أكتب إليك يا سيدي وقد ضاقت بي كل السبل وطرقت كل الأبواب ولم أجد من يجيب.. أنا فتاة في الرابعة والعشرين من العمر بدأت حكايتي منذ 4 أعوام عندما تعرفت إلى شاب يكبرني بـ 5 سنوات، أسرته كانت صديقة لأسرتي، لكن الزمن باعد بينهما، تعرفنا وسرعان ما ربط الحب بين قلبينا لنبدأ معا أروع قصة حب عرفها بشر، أحب بعضنا الآخر حبا عاصفا قويا لم يسبق لأحد منا حتى أن يحلم به، حتى بات يضرب بحبنا المثل بين كل من عرفنا.
لن أطيل عليك يا سيدي، أردنا أن نكلل هذا الحب الجميل بالزواج؛ ففاتح هو أهله وقلبه ينبض بسعادة الدنيا، وإذا بالطامة الكبرى، رفض أهله زواجنا وبشدة، بحجة أن عائلتي ليس لها جذور أو أصول.
رجع حبيبي بخيبة الأمل لكننا وقفنا وقاومنا وعزمنا على أن نصبر حتى يبني هو نفسه ومستقبله ثم نعود لمفاتحتهم، وقد كان، انتظرنا عاما آخر كان حبيبي قد حصل فيه على عمل بإحدى دول الخليج واستقرت حاله إلى حد ما وفاتحهم من جديد وإذا بالرفض يتكرر وبشدة أكثر.
ولم نيئس أيضا، انتظرنا، وانتظرنا أعواما، ذاق فيها مرار الغربة وقسوة الأهل، وذقت فيها قسوة القدر، لكننا تماسكنا وساند أحدنا الآخر، وعدنا من جديد ليفاتحهم ويقنعهم، وسطّنا كل من يعرف أهله لإقناعهم لكن من دون جدوى أو طائل، قتلوا بأيديهم قلبينا دون رأفة أو هوادة، فكرنا أن نتزوج دون رضاهم، لكن وجدنا أنه حل يغضب الله أولا ثم لا يكفل لنا الاستقرار ثانيا، وذلك لأنه سيفقد عمله وبلده إن أقدم على ذلك، ثم كيف يطيب له عيش وهو بعيد عن أهله؟
والآن وبعد طول الأعوام التي مرت وكثرة المحاولات التي باءت كلها بفشل مرير لا أستطيع أن أصف لك يا سيدي حالنا، كل ما أستطيع قوله هو أنك لو رأيتنا لبكيت لأجلنا ولحالنا، وكيف أصف حال حبيبين مزقهما القدر بطعناته؟ وكيف أصف حال قلبين امتدت الأيدي لتفريقهما وما رقوا للدمع ولا لنزيف دمائهما.
ماذا نفعل؟
حبيبي ضائع في غربته تائه أصابه الهزال واليأس، قررنا أنه لا مفر إلا أن يذهب كل منا في طريق لكننا لا نقوى على ذلك. قلناها ونحن نبكي والألم يعتصر قلبينا قلناها ونحن نعرف أننا أضعف بكثير من أن نفعلها. أنفترق بعد كل هذا الحب أنترك ماضيا صنعناه معا ومستقبلا خططنا له معا، ونترك نفسنا لنصبح بقايا بشر ونعيش العمر نبكي على أطلال حبنا المقتول أم نصبر وننتظر أملا كلانا يعلم أنه أمل واه ومستحيل؟
بالله عليك أخبرنا ماذا نفعل وهل من سبيل لإقناع هؤلاء البشر أن الله سبحانه وتعالى يعاقب البشر بذنوبهم لا بذنوب أهليهم؟ كيف نقنعهم أنه ليس من العدل قتل القلوب وتعذيبها؟ ماذا نفعل بالله عليك دلنا؟ صلينا ودعونا وذهبنا لأداء الحج ووقفنا بين يدي الله لينصفنا..
اللهم أنصفنا على من ظلمنا،
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
29/4/2024
رد المستشار
رغم أن كلماتك ألهبت بداخلي كل "مشاعر" الحزن والغضب وجعلتني أضيف مشكلتك إلى جبال المشكلات التي تؤكد لنا يوما بعد يوم أن هذا المجتمع مريض وجبان ومنافق!! فهو يقف في طريق الفطرة والمشاعر الإنسانية دون وجه حق أو مبرر موضوعي، إلا أني لن أستسلم لهذه المشاعر، وسأحاول أن ألتزم هدوء الأعصاب والسكينة حتى تنتقل هذه العدوى إليك لنصل إلى القرار السليم بإذن الله تعالى.
وأبدأ من عبارة شهيرة نكررها كثيرا على صفحتنا وهي: "نحن لا نختار الطريق الذي يحقق لنا أفضل الإيجابيات، ولكننا نختار الطريق الذي نستطيع تحمل سلبياته". هذه هي قاعدة ذهبية وضعتها صفحة مشاكل وحلول لمعظم اختياراتنا وقراراتنا في الحياة، الحياة -يا سيدتي- ما هي إلا مجموعة من الاختبارات "بالباء"، وبعض هذه الاختبارات إجبارية حيث يضطرك القدر لطريق معين، إلا أن معظمها اختيارية؛ حيث تقومين بنفسك باختيار "بالياء" الاختبار "بالباء"!! كما في مشكلتك الآن!! هذه هي الحياة في كلمات بسيطة.
فأنت الآن عليك أن تقومي بنفسك باختيار الاختبار المناسب!! نحن في الأسئلة الاختيارية نسأل أنفسنا: ما هو السؤال الذي لن نستطيع الإجابة عليه فنتركه ونستبعده؟!! عليك أن تسألي نفسك هذا السؤال: ما هو الاختبار الذي "لن" أستطيع النجاح فيه؟ ما هو الاختبار الذي "لن" أستطيع تحمل سلبياته؟.
* إذا اخترت الانفصال عن حبيبك فالسلبيات هي:
عذاب وآلام الفراق، وخسارة قصة حب حقيقية ونادرة مرت باختبارات عمرها أربع سنوات، وصعوبة أن يجمعك حب مثيل بشخص آخر، ومرارة طعم الحياة بدون حب.
* أما إذا اخترت الزواج رغم رفض الأهل، فالسلبيات هي:
المعاناة المادية، وعناء التودد إليهم بعد الزواج وتحمل غضبهم حتى يرضوا ولو بعد سنين، وصعوبة الوحدة طوال هذه السنوات حتى تلين قلوبهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان مهما تكن الظروف.
والآن.. أي السلبيات يمكنكما تحمله؟ أي اختبار يمكنكما النجاح فيه؟ ابدئي من هنا!! لا شك أنكما أنتما اللذان ستجيبان على هذا السؤال وليس أنا.. لماذا؟! لأن القرار الذي ستتخذانه ستدفعان ثمنه باهظا؛ لذلك يجب أن تتخذاه بكامل إرادتكما، وأن تتذكرا جيدا في كل لحظة معاناة سبب الاختيار، حتى إذا حدثت مشكلات وبدأ دفع الثمن لا يشعر أحدكما بالندم، ولا يحمل الطرف الآخر مسؤولية الاختيار.
وتتوقف مهمتي -أنا- عند توضيح "سلبيات" كل اختيار. ولكي أكون قد قمت بواجبي على أفضل وجه فإني سأشير إلى ثلاث نقاط مهمة:
النقطة الأولى: الزواج رغم رفض الأهل لا يؤدي لغضب الله!! كلمة "غضب الله" تستخدم إذا فعلنا "حراما"؛ فالزنا -مثلا- يسبب غضب الله.. الزواج السري يسبب غضب الله.. الزواج الذي يترتب عليه ظلم -كمن يتزوج زوجة ثانية دون سبب وجيه ويقصر في حقوق زوجته الأولى ماديا ومعنويا- هذا ظلم يسبب غضب الله. ومن المعروف شرعا أنه المطلوب منا تجاه آبائنا هو "البر" وليس "الطاعة". وخاصة أنه أحيانا يكون هناك تعسف واضح من ناحية الوالدين في القرارات المصيرية للأبناء، مثل الدراسة أو اختيار شريك الحياة أو غير ذلك. وهنا يجب المحافظة على "البر"، و"الإحسان"، و"حسن المعاملة" دون الاضطرار لتنفيذ ما يرونه -من وجهة نظرهم- صحيحا؛ لأنه ليس بالضرورة كذلك.
النقطة الثانية: ليس المهم هو "رفض الأهل" في حد ذاته، ولكن المهم هو "سبب" رفض الأهل. أقصد أن أقول: إن الرفض في حد ذاته ليس سببا مانعا من إتمام الزواج، ولكن الأهم لأي شاب وفتاة هو "دراسة سبب الرفض"، فإذا كان وجيها فهو ذو قيمة في اتخاذ القرار، وإن لم يكن كذلك تقل قيمته.
وأذكر مثالا: إذا كان سبب الرفض -مثلا- أن ابنهم ما زال طالبا في الثانوي لا يستطيع تحمل مسؤولية بيت، أو كان الرفض؛ لأن هناك عدم تكافؤ "واضحا" بين الطرفين، أو لأن الحب بينهما وهمي أو عابر أو سطحي؛ فهذه كلها أسباب وجيهة تستلزم قدرًا من الصدق للاعتراف بأهميتها وأخذها في الاعتبار. لكن إذا كان السبب هو أن العائلة ليس لها جذور وأصول "فهذا سبب غير منطقي وغير موضوعي"!! فإذا كانت الأسرتان صديقتين -كما تقولين في رسالتك- فهذا يعني أن بينهما درجة معقولة من التكافؤ، وإلا لما حدثت صداقة بينهما!!.
النقطة الثالثة: الحب الحقيقي له احترامه، ويستحق أن تبذل في سبيله التضحيات، بعكس الإعجاب العابر أو الحب الوهمي.. والمحك الذي يختبر الحب -هل هو حقيقي أم لا- هو أن كلا من الطرفين قد عرف الآخر "بعيوبه" على مدار فترة طويلة ورأى منه الخير والشر، ومع ذلك ظل متقبلا له حريصا عليه، وهذا هو الحب الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لم ير للمتحابين غير النكاح".
أختي الكريمة.. أتمنى لك من قلبي أن تصلي أنت وهو كلاكما للاختيار الأفضل الذي تتحملان سلبياته.. ولا تنسي الدعاء والاستخارة وطلب العون من الله؛ فهو سبحانه وتعالى كما ذكرت في رسالتك: "نعم الوكيل".