الزواج السري.. السير في حقل الألغام
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم على تميز الموقع وردوده الواقعية على المشاكل المطروحة، وبعد.
أنا سيدة (38 سنة) توفي زوجي منذ 3 أعوام وترك لي خمسة أطفال أكبرهم لم يتم الخامسة عشرة حتى الآن، ولكننا بحمد الله أوضاعنا المالية ميسورة تماما والعائلية كذلك، ولم ينقص أبنائي شيء بعد وفاة والدهم.
بعد وفاة زوجي بعامين التحقت بعمل مكتبي وهناك في عملي التقيت بأحد زملائي في الدراسة الجامعية وهو رجل متزوج وله أربعة أطفال، ولكن الحب عرف طريقه إلى قلبينا مع العلم أنني سيدة محجبة وملتزمة وعلى قدر كبير من الجمال، ولكنني وجدت نفسي أحب ذلك الرجل وهو يكبرني بعدة سنوات وقد شعرت به يبادلني حبا بحب إن لم يكن أكبر.
وقد عرض علي زميلي هذا الزواج إلا أنني رفضت في البداية، وهو ما زال يطلبني للزواج، وأنا حقيقة خجلى من أبنائي الذين أعلم تماما أنهم سيرفضون هذا الأمر ولو قبلوا به فإن قبولهم سيكون على مضض وسأفقد صورة الأم الفاضلة التي عرفوها... إن الله أحل الزواج، فلماذا يحرمه علينا المجتمع؟
أريد الاحتفاظ بأبنائي كما هم وأريد الزواج ممن أحب. مؤخرا عرض علي زميلي الزواج بشكل سري دون علم أبنائي وأهلي ودون علم زوجته واقتراحه يتضمن أن نلتقي كل فترة في بلد آخر مجاور لنا ونقضي أياما، ثم نعود إلى بلدنا دون أن يحس أحد بشيء خاصة أن فكرة الإنجاب مرفوضة من كلينا.
عندما قلت تلك الفكرة لإحدى صديقاتي المقربات صرخت في وجهي واعتبرتها جنونا، ولكنني محتارة ماذا أفعل حتى أستطيع التوفيق بين واجبي كأم وبين قلبي وحبي.
أرجو منكم سرعة الرد
فأنا في أشد الحيرة.
17/06/2022
رد المستشار
الأخت الكريمة..
أتوقف كثيرًا عند سؤالك عن أن المجتمع العربي يحرم أشياء أحلها الدين، والإجابة تعرفينها أنت كما نعرفها جميعا إنها العادات والتقاليد كلام الناس والقيل والقال والعيب والأصول وترسانة من حواجز ومرجعيات هلامية أحيانا وسخيفة غالبا!!.
في مجتمعات تصدع رؤوسنا بكلام عن الدين وحماية الدين والخوف على الدين يختنق الكثيرون تحت وطأة ركام نكد لا محل له من الإعراب، ومن يصرخون به يعتقدون أنهم ينطلقون من الدين وعليه يحافظون.
أتذكر دائما حجة الوداع وأذكركم بها كثيرا حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم كلاما جامعا ومانعا في وضع كل تراث الجاهلية تحت الأقدام لينطلق المسلمون متحررين إلا مما هم فعلا يلزمون أنفسهم به من طاعة رب العالمين وحده لا شريك له، أما نحن فنعبد المجتمع والتقاليد وكلام الناس... الخ!!.
معروف أن القرآن حرم القتل والربا؛ فلماذا يقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع ليقول: إن ربا الجاهلية موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، ويحدد في أكثر من مقطع أنها تحت قدميه تحت النعال فهذا مكان الجاهلية ومرجعياتها!! لماذا يخصص النبي صلى الله عليه وسلم شطرا كبيرا من كلامه يومها لهذه المسألة؟ هل كان يكرر تحريم ما هو معروف تحريمه قطعيا؟! هل وجد لديه فضل وقت فأراد الترفيه عن السامعين بقصص من الزمان الماضي؟!.
لا هذا ولا ذاك ولكن يبدو أنه بإرشاد من الحق جل وعلا قد شعر أن التهديد الأكبر أو أحد التهديدات الكبرى في حاضر المسلمين ومستقبلهم أن يعودوا إلى سيرتهم الجاهلية الأولى، ليس بالكفر والشرك الواضح بالله أو عبادة الأصنام، ولكن بالأخطر وهو العودة لعبادة أصنام التقاليد والآباء والأجداد والأعراف الفاسدة والأنظمة الاجتماعية القديمة لمجرد أنها قديمة!! وهو يختار مثال الربا ليس بوصفه مجرد ممارسة محرمة، ولكن كتقليد ونظام اجتماعي كان مستقرا وله شبكية المستفيدين منه والمتعودين عليها والمدافعين عنه وكذلك الثأر بالموهوم الجاهلي وهو صلى الله عليه وسلم يختار هذين المثالين ليضعهما تحت الأقدام.
أما نحن فيبدو وأننا بعد غيابه نلتقط الجاهلية وننفض عنها الغبار ونعيد تدويرها واستخدامها ولا نقيم أصناما في حجارة في جوف الكعبة، ولكننا نقيم آلاف الأصنام في قصور الحكم، وفي جوف كل منا أصنام من أشخاص ومن أفكار ومن عادات ومن قيم، والقصة كما ترين بائسة وحزينة وتطول!!.
وأحسب أنك يمكن أن تختاري حلا معقولا ومقبولا يجمع بين رغبتك المشروعة في الزواج من زميلك وحرصك على أبنائك، وهو حرص مشروع أيضا وخجلك منهم مفهوم أيضا ومشروع.
أقترح عليك أن تختاري من ذويك الأكثر حكمة وتفهما، والأفضل أن يكون والدك، إذا كان على قيد الحياة، بارك الله في عمره أو الأخ الأكبر لك، إن كان الوالد متوفيا أولا تعتقدين بتفهمه وربما العم أو الخال، الاختيار لك هنا، ولا بد أن يكون معك بالتالي شخص من أسرتك يكون بمثابة الولي أو الراعي لهذا الارتباط، وهذا مهم لك ولصورتك في عيون زميلك قبل أن يكون مهمًّا وأساسيا من الناحية الواقعية لنجاح علاقة كهذه.
تحدثي مع هذا الحكيم الذي تختارينه واشرحي له كافة الظروف، واستعيني بعد ذلك على قضاء حاجتك بأقصى كتمان ممكن، وفي نفس الوقت كوني جاهزة ومستعدة لتبعات انكشاف الأمر، وهو ما يمكن أن يحدث بأية لحظة، وعلى أهون سبب!!.
لا تدخلي في هذه التجربة هكذا وحدك دون علم أحد من أهلك، وأعتقد أن ما أقوله لك هنا هو الحد الأدنى الذي ينبغي ألا تقبلي أو تحدثك نفسك بالتنازل عنه أو التهاون فيه وأنت وسط مجتمع تقليدي جدا، ومحدود جدا، ومحافظ جدا، أو فإن السلامة لا يعد لها شيئا، والله أعلم وسأنتظر متابعتك.