في البداية أحب أن أشير إلى تكامل موقعكم وتميزه، وأشكر لكم جهودكم الرائعة ووقتكم الثمين الذي منحتموه لنا .
أنا فتاة خليجية عمري 22 سنة،ولله الحمد أنا من أسرة متمسكة بتعاليم الدين، فأنا منتقبة وأحافظ على الصلوات والسنن، وقيام الليل، وصيام التطوع، ولله الحمد راجية من المولى القبول.
تبدأ قصتي في محيط الجامعة:
ففي السنة الماضية كان يدرِّس لي دكتور مصري محترم جدًّا ومتدين، فهو يحفظ كلام الله، ويتعامل مع جميع الطالبات باحترام وتقدير، وكان ذلك الفصل هو الفصل الأخير له في جامعتنا، وكان دائما يحثني على مواصلة تعليمي، فهو يعلم أن معظم الأسر في مجتمعنا ترفض أن تكمل الفتاة دراستها، وعند رحيله أعطى إيميله لمجموعة من الطالبات إذا أردن أن يتواصلن معه بعد سفره، وكنت إحدى هؤلاء الطالبات، وبالفعل كنت أراسله في بعض الأحيان؛ لأستفسر عن بعض الكتب أو أعرض عليه بعض أبحاثي ليقيِّمها لي بحكم أنه أستاذ دكتور في التخصص.
لكن في أحد الأيام فوجئت بإيميل منه يخبرني فيه بحبه لي، وكان وقع الخبر علي شديدا، والمفاجأة كبيرة، وبالطبع رفضت حبه رفضا تامًّا، فهو إنسان متزوج بزوجة متدينة جدا وتحفظ كتاب الله، ولديه طفلان منها، وهو أيضا يكبرني بـ 22 سنة، فعمره 44 سنة، وهو أيضا من بيئة ومجتمع غير مجتمعي، وقد وضحت له كل ذلك، وسألته عن سبب حبه لي فهو حتى لا يعلم شكلي، ومنذ متى بدأ هذا الأمر وكان رده بأن أخلاقي تكفيه، وأكد لي أنه لم يصدر مني فعل أو تصرف غير طبيعي أدى لإعجابه بي، وأن فرق العمر ليس بمشكلة إذا وُجد التفاهم والحب، وأن حبه بدأ لي وهو يدرِّس لي، لكنه كتم الموضوع حتى يجد الفرصة المناسبة، وحتى لا يسبب لي الإرباك ويشهد الله أنه لم يصدر منه لفظ أو فعل غير لائق.
وتكمُن مشكلتي بأني أحبه بالفعل، وكنت دائما أسأل الله أن يرزقني رجلاً بمثل مواصفاته، وكنت أقول لأهلي دوما أنه لو تقدم لي من أحبه حتى لو كان من بلد آخر فسأقبل به، وقد بيَّن لي أنه يحترم العشرة التي بينه وزوجته إلا أنه لم يحب في حياته غيري، وأنني سواء رضيت به أو لا، فلن يغير هذا من الواقع شيئا، وأن القلوب ليست ملكا للعبد، فهي بيد الله يصرفها كيفما يشاء سبحانه، وطلب مني أن أستخير قبل أن أرد عليه وبالفعل استخرت ولكن التخوف من نتائج هذا الحب يقلقني، ولكن يعلم الله كم أحبه .
وبالفعل أخبرته بحبي،ولكن من المستحيل أن يقبل أهلي به بسبب عاداتنا وتقاليدنا، لكنه طلب مني التوكل على الله في هذه المسألة، فهو قادر على تغيير رأيهم بين يوم وليلة، ومع اقتناعي بكلامه وبقدرة المولى على تيسير الأمر إذا وُجد الصدق والتصميم لكني رفضت أيضا أن أكلمه فهو مازال أجنبيا، ولا يحق له أن يحدثني، ولكنه بيَّن لي أنه إذا تمَّ القبول بيننا؛ فالعقد صحيح ويبقى الإشهار؟؟!!
فأفيدوني جزاكم الله خيرا هل ما فعلته صحيح بالرد عليه، وهل فعلا يكون العقد صحيحا إذا تمَّ القبول بين الطرفين وهل استمر معه حتى النهاية أم أقاطعه؟
مع العلم أني قاطعته لمدة أسبوع، ولكن قلبي كان مفطورا عليه، فحبي له يزداد يوميا، لكني لا أريد أن أبني حبي على أسلوب خاطئ، وعلى سعادة الآخرين ساعدوني أرجوكم.
16/5/2024
رد المستشار
ابنتي العزيزة..
من كثرة ما تقع البنات فرائس لوهم الحب والحياة مع من تحب.. قد أطالب بإلغاء التعليم العام، وأدعو لفتح مدارس تعليم حياتية للفتيات.. فيها مناهج من نوع مختلف.. مناهج تعلمهن فنون الحياة، وكيفية التعامل معها واكتشاف خباياها.. فهن قد يفهمن في كل شيء إلاها.. وكل شيء يقع فيها فنجد الطالبة النجيبة الذكية المتفوقة المصلية القائمة الصائمة مثلك لا تلمح أى نوايا سيئة في رجل في ضعف عمرها، له زوجة وأبناء.. يحاول إقناعها بالزواج عبر الأثير.. وبأنه صحيح لا ينقصه إلا الإشهار طيب مذهب أبو حنيفة يؤخذ به في مصر فهل هو كذلك في الإمارات؟؟!
هو المذهب الوحيد الذي يبيح للأنثى مباشرة عقدها بدون ولى.. ولكن في وجوده وبرضاه.. حسب معلوماتي الضئيلة في الفقه.
ابنتي.
إن أسوأ إنسان على الأرض في رأيي هو من يخون الأمانة وهذا "الدون بدون جوان" هو خائن للأمانة
لقد كان عمله أن يربى ويعلم لا أن يحب ويغوي.. ولا أتصور _ وأنت الصوامة التي تخاف حدود الله_ أنك كنت ستراسلين شابا على الميل إذا دعاك لذلك.. أنت وثقت فيه وتعاملت معه؛ لأنه أستاذك ويكبرك بكثير، وبالتالي فهو معلم أو أب أو قائد أو مرشد.. سميه كما شئت.. هو أستاذ وأتصور أنك لو أخبرت أى إنسان في أهلك - وقد يكونون على علم حتى بذلك- أنك تراسلين أحد الأساتذة المتخصصين ليقيِّم أبحاثك ما اعترضوا ولا تضايقوا
هل.... كتبت إليه في أى موضوع اجتماعي غير علمي أو في غير التخصص؟؟ أي بما أنك كنت تحبينه منذ سابق.. هل صدرت منك أي إشارة تنبئ بذلك؟؟ أنا لا يهمني ما قاله هو من أنه لم تبدر منك بادرة.. أنا أسألك أنت؟؟
يقول إنه أحبك أثناء التدريس.. أثناء هذه السنة الأخيرة التي درس لك فيها مادة واحدة وقع في غرام فتاة في سن بناته لم ير وجهها ولا مرة؟؟ ربما..
يا ابنتي..
عندي تفسيرات وأسئلة وإجابات ظنية ولكن ليس لدى حل..
لو افترضت جدلا أنه يحبك.. فما يطلبه منك غير أخلاقي.. وإن كان فعلا يحبك ويخاف عليك فليأت إلى بلادك، وليقنع أهلك مادام يقول إنهم ليسوا بمشكلة.. وليطلبك ولينفذ كل شروطهم.. فأين المشكلة؟؟ حبك وقبولك؟ هو عرف خلاص أنك تحبينه، وانتهى الأمر وستكونين أسعد إنسانة لو قبل أهلك هذا الزواج.. فما الذي يمنعه من عمل ذلك.. بدل اقتراحه الدنيء بالزواج عبر هواء الأثير بلا ولى ولا شهود.. وهذا ليس زواجا.. وغالبا يستخدمه ليمارس معك الجنس عبر الإنترنت أو ما يسمى بالcyber sex قد أكون متجنية عليه.. لا بأس أعتذر.
لكن عليه أن يأتي ليطلب يدك: فهو قادر على تغير رأيهم بيوم وليل حسب قوله، وإلا فما الذي يمنعه؟؟ زوجته وأبناؤه؟ وضعه الاجتماعي؟ هذا شيء لن يتغير بل سيزداد تعقيدا كل يوم مع كبر سن أولاده؟
نأتي للصورة الأخرى التي أتصورها أنا، هو لا يحبك ولا يحزنون.. هو علم بحبك أو شعر به بطريقة أو بأخرى أو هو جرب اللعبة معك فوقعت على قلب كان مستعدا لتقبلها؛ فاستمر فيها هلا حاولت يا ابنتي أن تتحسسي ما يفعله مع سائر بنات المجموعة التي حصل على إيميلاتهن؟؟ يعنى بهدوء حاولي أن تسأليهن لأي سبب عن أخباره؟؟ وكأنك لم تراسليه؟؟ وكأنك تحاولين التأكد من أنه سيساعدك ولن يخذلك، حاولي يا ابنتي فربما تكتشفي أنه متزوج على الهوا من كل البنات وكان يريد أن يضمَّك لمجموعته.
ابنتي..
المحب الصادق الذي يخاف الله يدخل من الباب مرة واثنين وثلاثة وعشرة.. ولا يعرِّض من أحب للقيل والقال.. ويدافع عن سعادته وسعادتها، لكل قول حقيقة ولكل معلومة برهان هكذا تعلمنا في العلوم.. فما هي حقيقة مشاعره، وما هو برهان صدقها؟؟ طرق باب أهلك ليتزوجك معززة مكرمة.. بزفة ومعازيم ومهر، أما غير ذلك فهو مزاح سخيف.. ولن أقول لك اسأليه لو هذه إحدى بناته هل سيقبل أن تتزوج بدون علمه من شخص في سن أبيها، وبدون أي شهود أو إشهار أو ولى؟؟ لن أقول اسأليه فأنا أعرف إجابته مقدما: لو تأكدت أنه يحب ابنتي لزوجتها له ولن أقف في طريق سعادتهما.. وإلى أن يأتي هذا اليوم الذي سيقتل فيه ابنته لو فعلتها.. فلا دليل إلا كلمته، أتقبل الدناءة والخيانة من الشاب المتأجج المشاعر.. أم من هذا الرجل الناضج المحصن؟ هي وقاحة ودعوة للدعارة.. والقرآن الذي يقرؤه منه بريء.
يقول الشيخ عصام الشعار بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
أختي الفاضلة.. بداية نشكرك على جميل شكرك وثناءك، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا خيرا مما تظنين وأن يغفر لنا ما لا تعلمين.
وقد قرأنا رسالتك، وسنجيب عن ثلاث نقاط:
1-فارق السن هل هو معتبر في الزواج أم لا؟
2-هل الحديث الذي دار بينكما هو عقد معتبر شرعا ولا ينقصه سوى الإشهار أم لا؟
3-حكم الحديث مع أستاذك بعد أن صرح كل منكما بمشاعره تجاه الآخر.
أولا- فارق السن هل هو معتبر في الزواج:
التفاوت في السن بين الزوجين لا حرج فيه من الناحية الشرعية، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة وهي أكبر منه بخمسة عشر سنة، وكان زواجا سعيدا طيبا، سعد فيه النبي صلى الله عليه وسلم به، وسعدت هي به.. حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة بعد ذلك، وكان عمرها تسع سنوات، بينما كان هو قد تجاوز الخمسين، وبالرغم من حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إلا أن زواجه بها لم ينسه حبه للسيدة خديجة.. ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: (اللهم هالة). قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها.
المهم في الأمر أن يحسن كل من الطرفين اختيار صاحبه، وهناك اعتبارات شتى يتفاوت فيها الناس، والشرع لا ينكر حرص الناس عليها، فلا حرج على الرجل أو المرأة أن يحدد كل منهما سلفا الصفات التي يريدها في شريك حياته، وهذا ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم "تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" فالشرع لا ينكر الحرص على اختيار المال أو الجمال، ولكن شدَّد على أمر الدين، ولذلك جاء الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على اختيار الدين وأن يكون هو المعيار الأساس الذي يتم على أساسه القبول أو الرفض، وأن ما بعد ذلك من الصفات يبنى عليه، فقال "فاظفر بذات الدين تربت يداك" وبصدد معايير اختيار الزوج، قال صلى الله عليه وسلم "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي.
وبناء على ما سبق نقول إن اختلاف السن بينك وبين أستاذك لا قيمة له إذا كان قد وقع في قلبك حبه، ولو كانت مشاعرك على الحياد لكان لنا معك حديث آخر، فلا شك أن اختلاف الوطن وفارق السن، وسبق الزواج لهذا الزوج، كل هذه أمور تؤخذ في الاعتبار عند اتخاذ القرار، ولكن يجعلنا نضرب صفحا عن هذا كله حديثك إلينا بأنك تحبينه وثناؤك عليه بأنه ذو خلق ودين، فقد علمنا رسول الله صلى الله علي وسلم قوله "لم ير للمتحابين مثل النكاح" رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني، صحيح الجامع حديث 5200.
ثانيا: هل ما تم بينكما عقد شرعي؟
والجواب عن ذلك بالنفي، فما دار بينكما من حديث ما هو إلا تصريح كل منكما بمشاعره للطرف الآخر، وإعلامه بالرغبة بتتويج هذا الحب بالزواج، ومثل هذا الإعلام وهذا التصريح لا تترتب عليه أي آثار شرعية، فليس هذا زواجا.. أما عقد النكاح المعتبر شرعا فله أركان لا بد من توافرها، وهي:
1- الصيغة وهي: الإيجاب من ولي الزوجة، كقوله: زوجتك أو أنكحتك ابنتي، والقبول من الزوج: كقوله: تزوجت أو نكحت.
2- الزوج: ويشترط فيه الشروط التالية:
أ- أن يكون ممن يحل للزوجة التزوج به، وذلك بأن لا يكون من المحرمين عليها.
ب- أن يكون الزوج معيناً، فلو قال الولي: زوجت ابنتي على أحدكم لم يصح الزواج لعدم تعيين الزوج.
ج- أن يكون الزوج حلالاً، أي ليس محرماً بحج أو عمرة.
3- الزوجة: ويشترط في الزوجة ليصح نكاحها الشروط الآتية:
أ- خلوها من موانع النكاح.
ب- أن تكون الزوجة معينةً.
ج- ألا تكون الزوجة محرمة بحج أو عمرة.
4- الولي: فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، بكرًا أم ثيبًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزوِّج المرأة المرأة، ولا تزوِّج المرأة نفسها" رواه ابن ماجه.
5- الشاهدان: والدليل على وجوب وجود الشاهدين في عقد النكاح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان في صحيحه.
ثالثا: حكم الحديث مع أستاذك بعد أن صرَّح كل منكما بمشاعره تجاه الآخر؟
الحكم في هذه المسألة يتفرع عن حكم الحديث بين الجنسين، فالحديث بين الجنسين عبر الإنترنت أو غيره جائز إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا، أما الحديث لمجرد الدردشة والتعارف فهذا لا يجوز شرعا، وإذا دعت ضرورة أو حاجة للحديث فيجب عدم الخضوع بالقول، ووجوب الصدق، وعدم الاسترسال في أحاديث لا طائل من ورائها، كما يجب الحذر واليقظة وبخاصة بالنسبة للمرأة حتى لا تقع فريسة لمن لا دين ولا خلاق لهم.. هذا هو الحكم العام.
أما بالنسبة لحالة الأخت السائلة فنقول: إذا كانت هذه العلاقة ستتوج بالزواج فعلى الرحب والسعة، ولكن لا يجوز الاستمرار في الحديث مع هذا الرجل بعد أن أبدى كل منكما صفحته لصاحبه، واحذري من تلبيس الشيطان وتغريره بك، حتى لا يفسد عليك أمر دينك ودنياك، ويجب أن تتخذي قرارك فور قراءتك لهذه السطور، فإذا كنت على يقين أن زواجك أمر مستحيل بحكم العادة، وأن أهلك لن يقبلوا زواجك منه بحال، فلا تعرضي نفسك وتعرضيه للفتن، وليختر كل منكما السلامة لدينه، وضعي نصب عينك قول الله تعالى "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا" –سورة الطلاق آية 2-، "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" –سورة الطلاق آية 4-.
نسأل الله تعالى أن يرزقك العفاف والتقى، وأن يرزقك زوجا صالحا يكون عونا لك على أمر دينك ودنياك.