السادة الكرام، تحية طيبة وبعد..
أرسل لكم مشكلة أحد زملائي بالعمل، وهي خاصة جدًّا بالنسبة له، حيث طلب مني مساعدته؛ ولأنني دائم البحث عن أفضل وأنسب الحلول فإنني أطلب عونكم الحكيم في حلها، وسأحكيها لكم فيما يلي:
(م) شاب مطلق عمره 34 سنة، ويسكن مع والدته التي بلغت من العمر ما يقارب 75 عاماً، بالإضافة إلى أخته وأخيه الأصغر منه، يعمل بمكان "حساس جدًّا"، وللأسف لديه العديد من العلاقات العابرة بالجنس الآخر، يعتبر بعضها "لهوًا" والآخر يطلق عليه "علاقات حميمة"، وبالطبع جميعها فاشلة بدون شك، ومنذ حوالي 7 أشهر تعرف على إحدى الفتيات (س) التي لها أيضا علاقات متعددة، ولا فرق لديها بين الجميع وقد استمرت علاقتهما حوالـي (6-7) أشهر على أساس اللهو وتلبية مطالب كل منها للآخر في التسلية والرغبات الجنسية.
وعندما استيقظ (م) من غفلته، وفكر في قطع جميع تلك العلاقات، والانتباه لمستقبله، وتكوين أسرة، والعيش بحياة شريفة، تدخلت تلك الفتاة بحياته مهددةً إياه بالفضائح، ومسببة له العديد من المشاكل على مدار الـ24 ساعة، وبشكل متواصل، متضمنة في أسلوبها التهديد الدائم سواء بمواجهة والدته وأهله وعائلتهم، أو بالذهاب إلى مقر عمله، فهي ذات أسلوب سوقي، ودون المستوى، ولن تتورع عن فعل ما تقول أبداً، فهي تلاحقه في كل لحظة، حتى أثناء عمله عليه أن يظل ممسكا بهاتفه النقال، لتعرف ما يدور حوله وكل "الويل" له إذا لم يرد على واحد من اتصالاتها، أو إذا لم يعلمها بمكان تواجده، حيث تذهب إليه.. إلى منزله، منتظرة عودته من العمل؛ لتتأكد من عدم ذهابه إلى أي مكان آخر.
كما أنها تهدده بفضح جميع الفتيات اللاتي لهن علاقة به، سواءً كانت سابقة وستر الله عليهن بالزواج، أو جديدة، حتى وإن كانت بدافع الزواج، وبالطبع ذلك من خلال اختلاق المشاكل التي لا نهاية لها، وبمساعدة شلة من الفاسدات اللاتي يتتبعن كل ما يدور ويقمن بتوجيهها، والتدخل أيضا في مكالمات التهديد التي توجهها إلى (م) ناهيكم عن الغيرة التي لا مبرر لها، والشك الجنوني لدرجة أنها تترك خط الهاتف مفتوحا بينهما؛ كي تكون على علم بجميع التفاصيل.
علماً بأنه سألها عن مطلبها، وسبب ما تفعله، وكان صريحا معها منذ البداية بطبيعة العلاقة التي بينهما، ولم يكن أي منهما يكترث لوجود أطراف أخرى تشترك بعلاقتهما؛ نظراً لعدم وجود أي نوع من الروابط بينهما. كما أنهما لم يفكرا بالزواج أبداً، غير أنها اتخذت لنفسها صفة أساسية بحياته، وطالبته بعدم إنهاء العلاقة من طرفه دون أخذ رأيها.
كما أنها تدعى الإخلاص له، وأنها لا تريد منه سوى أن يبقى معها لا أكثر من ذلك حسب ادعائها، وأوضح لها أنه لا يستطيع أن يجبر نفسه بالاستمرار في علاقته معها، فهي ليست حبيبته، ولا زوجته، وليس لها وجود بحياته، غير أنها تتعامل معه بعكس ذلك، وبالإكراه فقد أعطت لنفسها صفة الحبيبة، أو الزوجة التي لا غنى عنها في حياته، مرددة عليه بأنه سيتعود عليها، وعلى ذلك الوضع البائس.
و(م) شخصية عنيدة جدًّا، وتعود على أخذ كل ما يريد بالعناد، وهو أسلوبه العام في الحياة، و(س) تتعامل معه بنفس الأسلوب "العناد لأجل العناد"، وبشكل تافه جدًّا، وبعيد عن العقلانية لدرجة أن (م) أصبح يواصل نهاره بليله بدون نوم، ويرتعب من اتصالاتها، وقد تعطلت أعماله الخاصة، وتغيرت نفسيته المرحة التي تواجه أمور الحياة ببساطة، أصبح دائم التفكير بما قد يواجهه من مشاكل غير متوقعة التي تخبؤها له (س).
ويرضخ حاليًّا لجميع أوامرها ويعطيها كافة تفاصيل يومه، واتصالاته ويقضي يومه معها مجبراً، وكل ذلك من أجل الحفاظ على وظيفته التي هي مصدر رزقه، والأهم خوفه الشديد على والدته الأرملة، التي أنهكتها الأمراض وتنتظر بفارغ الصبر زواجه ببنت الحلال.
وعليه يرجى التكرم بمساعدته، وإيجاد الحل المناسب له، وذلك بالسرعة الممكنة.
وشكرا جزيلا لكم
12/6/2024
رد المستشار
أخي العزيز..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتاه (س) – كما ذكرت – لها علاقات متعددة، وصديقك (م) له أيضا علاقات متعددة، وكلاهما ينطبق عليه ما نسميه "إدمان الفتوحات العاطفية"، وأصحاب هذه الشخصية يتميزون برغبة جارفة في إقامة علاقات عاطفية ـ وأحيانا جنسية ـ جديدة ومتعددة لسببين:
أولهما متمثل فيما يميز العلاقة الجديدة من مشاعر بكر من الدهشة والاقتراب الحذر والإعجاب والخوف والخجل والقلق والترقب، وهو ما يسعى إليه أصحاب هذه التركيبة النفسية، ثم يعقب هذا الإحساس اللذيذ بـ "الانتصار" حين يتم فتح قلب الطرف الآخر، ثم يتبع ذلك بعد فترة شعور بالملل، ومحاولة فتح قلب آخر... وهكذا.
أما ثاني هذين السببين فيرجع إلى أن أصحاب العلاقات المتعددة لديهم عدم ثقة في أنفسهم، سواء كانوا رجالا أم نساء؛ لذلك فكل علاقة يدخلونها تعطيهم إحساسا بالثقة لبعض الوقت، ثم يحتاجون لمزيد من العلاقات ليؤكدوا لأنفسهم أنهم مرغوبين، أو أنهم جذابين للجنس الآخر.
وبناء على ذلك فإن أصحاب العلاقات المتعددة يرغبون في إقامة العلاقة، وفى إنهائها وقتما يشاءون، ولكنهم لا يحتملون أن ينهى الطرف الآخر العلاقة لأن في ذلك تهديد لثقتهم بأنفسهم وإحساسهم بذواتهم، وهذا ما حدث مع صديقك؛ فهو ذو علاقات متعددة، وصديقته أيضا كذلك، وحين أراد أن ينهى هذه العلاقة ويبتعد لم تحتمل هي هذا الأمر؛ لأن ذلك يهدد إحساسها بذاتها كأنثى، إذ كيف يهجرها رجل أيا كان، والأمر هنا ليس حبا، وإنما علاقة تملك "طفلية" غيورة، فهى أشبه بطفلة تعلقت بلعبة، وكلما أراد أحد أن يأخذها منها ازداد تشبثها بها، وهى في هذه الحالة ليست متمسكة باللعبة في حد ذاتها، ولكنه "العناد الطفولي"، والرغبة في التملك، وعدم التسليم بالهزيمة أمام الآخر، وهو نوع من إثبات الذات بشكل غير ناضج.
وانبنت على حالة التملك هذه حالة من الغيرة الشديدة، والرغبة في الانتقام، والتهديد به في حالة انسحاب (م) من حياتها، وكأنه أصبح من ممتلكاتها التي لا تفرط فيها. وفى هذه الحالة لا تصلح المواجهة الجارحة لها؛ لأنها ستصب جام غضبها على صديقك وتحاول الانتقام منه، ولكن الأفضل إظهار الفتور في العلاقة -دون مواجهة حادة- وبشكل متدرج ومثابر، مع عدم التقيد بكل ما تريده من متابعة "جواله" في كل مكان يذهب إليه، والاعتذار الرقيق بظروف العمل، أو ظروف الحياة، ومقابلة استجاباتها الغاضبة بشكل هادئ، لا يستفز غضبها، وفى نفس الوقت لا يحقق أهدافها "التملكية"، ولا يستثير غيرتها المرضية.
ومع الوقت ستصلها رسالة هادئة ورزينة مفادها بأنه لن يستمر في هذه العلاقة تحت تأثير ابتزازها، حتى ولو كانت هناك بعض التضحيات، ولتكن تلك التضحيات "فاتورة" لما حدث في حيات صديقك من عبث عاطفي وجنسي متعمد، بمعنى آخر عليه أن يظهر في صورة تزهدها هي، فتقرر الاستغناء عنه طواعية، فالصمت والفتور والابتعاد التدريجي ينفعان مع هذه الشخصية الغيورة المتملكة، مع الاستعداد لتحمل بعض الخسائر في حالة إصرارها على استمرار العلاقة بالشكل الذي تريده.
وإذا كان صديقك ينوى قطع هذه العلاقة ليتفرغ لعمله ويبدأ حياة زوجية مستقرة ونظيفة بعيدا عن عبث العلاقات العاطفية، أو الجنسية المتعددة والمستهترة فليلجأ إلى الله بالدعاء؛ ليستمد منه العون للخروج من هذا المستنقع الذي تورط فيه، وليكفيه شر هذه الفتاة الغيورة الراغبة في الانتقام والتشهير، وللدعاء أسرار عظيمة لا نعلمها، ولكنها تؤثر بلا شك في حالة صفاء النية وإخلاصها، والعزم على تطهير الحياة مما يلوثها.
اقرأ أيضًا:
على حافة الزنا: مقصلة التلبيس والأساطير
دواء الغفلة: ملاحظات قبل الزنا!
الزنا وتلبيس إبليس: التوبة والغش والغشاوة!