بداية لابد أن أشكركم على كل هذه المواضيع الرائعة التي تطرحونها فهي حقا مواضيع مهمة، ونحن بحاجة لمعرفتها ومعرفة كيف نتعامل مع كل الأمور الطارئة التي تطرأ علينا في حياتنا، خصوصا في المرحلة المتعبة (المراهقة) فلقد تعبنا من الكبت وكتم المشاعر داخل أنفسنا فجزاكم الله كل خير...
أنا فتاة في السادسة عشر من عمري ترددت كثيرا قبل أن أطرح مشكلتي فلدي إحساس أنها معقدة جدا، ولكنني قررت طرحها فلعلي أشعر ببعض الارتياح لأنني أفضيت ببعض ما بداخلي (ولو أني خائفة جدا من ألا يفهمها أحد)
بدا الأمر منذ أن أضفت بعض الأشخاص في بريدي الخاص ليساعدوني في مشاكلي التي أعاني منها، خصوصا أنني من النوع الكتوم جدا الذي لا يخبر أحدا من أفراد عائلته بما يعاني ويلجأ إلى النت، وكانت نيتي أن أكلمهم لفترة مؤقتة جدا إلى أن أحصل على إرشاداتهم ومساعداتهم وبعدها أحذفهم مباشرة، فلم أكن مرتاحة أبدا لوجودهم في "الماسينجر"، لدرجة أنني أصبت بالأرق الشديد.
ولكن ما حصل هو أنني وجدتهم أشخاصا مميزين جدا، حيث إنهم متدينون ومثقفون أيضا، كما أنهم يهتمون لأمري ولا يبخلون علي بالنصائح أبدا، فتفاجأت حقا لأنني كنت أظن أنه لا يوجد شخص في هذه الحياة يهتم لأمري ويساعدني، فما كان مني إلا أن تعلقت بهم كثيرا، ولكني لم أصارحهم بذلك، فقد كان حبا صامتا ومن طرف واحد، وكنت أحاول التخلص من هذا الشعور الخاطئ، واكتفيت فقط بالحديث معهم بكل براءة وإخبارهم بمشاكلي واستشارتهم في العديد من الأمور.
إلى أن سمعت في إحدى المحاضرات أنه لا يجوز التحدث مع الشباب؛ لأن ذلك يدخل تحت قول الله تعالى "ولا متخذات أخدان"، فتأثرت وخفت كثيرًا، واستجمعت قواي وحذفتهم، وكلما كنت أقوم بحذف أحدهم أشعر أن قلبي يتمزق؛ لأنني سأفتقد الأشخاص الذين كانوا يفهمونني ويساعدونني، ولكنني أغمض عيني بقوة وأقول لأجلك ربي، كانت أوقاتا صعبة وقاسية مررت بها ودعوت الله أن يساعدني لأنني فعلت ذلك من أجله.
ولكن يبدو أن الشيطان والتفكير بهم سيطر علي، بمعنى أصح فقد دخلت عالم العذاب المخيف (عالم الحب) وما يندرج تحته من الشوق والتفكير بالشخص الآخر، وهذا الأمر أثر على حياتي وتدهورت صحتي كثيرا، حتى أن من ينظر إلي يظن أنني مريضة، ومستواي الدراسي تدنى أيضا، وكنت أظن أن هذا الشعور سيكون مؤقتا وسيزول بل كنت أتمنى ذلك من أعماق قلبي؛ لأني لست راضية عن نفسي أبدا، ولا أريد أن أصبح أسيرة الأفكار الشيطانية التافهة.
وكنت أجلس وحدي، لأني فتاة سيئة بعكس بقية صديقاتي البريئات اللواتي لم يقمن بالأخطاء التي ارتكبتها، ولكن للأسف لم يفارقني ذلك الشعور، بالعكس كلما يأتي يوم تتطور حالتي إلى الأسوأ ويمتلئ عقلي أكثر بتوافه الأمور.
والآن أشعر أنني في قمة الانحطاط والضياع وأن الجميع يتقدمون للأمام بينما أتراجع للوراء، كما أشعر كثيرا بأن معدل إيماني ينقص أيضا، وكل يوم تقريبا أبكي بكاء مرا على حالي السيئ ولا أعرف كيف سأجيب ربي عندما يسألني عن شبابي فيما أفنيته؟
أتمنى أن أعود إلى طفولتي البريئة إلى ذلك العالم البريء الطاهر الخالي من كل منغصات الحياة، أعترف لكم أنني كنت في قمة السذاجة، أشعر أنني خذلت الجميع وفي مقدمتهم والداي العزيزان، كما أنني لا أصلح أن أكون زوجة صالحة تنشئ جيلا، فلقد خنت ذلك الشخص المسكين وتعلقت بأشخاص غيره، ضاع حلمي في أن يكون لي زوج صالح وطفل جميل أربيه أفضل تربية، ولكن لا بد أن يتحمل الإنسان نتائج أخطائه.
كل ما أتمناه هو أن أرجع كما كنت سابقا فتاة جيدة همها الأكبر هو كيف يمكن أن ترضي الله تعالى وتقدم شيئا لأمتها، لا التفكير بتوافه الأمور، وأبدأ حياة أفضل في طاعة الله تعالى وأنسى الماضي المؤلم الحزين فكلما أردت القيام بشيء جيد (بالأخص الطاعات) أتذكر كل الأخطاء التي قمت بها مما يحول بيني وبين القيام به ويجعل رغبتي ضعيفة جدا في عمله، وهذا ما يؤلمني كثيرا، أنا خائفة جدا من الفشل في مستقبلي، ولا أخفيكم أنني أفكر بالهروب، في حالة حصول ذلك، أعلم أنه قرار متهور ولكني لا أقوى أبدا على رؤية نظرات أبي وأمي الحائرة تجاهي، خصوصا أن عائلتي لا ترحم الأشخاص الفاشلين غير المتفوقين، لا أدري هل أنا على صواب أم لا؟
أرجو أن ترشدوني لذلك قبل فوات الأوان وسأكون ممتنة لكم حقا وجزاكم الله كل خير..
وأعتذر كثيرا على الإطالة..
27/5/2024
رد المستشار
ابنتي الكريمة..
أفكارنا تصنع حياتنا ومستقبلنا، فإن كانت أفكارنا منطقية وناضجة فإن هذا يبشر بحياة ناجحة وطيبة، وإن كانت العكس فإن هذا ينذر بمستقبل مضطرب.
ومن كرم الله تعالى على الإنسان أنه جعله قادرا على تغيير أفكاره لتصبح منطقية وناضجة، كلما راجع نفسه وفكر بعمق فتتغير حياته.
وفي هذا السياق فإني أستطيع أن أجزم أن رسالتك تحمل رقما قياسيا من الأفكار غير المنطقية!!
ولكن قبل أن أسرد لك هذه الأفكار أريد أولا أن أعطيك كأس القوة والإرادة بهذا الموقف القوي الذي اتخذته علاقاتك على الإنترنت، وهو موقف نادر في الحقيقة بالنسبة لمن في مثل سنك، وهذه قوة تستحقين عليها التقدير والثناء، ولكن لا يستطيع أحد مكافأتك بما تستحقين إلا من فعلت هذا لأجله، فهو سبحانه السميع البصير مالك الملك، والآن مع الأفكار غير المنطقية:
1- "أنا فتاة سيئة"، وهل التائب من الذنب إنسان سيئ؟ ألم يصف الله عباده المؤمنين بأنهم (الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)، هذا في الفواحش فما بالنا بالصغائر.
2- "صديقاتي البريئات اللواتي لم يقمن بالأخطاء"!!، من خدعك وقال لك إن هناك أحدا معصوم غير الرسل؟ ولكن أخطاء كل منا تختلف عن الآخر حسب نقطة ضعفه، والله تعالى يسترنا جميعا طالما استغفرنا وعدنا إليه.
3- "لا أصلح أن أكون زوجة صالحة فقد خنت ذلك الشخص المسكين وتعلقت بغيره"!!، يتحدث الله عن التائبين فيخبر سبحانه أنه لا يغفر لهم فحسب، ولا يمحو ذنوبهم فحسب بل يبدل –سبحانه- سيئاتهم حسنات وطالما صدقوا في نواياهم وغرائزهم.
4- "أنا في قمة الانحطاط والضياع"!! بل أنت في فترة نقاهة مثل المدمن الذي توقف عن تعاطي المخدرات، فهو يمر بفترة ضعف واكتئاب وتدهور ومقاومة، ثم يتعافى بعد ذلك إن أراد ويبدأ حياته من جديد، ويكتسب سلوكيات مختلفة، ويضع نمطا جديدا لقضاء وقته وعاداته، بل وخططه وأحلامه.
5- "أفكر بالهروب في حالة الفشل الدراسي"، والهرب ليس هو الحل أبدا بل الحل هو المواجهة، وتقوية الإرادة وتقبل التعثر المرحلي البسيط ثم تعويضه بتفوق نهائي عظيم.
6- "نظرات أهلي لا ترحم الفاشلين"!!!، أنت ربما قد حدث لك فشل دراسي مؤقت تستطيعين تداركه في المستقبل القريب، ولكنك في المقابل قد نجحت في القضاء على خلق غير مقبول، أبواك لا يعرفان هذا، ولكنك تعرفينه جيدا... فأنت في نظر نفسك من الناجحين، وليست أبدا من الفاشلين.
7- "أريد أن أعود لبراءة الطفولة"!!، الطفولة لن تعود فأنت الآن في طريقك للرشد وتحمل المسؤولية، والآن تتم بناء شخصيتك الحقيقة وتكتسبين الخبرات على مر السنين، وقد يكون بعض هذه الخبرات مؤلما والبعض الآخر مبهجا، ولكنها الحياة الحقيقية التي نعيشها بكل تحدياتها آملين أن يعيننا الله على حسن عبادته وتقواه.
وأخيرا تبقى كلمة مهمة..
هناك ظروف معينة هي التي دفعتك لخطأ معين وإذا لم تعيري هذه الظروف اهتماما، ربما يتكرر الخطأ أو يحدث غيره؛ لذا فإن عليك المحاولة بجدية لتغيير أسلوب حياتك هوايات ممتعة، وأنشطة مفيدة، وصديقات صالحات، وأعمال خير، ودعاء، وذكر، ومناجاة.
ابنتي الحبيبة: أتمنى أن تصلنا منك رسالة قريبة، بها رقم قياسي لأفكار وسلوكيات جديدة قد غيرت بها حياتك.