جزاكم الله خيرا على عملكم الخاص وعلى اهتمامكم بقضايا البشرية عامة والمسلمين خاصة وعلى اهتمامكم بالقضايا والمشاكل المطروحة لكم، أعانكم الله عليها وجعلكم سببا في الفرج علينا، لقد وثقت فيكم كثيرًا، حتى إنني أحسست أنه يوجد من يسمعني عندكم.
أنا شاب عمري 26 عاما، أعزب، لقد ترددت كثيرا في مراسلتي لكم، لكن الألم والحزن الذي أنا فيه جعلني أخرج ما بداخلي لعله يوجد أحد يسمع الصراخ الذي بداخلي. أنا أبحث عن السعادة، وربما يتبادر إلى أذهانكم أني أبحث عن المستحيل، بلى إنها موجودة وقليل من يعرفونها وهم من عباد الله الصالحين، والطرق إليها متعددة جدا، وأولها هو الزهد في الدنيا، لكن هيهات من يستطيع تطبيقها يقول سيدنا علي رضي الله عنه:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت****أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنـها****إلا التي كان قبل الموت يبنيها
وكيف لمخلوق ضعيف مثلي يترك النفس تبكي على الدنيا، وهو في نفس الوقت خائف على الدار التي سوف يسكن فيها بعد الدنيا، لا أعرف من أين أبدأ وإلى أين أريد الوصول، لدي مشاكل حتى أنا مشكل لنفسي، وإنني عندما أفكر في تلك المشاكل لا أجدها، كأنها تهرب مني وتنحصر في وهم شيطاني فقط؛ لأنني ضعيف الإيمان وكل المشاكل بسبب ضعف الإيمان. بعد مدة من التفكير والتأمل وجدت أن مشاكلي أو بالأحرى أوهامي تنحصر في عدة نقاط أولها الحنان وليتني ذقت متعة ولو ذرة من الحنان.
ثانيا القلق ليتني أكون هادئا ومستريحا ولو يوما في حياتي، وثالثا البطالة وليتني أجد عملا، والفقر وليتني كنت غنيا، والجهل وليتني كنت عارفا، وسوء الحظ وليتني كنت يوما محظوظا، حتى إنني عندما أردت أن أرسل إليكم مشكلتي قررتم عدم استقبال المشاكل حتى يوم الأحد. وأنتم تعرفون معنى التمني في اللغة العربية.. أخاف على كلمة ليتني التي أكتبها أن تصيبكم بالعدوى فتقولون ليتنا نستطيع أن نرد عليه.
لقد رسمت في أفكاري طريقا للسعادة، وأنا أعرف طريقها، وأعتبر الزهد هو السبيل الوحيد إليها، ولكني لا أستطيع تجسيدها على أرض الواقع؛ لأن مداخل الشيطان لعنة الله عليه كثيرة؛ لأنه يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، وكيف لا يعرفنا وهو من كان يدخل من فم آدم عليه السلام ويخرج من دبره وتلك حكمة الله في خلقه، وكذلك ضعف الإيمان.. كل هذا جعلني لا أستطيع أن أجد السعادة على أرض الواقع.
أولا وقبل كل شيء عندما تقرءون مشكلتي أرجو أن تبعدوا كل الظنون والشكوك؛ لأنني أسرد همومي من صميم قلبي، أكبر مشكلة لي هي أنني أعيش بدون هدف في هذه الحياة لقد أصبحت حياة بلا معنى وإنسانا بدون أمنية ولا هدف. يقول ويل ديورانت: "إذا أراد الإنسان أن يعطي لحياته معنى فعليه أن يضع لنفسه هدفا أكبر من الحياة". لقد ضاعت أمنيتي بعدما يئست في إيجادها، وفقدت كل شيء في الحياة، أصبحت إنسانا بلا أمل، وأصبحت أعاني الاكتئاب.
لقد كانت أمنيتي التي راودتني منذ سن مبكرة جدا حين كنت في سن السابعة عشرة أن أكون طالب علم يعرف كل شيء وكل يوم يعرف، لقد كانت أمنيتي أن أصبح من الرجال الذين يدرون ويعلمون أنهم يدرون، ولكن أنا الآن من الرجال الذين يجهلون ولا يدرون أنهم يجهلون. وبصورة أدق كنت أريد التخصص في طلب علم الشريعة وحفظ القرآن الكريم في سبيل الله؛ لأنه العلم الأوسع بالنسبة لي؛ هذه هي أمنيتي، حاولت بكل الطرق والوسائل أن أحصل على ما أريد لكنكم تعرفون طبيعة المجتمع العربي ومشاكله الاجتماعية اليومية والمشاكل الأمنية وكثرة مداخل الشيطان إلى أنفسنا؛ لأننا لا نحصن أنفسنا منه.
وكل هذا بسبب مجتمعنا الجاهل؛ ولأن بلدنا لا يوجد فيه دور فقه لتعلم أمور الدين، ولا تجد من تسأله، رغم وجود شيوخ لدينا بسبب صعوبة الوصول إليهم، وكذلك أنظمة الحكم الموجودة في البلاد العربية التي تتبع سياسة التجهيل والتجويع، وانعدام أدنى حقوق الإنسان فيها. أتذكر قول أحد المشايخ لي قال ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وعدت إلى العرب فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام. لقد كان الإسلام السباق إلى ترسيخ الإنسانية في الوجود، وأخرج العالم من الجهل إلى النور لكننا تخلينا عنه.
أعود إلى الموضوع وأقول أمنيتي لم تكن مغروسة في نفسي منذ الصبا كنت بدون هدف حتى سن المراهقة، بدأت في وضع أمنيتي التي سبق أن ذكرتها، سافرت إلى عدة مدارس قرآنية لحفظ القرآن في سبيل الله، لكنهم لم يقبلوني بحكم سني الكبيرة مع أن العلم لا يقتصر على كبير أو صغير... عدت إلى بيتنا ولا أجد سوى مشاكلي، وقلة إيماني، وعدم وجود الثقة في النفس والإرادة اللازمة لتحقيق ما كنت أريده، وبعد مرور مدة من الزمن بدأت أمنيتي كل يوم تتلاشى شيئا فشيئا، والأمل في انخفاض مستمر، والوقت كل يوم يقطعني إربا إربا، وأنا أراه يقطعني ولا أستطيع أن أحرك ساكنا؛ فرفعت الراية البيضاء له، واستسلمت إلى تقطيع الوقت الذي قطعني إلى ذرات متناثرة في الهواء لا أقوى أن أجمعها بسبب كثرة مشاكلي، حتى أنا مشكل.
أتذكر يوما أنني راسلت بالإنترنت جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة فكان الرد وفر فيزا وتعال، عاد الأمل من جديد، لم أفهم معنى وفر فيزا وتعال من كثرة فرحتي؛ فوفرت فيزا عمرة، وسافرت إليهم لكن بعد وصولي تبين لي أنني ارتكبت خطأ في توفير الفيزا، وطلبوا مني إقامة حتى أستطيع الالتحاق بجمعيتهم. وهناك في جدة تعرفت على شخص أحببته وأحبني في الله وكان الإيمان حينها مرتفعا جدا، وحاول مساعدتي لكن دون جدوى وأهل مكة أدرى بشعابها. عدت وأنا أحمل اليأس والإحباط وقليلا من الأمل في العودة، لكن الآن أنا إنسان دون ضمير ودون أخلاق، وسرت أتبع هواي واتخذته إلها لي بعدما ذهب عقلي واختفى؛ لأني لا أعرف أين هو حتى الضمير اختفى، وصار لا أحد يعاتبني على ما أفعل، ولقد قطعت الصلة مع ربي.
أريد أن أخبركم أيضا أني الآن قانط من رحمة الله، حتى أنني أصبحت أحس به في رقبتي وهو يمنعني من سماع القرآن الكريم.. يتركني مكتوف الأيدي لا أستطيع أن أفعل شيئا.. لقد كرهت كل من حولي حتى نفسي أكرهها. لقد صرت أركض وراء الدنيا والمال في تفكير، حتى أنني سمحت لي الجرأة أنا أراسل جمعيات مسيحية وكنائس من أجل الهروب من الواقع. ومؤخرا راسلت نوادي الشيطان وطلبت منهم الانضمام إليهم، والحمد لله منعني الله؛ لأني لم أكن أعرف اللغات الأجنبية جيدا... هل رأيتم؟ تغير لي مفهوم السعادة الحقيقية، وصرت أبحث عن السعادة الدنيوية، ولكن أي سعادة دنيوية وقد أصبحت إنسانا دون شعور غالبا لا يعرف الخوف ولا يشعر بالفرحة والسرور حتى تمنيت نهايتي، ورأيت أن الموت هو السبيل الوحيد مما أنا فيه من شقاء. هكذا كتب الله علينا الشقاء. مرات أفكر في الانتحار وأقول ليتني لم أوجد في هذه الدنيا. ولكن خوفي من بعد الموت، ويزداد ألمي عندما أعرف أنني لم أحضر له شيئا.
أما المشكل الثاني الذي أراه أم المشاكل وسبب لي ما أنا فيه هو حنان الأم، واعذروني لما سوف أقوله لأنها الحقيقة، فأنا لم أنعم بحنان الوالد رحمة الله عليه؛ لأنه توفي عندما كان عمري سنة ونصف، وتزوجت أمي من أحد أقرباء أبي خوفا من تشردنا وليتها لم تفعل... لن تصدقوني إن قلت لكم إنها لم تمنحنا ولا ذرة حنان، إنها أم جاهلة قاسية حتى الحب الموجود بين الأم وابنها لا يوجد لدينا، وكذلك جهلها فإنها لا تعرف شيئا عن الحياة، ورغم جهلها لم نستطع إقناعها لأنها فعلا لا تفهم معنى الحياة ولماذا خلقت؟ وإذا قلت لها يا أمي الصلاة ليست هكذا، تقول ماذا تعرف أنت، تريد تعليم أمك التي أنجبتك. لقد ندمت كثيرا على نفسي؛ لأن القدر اختار لي أمًّا قاسية جدا لا تعرف معنى الحنان، حتى إنني أصبحت لا أرضى بالقدر، وألعن الذين كانوا سببا في اختيارهم لأم مثل أمي، هنا وجد الشيطان نقطة الضعف لي وأصبح ذلك مدخله إلي أن يفعل بي ما يشاء.
وكذلك المجتمع الذي أنا أعيش فيه ظروفه صعبة جدا وقاسية لا تتوفر فيه أدنى شروط الحياة، سادت فيه عقائد شيطانية، الحياة للأقوى لا مكان للفقير والضعيف، مجتمع أصبح غالبه يرى أن المال غاية وليست وسيلة. وكذلك الوحدة التي سوف تقتلني لأني أحس أني وحيد، ولا أتقبل أن أكون مع الناس، أفضل دائما أن أكون وحيدًا، وكذلك العمل فقد أصبح من المستحيل أن تجد عملا في بلادنا، وليتني كنت أملك حرفة ربما تساعدني على قضاء ما تبقى لي من حياة يقول المثل: "ليس اليتيم يتيم الأبوين وإنما اليتيم يتيم العلم والحرف".
ربما يتصور البعض أن صراخي وآهاتي بسبب المال فقط، فاعتقادي أن الله هو الرزاق والفقر ليس حجة يوم القيامة؛ فسيدنا عيسى عليه السلام كان أفقر الناس على وجه الأرض. وكذلك البعض منكم يتصور أن الحل بيدي لقد سبق أن ذكرت أن الفراغ قتلني وقطعني، كما يقول المثل الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأنا قطعني عدة مرات إلى ذرات، ولم أستطع أن أجمع نفسي... أصبحت لا أستطيع أن أملأ فراغي وليس وقت فراغي لأن وقتي كله فراغ وهذا لعدم وجود الإرادة الكافية لمجاهدة النفسي عن الهوى. كيف أملأ فراغي وأنا ليس لدي شيء اسمه الثقة في النفس. والبعض يتصور أن بي مسا من الجن فأقول لكم إنني استعملت الرقية كثيرا، ولم أجد سوى القنوط وعين الحاسد. وأيضا عندما أجلس أفكر وأتامل نفسي أسمع أصواتا كثيرة صوت الضمير وصوت النفس اللوامة وصوت الشيطان لعنة الله عليه أسمعه.
اعذروني إخوتي لأنني ربما أكثرت عليكم الصراخ والآهات في محاولة لترجمة ما بداخلي، ولقد خانتي الكلمات المناسبة للتعبير عما بداخلي حتى أنني عندما كنت أكتب هذا أحسست بشيء داخلي كنت أريده أن يصل إليكم لكن لا أعرفه... اعذروني إخوتي لأنني أعتبر نفسي ثرثارا لأنني عندما أعدت قراءة الرسالة لم أصدق أنني أحمل كل هذا بداخلي، لقد شعرت بقليل من الراحة، وأني أخرجت شيئا كان محبوسا بداخلي. أعرف أن كل إنسان يحمل بداخله هموما صغيرة أو كبيرة، لكن من المسؤول عنها؟ وأين مكانها في الجسم؟ وأين تسكن هذه الآهات بداخلنا؟ وهل هي قوة مرئية تتحكم فينا من بعد ليتها تصور لي كإنسان حتى أواجهها.
ليتني كنت مجنونا فيرفع عني القلم.. أشعر أنني سوف أندم يوما على ما أقوله وعلى ما فعلته لأنني أرسلت لكم هذا. فهل من أحد يسمع الصراخ الذي بداخلي ويعيد لي الأمل في غرس الهدف الأكبر من الحياة، ويخلصني مما أنا فيه؟
ادعوا لنا يا إخوتي في الله، فإن دعوة الأخ لأخيه في الغيب مستجابة؛ اللهم اهده ويسر أمره، وأصلح باله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
19/06/2024
رد المستشار
صديقي
للأسف الشديد لن تجد من سوف يتعاطف مع آلامك وآهاتك وحيرتك وحزنك ووحدتك وافتقادك للحنان والعمل والحرفة والعلم والمال لأنك أنت من صنعت كل هذا بنفسك والشيطان والقدر (إرادة الله) بريئان مما تحاول لومهما عليه.
كلنا لدينا مشاكلنا وتحدياتنا وليس هناك إنسان على وجه الأرض وعلى مر العصور لم يواجه شيئا يعتبره مأساة في حياته ويرثى لحاله بسببه.
ما الذي يمنعك من قراءة القرآن وحفظه إن أردت ذلك؟؟ أنت لا تحتاج إلى مدرسة لهذا بفضل الإنترنت... ما الذي يمنعك من قراءته والتفكر فيه والتعمق في معانيه؟
من الذي قال لك أن الزهد في الدنيا يعني عدم الرغبة فيها والاستمتاع بها؟ الزهد الحقيقي الصحي أن تستمتع بها وأنت تدري حتمية زوالها وبالتالي لا تتعلق بشيء فيها لدرجة التعاسة والحزن عندما لا تحصل على ما تريد في التو واللحظة وفورا... الزهد الذي تصفه أنت هو شيء غير صحي وغير منطقي وغير آدمي ومبالغ فيه ويروجه من يريدون خنوع الشعوب وإخضاعها عن طريق الجهل والفقر باسم التدين وطلب الآخرة.
ما الذي يمنعك من دراسة أي شيء وتعلم أي حرفة؟
ما الذي يمنعك من أن يكون لك هدفا محددا تسعى حقيقة لتحقيقه بدون أعذار ولوم؟ فقط عمل وتقدم مستمر بخطوات بسيطة صغيرة ومستمرة؟
إن لم تكن أمك حنونة فما الذي يمنع أن تحصل على الحنان من نفسك أولا؟ ألم تر أي نوع من الحنان في الحياة وفي الطبيعة وفي الحيوانات؟ ما الذي يمنعك من ممارسة الحنان مع نفسك على الأقل عن طريق تشجيع نفسك وإعطاء نفسك الفرصة في أي شيء بدلا من كل هذه الآهات وهذا الرثاء لحالك الذي تصنعه بنفسك؟
أنصحك بأن تبدأ في ممارسة هواية صحية مثل الرياضة ولو في منزلك ثم البحث عن أي عمل ولو أن تجمع قمامة ثم التطوع في أي عمل خيري ومفيد... بعد عدة أشهر من هذا سوف تضح رؤيتك من حيث الأهداف.
السؤال يجب أن يكون ماذا تريد لنفسك ولحياتك وما هي أبسط وأسهل الخطوات التي يمكنك القيام بها فورا؟
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب