أبارك لكم جميعًا شهر رمضان المعظم جعله الله لنا شهر خير وبركة وشفاء وراحة بال ورضا، وأصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام، وبعد.
مشكلتي باختصار لكي لا أطيل عليكم هي أنني شاب أبلغ من العمر 24 سنة، وأعمل حاليًّا بإحدى الدول الخليجية منذ حوالي 10 أشهر، ومنذ حوالي عشر سنوات وأنا في الصف الثاني الثانوي عانيت من مرض الوسواس القهري بشدة، فقد كانت تأتيني أفكار تسلطية شديدة في كل ما يتعلق بمناحي حياتي وبأفكاري التي تربيت عليها ومبادئي التي أعتقد فيها بشدة، وكانت هذه الأفكار على الرغم من غرابتها وعدم معقوليتها تطاردني وكأنها وحش كاسر، مما جعلني في حالة لا أستطيع معها التحصيل العلمي.
ولكن بفضل الله والصبر تمكنت من التغلب على آثارها وليس عليها إلى حد ما، وإن كان الأمر قد أثر عليّ في مستواي العلمي كثيرًا. المهم أني كنت أعالج نفسي بأن أتجنب التفكير في كل هذه الأمور، وتحديدًا فيما يثير عندي الوساوس والشكوك على الرغم من أهمية التفكير في هذه الأشياء، بل وحتميته مثل جدوى الدراسة التي أدرسها، ومدى نفع القيم التي تربيت عليها، وهل هي صحيحة أم لا على الرغم من شدة صحتها ويقيني بذلك، وهل أنا مصاب بمرض كذا أو كذا لدرجة أن سماعي عن مرض معين كان يسبب لي الرعب، واستمر بي ذلك الحال حوالي 3 سنوات.
أتنقل من وسواس لوسواس، ومن أزمة إلى أزمة واكتئاب أحيانًا.. ما زلت أعاني من آثاره إلى الآن إلى أن قررت أنه لا بد من التخلص من كل هذه المعاناة حتى لو بذلت في ذلك معاناة أضعاف ما عانيت، وتمكنت بفضل الله من التغلب على كل هذه الوساوس في العديد من الجوانب، وكنت أظن دائمًا أن هذه الوساوس من الشيطان، ولم أعلم بمسألة الوسواس القهري إلا من أيام معدودة، وإن كنت سمعت عنه من قبل إلا أنني لم أكن أهتم له؛ لأن حالتي التي وقعت فيها من 10 سنوات جعلتني أتسم باللامبالاة.
وبعد مرور 4 سنوات من الاستقرار في بعض الأمور التي كانت تسبب لي أرقًا على الرغم من توارد الوساوس لي في بعض الأمور الأخرى مثل المرض، وهل أنا سأكون إنسانًا مستقرًّا في المستقبل أم لا وغيرها فإنه حدث لي في الشهر الماضي أزمة نفسية حادة قبل عودتي من مصر إلى الخليج بأسبوع، وكان سببها أن تذكرت حياتي على مدار السنوات الفائتة، وكيف كانت معاناتي فيها، وكيف أنني تسببت لنفسي في الكثير من المعاناة والألم بهذه الأفكار، وغيرها..
المهم أني لما عدت للعمل بدأت الوساوس القديمة تعاودني من جديد، وإن كان الفارق أنني لم أتمكن من ضبط نفسي أو الضغط عليها لأداء مهام حياتي على الرغم من الألم الذي أعانيه، وعدم قدرتي على ذلك في بعض الأحيان.
كما أن الوساوس ليست بالقوة التي كانت تأتيني من قبل، بل أضعف كثيرًا وإن كنت أخاف من تأزم وزيادة الأمر عليّ، وسؤالي الآن هل أعود لمصر وأباشر العلاج، خصوصًا أني أعاني من مرض الحنين للوطن والذي يسبب لي ضغطًا نفسيًّا آخر، وأن العلاج هنا مكلف جدًّا، وأنا لا أثق فيه أم أصبر لمدة انتهاء عملي وعودتي في إجازة أخرى وبعدها أستقر وأبدأ العلاج ولو حدث ذلك سيكون رغمًا عن إرادتي وفيه احتمال التدهور الشديد لحالتي؟.
أرجوكم أشيروا عليّ؛ لأني في حيرة وأريد أن أكون إنسانًا طبيعيًّا حتى ولو كلفني ذلك التضحية بالعمل هنا، خصوصًا أن مجال عملي في مصر موجود وجيد إلى حد كبير، وإن كان أقل في العائد، ولكن هذا لا يهمني فعندي أن أكون إنسانًا سويًّا وفقيرًا أو معقول الدخل خير لي من كنوز الدنيا كلها وأنا غير سوي نفسيًّا.
بقي لي أن أشير لشيء أخير من باب الأمانة وهي أن الفترات التي كنت أحس فيها بالاستقرار الشديد هي تلك التي كنت أحاول فيها حفظ القرآن الكريم والمداومة عليه، وبأن السبب في تغلبي على بعض الوساوس المقلقة هي تعمدي التعرض لها وتمحيصها والتغلب عليها وعدم الهرب منها، وإن كنت أعاني بشدة لفترات، ولكنها مع الصبر وتوفيق الله كانت تزول على الرغم من عدم العرض على الطبيب أو تناول الأدوية فلم أذهب للطبيب حتى الآن؛ لأني كنت أعتقد أن هذه الوساوس من الشيطان وليست مرضًا نفسيًّا، وهذه من الأشياء التي تسبب لي الندم،
ولكن الحمد لله أن سبَّب الأسباب وسارت الأمور على هذا النحو فهذه إرادته،
والحمد لله تعالى على كل حال، وجزاكم الله خيرًا.
29/3/2024
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً ومرحبًا بك على صفحة الاستشارات، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال في شهر رمضان الكريم.
رسالتك فيها تحديد دقيق لمشكلاتك، والأجمل أنك استطعت التعامل مع الوساوس التي تزعجك وتحسنت حالتك مع مجهودك المستمر، فالحمد لله من قبل ومن بعد، سأعطي فكرة عامة عن الوسواس قبل أن أرد على رسالتك حتى يستطيع أن يفهم أصدقاء صفحتنا المشكلة، إن المفهوم النفسي للفكرة الوسواسية يعني أنها فكرة تقتحم وعي الإنسان، وتتعلق غالبًا بما لا يحبه أو ما لا يتفق معه، وهي بالتالي تزعجه فيحاول التخلص منها، لكنه كلما حاول الخلاص زاد إلحاح الفكرة عليه وزاد قلقه وتوتره وعذابه، وما يزيد معاناته -في أغلب الأحوال- هو اضطراره إلى عدم البوح بسبب معاناته؛ لأنه غالبًا ما يخجل منه لكونه أمرًا سخيفًا أو محرمًا أو لا معنى له أو غير مقبول اجتماعيًّا، وفي كل الأحوال فإنه "يفكر" أو "يفعل" بغرض التخلص من قدر من القلق وليس بغرض الاستمتاع، وتختلف الأفكار. وتشير الدراسات الحديثة عن تسجيل نسب أعلى من مرضى الوسواس تصل إلى 6% في بعض المجتمعات.
الوسواس وغيره من المشكلات النفسية يمكن أن يتأثر بالضغوط النفسية التي نمر بها من وقت لآخر، فربما تكون الأعراض قد ظهرت على السطح مع السفر وربما تكون بداية المشكلة مع فترة المراهقة الانتقالية، أما في الوقت الحالي فيبدو لي أن الأمور تسير بشكل عادي دون ضغوط إضافية فلا قلق إذن من تزايد الأعراض وليس هناك ما يدعو لأن تترك عملك وتعود إلى مصر... كما أن العلاج الذي ستحصل عليه بإذن الله تعالى سيزيد من طمأنتك كما سأوضح لك.
هذا من جانب ومن جانب آخر من المهم أن أوضح لك ولقراء الصفحة أن محافظتنا على صحتنا النفسية أمر هام، وأن أعتبر أن عرض مشكلتك قد يساعد كثيرين ممن يعانون مثلك، ذلك أنك قد نجحت في التعامل مع مشكلتك، فمن الأساليب الفعالة التي قمت باستخدامها ما يأتي:
• معرفة أن الأمر بيد الله والصبر.
• تجنب التفكير فيما يثير الوساوس والشكوك.
• التركيز في أداء المهام بدلاً من التركيز على الوساوس.
• التركيز على حل المشكلة بدلاً من المشكلة ذاتها.
ولما كنت تعاني من أعراض الوسواس القهري وتسعى للتخفيف من هذه الأعراض فاطلب العلاج على يد متخصص، فالعلاج النفساني يمكن أن يساعدك في التقليل من معاناتك ويرشدك إلى طرق تساعدك على العيش بمعاناة أقل، وتعامل مع الوساوس بطريقة أبسط... لقد فهمت أن مشكلتك ليست وساوس الشيطان وإنما هي أعراض لاضطراب الوسواس القهري فلنبدأ بالعلاج من الآن، وطالما أن الله تعالى قد فتح عليك بالعمل فما المشكلة من طلب العلاج من الآن في البلد الذي تعمل به؟ وإن كنت تريد معالجًا مصريًّا -باعتباره أكثر فهمًا لخلفيتك الثقافية والاجتماعية وأكثر قربًا من عادات وتقاليد بلدك- فأظن أنك ستجده في الدولة التي تعمل بها الآن، بحيث تتحسن حالتك وتتضح لك الرؤية بعد فترة من العلاج.
في أمان الله، وتابعنا بأخبارك.