أرجو منكم مساعدتي، الحمد لله على فضله أنا مخطوبة منذ سنة (مكتوب كتابي) لأروع رجل في الدنيا، سعيدة جدا به ومعه، وحبنا وتفاهمنا وانسجامنا ولله الحمد يملأ حياتنا،
المشكلة تكمن في داخلي أنا، وتجعلني أقوم بتصرفات تكاد تهدم الحياة الجميلة التي أعيشها، وأعتقد بعد طول تمحيص وتأمل في حالي أن هناك سببا رئيسيا وراء ما يحدث لي ألا وهو الكم الهائل من الأفكار والمواقف السلبية التي نشأت عليها في صغري، والتي أثرت علي.
شخصيتي هادئة،أميل الى الانطواء، علاقتي بالآخرين جيدة، لا أندمج بشكل سريع مع الآخرين، نشأت لأرى أمي دائمة الشكوى من تعامل أهل أبي معها، ومعها كل الحق، فهم قساة معها لكن الأمور الآن تحسنت نوعا ما، وأبي كان يتبعهم كثيرا فيما يقولون، وأمي عاطفية وضعيفة، وفي نفس الوقت أحسها أخذت كثيرا من المعتقدات السلبية عن محيط أسرتها فأمها أيضا عاطفية وضعيفة ودائما تجد ما عند الناس أفضل من ناحية العلاقات الاجتماعية، ففلانة تحكم زوجها وفلانة زوجها ينفق عليها بإسراف وعلى أهلها وهكذا...
أبي أيضا أخذ الكثير من محيط أهله مثل التكبر والعناد واعتقادهم أنهم أحسن من الناس، نشأت لأرى أمي وأبي كثيرا ما يقعان في مشاكل مع بعض، لا ضرب، لا عنف، لكن صوت عال جدا وبكاء، ولكن هذه اللحظات كانت تحفر في نفسي حفرا هائلة!!.
كنت دائما أقف بداخلي مع أمي لأني أجدها تبكي، لكن عندما كبرت أصبحت أحاول أن أفكر بموضوعية أكثر، المهم، كبرت الآن، ومازلت أحمل على كاهلي معتقدات كثيرة، أنا غير مقتنعة بها ولا أريد أن أقتنع، لكنها هي ما يحركني، معتقدات تشبه تلك التي نشاهدها في المسلسلات العربية الفاشلة، مثل "لاتفوتي شيئا لزوجك لأنه سيتمادى عليك" أو "إذا ساعدته في النفقة أو وفرت عليه وكنت مقتصدة فسيبخل عليك" أو "ادخري بدون أن تخبريه" أو "عندما يذهب لأهله وحده فسيملئون عقله بأفكار سلبية عنك" أو "الرجال فيهم صفات سيئة كثيرة وهم يظلمون النساء ولا وفاء لهم" أو "حماتك قالت كذا لأنها تريد أن توصل لك كذا" أو "لاتزوري أهله كثيرا حتى لا يأخذوا عليك" أو "إذا تساهلت معهم اليوم في أمر فسيركبوك غدا"، وكثير من التحليل والأحكام المسبقة.
أريد أن أتخلص من كل هذا، وأتعامل بصفاء نية، عقلي مقتنع بما أريده، لكن مشاعري لا، وهذا يقودني إلى مشكلة أكبر تكاد تفرق بيني وبين حبيبي، وهي عندما يحدث بيني وبينه موقف يعود اللاوعي عندي إلى قاعدة بيانات المشاعر السلبية المخزنة مسبقا لدي، وتبدأ أعصابي في الفوران وتبدأ موجة غضب لا أستطيع التحكم بها، وأوذيه بالكلام، وأبدأ بالدفاع عن حقوقي.
أنا لا أرضى أن يظلمني أحد ولا أسمح له أن يتعامل معي بهذه الطريقة... رغم أن الموضوع في 99% من الحالات لا يستحق هذه الضجة، ورغم أن قصده في معظم الحالات لا يكون كما فهمت وحللت وبنيت عليه وانفجرت!!.
نعم لا أستطيع أن أتحكم في غضبي معه، وأجرحه وأرفع صوتي وأنتقده وأتهمه بما ليس فيه، ثم بعدها أهدأ وتبدأ رحلة الاعتذار والندم المؤلمة، فهو مجروح المشاعر ولا يستطيع أن يتكلم معي إلا في أضيق الحدود حتى تهدأ نفسه، ويستمر هذا الحال يومين أو ثلاثة، وأنا أموت من بُعده الذي سببته بنفسي.
مسألة عدم التحكم في الغضب هذه لا أواجهها معه فقط، فمنذ صغري وأنا أفجر غضبي في والدي أو والدتي أو إخوتي، ثم أعود لأعتذر وأندم، أحس بأني أحتاج مساعدة حقيقية هذه المرة لأنها كانت 25 سنة مجهدة، ولأنني لن أتحمل خسارة النعمة التي من الله علي بها وهي خطيبي.. لا أريد أن أوذيه أو أوذي نفسي،
14/3/2024
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بارك الله لك في خطيبك وجمعكما على خير، وبارك أيضا لك في ذكائك الذي أتاح لك تشخيص مشكلتك بدقة وتحديد أسبابها.
النشأة في ظل ظروف العنف المعنوي أو النفسي الذي تصفينه كشجار دون ضرب، تؤثر تماما كالتعرض للضرب أو مشاهدته فالفرق بين أثرهما على الصغار ليس كبيرا وأحيانا يتفوق أثر العنف النفسي على أثر العنف الجسدي.. فهناك مقولة بأن جروح الجسد تشفى أسرع من جروح النفس والروح.
من بين آثار العنف النفسي الانطواء وضعف مهارات التواصل الاجتماعية، وبالتالي ضعف العلاقات.. وتعتبر شكواك مثالا واقعيا لما يتركه التعرض للعنف بأشكاله على الصغار من عجز عن الارتباط بعلاقات حميمة ودائمة، لأنهم يعيشون في ظل ترقب دائم للتعرض مرة أخري لهذه العدائية، وتفرض صور العنف نفسها على ذاكرتهم، وهو ما تسمينه قاعدة البيانات السلبية.
تعانين من أثر هذا العنف المعنوي نفسيا حين تتوقعين من الآخرين الأسوأ دائما٬وسلوكيا حين لا تمليكن زمام انفعالاتك، ولعل ذهابك لمختص نفسي (يساعدك في التخلص من هذه الآثار بتفريغ الذكريات السلبية والتنفيس عن مشاعر الغضب المكبوتة منذ الطفولة بسبب العجز عن وقف الشجار والحيرة في الانتماء والتعاطف مع أحد طرفي الشجار) هو الحل الأفضل لحالتك.
كما يمكنك الالتحاق بإحدى دورات التعامل والسيطرة على الغضب وإن تعذر عليك هذا يمكنك تجربة الخطوات التالية:
-ابدئي بتوضيح معاناتك لخطيك والطلب منه أن يساندك في محاولتك إصلاح شخصيتك.
-اكتبي أفكارك السلبية عن الحياة والناس على ورقة وناقشيها منطقيا وبحيادية تامة لتصلي في كل مرة إلى أن أي علاقة يعتمد نجاحها وفشلها على طرفيها بغض النظر عن والديهم وتدخلاتهم، فهم قد قبلوا وسمحوا بهذا التدخل، وهذا يجعلهم مسئولين دون مبررات.
-ذكري نفسك بأن الله أمرنا بأن ندفع في التعاملات بالتي هي أحسن، وبذلك تكسبين محبة أعدائك "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" كما تقول الآية الكريمة. ولم يأمرنا من خلقنا بسوء الظن، بل قال "إن بعض الظن إثم" فلا تظني سوءًا بأهل زوجك، وإن بدر منهم ما يزعجك فاعلمي أن الكمال لله وحده وأن الله يحب العافين عن الناس ويحب المحسنين... ألا تحبين أن تكوني ممن يحبهم الله تعالى.
بالنسبة لما قد تضطرك الأيام للتنازل عنه لزوجك، وهو قد يكون حقك فعلا وقد يكون كذلك فقط ضمن قناعاتك الشخصية، لا تنسى ما أمرنا به رب العالمين بأن لا ننسى الفضل بيننا، وأن ديننا هو دين المعاملة والأخلاق.. أفلا تحبين أن يتنازل لك هو أيضا عن بعض حقوقه احتراما لضعفك، ولا بد لك من نقطة ضعف لأنه كما أسلفنا الكمال لله وحده.
تذكري أن الحلم بالتحلم وأن العلم بالتعلم، أي أن الإنسان قادر على اختيار سلوكه وهو أساس التكليف الشرعي للإنسان، ولكن تغير سلوكك يجب أن يسبقه تغيير لقناعاتك التي أسميتها بإبداع "قاعدة البيانات السلبية" ... ففي مقابل زواج والديك المضطرب حولك آلاف الزيجات المستقرة، وكل يختار لحياته.
من خطوات السيطرة على الغضب إغلاق فمك قبل الحديث، والعد لعشرة، فالكلمة كالرصاصة يصعب ردها بعد انطلاقها، والأفضل التروي قبل إطلاقها.
اكتبي أفكارك على ورقة قبل مناقشتها مع خطيبك واكتبي مقابل وجهة نظرك وجهة النظر الأخرى في الموضوع، حتى إن لم تكن الأقرب لنفسك فهذا يساعد على امتصاص شحنات الغضب، ومن ثم يمكنك سؤاله بهدوء عن معنى سلوكه قبل الإسراع باتهامه.
من الأمور التي تساعد على امتصاص الغضب، ممارسة بعض النشاطات الرياضية وبعض الأنشطة الإبداعية مثل الكتابة والرسم، ولا داعي لأن تكون قطعا فنية تصلح للمتاحف فهي فقط وسيلة لتصفية ذهنك وتعليمك الصبر، وقد تكون زراعة بعض النباتات ورعايتها مفيدة أيضا.
استعيني على غضبك بالماء كما هي وصية الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الغضب من النار والماء يطفئها.
ابحثي عن المزيد من أساليب ضبط الغضب، وهو أمر سهل إن نجحت في تغيير طريقة تفكيرك وقناعاتك السلبية عن الحياة والناس.
مع تمنياتي لك بأن يعينك الله على نفسك... فأنت وإن كنت ضحية كطفلة تعلمت أساليب وأفكارا سلبية إلا أنك بالغة الآن ومسؤولة وقادرة على تغيير هذا، فقط إن شئت وكنت صادقة في رغبتك في التغيير.
ويتبع>>>>>: عقلي مخزن... هل كل النساء مقهورات؟! مشاركة