سيدي الفاضل، أحتاج لمشورتك ونصيحتك؛ فأنا سيدة متزوجة من رجل فاضل ومتدين وعلى خلق وحاصل على أعلى الدرجات العلمية، ولدي أطفال، ولكن زوجي إنسان كثير النقد وعصبي وحاد المزاج، إلى جانب أنه غير رومانسي على الإطلاق، ويعتبر أن الرومانسية نوع من المراهقة وعدم النضج.
ولقد حاولت طوال ثماني سنوات أن أجد له مدخلاً ولم أستطع، طالما حاولت أن أشاركه اهتماماته وأن ألتمس له الأعذار؛ فكان ينصلح الوضع لبعض الوقت ثم نعود لخلافنا الرئيسي وهو عدم التفاهم والانسجام؛ فكل منا يتحدث بلغة مختلفة تمامًا عن الآخر.
المشكلة الآن أنني تعرفت على رجل منذ ستة أشهر، وجمعت بيننا الصدفة أكثر من مرة، وفوجئت به يعترف لي بحبه، وهو لا يعلم أنني متزوجة، وقد حاولت الابتعاد عنه لكن لم أستطع، وجدتني أقترب منه وأنجذب إليه؛ فهو إنسان عاقل ومتزن ورومانسي.
وهذا الرجل متزوج وعلى خلاف شديد مع زوجته للأسباب نفسها، ووافقت على لقائه، والتقينا أكثر من مرة، ولم يحدث بيننا إلا تبادل لكلمات الحب، ووجدتني أعده أن أكون له وحده وأن أترك زوجي الذي لم أعد أشعر بأي أمل لإحياء حياتي معه.
والآن أنا حائرة وأشفق على أولادي أن يحرموا من والد يحبهم، وفى الوقت نفسه لا أستطيع التضحية بحبي، فأنا حقا أحب هذا الرجل بكل كياني، وسأظل أحبه حتى لو استمرت حياتي مع زوجي!!!.
فأخبرني ماذا أفعل بالله عليك: هل أسارع بطلب الطلاق وأذهب إلى طريق سعادتي، وأنا واثقة أن من أحب سيحب أولادي مثلما يحبني؟ أم أرضى بما قدره الله لي، وأتفق مع حبيبي على ألا نلتقي مجددًا وأطوي هذه الصفحة للأبد وأعيش لأولادي وأضحي بحبي؟.
أرجوك ألا تقسو عليَّ في ردك، كما أرجوك عدم نشر رسالتي على الموقع.
زوجة تائبة وحائرة
18/4/2024
رد المستشار
أفيقي يا أختي، أفيقي ، تخافين من قسوتي عليك ولا تجدي القسوة مع الغافلين، وأنت غارقة في نشوة خمر العشق المختلس، وأية محاولة غير حكيمة لإيقاظك ستقومين تلقائيا بإسقاطها لأن مذاق الحقيقة مر .
واسمحي لي يا أختي أن أخالفك وأنشر رسالتك مع تجهيل بياناتك، والهدف من النشر ليس التعريض بك أو القسوة عليك ولكن رسالتك تفتح ملفًا ساخنًا من تدابير القدر أنه كان محورًا لنقاش ساخن في اجتماع فريق الخبراء الأخير، وهو اجتماع أسبوعي نتناول فيه نحن فريق الحلول بالصفحة بعض القضايا والمشكلات التي تردنا، ووجدت أن رسالتك، قد تكون مفتاحًا للدخول إلى منطقة تحاشينا الخوض فيها، ولم تفتحها رسائل سابقة.
لقد كتبت من قبل عن سيكولوجية الرجل الشرقي، وسألتني الزميلة د. فيروز عمر : لماذا لم تكتب عن سيكولوجية المرأة الشرقية؟؟ ولعل هذه الإجابة تكون محاولة جادة في هذا السبيل.
دعيني أبدأ بزوجك الفاضل المتدين... إلخ، فهو فيما يبدو يصلح نموذجًا لملايين الأزواج الذين يرون أن الرومانسية ضد الجدية، وأن التعبيرات العاطفية البسيطة والمستمرة هي ممارسات تخص المراهقين الحالمين، وكأن المراهقة شر كلها، ولعله يرى مثل كثيرين أن تحمله لمسئولية الإنفاق على الأسرة، وبقية أدوار القوامة والأبوة يُغني عن الأدوار الأخرى المنتظرة منه كزوج لامرأة لها مشاعرها وحاجاتها العاطفية والجسدية، والتي ليس لها سوى مصدر إشباع وحيد مشروع هو ذلك الزوج بالطبع، والجهل مستشرٍ والغفلة عامة فيما يخص طبائع النساء وفنون التواصل معهن، وإشباع رغباتهن المشروعة، فالمرأة بعد أن تطمئن أنه قد حازت قبول رجل محترم إلى الحد الذي يلزم فيه نفسه بمسئوليات الزواج والأسرة، وبعد أن تطمئن أن فطرة الأمومة قد حصلت على بغيتها -تعود عواطفها إلى الاستيقاظ في اتجاه استمرار اهتمام هذا الرجل بها، وتواصله العاطفي معها، وتظل مفتقرة لكلمات التشجيع والدعم، فضلاً عن التعبيرات العاطفية الأخرى؛ فهي أنثى قبل أن تكون زوجة وأُمًا.
والزوج بالنسبة للمرأة هو المرآة التي ترى فيها نفسها كل لحظة، وتستمد منها إلى حد كبير الثقة بالنفس، والقدرة على المواصلة في بذل ذاتها جسدًا وروحًا وطاقة، كونها محور الأسرة وشئونها ونسيج استقرارها وضبط أمورها الداخلية، والعاطفة هنا هي الدليل المستمر الذي تحتاجه حواء، وتستمد منه الشعور بالأمان والتحقق، وهي حين تبحث عن التعبير العاطفي، بمختلف صوره من الكلمة الطيبة إلى الممارسة الحميمة في الفراش، حين تفعل ذلك تكون مستعدة غالبًا للرد على كل تحية ولفتة بأحسن منها، طالما تحب زوجها، وتقرّ عينها بالرضا عن حياتها معه، وهذه العاطفة المطلوبة هي بمثابة الوقود اللازم باستمرار لإكمال المسيرة، وإشاعة الدفء والضوء والنظام في أرجاء البيت، فهل وعينا ذلك معشر الرجال؟ وهل استوعبنا مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لو كتبنا عن حذقه في معاملة زوجاته، وحسن تدبيره وتعبيره في هذا الشأن لما كفتنا الأيام والليالي! إن سيرته في حياته الخاصة ملك للجميع، وهي مكشوفة أمامنا : من أول دخوله إلى المنزل، وحتى اغتساله بعد الجماع.. لم تكن حياته كذلك من قبيل القصص المسلية، ولكن عبرة لمن أراد أن يتعلم.. فهل تعلمنا؟؟
هل أبالغ إذا قلت : إن أكثر الهاجرين لتطبيق هديه الشريف هم هؤلاء الذين يحفظون كلماته يرددونها ولا تتخطى تراقيهم؟ هل أبالغ إذا قلت: إن أغلب الملتزمين الفضلاء هم أجهل الرجال في معرفة هدي الشرع والالتزام به فيما يخص احترام المرأة، وامتلاك مفاتيح قلبها، والفوز بالمركز الأول دائما في ترتيب أولويات سعادتها؟ بأبي أنت وأمي يا حبيبي يا رسول الله وأنت يأتيك من يسألك على الملأ: من أحب الناس إليك؟ فترد صافعا أصحاب الحياء المصطنع، والهيبة الكاذبة، ترد وأنت أولى الناس بالإعراض عن كل ما لا يليق في موضعه، ترد أمام الناس تخبرهم وتعلمهم : "عائشة" .. هذا ما قاله في العلن، ونعلم جميعا ما كان يفعله في البيت مع أهله .
يا الله، أليس حب النساء عيبًا ينبغي أن يستخفي الإنسان به؟ أليس التعبير الصريح العلني عنه نقيصة يتنزه عنها أصحاب المكانة والمهابة، وأولي الحزم والعزم؟ أليس اسم المرأة "عورة" أن يذكر على الملأ؟ أتساءل مهموما وأنا أعتقد –أحيانا- أننا من كثرة جهلنا وهجرنا لمعالم ديننا ومقاصده، نبدو وكأن وحي السماء لم يبلغنا، وما زلنا ننتظر بعثة رسول تحدثت عنه الأخبار والكتب المقدسة، وقالت بأن اسمه أحمد!! وحتى يبلغ المسلمين أن الإسلام قد ظهر والوحي قد نزل، وأن الرسول الكريم قد بُعث، وكانت حياته مصداقًا لما يحمله من هدي.. أعود معك يا أختي بعد أن اعترفت لك أن مسلكنا نحن معشر الرجال تجاه نسائنا يتراوح بين الغفلة والاحتقار مرورًا بالتجاهل والإهمال.
نعم.. هذا ما يفعله الرجل فماذا تفعل حواء؟ ماذا تفعل في مواجهة هذا الوضع، وتفاعلاً مع هذا المنطق الذكوري الآثم شرعًا باتفاق؟!.
تقول خبرتي بأن حواء العربية قد تسعى إلى كسب ود ورضاء الزوج بشكل أو بآخر، وربما تحاول عدم إغضابه، وحتى إذا كان عليه بعض العيب في فتور العلاقة بينهما، فإنها تحاول إلقاء اللوم على نفسها، أو كتمان شكواها إيثارًا للسلامة، بدلاً من مواجهة لا تُحمد عقباها، وهي قد تحاول مرة أو مرتين، ثم سرعان ما تيئس أو تستسهل صمت البراكين التي تغلي داخلها في سكون دون أن يراها أحد، حتى يفاجأ الجميع بالانفجار!!!.
حواء العربية حين تفشل في إصلاح جسورها العاطفية مع زوج مهمل أو غافل تبعث تسألنا عن حكم ممارسة العادة السرية، أو السحاق، أو تتورط في علاقة خارج الزواج، أو تترك نفسها فريسة للأوجاع النفسية وانعكاساتها البدنية، وبدلا من أن تصارح زوجها باللين، أو تشكوه في محيط الأسرة لعله يتذكر أو يخشى نجدها مستعدة أكثر لإغضاب ربها، أو إيذاء نفسها، ولو أنها أضاءت الأنوار الحمراء، وأشعرت زوجها بأن للصبر حدودًا، وأنها قد تفارقه؛ لأن حياتها معه تحولت إلى غرفة رائعة في فندق مكيف الهواء، كل شيء فيها جميل، ولكنها باردة مثل ليالي الصحاري الخاوية، وإذا لم تتعاون مع زوجها ليعرف طبيعة النساء ويتعلم ما فاته أن يعرفه قبل الزواج وبعده، عن حسن تبعله لزوجته؛ لأنه قد يعتقد أن هذا لا يكون إلا من المرأة لزوجها، ويغفل عن قوله سبحانه: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، أو أنه يفهم القوامة خطأ مثل كثيرين.. لو فعلت ذلك لكانت منصفة في حق نفسها، لكن حواء العربية تؤثر الصمت وما تظنه السلامة، وتضع نفسها في مهب رياح عاتية، وتجارب عاصفة، وتظن أن هذا هو الأفضل لاستقرار بيتها.
وحالتك نموذج لذلك يا أختي الكريمة الغافلة، والتناقض صارخ فيما تروينه، ولكن من أين لك وضوح الرؤية وأنت يائسة من زوجك الفاضل، ومسحورة بغواية سراب الآخر الهارب من زوجته؟ تقابلينه متعطرًا متهللاً مبتسمًا، ويقابلك مقبلة رائعة محتشدة، وينسى كل واحد منكما أو يتناسى أن الحياة ليست هكذا فقط، وأن المسئوليات والهموم والضغوط هي التي تزرع الضجر، وأن الرومانسية من بعيد لبعيد سهلة ماديا ومعنويا، وأن الجانب الآخر في حياة كل منكما هام، ولكنه مسكوت عنه بالكذب أو بالتغافل.
السعادة التي تحلمان بها سراب في سراب زينته لكما اللقاءات المختلسة، والرغبة المحمومة في تعويض التقدير المفتقد من الشريك الغافل أو المنشغل، ولعق عسل الخيانة ستعقبه قرصات النحل، وعذاب الضمير، وأشفق عليك.
أختي، أوصيك بقطع علاقاتك الآثمة فورًا بهذا الرجل، وتذكري أنك في نظره خائنة تواعد غير زوجها، فكيف يطمئن من ناحيتك إذا أصبحت زوجته.
اقطعي هذه العلاقة فورا، وأعطي نفسك فرصة للتفكير المتأمل الهادئ، والتصرف الحكيم السليم، وأشعلي نار التحذير لزوجك الغافل بأن هجره العاطفي لك يؤذيك إلى الحد الذي يمكن أن يهدم البيت، وأنك يمكن أن تطلبي الطلاق بناء على هذا الوضع المختل إذا استمر، وليكن هذا هو خيارك فعلا بغض النظر عن الآخر ووعوده، التي أحسب أنها غير واقعية على أحسن التقديرات، ولا أريد أن أقول إنها كاذبة جملة وتفصيلا.
ولا أستطيع أن ألومك إذا تجاهل زوجك كل هذا، ولم يتجاوب مع ملاحظاتك التي أرجو أن تطرحيها للتحكيم إذا لم يستجب هو للتذكير الناعم، والإلحاح المؤدب لإصلاح العلاقة بينكما.. لا ألومك إذا طلبت عند ذلك الطلاق لهذه الأسباب، ولا يستطيع أحد أن يتهمك بالجنون أو الأنانية؛ فليست الأمومة مذبحًا ننحر على أعتابه نفوسنا وإنسانيتنا اللهم إلا إذا كان هذا هو خيارنا الحر، وتفضيلنا بناء على دراسة الأمر بكل أبعاده في حال البقاء أو الانفصال.
تذكري فقط أن الطلاق ليس قرارا سهلا، وأن سعادة الأولاد هي جزء هام من سعادتك الشخصية وليسوا بديلا عنها، أو خصما منها، وأن نجاحك وتحققك كامرأة تجتمع فيه جوانب إشباع الأنثى والأم.
أنت يا أختي لا تحبين في الآخر سوى ما ترين أنه ينقص زوجك، تحبين الجزء المضيء فيه، والذي تفتقدينه في والد أطفالك الفاضل المتدين، فماذا عن الجوانب السلبية في شخصية الآخر؟ وما هو تقديرك لفعله، وهو يقابلك خلسة من وراء زوجته؟ والله أعلم بمن السبب أكثر في جفاف العلاقة بينه وبينها.
تصوري أن زوجك يقابل أخرى عاقلة ومتزنة مثله، وتشاركه اهتماماته العلمية والأكاديمية ولا تطلب منه تعبيرات رومانسية مراهقة، ولكنها تتواصل معه فيما يحب بالأسلوب الذي يحب، هل سيكون هذا عدلا وشرفا؟!! ولماذا لا تكونين أنت هذه المرأة التي تشاركه بالأسلوب الذي يحبه، كما ينبغي أن يشاركها هو بالأسلوب الذي تحبينه من رومانسية وخلافه؟
تعاستك مع زوجك ليست قدرا، ولكنه فشل منكما معًا في التواصل العاطفي المشترك، والفشل هو العيب المشترك دائما.. طريق سعادتك ليس مع هذا اللاعب الهارب من زوجته إلى سعادة مختلسة ومتوهمة... الاختيار أمامك ليس كما تصفينه "إما الحب أو التضحية من أجل الأولاد" الاختيار على حقيقته هو بين احترامك لنفسك وعقلك وذاتك وإنسانيتك، وبين قرار متسرع يمكن أن يهدم أسرتين ليبني بيتا أوهى من بيت العنكبوت، بين رضا ربك وغواية هواك.
واحترامك لنفسك يقضي أن تدركي حقك العاطفي بموجب الشرع والإنسانية، وتطالبي به طالما غفل زوجك عنه، وربما هو منشغل بك ومطالب الأولاد عنه!! احترامك لنفسك يقتضي ألا تواعدي أحدهم سرًا، وتخفي عنه حقيقة أنك متزوجة ولديك أطفال؛ فيبني هو أوهامه على هذا الكذب.
احترامك لنفسك أن تعيشي بوضوح، وتختاري بمسؤولية بين تعاونك مع زوجك لإنجاح علاقتكما، أو الانفصال عنه بغض النظر عن الآخر وأوهامه، ومغامرتك معه التي حصلتِ عبرها – حتى الآن - على بعض ما كنت محرومة منه من غزل ورمانسية، وأخشى أن تحصدي منها حسرة لا تنقضي أبدًا.
وتابعينا بأخبارك