الإخوة الأحبة، عمالقة علم النفس الإنساني… أحب أن أوجه لكم تحية اعتزاز وإكبار لهذه الجهود العظيمة التي تشفي صدور الكثير من أبناء هذه الأمة.
وبعد لقد ساقني قدري إلى صفحتكم الغراء ذات يوم، فقرأت مشكلة وكأنها تتحدث عني وأثلج صدري حلها، فأصبحت أتصفح مشاكلها كل يوم ولم أكتف بذلك فبدأت أقرأ الاستشارات مجانينها منذ نشأتها، حتى تعلقت بها ولم أدرِ أني سأصبح ضحيتها.
لا أنكر أني استفدت الكثير، فقد جعلتني هذه الصفحة على قدر عال من المسؤولية تجاه الأهل والأحبة ممن يحتاجون النصيحة، ويحزنني أنني لم أقرأ في صفحتكم عن تجربة زوجية ناجحة؛ فمعظم التجارب الناجحة التي مررت بها محدودة جدًا؛ فكم أتمنى أن أسمع أو أرى زوجين متفاهمين دام زواجهما عشرات السنين... لقد كانت القاضية بالنسبة لي عندما انتهى زواج صديقي الملتزم بالفشل بعد بضع سنين من زوجته الملتزمة أبناء الفكر الإسلامي الواحد.. وأنا الذي كنت أراهن على أن الزواج المثالي قد يتحقق في عالمنا، ولكن للأسف إلى الآن لا يزال أثر هذه الحادثة في نفسي برغم مرور قرابة السنين العشر.
مع علمي أن هذه الصفحة فقط لعرض المشاكل والردود، ولكن كنت أتمنَّى أن يثبت لي العكس فكان حالي كمن يستنجد من الرمضاء بالنار.
كانت نظرتي في البداية إلى العلاقة الزوجية نظرة طبيعية لا تحتاج إلى كثير من الدراسة والتعمُّق. فكل ما أريده هو أن أبحث عن الزوجة التي اختارها الله لي دون تساهل أو مغالاة يكفيني منها دينها وخلقها. وبعد مطالعتي لكثير من المشاكل وجدت أن بساطتي في البحث كانت ستودي بي إلى الهاوية. فكم وجدت من مشاكل الزواج سببها عدم الاقتناع بمستوى الدين أو مستوى الجمال أو الثقافة... إلخ.
وبدأ مقياس الاختيار عندي في الصعود فأصبحت أشعر بالمشكلة في داخلي تتفاقم. عندما بدأت أقرأ للدكتورة داليا مؤمن -رعاها الله- قلت لنفسي لِم لا تكون شريكتي بمستوى حكمتها ورجاحة عقلها إذا كان هذا المستوى من النساء موجودا فلِم لا أبحث عنه؟ ولكن أنَّى لي أن أجد فتاة في العشرينيات من عمرها بمستوى الدكتورة داليا وسحر وفيروز مع إيماني المطلق بأني لست بمستوى الدكتور أحمد عبد الله وأبو الهندي.
أخيرا قد تتساءلون إذن ما المشكلة؟ أقول بأن نظرتي باختيار شريك الحياة قد ازدادت صعودا وبشكل مفاجئ من فتاة عادية إلى كاملة الأوصاف برغم معرفتي بأنها غير موجودة، ولكن كيف لي أن أومن بذلك وأنا أرى بأن معظم المشاكل التي تصلكم تتحدث عن ضعف في أحد الأوصاف.
أحبتي الأفاضل، سامحوني إن أسأت في تعبيري تجاه أحدكم أو إن اعترفت لكم على الملأ بأني أحبكم. وأتمنى أن أرى على صفحتكم صفحة أخرى بجانب استشارات مجانين بعنوان "تجارب زوجية ناجحة"، "الزوجان السعيدان"، "زوجان حبيبان".
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وأسأله تعالى أن يجمعنا بكم في جنة عرضها السماوات والأرض.
بس على فكرة من هلأ لازم اتدوروا على شغل تاني لأنه هناك مش حيكون مشاكل إن شاء الله. والسلام
10/5/2024
رد المستشار
المكان الوحيد الذي لن يجد فيه فريق استشارات مجانين عملاً أو وظيفة هو "الجنة" .. تلك الجنة التي "عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ" (آل عمران/ 133) والتي أنهيت رسالتك بالدعاء أن يجمعنا الله فيها. آمين. الجنة هي المكان الوحيد الذي لا توجد به مشاكل، وهي المكان الوحيد الذي يوجد به أزواج مثاليون وزوجات مثاليات، أما على سطح الأرض، فهذه هي حياتنا الدنيا دار العمل والسعي والكد... ورغم أن الله تعالى قد منَّ علينا بالنعم العظيمة التي تليق بكرمه وعظمته "وَإِن تَعُدوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا" (النحل/ 18)، فإن الطريق ما زال مجهدًا، والرحلة ما زالت شاقة.. وفي النهاية "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران/ 185).
هذه الترانيم الصوفية التي أبدأ بها إجابتي لا أسوقها من باب اعتزال الدنيا والزهد في سعتها، ولكني فقط أذكِّر نفسي والجميع بأن السعادة الكاملة لا مكان لها على سطح الأرض.. ولكن الإنسان العاقل هو الذي يطمح إلى أن يعيش حياة متوازنة بها قدر من الرضا والتأقلم والسكينة.. ولا شك في أن اختيار شريك الحياة هو أهم قرار في حياة الإنسان، وهو السبيل الرئيسي لتلك الحياة المتوازنة؛ لذلك فالأمر يستحق درجة عالية من "العمق" في التفكير، وليس "التعقيد" .. العمق في النظر "للدين والالتزام" فهو خلق وممارسة، وليس مظهرًا أو قولاً أو مقدار ما يحفظ المرء من آيات.. العمق في النظر "للتكافؤ" فهو ليس مجرد الانتماء لنفس التيار الفكري أو الديني، بل هو تكافؤ البيئة والنشأة وتقارب العادات.
العمق عند الحكم على (المشاعر) و(الجمال) و(موقف الأهل و... و...) العمق يعطي لكل كلمة معناها الحقيقي.. وليست البساطة هي التي تؤدي للهاوية، بل السطحية واختزال المعاني.. ولعل هذا كان دورنا الأساسي في الصفحة، التمييز بين العمق الذي ندعو إليه وبين التعقيد الذي نرفضه، وكذلك التمييز بين البساطة التي نباركها والسطحية التي نمقتها. و"كاملة الأوصاف" .. مفهوم نحن نرفضه حتى النخاع، وإنما نتقبل بدلاً منه مفهوم "زوجة مناسبة" تتحلى بالإيجابيات التي لا يمكن للطرف الآخر التنازل عنها، ومن السلبيات ما يمكن احتماله" والزوجة المناسبة تختلف من رجل لآخر، فلا يوجد "أيزو" أو تفاصيل لتلك الزوجة التي تناسب الجميع، فهناك من السلبيات ما تستطيع أنت احتماله ولا يستطيع آخرون، وكذلك من الإيجابيات ما تعتبره أنت أساسًا ويعتبره آخرون ثانويًّا.
أنت تتمنى أن تجد فتاة في العشرينيات بمستوى عقل الدكتورة ليلى وسحر وفيروز، وبالطبع أنت تعلم أن تلك الفتاة -وهي موجودة بالفعل- ستصبح مثلهن عندما تبلغ الثلاثينيات والأربعينيات؛ لأن المقدمات المتشابهة تؤدي لنتائج متشابهة كما يقول المنطق الرياضي. أنا لن أعطي لنفسي الحق في الحديث عن الزميلتين العزيزتين، ولكني سأتحدث عن نفسي: هل أنت متأكد أنك ستكون سعيدًا مع زوجة تقضي عشر ساعات من يومها في العمل خارج البيت؟! أما الساعات الست الباقية من اليوم -إذا اقتطعنا وقت النوم- فإنها تقسمها بين زوجها وأبنائها الأربعة!! هذه هي أنا على سبيل المثال، وأجمل ما في قصتي هي أن زوجي سعيد وراضٍ جدًّا ولا يريد استبدال أخرى بي!! ليس لأن الحياة بلا سلبيات أو متاعب، ولكن لأنه يرى -من وجهة نظره- أن هناك إيجابيات في هذه الشخصية تستحق العناء والتضحية من أجل البقاء معها.
من خبرتي المتواضعة أقول لك إن "كاملة الأوصاف" لا توجد إلا في أغنية عبد الحليم حافظ!! أخي الكريم.. لعلي أختصر أسباب الحياة الزوجية في ثلاث نقاط: الأولى: التمييز بين "الأهم والمهم" وعدم اعتبار كل شيء هو الأهم دائمًا، أو لا يمكن التنازل عنه.
الثانية: الرضا والتأقلم والتعايش مع النقائص والعيوب مع المحاولة الدائمة للإصلاح، ولكن بهدوء ورحمة، ودون نكد أو عنف.
الثالثة: التخلي قليلاً عن الأنانية والسعادة الشخصية، والتركيز أكثر على سعادة "الأسرة" ورسالتها.
الأخ الكريم.. سعدت برسالتك.. وأحييك على قدرتك على الحديث الصادق من القلب والذي يصل بالتأكيد للقلب والعقل معًا. ولكن أهم ما أشكرك عليه هو اقتراحك العبقري بأن يكون هناك باب بعنوان "زوجان سعيدان"، وأعتقد أن أهمية هذا الباب هو أن ينقل تجارب واقعية "للزواج السعيد"، وكأن أصحاب هذه التجارب يريدون أن يقولوا للقراء: نحن سعداء رغم العيوب والسلبيات، نحن سعداء؛ لأننا اجتهدنا طوال السنين حتى استطعنا بناء أسرة ناجحة متوازنة.. ولكننا إذا لم نستطع إنشاء باب مستقل لهذا الغرض، أتمنى على الأقل أن يشارك القراء في التعقيب على رسالتك، وأن يبعثوا بمشاركاتهم على "إيميل" صفحة استشارات مجانين ويرسلوا بتجاربهم الزوجية الناجحة.