أنا فتاة جامعية أبلغ من العمر 21 عاما، ولم يسبق لي الزواج من قبل، أعيش وعائلتي منذ 26 عاما في بلد عربي آخر، تقدم لي أكثر من 25 خاطبا على الأقل من نفس بلدي، ولكن من مدن أخرى مجاورة لمدينتنا، ولكنهم كانوا غير مناسبين برأي أهلي، وكانوا يرفضونهم دائما لاختلاف المدينة التي ننتمي إليها، وليس لعيوب أخرى فيهم، بالإضافة إلى أنني لم أكن مهتمة بموضوع الزواج حاليا، ولا أفكر فيه لكي أتمكن من إكمال دراستي الجامعية أولا.
كان أبي دائم الرفض بحجة أنه لا يريد أن يغرب بناته مثلما سبق له ولأمي الغربة، وأنه يريد أن يزوج بناته بجانبه عندما يعود إلى وطنه.
مشكلتي بدأت منذ تقدم لي شاب على خلق ودين ومحترم ومثقف، وأنا أجده مناسبا جدا، ومتأكدة من أخلاقه، لكنه ينتمي لبلد عربي آخر، وهذه كانت الكارثة لي؛ حيث إن والدي رفضه بشدة لاختلاف البلد الذي ننتمي إليه.
عندما أحس أبي بأنني أميل لهذا الشاب، وأنني موافقة عليه، اتهمني بقلة الأدب وعدم الحياء، وبأنني أخالف الدين الإسلامي والعرف والعادات والتقاليد، وأنه من المستحيل أن يوافق عليه لاختلاف البلد العربي الذي ننتمي إليه؛ وذلك لأن والدي لا يثق إلا بالناس الذين ينتمون لمدينتنا فقط.
أما بالنسبة إلي فأنا لا أفرق بين الناس على حسب البلد الذي ينتمون إليه، وذلك ما يدعو إليه ديننا الإسلام أولا، والذي لا يفرق بين الناس إلا بحسب تقواهم.. ثانيا بحسب البلد العربي الذي ولدنا فيه وعشنا واختلطنا مع جميع الجنسيات، أما أبي فإنه قال لي أكثر من مرة بأنه لا يستطيع أن يخالف عرف وعادات وتقاليد أهله وأبناء مدينته، وأنه لا يستطيع أن يزوج بناته لشاب من بلد عربي آخر، وأنه لن يسمح بأن يكون هو الوحيد في بلده الذي يزوج من بلد عربي آخر، ولكنه بفعله هذا فإنه يخالف الدين الإسلامي، وللأسف فإن الشاب قد تقدم لخطبتي مرتين، وفي المرتين أبي لا يسمح له بالكلام، ويرفضه بشدة، ويقول له: إن الموضوع قد انتهى، وأنه لن يسمح لأحد بالتكلم فيه مرة أخرى.
أمي كذلك موقفها سلبي جدًّا؛ إذ إنها تقبل أي شيء يقوله أبي، ولا تستطيع أن تناقضه، أو تقول له أي شيء ليفكر بالموضوع مرة أخرى، مع أنها كانت موافقة على الشاب في بداية الأمر.
أنا أتعذب جدا، وصحتي في تدهور دائم؛ لأنني أجد أهلي يظلمون الناس معهم، ولا يعطونهم أي قيمة كأنهم هم أحسن الناس والباقين دونهم!!
أرجوكم أفيدوني.
4/4/2024
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أعرف لماذا نزيد حياتنا صعوبة، وكأن ما فيها لا يكفي؛ فنسعى لمزيد من التعقيدات، والذي يعد التحيز العرقي أحد أشكالها.
تدافع الأقليات في كل مكان عن هويتها واستمراريتها بمثل هذه التحيزات العنصرية، ولعل تفهمك لدوافع والدك يساعدك في تقبل طريقته في التفكير، ومن ثم تبنيها أو تبين طرق مناقشته فيها.
يعطي الشرع الحق لصاحب الحق.. وفي اختيار الزوج أنت صاحبة حق لا شك في هذا، ولكن كما تقول القاعدة الفقهية: "لا ضرر ولا ضرار"؛ فلن نكسر قلب والدك وكبرياءه لنفرحك، ولا أظنك ترضين بهذا أيضا.. فهو لا يفرض عليك زوجًا بعينه، ومن ثم يجب عليك ألا تفرضي عليه واحدا منهم.
فالزواج ليس علاقة شخصية فقط.. فهو سيشمل أسرتك وأسرته فما موقف أسرته من زواجه من غريبة؟.. فمثل هذا الموقف المتعنت والمتوجس ترينه بين مختلف بلاد العرب، ويبقون يسمون أنفسهم عربًا، ولكن هذا شامي، وهذا مصري، وذاك مغربي، وذلك خليجي.. وجميعنا سواء في هذا الشكل من الانحياز العنصري، وإن بدرجات مختلفة، إلا من رحم ربي، وفتح عليهم بسعة الأفق.
تفهمي أنت وجهة نظر والدك؛ فهو لا يرفض تكبرا، ولكن نتيجة منظومة فكرية، بالإضافة لخبرة الغربة التي يعيش فيها.
فكري قليلا في حكمة اختيارك بعيدا عن المنظور العاطفي، فاختلاف العادات قد يثري الزواج، ولكنه قد يضع عليه أعباء إضافية يجب تجاوزها، فهل ستنسجمين مع باقي أهله؟ وهل سينجم هو مع باقي أهلك؟.
ما يحدث في الواقع بينك وبين والدك هو صراع إرادات تلزمك الحكمة في إدارته إن أردت الانتصار.
تجنبي الضغط المباشر على والدك، ولكن استعيني بالدعاء، وابحثي عمن له تأثير عليه من الأقارب، واطلبي مساعدته في إقناعه.
ابذلي جهدك لإصلاح علاقتك مع والدك؛ كي تستطيعي أن تكسبي تعاطفه مع مشاعرك، وثابري في طلب حاجتك، ولكن دون ضغط.
فكري بإيجابية في أن والدك قد يكون له اعتراضات عميقة لا يستطيع أن يشرحها لك، ويأخذ من قضية اختلاف الجنسية مجرد عذر لهذا الرفض.
في النهاية أقول لك: إن جميع رجال العالم من الممكن أن يكون أي واحد منهم زوجا لك في لحظة ما، ولكن هذا الرجل فقط سيكون والدك على الدوام.. فاحرصي على رضاه، وتذكري دائما فضله عليك.. وادفعي برفق.
اجعلي دعاءك اللهم اجعل خيري فيما أحب.