أكتب إليكم وأنا في أشد حالات الاكتئاب، وفقدت الأمل في الحياة راجيًا أن تنظروا لهذه المشكلة بعين الاعتبار والرد عليها لما في ذلك من أهمية لعامل الوقت بالنسبة لي..
أنا شاب في الثلاثين من عمري، وأعمل منذ حوالي خمس سنوات في شركة كبيرة، وخلال هذه الفترة كنت أعامل زميلاتي كأخواتي البنات؛ ولذلك كنت وما زلت ولله الحمد محل ثقة منهن جميعاً إلا أنني كنت بدأت أشعر بشعور خاص تجاه واحدة من هؤلاء الزميلات أحسست أننا روح واحدة في جسدين ونفهم بعضنا وحتى لغة حوارنا واحدة، وقد أخذ الحب ينمو في عقلي وقلبي يوماً بعد يوم لها، وكذلك هي، ولكن دون أن نصرح بذلك بألسنتنا، ولكن عيوننا كانت تنطق بما قد منعتنا ألسنتنا من نطقه وهذا أكثر عذاباً لقد أحببتها بقلبي تماماً وبعقلي.
ولكن كان هناك جزء من عقلي يرفض هذا الارتباط نتيجة؛ لأنها متحررة بعض الشيء في تصرفاتها برغم ما لاحظته عليها من صدق تدينها، ومحاولة السعي لعلاقة أفضل مع الله فإنها لها بعض التصرفات التي من شأنها أن تجعلني مضطربا، وكنت خائفاً على الإقبال على خطوة جادة معها، مثل رجوعها من العمل في وقت متأخر مع بعض الزملاء في عربة واحدة، بالرغم من أني أثق في أخلاقهم جميعاً، وهي بالطبع، والذهاب إلى المصيف مع صاحبتها وزوج صاحبتها وجلوسها المستمر مع كثير من الرجال بالطبع جلسات محترمة لتجاذب أطراف الحديث، ولكن كل هذا جعلني خائفاً من الارتباط؛ نظراً؛ لأني أحسست أن هذا جزء من شخصيتها، وأنه لن يتغير وعندما ضاق بي الحال في ذلك هممت أن آخذ مشورة أمي وأختي اللتين لما ترحبا بالفكرة مطلقاً نظراً لأني أنحدر من عائلة متدينة، وذات أخلاق عالية جدًّا ومتحفظة لا يؤمنون بالاختلاط ولا يحبونه بهذا السفور.
وقد نصحتني أمي بالابتعاد لما فيه الخطر على من هذه الفتاة وأنها لن يكون مرحبًا بها في العائلة أبداً فقررت ألا أتزوج بمن لا ترضى أمي بها؛ لأن البركة لن تحل بحياتي الزوجية فيما بعد في ظل سخط أمي إلا أنني لم أستطع أن أخمد نار الحب في صدري لهذه الفتاة ولا عيني توقفت عن التواصل مع عينها وإخبارها بما لا يستطيع فمي أن ينطقه.
حاولت الكثير وذلك عن طريق التقدم لكثير من الفتيات لأحاول أن أجد الحب الضائع مراراً وتكراراً، وفي كل مرة لا أجد ما أريد وفي كل مرة أرفض أو أتعرض للرفض أكون فرحاً لذلك إلى أن جاء اليوم الذي تقدمت فيه لخطبة فتاة على درجة عالية من التدين والأخلاق والجمال وفيها من كل المواصفات التي يتمناها أي شاب إلا أنني وجدت فارقاً اجتماعيًّا بيني وبينها بالنسبة للأب والأم عندنا واحد فأبي كان مدرساً وأمي ربة منزل وأبوها وأمها كذلك.
بالنسبة لي أنا متخرج من كلية جامعية وهي من معهد خاص ولي إخوة (مهندسون وأطباء) أما أخواتها البنات ففضلوا البقاء بعد الحصول على الثانوية العامة وتزوجن من رجال مهنيين، ولكن لا أستطيع أن أنكر أنهم جميعاً على درجة عالية من التدين والأخلاق ولكن هناك خلافات بين الأم والأب وخلافات أيضا بين الإخوة وبعضهم فأحسست بجو مضطرب غير جو الاستقرار الذي تربيت فيه ولكن عند النظر لها وحدها كشخص نجد أنها إنسانة ممتازة.
تحريت كثيراً قبل خطبتها واستخرت الله كثيراً في ذلك إلا أنني أتممت الخطبة وكنت فرحاً في تلك الفترة لمدة ستة أشهر، وكانت علاقتي بها في تلك الفترة لا تتعدى كون أني أتكلم معها في وجود والدتها كلاماً عامًّا نظراً لتدين أمها وتدينها، وأنه لا ينبغي أن نخرج سويًّا في تلك الفترة والجلوس بمفردنا إلا أنني كنت معجباً بها وفي تلك الفترة حاولت أن أكون مخلصاً لها بالابتعاد عن زميلتي، ولكن علمت زميلتي بخطبتي وجاءت لتبارك لي على استحياء وكانت نظراتها يلمع فيها الحزن والألم وكأنها تريد أن تقول لماذا بعد كل هذا الحب الذي أحببناه ولكن مضى كل في طريقه، وحاولت في تلك الفترة أن ألجأ لخطيبتي أكثر إلى أن جاء موعد العقد، وحدث موقف غريب قبل العقد بيوم هو مشادة بينها وبين أمها لسبب تافه للغاية، ولكني أحسست بحزن عميق، وكنت أنوي أن أؤجل هذا العقد، ولكن أخذتني الرجولة والموقف إلى أنه لا ينبغي ذلك على الإطلاق.
وتم العقد وكنت كالمذهول في ذلك اليوم، وبعد ذلك حاولت أن أتقرب أكثر إلى خطيبتي بالخروج معها والكلام كثيراً ونحو ذلك لأفهمها أكثر، ولكن كثيراً ما كان يحدث خصام بيني وبينها ومشادات في فترة دامت حوالي عشرة أشهر؛ لأنها كانت دائماً تريد الحب عن طريق الكلمات أما أنا فأراه في المواقف والإحساس، وكانت سيئة الظن بي في مواقفي وتفسرها على أني أهملها وفي كل مرة كنت أنوي الانفصال ولكن لا أستطيع لماذا؟
لا أعرف السبب لقد أحب هذه الفتاة كل عائلتي بما في ذلك والدي رحمة الله عليه الذي أوصاني بها خيراً، وكل من يعرفها يحبها ويندمج معها وفى شخصيتها ويحسدني عليها إلا أنني وقبل زفافي بشهرين من الآن أصبحت لا أحس معها بالسعادة مطلقاً بالرغم من أنها فتاة مثالية جدًّا وأحبتني بصدق وأعطتني الكثير كي أسعد وأحبت أهلي جميعهم ولم توفر أي مجهود كي تشعرني بالسعادة وأنها تحلم باليوم الذي تكون فيه في منزلنا بحريتها معي.
إنني لا أشعر معها بالسعادة مهما عملت وأحس أنها بعيدة تماماً عن قلبي وعن تفكيري وأحس أننا شخصيات متباعدة لا يوجد بيننا أرضية مشتركة نستطيع أن نتحدث عليها بل إنني أصبحت أنظر لسيئاتها القليلة وأضخمها في نظري، وأصبح موضوع الفارق الاجتماعي يؤرقني بصفة أكبر وأحس بمدى الرعونة عندما أقبلت على الارتباط بها، ولقد أصبحت أفكر في زميلتي بصفة أكبر جدًّا، ولكن أصبحت كالشجرة المحرمة التي لا ينبغي الأكل منها نظراً لعدم موافقة أمي إلا أنني أصبحت أفضل البقاء وحيداً بدون زواج عن زفافي على خطيبتي لا أدري ماذا أفعل لقد أصبحت غير واثق في قراراتي ولا نفسي تماماً.
لقد صارحتها بأنني لست سعيدًا، معها وأنني أرى الانفصال أفضل لها حتى تستطيع أن تقابل من يقدرها ويقدر حبها بشكل أفضل إلا أنها توسلت إلي بكل عزيز وغالٍ ألا أتركها بعدما أحبتني ورسمت أحلامها معي حتى أنها صرحت في غير مرة أنها ستنهار لو تركتها وأنها ستحاول أن تتغير؛ لأنها تحبني ولا تريد الابتعاد عنى وأنها أحبتني أكثر من نفسها.
لقد تحدثت إلى أهلي في قرار الانفصال، ولكن لم ألقَ أي تأييد وأن أمي ستسخط علي لو فعلت ما سأفعل وتوعدتني بعقاب الله لي؛ لأني ظلمت هذه الفتاه الملاك دونما ذنب وقالت لي لو كنت تفكر في أن ترجع إلى زميلتك فسوف تواجه سخطي وسخط الله الذي لن يرضى أن تستبدل ما هو أدنى بما هو خير.
لقد ظلمت هذه الفتاة وظلمت نفسي حينما ارتبطت بها وظلمتها أكثر حينما أحبتني بعنف، ولكن سوف أظلمها أكثر إن أكملت معها الزفاف؛ لأني لن أكون سعيداً، ولن أسعدها وسوف أظلمها حينما أنفصل عنها فهي لم ترتكب ذنباً في حياتها، غير أنها أحبتني بصدق وحلمت باليوم الذي يجمعنا في بيت واحد.
ماذا أفعل لقد أصبحت عند نقطة اختيار، ولكن للأسف أي من الاختيارين أحلاهما مر أنني أتمنى لها السعادة،
ولكن أريد أن أسعد أيضا حتى وإن لم يكن مع زميلتي ولكن مع أي فتاة أخرى أشعر معها بالسعادة وأحبها بصدق ويقابل خطيبتي أيضا من يحبها ويغدق عليها من الحب.
17/5/2024
رد المستشار
الأخ الكريم.. أنت لن تشعر بالسعادة المطلقة والكاملة مع أحد!! سواء الفتاة التي أحببتها أو مع زوجتك الحالية.. والسبب لا يرجع لعيب فيك بقدر ما يرجع إلى طبيعة الحياة التي لا تمنح الإنسان كل ما يتمناه.
إذا تزوجت الأولى سيظهر في حياتك نوعان من المشاكل:
مشاكل بسبب رفض أهلك لهذه الزيجة، ومشاكل بسبب الاختلاف بينك وبين الفتاة في كثير من الطباع، والتي ستلقي بظلالها على كل موقف من مواقف حياتكما، وكذلك على تربية أبنائكما، وعلاقتكما بالآخرين.
وإذا تزوجت الثانية سيُعكّر عليك أيضا نوعان من المشاكل: مشاكل بسبب فتور مشاعرك تجاهها وما يترتب على ذلك من خلاف وصدام، ومشاكل بسبب الاختلاف بينكما في المستوى الاجتماعي وخاصة الأسرة الأكبر حيث سيكون هناك – ربما – محاذير لاختلاط أبنائكم بأخوالهم وخالاتهم وأزواجهم وأبنائهم.
كما تقول: (أي من الاختيارين أحلاهما مر).. ولكن كفة الاختيار -إلى حد ما- تتأرجح في صالح خطيبتك أو زوجتك بمعنى أصح.. لسبب واحد وهو أنها (زوجتك)، وأنك وجدت معها درجة من القبول والارتياح، أي رجل على سطح الأرض تزوج امرأة لا بد أن يمر بلحظات يشعر فيها بعدم السعادة، ولو استسلم كل رجل لهذا الشعور لما كانت هناك زيجة واحدة مستمرة في الكون.
لذلك فإن ديننا شدّد كثيراً على هذه النقطة حتى لا يأتي عابث أو لاهٍ في منتصف الطريق ويقول: لن أكمل حياتي الزوجية؛ لأني لم أجد السعادة الكاملة!! فالزواج ليس لهواً، والطلاق ليس عبثاً.
وكأني أريد أن أقول إنك لن تجد السعادة الكاملة في أي زيجة!! وهذا يدعونا لسؤال هام: كيف يحصل الإنسان على السعادة إذن؟! والإجابة: يحصل عليها من الداخل!! عندما يقرر أن يساعد نفسه من الداخل ليكون سعيداً، عندما يكون قادراً على الاستمتاع بالقليل العذب، وعندما يكون حاسماً في قطع سُبل التمني لما هو غير متاح!!
لذلك فإن أول خطوة في تحقيق السعادة هي أن تكفّ عن التفكير في الشجرة المحَرمة!! لأنه طالما هذه الأمنية تطاردك فإنها لن تسمح لك بالسعادة مع أي امرأة.
خذ قراراً شجاعاً إما بأن تعود لفتاتك الأولى ضارباً عرض الحائط كل الاعتبارات الأخرى، ومتحملاً عدم وجود السعادة الكاملة معها أو خُذ قراراً شجاعاً بقطع هذا الأمل نهائيًّا، والتوقف عن التطلع للماضي والمستحيل.. إذا فعلت هذه الخطوة ستستطيع أن تبدأ حياتك من جديد.
ربما تفهم من كلامي السابق أني أدفعك لاستكمال زواجك من الثانية، ولكن هذا غير صحيح لأن هذا ليس من حقي في الحقيقة، فقط كل ما أردت قوله هو ثلاثة أمور:
الأول: السعادة الكاملة ليست هنا ولا هناك.
الثاني: السعادة تنبع من داخلنا، وعلى حسب نظرتنا للأمور ورضانا عن حياتنا.
الثالث: الطلاق ليس قراراً سهلاً.
وأخيراً.. أنصحك بأهم نصيحة:
أعطِ نفسك فرصة لإحياء علاقتك بزوجتك بعد قطع الأمل في الماضي، ولكن إن لم تستطع فعل هذا، وإن لم يتحقق بينكما حد أدنى من القبول والرضا فقد يكون من الأفضل الانفصال والطلاق؛ لأن هذه الفتاة ليست (ملاكاً)، كما تقول، وكذلك هي لا تحبك أكثر من نفسها، كما تتصور، وإنما هي بشر وستكتشف عيوبها بعد الزواج، وكذلك هي تحب نفسها ولن تقبل منك فتوراً ونفوراً لفترة طويلة.. لذلك فزواجك بها لا يصح أن يكون من باب (الصدقة) عليها، ولا حتى من باب (البر بأمك) بل هو مشروع يحقق لك ولها قدراً من السعادة والاستقرار بقدر ما تجتهد وتبذل الجهد وتُحسن إلى نفسك وإلى شريكة حياتك، وتكون جادًّا ومجتهداً.
في ذلك يقول الشيخ محمد الغزالي في تفسير سورة الطلاق: الإيمان بالغيب وتقوى الله تؤدي إلى تفريج الأزمات العائلية بالاعتماد على الله ومغالبة الأمر الواقع [ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب]، [ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً]