كم أنت صعبة المنال، كيف هو مقامك رفيع؟ لا تبالي بما يحدث من حولك؟ لن ينالك.. نعم كم كنت أطمئن نفسي.. حجابك، حركاتك المحسوبة، وصوتك الخافت يحول دون وصولهم أو حتى التفاتهم إليك... تحرش؟ اغتصاب؟؟ والعياذ بالله لا لست المعنية بهذا الكلام.. بل هن بنظراتهن وإيماءاتهن وحركاتهن اللاتي تشير بأن كل شيء مباح، أما أنت فـحصينة، منيعة، بعيدة.. ولكن الوهم لم يدم طويلا، سرعان ما تحطمت قلعتي المنيعة رغما عني.
كعادتي اليومية استقللت سيارة أجرة في طريقي إلى المنزل.. حاول السائق جاهدا فتح الباب أو ما تبقى منه فحالته لا تختلف كثيرًا عن حالة سائر وسائل المواصلات المزرية! ولكني تمكنت من الدخول ويا ليتني لم أطأ بقدمي هذه السيارة!
في الطريق أوقفته فتاتان تذهبان تقريبا إلى نفس العنوان، واقترحت أن أنزل في نقطة مشتركة حتى لا أضيع عليه رزقه، ولكنه أبى وصمم عدم اصطحابهن حتى يقوم بتوصيلي إلى المنزل.. قلت لنفسي يا للشهامة والمروءة التي لطالما اشتقنا لها في زماننا هذا.. تعامل رزين، صوت خفيض، مظهر وأسلوب لبق في الحديث "مصحف شريف" في المقدمة، وملصقات التنفير من المحرمات تحيط الركاب، إنه بحق يستحق الإشادة، ونويت إعطاءه أجرة أكثر مما يستحق.
وجاءت اللحظة الحاسمة، لحظة تبدُّل الحال، فسرعان ما تكشف الغطاء وتبدل القناع ليظهر ما وراءه من وحشية متخفية، لقد حانت لحظة سقوط القناع حين هممت بالنزول من السيارة، ومع أول محاولة لي لفتح الباب بادر بالمساعدة نعم فشهامته الملحوظة تقتضي ذلك.. يا لي من ساذجة!! نصحني أن أدفع الباب بكل قوتي حيث كنت أجلس بالمقعد الخلفي بينما هو يقدم لي يد العون الوضيعة من الإمام، ولكنها كانت المساعدة بالقلب والقالب معا.. كانت المساعدة التي لم تخطر على بالي، أخذ يقترب شيئا فشيئا، وفجأة قفز فوق المقعد الأمامي وأخذ يميل شيئا فشيئا، ثم وضع إحدى ساقيه فوقي يا إلهي!! كم أكره أن أتذكر هذه اللحظات التي مرت عليّ كأبد الدهر.
ماذا دهاني لا أتكلم؟ لا أتحرك؟ لا أصرخ؟ ليست هذه عادتي، فقد نشأت على أن أعترض وأبدي رأيي وأحق الحق مهما كانت العواقب، تحولت في لحظة تحت وقع الصدمة إلى إنسانة ذليلة، خائفة.. ترتجف.. لم أتمكن حتى من الصياح. حاولت الوصول إلى الباب الخلفي الآخر ولكن ساقه كانت تحول دون حركتي، كان يؤكد أن جميع الأبواب موصدة، وأن الفريسة وقعت في الشباك، علمت أني هذه المرة داخل قلعة، ولكن ليست قلعتي التي اعتدت عليها، إنها قلعة لأحد مصاصي الدماء، علمت أني تحت رحمة من لا يرحم، وأني لن أخرج إلا بعد حصوله على ما يريد؛ هذا إن لم يحصد حياتي بعدها حصدًا!!
ظللت أسترق البصر، وأدعو أن يراني أحد ليهب إلى نجدتي.. وجدت أحد المارة وهو ينظر بذهول للموقف.. بدأت أشير إليه وأطرق نافذة الباب الآخر حتى يفهم أني أستغيث، ولكن كنت أفعل ذلك خلسة حتى لا يراني هذا الوحش لكي لا يزداد الأمر سوءًا! لم أحاول أن أدفعه بعيدا فلم أدفع رجلا من قبل..! أو ربما لم أمس رجلا أجنبيا قط!!
وبالفعل جاءني مسرعًا ليخلصني من هذا الجحيم وفتح لي الباب... شعرت أنه باب جهنم يفتح لقاطنيها منفذًا للهروب، وأخذت في الجري بعيدًا دون النظر إليه.. ولا لأي شيء! كنت بالكاد أتحرك، وصلت للمنزل والارتعاد لا يفارقني، الدموع تنهمر دون إرادتي، لا أصدق ما حدث، كان أشبه بالكابوس.
وماذا بعد فقدان الأمان؟ هل سأصبح قادرة على توفيره لأبنائي؟ وماذا لو حدث وتكررت هذه المآسي مع أولادي؟ نعم ماذا يحول دون تكرارها فأهلا وسهلا بهم في الغابة الآدمية الفريدة التي لا يوجد بها قيود ولا قوانين... أفيدوني وأفيدوا كل بنات جيلي.. كيف نتصرف في مثل هذه المواقف؟ وكيف نحافظ على أنفسنا؟
23/6/2024
رد المستشار
اعتدنا في الآونة الأخيرة أن نسمع بين الحين والآخر عن تجربة مؤلمة من تجارب التحرش الجنسي.. وكانت كل قصة تذهلنا بصدمة جديدة.
صدمة انتشار الظاهرة في بلادنا العربية الإسلامية، وصدمة تغلغلها في البيوت والمدارس، بل والمساجد أحيانا، وصدمة أن الجناة قد يكونون من المحارم، وليس فقط الغرباء، والصدمة الكبرى أن تحدث بشكل جماعي في أحد أكثر شوارع القاهرة ازدحاما – كما تم في العام الماضي.. والآن.. سيارة أجرة مع فتاة محجبة وملتزمة وأمام منزلها!! وفي وضح النهار!!
هذا بالإضافة للإحصائيات الرسمية التي تؤكد أن إحدى العواصم العربية تشهد حالتي اغتصاب وتحرش كل ساعة!! وأن عاصمة أخرى تشهد حالات تحرش لحوالي نصف طالبات الجامعة من أساتذتهن!!
لعل البعض ينزعج من هذا الكلام ويعتبره نوعًا من نشر الفاحشة؟ ويتصور أن الانتباه للخطر من أجل الاحتراز منه، ثم محاولة معرفة أسبابه ثم علاجه – هو أمر يشيع الفساد ويحث عليه!! ولو كان الأمر كذلك لما وجدنا القرآن الكريم ينبه المسلمين في المدينة –مثلا- إلى ظاهرة "النفاق" التي انتشرت في مجتمعهم ليحذر، ويعالج.. ولم يكن هذا نشرًا لرذيلة "النفاق" وربما يدخل أحدنا المسجد الآن فيجد لافتة مكتوبًا عليها: "ضع متعلقاتك الشخصية أمامك حرصا عليها من السرقة" هذه الجملة لم تصب الناس بالإرهاب من ارتياد المساجد، ولم يقل أحد إن المساجد مليئة باللصوص!! ولكنه فقط "نبه" الجميع للظاهرة ليأخذ كل منا حذره.
هذا بالتحديد ما يحتاجه مجتمعنا بصدد ظاهرة التحرش: الانتباه أولا.. واتباع الوسائل العملية للوقاية.. بالإضافة إلى دراسة الظاهرة وعلاجها .
وهذا شأن كبير لن أستفيض في الحديث عنه الآن، وهو يستلزم لتضافر والتكامل لجهود شعبية وحكومية، نفسية واجتماعية وقانونية وقائية وعلاجية بحثية وتنفيذية..
أما ما يهمني الحديث عنه الآن فهو: أنت يا أختي الكريمة.. أنت وكل فتاة عربية مسلمة مثلك.. أتصور أن كل فتاة تحتاج إلى "التدريب" على وسائل التصدي لمحاولات التحرش الجنسي بكل أشكالها ودرجاتها، ولا أقصد هنا الفنون القتالية وما شابه ذلك، فأنت هنا – مثلا – لم يكن مطلوبا منك إلا "أن تصرخي"، الصراخ فقط كان يحل.. ولكنك لم تستطيعي فعله؛ لأنك غير مستعدة وغير متدربة "نفسيا".
لذلك فأنا أقصد الفنون "النفسية والذهنية" التي تجعلك متوقعة للتحرش -دون فزع أو هلع- وقادرة على تمييز أن هذا الذي يقع لك هو إحدى صوره -بداية من المعاكسات اللفظية في الشارع أو الرسائل الجنسية على الهاتف، أو حتى النكات الإباحية من زملاء العمل- ثم مستعدة بعد ذلك لاتخاذ الموقف المناسب، سواء كان هذا الموقف هو مجرد "التفادي والتجاهل" أو المواجهة الخفيفة بالكلمة والنظرة، أو الاستعانة بالآخرين تصريحا أو تلميحا أو صراخا أو حتى لجوءًا لقسم الشرطة ومؤسسات لمجتمع المدني.. وانتهاء بالمواجهة العنيفة التي قد تصل لممارسة الفنون القتالية أو الضرب.. حيث ثبت أن امرأة واحدة قادرة – في ظروف الدفاع عن النفس – أن تقاوم أربعة من الرجال!!
ولكن هذا كله يحتاج "تدريبا" -كما ذكرت-، ويحتاج قبل هذا إلى درجة عالية من "توكيد الذات" أو "الثقة بالنفس"، تلك القوة النفسية التي تمنحك مهارة المواجهة والحفاظ على حقوقك وحرماتك التي كفلها لك الشرع والقانون حين منحك كل منهما الحق في الحركة والنشاط بأمان في المجتمع.
وقبل هذا كله لا ننسى الاستعانة بالله تعالى، والاستعاذة به سبحانه من شرور البشر، فهو – جل وعلا- قادر على حفظك كما حفظ أمنا "سارة" زوج إبراهيم عليه السلام من ملك مصر الذي حاول الاعتداء عليها، فنجاها الله.
أختي الكريمة...
لعل هذه فرصة أدعوك من خلالها، وأدعو كل فتاة عربية مسلمة لأولى دوراتنا التدريبية الإلكترونية عن التحرش الجنسي "كيف تصبحين ميتادورا الزعران؟ ..".
و"الميتادورا" هي التي تصارع الثور الهائج، و"الزعران" هو لفظ شامي يعبر عن الشباب الأهوج الطائش.
معنا بإذن الله تستطيعين أن تصارعي الثور الهائج الأزعر!! ويمكن مقاومة التحرش الجنسي، واكتساب المهارات النفسية والذهنية التي تمكنك من اختيار رد الفعل المناسب تجاه أي محالة للتحرش بك بأي صورة وفي أي مكان... فأهلا بك معنا.