الوسواس دمرني
السلام عليكم، أولا، أود أن أشكركم على كل ما تفعلون من أجل راحة وشفاء مرضى الوسواس القهري. جزاكم الله خيراً. أتمنى أن تقرأوا رسالتي كلها وتجيبوا على أسئلتي والله محتاجة مساعدتكم ودعواتكم.
لقد عانيت من الوسواس القهري لسنوات. لقد عانيت من هذا المرض بكل أشكاله (الصلاة والوضوء الذي يستمر لساعات، الوسواس القهري بشأن النجاسات وانتقالها... إلخ.)، يعني حياتي كلها جحيم وبكاء ومأسي.. بدأت العلاج مع طبيب نفساني، (زاناكس وسيرترالين).
في الآونة الأخيرة، أشعر وكأنني أصبحت مجنونة أكثر فأكثر، لقد طورت وسواسًا قهريًا جديدًا. عندما أنتهي من المرحاض، أشرع في غسل يدي النجسة (أنا متأكدة 100٪ أنها نجسة وليس وسواس)، أبدأ بغسل يدي، وبمجرد الانتهاء، بعد ثواني أو دقائق قليلة، أبدأ في الشك إذا غسلتهم أم لا، هل غسلت أصابعي أم لا والكارثة أنني لا أتذكر بتاتا، أؤكد على جملة (لا أتذكر بتاتا)، بدأت أعتقد أنني مصابة بمرض الزهايمر.. فبعدها أصاب بخوف وقلق وضغط إلى حد الإغماء لأني لامست أشياء بعدها وبالتالي أغراضي أصبحت نجسة (يعني إذا لم أغسل يدي فإن كل ما لمسته يكون نجسا لأني يدي كانت مبللة ونجسة = يقين) وهذه الفكرة تسبب لي خوف كبير.
أصبحت أقضي وقتا طويلا جداً في الغسل، أكرر، ثم أكرر، ثم أكرر ولا أتذكر ... ثم أكرر ثم لا أتذكر إذا غسلت المنطقة النجسة، هذا النوع من المواقف حدث معي عدة مرات هذا الشهر، 90% من الحالات مرتبطة بغسل اليدين وأجزاء الجسم النجسة، علما أنني لا أترك يدي نجسة أبدًا، أسرع في الغسل بعد الإصابة بالنجاسة فورا (منطق) ولكن المصيبة، لا أتذكر شيء (فقدان الذاكرة بالكامل)، عندي غلبة ظن كبيرة أنني غسلت يدي، ولكن الوسواس يسيطر علي.. هل الخوف والوسواس يسبب لي فقدان الذاكرة؟ عقلي يوسوس لي، حسنا ماذا لو بالفعل نسيت هذه المرة؟ ولم تغسلي؟ ومن أنت حتى لا تنسي؟ يعني احتمال كبير أنك نسيت ولم تغسلي يدك.. وبالتالي كل شيء نجس.. وكثير من الأفكار.. حتى غلبة الظن أصبحت أشك فيها
سأعطيك مثال، مرة كانت يدي نجسة، بدأت بغسلها مع ترك علامات على يدي على الأجزاء التي غسلتها (أخدش الجزء الذي غسلته)، بعد دقائق قليلة انتهيت من يدي وانتقلت إلى غسل المرفق.. يدي المبللة لمست كتفي عندما كنت أغسل مرفقي، عادي، لا خوف ولا ضغط، واصلت غسل المرفق، لأنه بالنسبة لي انتهيت من غسل يدي النجسة وكل شيء نظيف وفجأة، ضغط كبير وقلق، ماذا لو لم أغسل إبهامي؟ لماذا لا توجد علامات على إبهامي؟ أنتهي دائما، تقريبا من غسل إبهامي، وبالتالي في بعض الأحيان لا أضع أي علامات على إبهامي، ولكن الوسواس مرض ذكي ويسيطر على أفكاري.. فيتحكم بي، فلم أعد قادرة على أن أفكر بشكل طبيعي ولا أميز بين أفكار الوسواس وغيرها... لم أستمع للوسواس فانتهيت من مرفقي وذهبت ولامست الكثير من الأغراض ويدي مبللة ولم أبالي.
قلت في نفسي لن أستسلم للوسواس، ولن أغسل إبهامي، (ولو أنه عندي غلبة ظن قوية أنني أعدت غسل يدي عندما وسوس لي عقلي إن إبهامك نجس، ولكن لا أتذكر من كثرة الخوف والقلق)، فرحت ولكن هذا الشعور دام لدقائق قليلة، منذ أسبوع وأنا أفكر في نفس الشيء، لم تغسلي إبهامك، كل أغراضك نجسة ولن تقبل صلاتك أبداً، والنتيجة، بكاء كل يوم وقلق وخوف ودوخة وقيء... لم أعد قادرة على فعل شيء.. والمصيبة أوقفت الصلاة لأنني أصبحت عاجزة من كل النواحي... لو رجع بي الزمن لم أكن سأقاوم الوسواس... ندمت.
الوسواس القهري مرض وراثي في عائلتي، أمي وكل خالاتي أصيبوا به، وأيضا بنات عم أمي مصابون به... ولكن أنا أصبت به بشكل خيالي حتى أني فكرت في الانتحار وأتمنى الموت كل يوم لأني والله عجزت عن كل شيء وأصبت بالجنون... أقول في نفسي من سيقبل بي؟ كيف سأتزوج؟ لا أستطيع أن أفعل هذا بهذا الشخص؟ ما ذنبه؟ لن أستطيع أبدا ممارسة علاقة حميمة معه... لا أقدر! أنا الجحيم بحده كيف سيكون لدي أطفال؟
أقول في نفسي إن الله يغفر الذنوب جميعا حتى لقاتل النفس فما بالك بنجاسة ولكن عقلي يوسوس لي، قاتل النفس يصلي على طهارة وليس نجس، أما أنت صلاتك غير مقبولة أبدًا فكيف تصلين وإبهامك لم تغسليه .. ولامست كل شيء بيدك المبلولة، أقول في نفسي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأنت مريضة غير مكلفة، والدين يسر، ولكن وسواسي قوي .... لا حول ولا قوة إلا بالله ... يوسوس لي أيضا كنت متيقنة بالنجاسة ولم تغسلي فأنت مكلفة، لقد ارتكبت خطأ كبيرا... والله لا أنام... منذ 3 أيام، بدأت أيضًا أشك فيما إذا كنت قد أغلقت الصنابير، أو إذا أغلقت الأبواب بشكل صحيح... نفس الشيء، لا أتذكر بتاتاااااااا... هل أفقد ذاكرتي؟
آسفة جدا على الإطالة، ولكن أعاني كثيرا... الكل يقول لي هذه وساوس، ولكن عقلي لا يتوقف من إعادة هذه الأفكار... فأنا لا أتحكم بها... أحس أنني أصبت بالجنون... أصبحت أخدش لحمي كله من كثرة النسيان للتذكر... فكل لحمي ندوب
فما الحل؟ شكرا لكم على الرد.
فرح
23/5/2024
رد المستشار
الابنة المتصفحة الفاضلة "فرح" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك خدمة الاستشارات بالموقع.
نشكرك على إفادتك التي تفصل وصفا نموذجيا لكيفية تطور أعراض اضطراب الوسواس القهري الديني في عرْض وسواس الشك التحقق القهري و.ش.ت.ق، في أبسط تصوير، فقد بدأ عمله بضمان نسيانك من خلال الحائل الوسواسي الذي يحول بينك وبين الوصول الواثق للذاكرة، ثم يوسوس لك بالشك فتحاولين التيقن من ذاكرة أنك غسلت فتعجزين عن التيقن بسبب الشك وعمه الدواخل، فتقعين في فخ التكرار القهري للغسل (90% من الحالات مرتبطة بغسل اليدين وأجزاء الجسم النجسة) وهو ما قد يراه البعض عرْض وسواس التلوث/التنجس الغسل القهري و.ت.غ.ق، ولكن أنت تنسين تماما (هل فعلت أم لم أفعل) وليس تشعرين بعدم كفاية الغسل أو اكتماله كما نجد عادة في عرض و.ت.غ.ق، ولعل ما يؤكد لي أن عرض و.ت.غ.ق في حالتك يأتي ثانويا لأعراض و.ش.ت.ق أنك تشيرين إلى امتداده (بدأت أيضًا أشك فيما إذا كنت قد أغلقت الصنابير، أو إذا أغلقت الأبواب بشكل صحيح... نفس الشيء، لا أتذكر بتاتاااااااا... هل أفقد ذاكرتي؟) أي أنه امتد من الشك في الغسل إلى الشك في إتمام المهام اليومية يعني القهور لم تعد قاصرة على الغسل والتحاشي للنجاسة وإنما ظهرت أعراض و.ش.ت.ق غير الدينية.
وبكل بساطة باستغرابٍ تسألين (هل الخوف والوسواس يسبب لي فقدان الذاكرة؟) نعم يسبب لكن ليس فقدانا للذاكرة بقدر ما هو عجز عن الوصول أو الوصول الواثق للذاكرة بما يسبب مزيدا من الشك فيدفعك إلى تكرار الغسل، ثم لكي تدي من تكرار الغسل تلجئين إلى (ترك علامات على يدي على الأجزاء التي غسلتها (أخدش الجزء الذي غسلته)) وفي ختام الإفادة تضيفين (أصبحت أخدش لحمي كله من كثرة النسيان للتذكر .. فكل لحمي ندوب) وفضلا عن إمكانية تشخيص اضطراب سحجة الجلد Excoriation Disorder فإن ما تصفينه يمثل نموذجا بسيطا لشرح النظرية المكملة لنظرية عمه الدواخل وهي نظرية طلب بدائل للحالات الداخلية ط.ب.ح.د وتجدين شرحا لها هنا: ط.ب.ح.د الموسوس والتفتيش في الدواخل، وببساطة نظرا لعجزك عن التيقن مما هو في داخلك -أي ذاكرة أنك غسلت- تلجئين إلى بديل خارجي محسوس وهو خدش الجلد لتذكري نفسك أنك غسلت، فخدش الجلد هنا هو قهر استباقي Anticipatory Compulsion يحاول الحد من الوسوسة.
ثم دعينا نثبت قاعدة في منتهى الأهمية فيما يخص علاج الوسواس القهري سلوكيا وهي أن "الوسواس عدوك كيان عاقل متفاعل مع أفعالك وردود أفعالك" أي أن نجاحك في التجاهل لابد يتبعه وسوسة ومحاولات مستميتة وحيل شتى من الوسواس لإعادتك إلى القيام بالقهور يستخدم في ذلك التهويل والتهديد (كل أغراضك نجسة ولن تقبل صلاتك أبداً) والتشكيك في حرمة ما تفعلين (يوسوس لي أيضا كنت متيقنة بالنجاسة ولم تغسلي فأنت مكلفة، لقد ارتكبت خطأ كبيرا) وغير ذلك من حيل الوسواس، والحقيقة أن كل ما يقوله كذب أي وسوسة من كذاب ليست من ناصح أمين فالصلاة تجوز مع وجود النجاسة على الجسد أو الثياب أو مكان الصلاة في حكم مشهور في المالكية هو سنية إزالة النجاسة، وأما كونك مكلفة لأنك تيقنت من نجاسة ولم تزيليها فكذلك كذب لأن الوسوسة تسقط التكليف في موضوعها، يعني ترين النجاسة ولا تكلفين بإزالتها، عليك إذن أن تتصرفي بفهم وإدراك أعمق لما يحدث داخل عقلك.
وأما الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه فهو (المصيبة أوقفت الصلاة لأنني أصبحت عاجزة من كل النواحي) لا يوجد أي مبرر شرعي للتوقف عن الصلاة، والتوقف علاجيا معناه تحاشي ما يثير الوسواس وهو خطأ استراتيجي بالفعل، ووأما في الشرع فإن الصلاة تجب عليك كما يجب عليك الأخذ بالرخص الشرعية لتتمكني من أداء عباداتك بالشكل الطبيعي قدر الإمكان، فأما التهيؤ للصلاة وأوله التطهر من النجاسات فلك رخصة فيه مفتوحة ثم في الوضوء فلك رخصة بطرح الشك كله أثناء الوضوء وبعد الوضوء وعليك اتباع استعارة القطار أحادي الوقوف بحيث تكون الاستجابة الدائمة للشك هي تجاهله وغسل العضو التالي ومرة واحدة للعضو فإذا غسلت رجليك تتوقفين عن الغسل ثم تذهبين للصلاة.
اقرئي على مجانين:
وسواس التلوث التحاشي الغسل: قذارة نجاسة واشمئزاز!
قراءة الاستشارات تعرض علاجي وتحاشيها مرضي!
و.ذ.ت.ق وسواس النجاسة والطهارة والتعمق!
وسواس النجاسة: تعمدت يقينا أن أتجاهل، حسنا فعلت!
تقولين أيضًا (أحس أنني أصبت بالجنون) والحقيقة أن هذا حدث فعلا فأنت في موضوع وسواسك مجنونة لكنه جنون جزئي يقتصر على قهر الوسواس للشخص وعدم قدرته على ضبط سلوكه بمعيار المنطق، وفي غير موضوع وسواسك أنت ست العاقلين، فموضع الموسوس هو عاقل بين المجانين ومجنون بين العقلاء، وهو فهم لم أكن أعيه عندما وصفت هذا الموقع بأنه (موقعٌ لمجانين العقلاء وعقلاء المجانين) ... المهم أن جنونك هذا قابل للعلاج ولا يوجد ما يستدعي قولك (حتى أني فكرت في الانتحار وأتمنى الموت كل يوم لأني والله عجزت عن كل شيء وأصبت بالجنون ... أقول في نفسي من سيقبل بي؟ كيف سأتزوج؟ لا أستطيع أن أفعل هذا بهذا الشخص؟ ما ذنبه؟ لن أستطيع أبدا ممارسة علاقة حميمة معه... لا أقدر! أنا الجحيم بحده كيف سيكون لدي أطفال؟).
ومعنى ذلك أنك الآن تعانين أيضًا من الاكتئاب وليس فقط الوسواس القهري، وعليك إن لم تجدي ما قدمناه كافيا لتتخلصي تماما من كل هذه الأعراض المعيقة، فإن اللجوء إلى طبيب ومعالج نفساني على أرض الواقع أمر لا مفر منه.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.