى حركة الحياة؛ لتصطاد عريساً هي مثل من تجلس في بيتها لانتظاره، من ناحية أن هذا هو غاية الحياة، والناس كما هم – وسيظلون كذلك – منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة، وفي مخالطة الناس – رجالاً ونساء– أو الانعزال عنهم أدبيات كثيرة للمتصوفة، بل الفقهاء فمنهم من قال بأفضلية هذا على ذاك مطلقاً، ومنهم من ربطها بالزمان والأحوال.. وهكذا ويبقى الحذر واجباً هاماً دون أن يصبح قيداً وعائقاً.
ثانياً: سيحاسبك الله ويحاسبنا على الاختيار، وعلى الدفاع عن هذا الاختيار ليتحقق في أرض الواقع بكل الوسائل المشروعة، وأعتقد يا أختي أنك لم تقومي بكل ما تستطيعين لدعم اختيارك لهذا الشاب، وربما كان هو أيضاً قليل الصبر في مواجهة مطالب أهلك.
وبحسن الحوار، ولطف المعاشرة، والصبر والإصرار يلين الحديد، فما بالك بالقلوب التي هي من دم ولحم؟!
وأنا أرى أن ضغوط من حولك عليكِ، وإنكار حقوقك الطبيعية قد أنتجت لديك مشاعر غير صحية تجاههم أرجو ألا تسمحي لها بالتنامي.
فإذا دققت النظر فستجدين فيمن حولك من هي تتميز عليك في جانب كما تتميزين أنت عليها في جانب أو جوانب أخرى، إلا إذا كنت تحرصين على إحاطة نفسك بمن هن دونك!!
وأحب أن تخوضي معاركك في العلن، وبوضوح بدلاً من خوضها في ميدان المشاعر الداخلية: غيرة، وحسد، وضغينة.. سواء كنت في ذلك الفاعلة أم الضحية.
ولا أعتقد أن من واجباتك في الحياة "تربية أهلك" إذا كنت تقصدين أسرتك الحالية المكونة من أبيك وأمك وأخواتك، وأرجو أن تدخري أفكارك وطاقتك في هذا الجانب، وتعملي على تنميتها وتطويرها لتقومي بهذه المهمة تجاه أبنائك وبناتك في المستقبل، والتربية أصعب شيء في الحياة.
أخشى أن يكون هذا السمت المتعالي في ذاته كفيلا بتسميم علاقتك بأهلك وغيرهم.
ثالثاً: تقولين: أزعجني في ردكم أنكم رأيتم أنني إنسانة لا أفعل شيئاً سوى القعود لانتظار العريس، ولم تذكري لنا – هذه المرة – وحتى الآن، ما أنشطتك واهتماماتك في الحياة؟!
إذا كان لديك طاقة أو فكر، فنحن كمسلمين نحتاج إلى كل طاقة وفكر، وإذا لم يكن لديك ذلك فتواضعي وتعلمي، وإذا كانت لك أنشطة واهتمامات فنحب أن نتعرف عليها، ونتواصل معك فيها، وإذا تكررت أحلامك، أو تفاقمت مشاعرك باضطهاد من حولك لك، أو تميزك المطلق على جميع قريناتك حتى عطلك هذا عن التفاعل الصحي مع الحياة، فقد تحتاجين إلى مراجعة طبيب نفساني، وليس في هذا مما يشين، وأهلاً بك دائماً.
ويتبع>>>>>: هموم ثقيلة: سرابيل الأخطاء المقدسة م1