مشكلتي هي أبي.. نعم أبي، رغم أنني من أسرة محافظة.. إلا أن أبي لا يعرف الدين.. نعم يصلي ويصوم ويزكي، ولكنه كذلك يزني ويكذب ويرشي نعم هو كذلك، كما أنه يعصي والديه.
بصراحة لو ذكرت معاصي والدي لما انتهيت ورغم ذلك فأنا أحبه.. فهو والدي وأعلم أنه يحبنا كذلك، ولكن لماذا يفعل ذلك لماذا؟!! لماذا يرضى بأن يدخل الحرام إلى بيتنا؟! حتى أن البركة لا تحل علينا.
تصور أني لا أحب أن أخرج مع والدي؛ لأنه يطلب مني أن أكشف عن وجهي!! يستهزئ مني لأني منتقبة.. ولأني لا أسمع الأغاني ولأني أحاول أن أهديه للرشاد.. فلقد قلت له مرة.. الله يهديك يا أبي.. فقال لي: أنا لست بطفل!!! ومن منا لا يتمنى أن يقول له شخص.. الله يهديك.
في إحدى المرات.. كنا نركب مع والدي.. فقلت له يا أبي أغلق المسجل.. رفض، فقلت له يا أبي أغلقه، أو أني سأركب السيارة الأخرى، فأغلقه وأعطيته شريطًا يحتوي على محاضرة دينية رائعة، تلين القلوب وتهدي العصاة وكلها قصص وعبر، وسمعنا الشريط، وأنا أدعو الله أن يهدي أبي بهذا الشريط، ولكنه أغلقه قبل الانتهاء ورماه عليَّ، وقال: إن أمثال هؤلاء المحاضرين لا يريدون غير كسب المال من توزيع أمثال هذه الشرائط.
أحداث أخرى كثيرة وكثيرة، من فترة عرفت أنه على علاقة مع إحدى الفاسقات.. وكذلك كل إخوتي عرفوا.. سكتنا ولكن أمي هي الوحيدة التي صارحته.. طبعًا ليس أمامنا.. وقالت: له إن أبناءك يعرفون الأمر.. ولكن للأسف لا فائدة؛ حتى أنني أخجل أن أنظر إلى وجه أبي.. سكتُّ لمدة شهر.. ولكن حدث أمر، فلم أستطع أن أسكت وخصوصًا بأني أحس أن سكوتي لن يزيد أبي إلا فسقًا.. فانفجرت باكية أمامه، وقلت له: إني أود أن أصارحك وأكلمك يا أبي، ولكنك لا تترك لي الفرصة؛ لأنك دائمًا تصرخ وتشتم وتلعن - حتى أنه مرة رفع السيف على وجهي - فقال لي تعالي وقولي:... قلت له وصارحته بأني أعرف عنك كذا وكذا... ولكنه للأسف أنكر وأنكر.
ولا أعرف ماذا أفعل، أطلب من الباري - عز وجل - أن يهدي أبي، فلقد تجاوز أبي الأربعين، ولقد سمعت الكثير عن أبي، وأعرف الكثير وأرى الكثير، وأقسم بالله إنه لا يهمني شيء غير أني أخاف على أبي من عذاب القبر وعذاب النار. وأحمد الله أنه رزقني أمًّا كأمي، فهي صابرة، وهي التي ربتني وربت أخوتي على الدين الحنيف.
قبل فترة.. حلمت بأني أُلبس أبي حذاءه وأوصيه بوالديه، وأكرر عليه ذلك، وكان أبي عاريًا، ولا أعرف ما هو تفسير هذا الحلم.
أطلب منك بأن تقول لي ماذا أفعل أكثر، فهل يجوز أن أقاطع أبي ولا أكلمه؟ ولكني لا أستطيع فهو أبي!! أم يجب على أن أحسسه بأني غير راضية عليه؟ ولكن هل يهمه رضاي؟
السؤال هو ماذا أفعل؟!!
وجزاك الله خيرًا
12/6/2024
رد المستشار
أختي الكريمة: في بحث ميداني أجريته منذ ما يزيد على العقد من الزمان، قالت إحدى الفتيات في الإجابة على أسئلة الاستبيان إن السبب الرئيسي لإحساسها بالإحباط أن والدها لم يكن كما تتمنى في استقامته وتحمله للمسؤولية.
ندرك حجم الألم والمعاناة النفسية لفتاة مثلك ترى والدها على ما عليه والدك أصلحه الله. ولكن يا أختي هل يبرر هذا كله أن تنقلب القواعد، والأنظمة الاجتماعية لأن أبًا أخطأ في حق الله سبحانه، ثم في تقدير مكانته في أسرته كونه القدوة والمثال؟! اللهم لا.
لا يصح – رغم كل شيء – أن يتعامل الأبناء مع الآباء كما يتعاملون مع الأصدقاء أو الأتراب والإخوة.
لا يقبل الأب ولا تقبل الأم – مهما كانت الظروف – سماع نقد مباشر أو توجيه، ناهيك عن التقريع من الأبناء أو البنات، وإذا حدث مثل هذا النقد أو التوجيه يعتبره الأب جرحًا لكرامته وكبريائه، وتأخذه العزة بالإثم، ويكون رد فعله المتوقع هو رفض هذا النقد أو التوجيه جملة وتفصيلاً.. فهل راق لك هذا الرفض؟!
هل هناك شك أو غموض في أن سبيل الحق واضح مثل الشمس في كبد السماء؟!!
ولكن الله سبحانه قال رغم ذلك: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن".
والحكمة في حالتك تقتضي الفطنة والأدب والتدرج. انظري إلى فطنة الحسن والحسين حين رأوا أعرابيًّا يتوضأ، ولا يحسن الوضوء، فقالا له: يا عماه.. أنظرنا نتوضأ؛ لتحكم أيُّنا أفضل وضوءاً، فشاهدهما الرجل، وتنبه إلى خلل فعله.
وراجعي مسلك النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في مسلكه مع عمه أبي طالب، وما فتئ يدعوه للإيمان بأدب ولطف حتى آمن "على أصح الأقوال"، وانظري إليه كيف كان يخاطب ذوي المكانة، وكل أب في بيته راعٍ، ويجب أن يعامل كملك متوَّج. وقال السلف: لا يبتسم في وجه الفاسق إلا الثقة.
يبتسم في وجهه لا من باب الإقرار بمعصيته، ولكن لأن "الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" كما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
وحين يحترم الابن أباه الغافل، فإنه في الحقيقة يقيم الاعتبار لمقام الأبوة واجب الاحترام والتقدير، وكأنه يقول للأب: يا أبت أنت في مقام سامق.. هذا هو مكانك فوق رأسي.. فيستحي الأب أن يهبط عن هذا المقام الأسمى الذي يحفظه له أولاده.
ولا يعتبر كتمان ما عُرف عن الفحش إقرارًا له، أو تواطؤًا معه، ولكنه يكون من قبيل التغافل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغافل عما لا يشتهي، فإذا كتم الوالد ذنبًا سترناه عليه؛ لأن ما يترتب على إعلانه بالعتاب، أو تنديده مصارحة أن نضعه بين شقي الرحى: بين الإنكار كذبًا، أو المجاهرة بالفسق، وحين تنكسر بقايا الحياء يتمادى الإنسان في غيِّه، ولعل هذا من بعض معنى الحديث الشريف: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون"؛ لأن المجاهرين أسقطوا اعتبارات الحياء والمداراة والإنكار، ويصعب الرجوع من هذه الحالة، والحمد لله أن والدك ليس كذلك.
من الدعاة من يطرب حين يرى إنسانًا قد وقع في فخ المعصية، ويقترب منه وهو يرقص رقصة النصر، ويزهو كما الصياد والفريسة، ويقبل عليه جلدًا وتبكيتًا فيكون عونًا للشيطان عليه من حيث أراد غير ذلك.
ستقولين: أنا أرفق به في مصارحتي له، وأنا أقول لك: إن مجرد المصارحة المكشوفة من ابنة في مثل سنك لوالدها يُعَدُّ جارحًا ومؤلمًا أيما ألم، فهل يمكن أن يستجيب أحد لنصح يرافقه ألم؟ ولعلك تريدين الآن توجيهات محددة.. وأقول لك:
1 - استشعري واستحضري ما ينبغي أن يكون في صدرك تجاه الوالد، واخفضي له جناح الذل من الرحمة، ولا تقولي له: أف، وإياك أن تكرري ما سبق منك.
2 - حين تعلمين شيئًا أسر به الوالد اكتميه سترًا له، وإن أردت أن تتحدثي إليه عن جرم فظيع اقترفه – لا سمح الله - قولي له أريد أن آخذ رأيك في شيء يا أبي لأنك أكبر سنًّا، وأكثر تجربة، ثم قولي له: إن والد إحدى صديقاتك قد فعل كذا، وعرفت هي، وأنها تسألك النصح لأنها متألمة لهذا جدًّا، ولا تهم إجابته على هذا السؤال بالطبع، وإن كانت ستفيدك في معرفة شخصية الوالد أكثر.
3 - كوني بين إخوانك وأخواتك الابنة الأثيرة لديه، ولا يكون ذلك إلا بالتفوق الدراسي، والتميز الثقافي، والتوقد الذهني، والنشاط في البيت والمجتمع، وعندها يحبك، ويعلم أن "الملتزمة بالدين" هي الأكثر تفوقًا، والأرجح عقلاً، والأفضل برًّا به، وبكل الأسرة، وعندها سيحترمك أكثر، ويستحي منك أكثر.
4 - إياك والنصح المباشر أو التوجيه بنفسك له، أو إعطاءه شريطًا لمحاضرة أو موعظة، فهذا كله يؤدي إلى نتائج عكسية.
5 - تعاوني مع والدتك وإخوانك وأخواتك في تحري أسباب "نشاط" والدك خارج البيت من صحبة للنساء، وغير ذلك.
ولاحظي أن كثيرًا من الرجال يهربون من البيت لكثرة مشاكله، وكون أفراده مصدرًا للإزعاج المستمر بالطلبات والضجيج، فاجعلوا منزلكم هادئًا جذابًا، وكونوا مصدر فخر وسعادة للوالد، يشتاق إليكم، ويحب صحبتكم، ويستغني بها عن كل صحبة فاسدة.
6 - دققي في معرفة اهتمامات والدك وهواياته، وشاركيه في تنمية هذا الاهتمام، وأشعريه بأنك مهتمة بشئونه من آن إلى آخر، وساعديه في شئونه "على قدر استطاعتك" وأكرمي الحي من والديه وإخوته.
7 - لا تستعجلي فالأمر سيحتاج إلى وقت وجهد، ولا تنسي الدعاء بإلحاح له بالهداية في سرك لا في وجهه!!!
وأعلمينا بأخبارك أولاً بأول.
واقرئي أيضًا:
أنا وأبي مطارق وقواقع وصخور
أبي ولكن كيف لا أكرهه؟
أبي تاجر مخدرات!
حضرة المتهم أبي!!
ما ودك تركبي؟ يتحرش بي أبي!
قصة كل يوم: أبي ودموعي وضميري!!
أبي: مدمن قات، ومنعزل وشكاك!
أرفض أي عريس فقد يكون مثل أبي!