أساتذتي الأفاضل في موقع مجانين، لا أعتقد أن الكلمات ستوفي حقكم علي في الشكر والتوقير، ولكن باختصار: إني أحبكم في الله وأحتاج مساعدتكم لي فعلا، بلا مقدمات، سأحكي لكم من البداية:
منذ طفولتي لم أكن أبدا بالطفلة السوية، فكم مددت يدي لأسرق من أموال أمي حتى أشتري الحلوى، لا لأكلها بل لأعطيها لأصدقائي، وكنت لا أفتأ عن الكذب واختلاق الحكايات.. هذا كان في مرحلتي الابتدائية، وتحسن الأمر كثيرا في المرحلة الإعدادية فأصبحت متفوقة جدا في دراستي وكانت معظم المدرسة معلمين وطلبة أصدقاء لي والحمد لله، وظهرت لي العديد من المواهب، فاتزنت شخصيتي شيئا ما، بل أعتقد أن مراهقتي كانت طبيعية.
في المرحلة الثانوية بفضل الله تغيرت شخصيتي جذريا فاقتربت من الله عز وجل، وذقت حلاوة الإيمان بفضل منه ونعمة، وغيرت مظهري وطريقتي، وعشت أفضل سنوات حياتي في طاعة ربي، فأنا الحمد لله بيتي ملتزم أصلا، وأمي أكثر من الحنان ذاته، أما أبي فمن صغري وهو مغترب، حنون هو الآخر ولكن أجازته السنوية شهر كل عام أو أقل، لا يعجبه في تصرفاتي شيئا، ولا يكف عن نقدي النقد اللاذع، أما إخوتي البنون فهو لا يكف عن مدحهم، وهذا حتى الآن، ولكن الحمد لله على كل حال.
دخلت كلية جيدة وإن كانت ليست هي التي كنت أحلم بها، وحمدت ربي ومر أول عام على خير، وقبل بدء العام الثاني كنت في الإجازة في قمة النشاط، لا أكف عن القراءة فهي هوايتي، وكنت أبحث في "النت" عن مناهج العام المقبل.. وبدأ العام وبدأت رحلة عذابي.. نعم عذاب، شعرت بهَمّ عجيب يطبق على أنفاسي، وضاعت بسمتي التي كانت لا تنقطع، ومررت بأيام صعبة
قرأت عن الاكتئاب ورأيت أن كل أعراضه تنطبق علي حتى علاقتي بربي، تعبت من الوساوس العجيبة التي كانت تصيبني، حكيت لأمي بعدما شعرت بحالي، وأخذتها أجرها جرا لأحد الأطباء النفسيين الذي توقع أني مكتئبة؛ لأني لم ألتحق بكليتي التي كنت أحلم بها، وأعطاني "prozac"، ولكني لم أعاود الذهاب إليه، ولم أكمل حتى العبوة التي كانت تتكون من ستة أقراص، فقد علم بعض أقاربي بهذا ومنهم طبيبان متميزان في مجال آخر ووبخاني وحدثاني عن الأعراض الجانبية للدواء النفسي وأنه ليس كل من تصيبه نزوة حزن فهو مكتئب.
وحاولت أن أمرر الأيام على نفسي، وكنت أتعذب وأخبر أمي أني جيدة فكنت أشعر بالذنب تجاهها، ثم جاء شهر رمضان وكنت لا أستطيع الخشوع مما أنا فيه، وبكيت وبكيت وبكيت، كنت أبكي بحرقة شديدة وأدعو الله، فما لبث أن استجاب لي، ومع نهاية الترم الأول كنت أصبحت شبه طبيعية، ثم فجأة انقلب بي الحال فأصبح لدي نشاط غير عادي.
اشتركت بالعديد من الأنشطة: جمعيات خيرية، مؤتمرات، مقرأة، وأشياء كثيرة.وفي دراستي تميزت أكثر وأكثر، شعرت أن لدي الكثير أقدمه لديني، وحملت نفسي فوق وسعها أطنانا.. وذات مرة في إحدى الجمعيات الخيرية كان لي زميل طبيب نفساني، حكيت له عما حدث لي في مرحلة الاكتئاب لأعرف تفسيره لما حدث، وكنت إلى حد ما طبيعية، لكنه توقع أن لدي "اضطرابات ثنائية القطب" ولكنه قال لي إنها غير مؤثرة على حياتي فلا مشكلة.. ثم مررت بأزمة عاطفية شديدة، وحدها كانت كافية لتدمر حياة من في سني، ومعظم أنشطتي الخيرية هدمت مرة واحدة، هنا وجدت نفسي ضعيفة فعلا، لا أقوى على تحمل ما أنا فيه من تدافع أفكار عجيبة وعدم نوم، كل شيء غريب.
أخبرت زميلنا الطبيب بذلك من غير أن أخبر أمي، وقال لي إن لدي "hypo mania" وحولني لزميلة له؛ لأنه كان مسافرا، فأصرت على أن آخذ العلاج، كلمت أقربائي الأطباء واستغثت بزميلنا الطبيب، ولكنهم اتفقوا على ضرورة أخذ العلاج، ولكنني صممت ولم آخذه، وشجعتني أمي، ومر أسوأ عام في حياتي بعدما كنت مررت بنوبة اكتئاب أخرى، وكانت المأساة أيضا أنني حصلت على درجات حقيرة في التيرم الثاني لدرجة أني نجحت بمادتين.
أنا الآن بالفرقة الثالثة، والحمد لله أصبحت أفضل بكثير، بل منذ شهرين كاملين وأنا أحيا حياة طبيعية، وأجبت خير إجابة في امتحانات التيرم، أنا الآن قرأت أكثر عن "bipolar mood disorders" وأخاف جدا أن يتكرر لي ما حدث.. أريدأن أخبركم أني أرى في بعض أقاربي من لديه هذه الحالة من الازدواجية بشدة، أظن أن هناك عاملا وراثيا.. أرجوكم، أريحوني.. هل هذه الحالة انتهت؟؟ هل لن تعود مرة أخرى؟ أم أنها كانت متزامنة مع ما مر بي من أزما؟ وما دام ليس هناك مشاكل فلن تأتي.
لاتقولوا لي اذهبي لطبيب نفساني، فإن أعز أقربائي إليّ تغيرت نظرتهم إليّ بعدما علموا ما حدث لي، وكأني مذنبة ولم تصبح لي أسرار، فقد علموا أدق تفاصيل حياتي.
آسفة جدا على الإطالة، فلعلها أحد أعراض مرضي، ولكني وضعت الموضوع بين يديكم، لا أعلم ما هو المهم وما ليس كذلك.
أخيرا، أستحلفكم بالله أن تجيبوا عليّ حتى ولو بكلمة.. هل ستتكرر أم لا؟؟
17/3/2024
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
رسالتك تحتوي على وصف دقيق لاضطراب وجداني رديد. ما يمكن الحكم عليه بأن النوبات التي عانيت منها نوبات اكتئاب جسيم. بعد ذلك هناك وصف لتغير حالتك الوجدانية بسرعة إلى نشاط واندفاع٬ ولكن لا يوجد في الرسالة ما يشير بالتأكيد بأن هناك نوبة هوس وعندها يمكن تشخيص الثناقطبي. ليس من غير المعروف بأن الذين يعانون من اكتئاب رديد يخرجون من موقعهم الاكتئابي بين ليلة وأخرى وحتى بدون علاج إلى موقع آخر. الموقع الآخر قد يكون هو الخط الأساسي أو الطبيعي للإنسان ومناقض للاكتئاب وأحياناًِ قد يكون الخروج من قاع الاكتئاب إلى موقع هوسي يتميز بعدم الحاجة إلى النوم٬ نشاط غير طبيعي٬ الثرثرة٬ الاندفاع والتهور٬ اضطراب التفكير وفقدان البصيرة. نوبة الهوس قد تكون أحيانا طفيفة وتسمى بالهوس الخفيف. نوبات الهوس الشديدة والهوس الخفيف مدتها لا تزيد على ١٢ أسبوعاً في الغالبية ونادراً ما قد تدوم لستة أشهر.
مهما كان التشخيص سواء الثناقطبي (اكتئاب ونوبة هوس واحدة على الأقل) أو اكتئاب رديد (اكتئاب أحادي القطب) فمسار الاضطراب هو واحد. إذا أخذنا بنظر الاعتبار العمر واحتمال وجود تاريخ عائلي سابق فان احتمال انتكاستك مجدداً في المستقبل بعد نوبتين لا يقل عن 70% وبعد ثلاثة نوبات 90%. هذه النوبات قد تحدث بعد عامين أو بعد عشرين عاماً ولا يمكن التنبؤ بها بسهولة. القاعدة العامة هو أن الانتكاسة مصدرها ضغوط وأحداث الحياة ولكل إنسان قابليته وله عتبته للإصابة بنوبة اكتئاب.
ما تعانين منه هو اضطراب وجداني بحق مصدره عامل بيولوجي وإن كنت متعافية الآن فلا حاجة للعلاج ولكن إن تكررت النوبة فلا مفر من مراجعة طبيب نفساني وعدم المبالاة بوصمة الاضطراب العقلي وجهل عامة الناس. نوبات الاكتئاب قد تكون شديدة وتدمر كيان الإنسان وتقصر عمره وكثيراً ما نتيجتها اختلال وظيفي واجتماعي مزمن.
مراجعة طبيب نفساني في غاية الأهمية وبالذات التحري عن علامات الانتكاس المبكر.
وفقك الله.
واقرأ أيضًا:
ثناقطبي تائه: لا أعرف ماذا أريد؟
اضطراب وجداني رديد: الثناقطبي!
ولو ثناقطبي، من حقها اتخاذ القرار!
اكتئاب رديد أو ثناقطبي: علاج عقَّاري!