هذه أول مرة أكتب إليكم مع إعجابي الشديد بصفحتكم، وفريق المستشارين القائم عليها، وأرجو أن تعذروني قليلا إن لم تمكني قدراتي اللغوية من التعبير عن نفسي بطلاقة.. فهذه أول مرة أعرض فيها مشكلة تخصني بهذه الطريقة، ولا أعرف ماذا أقول تحديدا لأني لم أجهز الكلام مسبقا، كما أن مشكلتي ليست واحدة، وإنما هي خليط من المشاكل، ولكن إجمالا أستطيع أن أقول إنها مشكلة نفسية بالدرجة الأولى.. أو ما أسميه "رواسب الماضي والتربية المنغلقة، وكيف تؤثر على الحاضر"
أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري، متزوجة منذ عامين، ولم أرزق بأطفال حتى الآن، تبدأ رواسب مشكلتي منذ اللحظة التي ولدت فيها لأب وأم غاية في الطيبة والحنان، ولكنهما منغلقان إلى أقصى الحدود، أبي من النوع الذي رأى كثيرا جدا في حياته لدرجة تجعله يغلق على أولاده "بالمفتاح" كما يقولون، وأمي بطبيعتها من النوع المنغلق غير الاجتماعي، ومتحفظة إلى أقصى الحدود في كل شيء، ولكنهما يشتركان في أنهما تحملا المسؤولية منذ طفولتهما بطريقة سرقت منهما لحظات الطفولة والبراءة، وجعلتهما يحملان الهم مبكرا؛ لذلك حرصا على أن أستمتع بطفولتي إلى أقصى حد ممكن، وألا أتحمل المسؤوية باعتبارها عبئا ثقيل، أو باعتبار أنني سوف أتحملها مجبرة في يوم من الأيام، لذلك لا داعي لأن يكون ذلك اليوم مبكرا.
الطبع حدث ما هو متوقع، نشأت وأنا لا أستطيع تحمل المسؤولية، أخجل من أن أعترف بذلك في موقع يتصفحه الملايين يوميا، ولكني عاهدت نفسي على الصراحة، وأن أعترف بكل ما يدور في صدري بهدف البحث عن حلول، فأنا متزوجة منذ عامين، وحتى الآن لا أستطيع أن أشعر أنني ربة منزل أو مسؤوة عن هذا البيت، بالطبع أحاول تنمية قدراتي في هذا المجال ومجالات أخرى كثيرة، ولكنني أعاني من عائق كبير يدفع محاولاتي التنموية كلها نحو الفشل.. عائق خطير جدا.. ألا وهو فقدان الثقة بالنفس أو "عقدة النقص"، دعوني أصف نفسي لكم قليلا حتى تتعرفون على جذور المشكلة، أنا من الفتيات ذوات الحجم القليل جدا (طولي 165 سم، ووزني 50 كجم) مع وجه طفولي، وملامح لا توحي بالأنوثة إطلاقا، كل ما بوجهي هو براءة الأطفال.. نظرة الطفلة التي لم تحمل للحياة هما، ولم تخبر مشاكلها، حتى أن كل من يراني لا يصدق أنني متزوجة منذ عامين، فوجهي وحتى طبيعة جسدي لا توحي بذلك إطلاقا.
أقصى ما توحي به هو المراهقة التي لا تزال على أعتاب الجامعة، قد يتساءل البعض ما علاقة هذا بالمشكلة، ولكنه ذو علاقة وثيقة جدا المشكلة، فالمشكلة أنني لا أشعر أنني أنثى.. لا أشعر بأنوثتي إطلاقا مهما حاولت، مع العلم أنني أحب زوجي جدا، وهو أيضا يحبني، ولكن ما يزال داخلي حاجز الطفولة الذي يمثل عائقا كبيرا لي في الاستمتاع بحياتي، والإحساس بحب زوجي لي، وكثيرا ما ألمح في عينيه نظرة الشفقة؛ كلما حاولت أن أبدو أمامه أنثى، بدلا من نظرة الإعجاب، مع العلم أنه يحادثني بصراحة شديدة، وأنا أيضا أتحاور معه في كل شيء، ونفتح قلوبنا لبعضنا البعض، ولكن إلا في هذا الأمر، لا يستطيع أن يحادثني فيه لأنه لا يريد أن يجرح إحساسي، ولأن جزءا من المشكلة أيضا لا ذنب لي فيه، مع تحملي المسؤولية عن الجزء الآخر، فيمكنكم أن تقولوا إنه "رضي بنصيبه" من الحياة، ورضي بي كما أنا، ولكنني غير راضية عن نفسي، وأشعر أنه ينقصني الكثير كي أكون زوجة، ينقصني الكثير كي أكون "واحدة ست".
صورة الجسد أو body image عندي مشوهة إلى أقصى الحدود، مع أنني أعلم تمام العلم أن مشكلتي ليست جسدية، وإنما هي نفسية؛ أي أنني مهما اكتسبت من وزن، ومهما امتلأ جسمي وأصبح أنثويا؛ فلن يصلح ذلك من حالة الحرمان التي أعيشها، ولكن هذه المشكلة ترسبت داخلي من خلال انتقادات من حولي على مدار أعوام عديدة، فكل من حولي (سواء أمي وأبي أو العائلة أو المعارف أو كل الناس) طالما رددوا على مسامعي أنني لست طبيعية سواء في النحافة، أو الهدوء، أو الخجل، أو التحفظ الذي ورثته من أمي، هذا هو لب المشكلة.. أنا أشعر أنني لست طبيعية مثل كل الناس، أشعر أنه ينقصني الكثير في كل شيء، مع أنني عندما كبرت واطلعت على العالم بشكل أكبر عرفت أن هناك مرضا (أعاذنا الله منه) يسمى anorexia nervosa أو فقدان الشهية العصبي، وأنا الحمد لله لا أعاني منه.. أنا أعتبر نحيفة، ولكنني إنسانة طبيعية.. لدي نسبة الهيموجلوبين طبيعية، قد تقل قليلا عن المعدل الطبيعي ولكنها تعود وتنتظم، كما أن الدورة الشهرية لدي منتظمة، ولا أعاني من أي مشاكل سوى بعض الضعف العام البسيط، وآثار سوء التغذية مثل الكثير من الناس.
أنا خجولة.. نعم أعترف بذلك، ولكن لي محاولات عديدة للتغلب على هذا الخجل، واشتركت في أنشطة متعددة من قبل، وخصوصا أيام الجامعة، كما أن خجلي ليس من النوع المرضي شديد الخطورة، وإنما هو مجرد خجل فتاة متحفظة نشأت على الطريقة الشرقية، مثلي في ذلك مثل معظم الفتيات الشرقيات... خلاصة القول؛ إنني أستطيع أن أقول عن نفسي أنني طبيعية، لكن صورتي عن نفسي هي المشوهة، وعقلي الباطن هو الذي يقول لي إنني لست طبيعية، كما أن هذه المشكلة ترتبط بشكل غير مباشر بالتأخير في الإنجاب، فالتأخير سبب لي مشكلة نفسية، لأنني أشعر أنني لا أستطيع أن أكون أما.. تحاليل الهرمونات الخاصة بي سليمة.. ولكنني أشعر أن الأمر أكبر من الهرمونات، وسخافات الأطباء التي يرددونها على مسامعنا ليلا نهارا، "الأمر يتعلق بعدم قدرتي على أن أكون أما.. عدم ثقتي في نفسي.. عدم ثقتي في أنني أستطيع تربية غيري".
لم أتمكن حتى الآن من فهم مفاتيح نفسي أو تربيتها، فكيف يمكن أن أكون مسؤولة عن حياة شخص آخر؟ أخشى مسؤولية الأمومة بشكل رهيب، مع أني أتمناها مثل أي امرأة، ولكني في نفس الوقت أشعر أن الله لن يكتب لي الأمومة في يوم من الأيام، كما أن كل من حولي لا يصدقون أنني سوف أكون أما في يوم من الأيام.. قد لا أبالغ إذا قلت إن البعض يعتقدون أنني ما زلت "آنسة" حتى الآن، رغم أنهم يعلمون أنني متزوجة منذ عامين، فهم يعتقدون أن خجلي الشديد لن يسمح لزوجي أن يقربني! أرجو الرزق من الله، ولكنني لا أشعر أنني أستحق هذا الرزق.
المشكلة الأخرى تتعلق بعلاقتي بزوجي، أنا كما ذكرت أحب زوجي جدا جدا، وهو أيضا يحبني والحمد لله، وقصة حبنا الرائعة هذه مضرب الأمثال في العائلة، وقد بدأت منذ فترة الخطوبة، وفي بداية الزواج كنت كأي فتاة شرقية لا أعرف شيئا عن العلاقة الجنسية إلا لمحات خاطفة، ومعلومات ناقصة قامت أمي بإلقائها على مسامعي في اقتضاب ليلة الزواج، وكأنها تتمنى ألا تقولها، ولكنني -الحمد لله- مع حب زوجي، وتشجيعه لي قرأت كثيرا في الثقافة الجنسية، وفهمت الكثير عن طبيعة جسدي، وطبيعة جسده، وازدادت ثقافتي عن طريق الخبرة، فبدأت مرحلة الخجل تقل تدريجيا.
وبدأت العلاقة بيننا تأخذ شكلا ممتعا أكثر، ولم يكن ينقصها سوى شيء واحد، وهو الوصول للذروة أو الـ orgasm، فأنا برغم مداعبات زوجي الكثيرة لي، واهتمامه الدائم بسؤالي عما يعجبني وما لا يعجبني، فإنني لم أصل إلى هذه المرحلة ولا مرة خلال العام الأول من زواجنا، ومع ذلك لم أهتم، فأنا أحب زوجي، وأشعر بمتعة كبيرة جدا معه، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي وصلت فيه للذروة عن طريق الصدفة، ودخلت ذلك العالم السحري، لا تفهموني خطأ فلم أمارس العادة السرية في ذلك الوقت، بل تم الأمر على هيئة صدفة بحتة، مددت فيها يدي للداخل لأسباب علاجية، حاولت بعدها أن أصل للذروة في اللقاء الزوجي الطبيعي، ولكن لا فائدة.
قرأت كثيرا في هذا الموضوع، وعرفت أنني غالبا من النوع الذي لا يصل إلا للذروة الخارجية المسماة clitoral orgasm، وطلبت من زوجي أن يداعبني في هذه المنطقة، وهو دائما يستجيب لي، ولا يبخل علي بشيء، ولكن أيضا لا فائدة، حاولت مع زوجي كثيرا وغيّرنا الأوضاع، ولكن لم أصل لشيء، لا أصل لشيء إلا عن طريق يدي أنا، فعرفت بعدها طريق العادة السرية، وعرفت بالضبط المنطقة التي يجب أن أداعبها لكي أصل للذروة، ومنذ ذلك اليوم وأنا أعيش في صراع نفسي، لا أعلم لماذا أنا هكذا؟
لو لم أجرب هذا الشعور في حياتي لما افتقدته، ولما أدركت أن هناك شيئا ينقصني، ولكن ما يثير في نفسي شعورا بالحرمان هو أنني جربته من قبل، وأدركت أنني امرأة طبيعية تماما يمكن أن أصل لذورة الاستمتاع، ولكن كوني أصل إليها عن طريق آخر غير زوجي يثير في نفسي شعورا بالخزي والعار، وكأنني أخونه وهو لا يعلم، لم أدمن العادة بعد ولا أمارسها بشكل منتظم، ولكنني أخشى أن أكون سائرة على هذا الطريق... أنا أحب زوجي، وأحب أن أستمتع معه، ولكنني لا أعلم إن كانت رواسب الماضي والتربية المتحفظة تحول دون وصولي للمتعة الكاملة، ولكن كيف ذلك وأنا أصل إليها وحدي؟
حقيقة أنا لا أفهم نفسي، ولا أعرف إذا ما كنتم ستفهمونني، ولا أعرف إن كنت قد شرحت المشكلة، أم أن من يقرأ لن يفهم شيئا، ما زال أمامي الكثير لأقوله، ولكني أتمنى أن ألقى منكم أذنا واعية، وأتمنى أن أعرف هل أنا محتاجة لطبيب نفساني؟ أم أنني طبيعية؟ هل أستطيع أن أتجاوز مشاكلي وحدي، والأمر لا يعدو أن يكون متعلقا بعدم معرفتي بالطريق الذي أسلكه لحل هذه المشاكل؟ أم أنني أحتاج إلى مساعدة متخصصة؟
وعذرا على الإطالة الشديدة، والجرأة في التعبير،
وأرجو أن تعذروني لأن هذه أول مرة أعرض فيها مشكلة تخصني بهذه الطريقة، ولكنني أثق فيكم كثيرا.
06/06/2024
رد المستشار
شكراً على استشارتك الموقع.
ليس هناك في استشارتك ما يشير إلى أنك تعانين من اضطراب نفساني يستحق زيارة طبيب نفساني أو معالج نفساني. هناك درجة عالية من الاستبصار في تحليلك للماضي وتفهمك للحاضر. رغم انتقادك لمرحلة الطفولة والمراهقة، ولكنك في نفس الوقت لم تحملي معك مشاعر سلبية صوب من تولى رعايتك. على العكس من ذلك فإن تعلقك بزوجك وتعلقه بك يعكس أبعاد إيجابية في شخصيتك التي تتميز بالمرونة وعدم إسقاط اللوم على الآخرين. تميل شخصيتك إلى الخجل وتجنب الأزمات وهذه سمات شخصية حميدة٬ ولكنك في نفس الوقت قادرة على تجاوز الأزمات تدريجياً وبهدوء وهذا مقياس لعافيتك النفسية.
رغم انتقادك لجسدك ولكن ما تتطرقين إليه لا يعكس وجود اضطراب تشوه الجسد سواء كانت الفكرة وسواسية أو وهامية٬ ويمكن القول بأن عدم رضاك بجسدك لا يختلف كثيراً عن عدم رضى غالبية البشر هذه الأيام.
لا يوجد دليل على أنك تعانين من اضطراب أكل ووزنك طبيعي وربما يحسدك الكثير على ذلك. لا يوجد دليل على ممارسة سلوكيات معينة لفدان الوزن وتشيرين إلى أن تحاليل الهرمونات طبيعية.
السلوك الجنسي الذي تشيرين إليه حول الوصول إلى الذروة ومداعبة مناطق معينة للوصول إليها طبيعي جدا وسيتغير ذلك مع الوقت وتجربتك الجنسية لا تزال في بدايتها٬ والقاعدة العامة أن ذروة الفعالية الجنسية تحدث في العقد الرابع من العمر. لا يوجد مبرر للشعور بالذنب حول السلوك الجنسي وهذا فقط من رواسب الماضي والتقاليد.
معضلة الإنجاب تواجه الكثير من الأزواج وما دامت فحوصك وفحوص زوجك طبيعية فسيحدث الحمل عاجلا أم آجلا.
لا تراجعي أي مركز للطب أو العلاج النفساني.
وفقك الله.
واقرئي أيضًا:
نفسي عائلي: تأخر الحمل Primary Infertility