أولا: جزاكم الله خيرا على هذه الصفحة الرائعة، وإن شاء الله تكون في ميزان حسناتكم.. أروي لكم قصتي بصراحة مطلقة، وأرجو عدم عرض مشكلتي علانية وشكرا لجهودكم .
أنا فتاة جامعية على أعتاب العشرين، ومن أسرة ملتزمة والحمد لله، ولكنني أشعر بغربة كبيرة وسطهم رغم جهودهم لإزالة الحواجز بيني وبينهم؛ ولذلك فأنا أستخدم الإنترنت في الاتصال والتواصل مع صديقات أروي لهن همومي ومشاكلي حتى تعرفت على شاب فلسطيني على أحد المواقع لمناصرة فلسطين، وهو يكبرني بعدة سنوات، ومنتمٍ لإحدى الحركات الوطنية الفلسطينية، ولكنه يدرس في إحدى الكليات هناك، ومن خلال تعارفنا وجدته رائعا، وحكيت له عن كل شيء يخصني، وأفضيت له بأهم رغبة كانت وما زالت تشغلني، وهي أن أسافر إلى فلسطين كاستشهادية، وهو الأمر الذي رفضه تماما، وحاول إقناعي بالعدول عن قراري.
وبعد فترة من اتصالات صارحني بأنه يريد أن يتقدم للزواج مني، ولكنه لا يدري هل يتمكن من الحضور إلى بلدي أم لا؟ خاصة أنه ممنوع من الخروج منذ سنوات بسبب انتمائه! وبقي له عدة سنوات على التخرج، وأعطيته رقم هاتف والدي، وكلمه فعلا، وثار أبي عندما علم بما بيننا من اتصال، وبخاصة أنني كنت أكلمه كل يوم تقريبا، وكنت بعد نقاش طويل وافقت أن أرسل له صورتي، وأرسل لي صورته أيضا، وعندما علم والدي بذلك اعتبرني –سامحه الله- مثل أية فتاة ساقطة؛ لأنني أعرف شابا، وأرسلت له صورتي، وطلب مني والدي قطع كل الاتصالات بيننا حتى يحضر هذا الشاب بنفسه ويطلبني للخطبة وهو أمر قد يتأخر بسبب ظروفه، وهذه أسوأ أيام حياتي؛ لأنني واثقة في الشاب تماما، وأنه يريدني بجدية، ولولا ظروفه ما تأخر، وهو قد أصبح كل شيء في حياتي، ولا أجد سواه على وجه الأرض كلها لكي يشاركني فرحي أو أحزاني، وقد تشاركنا في أمور طيبة كثيرة مثل: حفظ القرآن، وصيام التطوع، وقيام الليل، ودعوت الله كثيرا أن أتزوجه، رغم كل ما يبدو من عوائق عادية، وبدأت في تعلم الأكلات الفلسطينية، وأفكر فيه ليلا ونهارا، وما زالت اتصالاتنا مستمرة، وتفاهمنا على كل شيء حتى أسماء أولادنا، وفي حالة عدم زواجنا -لا قدر الله- سأسير في نفس الطريق وسأحاول دخول فلسطين، رغم معارضته الشديدة، أحيانا أشعر أنني واثقة من حصول هذا أحيانا، أشعر أن كل أحلامي هذه ستنهار، وأرفض كل من يتقدم لي؛ لأنني أعتبر نفسي مخطوبة.
الأسوأ كما قلت لكم هذا القرار الذي أمرني به والدي بقطع الاتصالات مع هذا الشاب، ولم أستطع أبدا أن أفعل هذا لأنه يشبه حكم الإعدام علينا نحن الاثنين أنا وهذا الشاب.
وتدهورت علاقتي بوالدي، فلا أحب الكلام أو الجلوس معه، بل أجلس وحدي في غربتي أحيانا في الظلام الدامس لأعيش في خيالاتي، ولا أريد أن أعصي ربي أو أبي، ولكنني والله لم أستطع غير تقليل الاتصال ليكون مرة واحدة في الأسبوع، ولذلك أشعر بفراغ كبير، وبدأت أعراض ضغط الدم المرتفع تظهر عليَّ وأتناول لها العقاقير، ومع ذلك أشعر بصداع يكاد يفجر رأسي، وأشكو إلى ربي وأتوسل إليه، وأخرج بلا سبب حتى أبتعد عن البيت، أحبه بشدة، وأهلي لا يقدرون مشاعري فهل تراعون أنتم مشاعري؟ وهل يجوز لي شرعا أن أقول إنني أحبه؟
ماذا أفعل؟
أرجوكم ساعدوني.
24/6/2024
رد المستشار
ابنتي الباكية..
امسحي دموعك واستمعي لي حتى نتفاهم في هدوء لأن هذا مقام تأمل وتدبر واتخاذ قرارات كبرى، فلا تستسلمي للحزن فهو يكاد يفتك بك!! سامحيني إذا خالفت رغبتك ونشرت رسالتك بعد إعادة صياغتها، وما فعلت ذلك إلا حرصا على اطلاع الجميع عليها فتتسع دائرة المشورة، ونعرف كيف يعيش بعضنا ويتألم بسبب التباسات يمكن حلها!!!
ولا أدري هل أنت من زوار صفحتنا منذ فترة طويلة؟ أم أنك جديدة معنا؟! وعلى كل حال أقول لك إن رفض والدك أو أمره لك بقطع اتصالاتك بهذا الشاب، وما أحدثه ذلك من صراع بداخلك قد أوجد نوعا من التعمية أو التشويش على المشهد الرئيسي الجدير بالتأمل والنقاش، وهكذا يفعل رفض الأهل غالبا فيكون حائلا بين الشاب أو الفتاة وبين رؤية الحقائق الجديرة بالنظر فهل نستطيع سويا العودة للمشهد الأصلي؟! تعالي نحاول.
1- أنت فتاة ملتزمة.. تحبين الله ورسوله.. وحين وقع ما نرى لأهلنا في فلسطين كان رد فعلك هو التفكير بالسفر لتكوني استشهادية هناك، وهو رد فعل متوقع، وحدث لكثيرين وكثيرات، ولنا فيه كلام سابق أرجو أن تكوني قد اطلعت عليه، ومنه علي سبيل المثال:
حتى لا تضيع فلسطين مرتين!
بدائيون لم نزل: دعم الصمود الفلسطيني!
نحبها وتكرهنا : فلسطين.. آمال وآلام
لفحات يوليو.. صمت الحملان أم صيف الشجعان
من ضحايا الانتفاضة: فلسطيني في الشتات!
دماغي محتاجة تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني!
ودعيني أقل لك إنني أعرف الحب، وأعرف ما يفعله بالقلوب والعقول، ولكنني أيضا أعرف الحياة إلى حد ما، وأريد أن نتفاهم لنعرف سويا إلى أين نتجه؟!
تداخلت عندك –دون قصد- مشاعر حبك لفلسطين وعجزنا عن نجدة أهلها بما يليق ويلزم برغبتك في الشهادة التي هي من أمنيات كل مسلم مخلص يردد في وجه الخائفين من الموت الحريصين على الحياة أن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، ثم يظهر هذا الشاب فيكون الخيط الجامع لهذه المشاعر، والتجسيد الحي لهذه الأماني والرغبات الحائرة، وبخاصة إذا كان فعلا على خلق وخالص الود والمحبة لك، وإن كان أغلب الناس يكونون كذلك طالما كانت العلاقة عن بعد، وما زلت أذكر الملاحظة التي كتبتْها فتاة غريبة على صفحة للتعريف بنفسها في أحد المواقع حين تقول في بند الملاحظات أو الأقوال المأثورة والخبرات المكتسبة تقول: يا ألله هناك قلة من الشباب الرائعين حقا، ولكن للأسف هم بعيدون جدا عن المكان الذي أعيش فيه؟!!
ولا أبالغ إذا قلت إنهم رائعون – ربما- لأنهم بعيدون، والناس على الإنترنت يكونون ألطف وأجمل وأروع من واقعهم بدرجات متفاوتة، وهذه قاعدة عامة، لا أخص بها فتاك، ولا أقصدك أنت أيضا بها وحدك، والمقصود هنا أن أذكرك بما كررناه من أن هناك فارقا - قد يكون كبيرا - بين عالم الإنترنت وفضائه الإلكتروني، والواقع الفعلي؛ فلا تكوني أنت واحدة من ضحايا عدم الوعي بهذا الفارق، ولا تعتقدي - مثل كثيرين- أنك تعرفين حقيقة هذا الشاب لمجرد أنك تتحدثين معه يوميا، ورأيت صورته أو حتى سمعت صوته، فالإنسان ليس مجرد صوت أو صورة أو كلام وإن كانت هذه كلها علاقات على حقيقته، ولكنها ليست كل الحقيقة، فهل تنتبيهن إلى أن هذه الالتباسات : خلطك بين فلسطين التي نحبها، ونعجز عن نجدتها وحبك للشهادة في سبيل الله ثم معرفتك بهذا الشاب ؟!! وهل تنتبيهن للفجوة بين الفضاء الإلكتروني، وما يحدث فيه وبين الواقع العملي وحقيقة الأشياء والأشخاص؟!!!
2- ماذا يعنى هذا؟!!!
يعني عدم القفز على المراحل بخفة أو غفلة أو في غمرة مشاعر الحب التي أعرف كم هي رائعة، وآلامه التي أدري أنها لذيذة، ولكنك تتحدثين عن خطوات جادة لزواج وأسرة ومستقبل، والزواج يا ابنتي يعني أو يحتاج إلى حب وإلى أشياء أخرى .
حبك لفلسطين وشعورك بالعجز – مثلنا- تجاه ما يحدث فيها يحتاج إلى برنامج للتعبير عنه ومغادرة حالة الركود التي استسلمنا لها رغم استمرار القتل والتدمير هناك، ورغبتك في الشهادة ليست بالضرورة أن تتحول إلى رغبة في الاستشهاد على الصورة التي أصبحت معروفة هناك، وليس ذلك لأن السفر ثم الحصول على مستلزمات "العملية" يمكن أن يكون مستحيلا، ولكن لأن العمليات الاستشهادية كوسيلة للجهاد تخضع الآن لتقييم، وإعادة نظر من الفصائل الفلسطينية كلها، والموازنة بين مكاسبها وخسائرها على مستوى الرأي العام العالمي، وتأثيرها حتى على إزالة الفوارق والاختلافات، وتوحيد الرأي العام داخل إسرائيل حول السياسات الأكثر تطرفا، كل هذه الأشياء تخضع للنظر، وينبغي أن نشترك نحن جميعا في عملية مراجعة واسعة وحساب للذات يكشف أسباب السكون واللامبالاة عند البعض، أو الاكتفاء بتمني السفر للقيام بعملية استشهادية عند آخرين، ولم أقرأ في رسالتك خطة لمناصرة فلسطين في حالة فشلك المتوقع في الدخول إلى هناك؟!!.
وقلنا قبل ذلك: إن مرتبة ومهمة "الشهداء" الأحياء على الناس كما أمر الله سبحانه، وحدد مهمة المؤمنين في أكثر من موضع بحكم التنزيل، هذه المهمة تفتقد لمن يقوم بها، وأقول هنا: إن ما تقوم به إسرائيل وأمريكا من ضغوط ، وما تمارسه أنظمتنا من قمع وحصار من شأنه أن يدفع المسلمين إلى طريق من ثلاثة :
الأول: تكريس وزيادة السلبية والانقطاع عن الشأن العام برمته ، في هذا الاتجاه فإن برامج اللهو ومخدرات الإعلام والترفيه المنحط جاهزة لاستيعاب الهاربين من جحيم الانشغال بالشأن العام ، وليبق كل في مكانه غافلا ، وللإسلام ربه يحميه!!!.
الثاني: اتجاه إسلامي رافض وقتالي لا يرى في العالم إلا الشر والخطر، ويعتبر القتل والقتال والتفجير والتدمير -في هذا العالم المعادي لنا أو الغافل عما يحدث فينا- هو فريضة الوقت وواجب المرحلة، وهذا الاتجاه يعتمد ما قررته الإدارة الأمريكية من قواعد اللعبة من أمثال : تقسيمه (من ليس معنا فهو ضدنا)، وتصنيف (محور الشر)، وتصفية الإرهاب... إلخ، مع فارق بسيط وهو أن ما تتهم به الإدارة الأمريكية العرب والمسلمين يصبح مردودا عليها، ويصبح كل العالم الصامت على ما يحدث لنا مستهدفا للقتال والتفجير بوصفها اللغة الوحدية التي يفهمها المستكبرون، ولكل فعل رد فعل مضاد، ولكنه مجرد رد فعل.
الثالث: اتجاه اعتزالي يشبه الصوفية الانعزالية أو "الدروشة" كما يسميها المصريون، وفيها عزلة واستقالة من الفعل العام ، ونوع من القدرية أو الجبرية ، فما يقع في كون الله هو شأن خاص به سبحانه وإن شاء أصلحه، وإن لم يشأ فتلك إرادته، وليس على المرء إلا نفسه يزكيها، وأهله يأمرهم بالصلاة والحجاب، وكفى الله المؤمنين القتال.
وسيقل بالتدريج الاتجاه الرابع الذي لا يرى صلاحا للنفس والمجتمع إلا بإسلام إنساني تواصلي مع العالم، وفاعل في الواقع يفهم الجهاد حقا بصوره المختلفة ويمارسه صدقا تعميرا لا تدميرا، ويدرك الفروق بين العدو والصديق والمحايد، ويسعى لكسب هؤلاء وأولئك وردع العدو بما يناسب المقام والظروف، وتلك هي السياسة الشرعية التي تضع الأمور في نصابها بوعي وتخطيط ، بلا رعونة أو اندفاع. وأنا من أنصار هذا القليل الذي يتعرض اليوم للاندثار ولا تعجبني الكثرة حين تندفع في أي اتجاه ، وأنت يا ابنتي مندفعة بحماس وعاطفة مشبوبة، وهما بعض ما تفتقده أمتنا، ولكن النصر يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، فهل كلامي هذا يجرح شعورك؟!!
3- لعل هذا الشاب هو حبك الأول، وأرى فيك بدايات حكمة أريد أن أخاطبها، فأنت تقولين إنك تعرفين أن زواجكما يمكن ألا يتم لسبب أو لآخر، فهل من الصواب أن تضعي في هذه السلة كل بيضك وتدفقي في هذه الرابطة "عن بُعد" كلَّ عواطفك، هكذا بسرعة تصعيد، وكل طاقة الحب والإيمان والتعاطف مع فلسطين والرغبة في لقاء الله سبحانه استشهادية على أرض الأقصي؟! هل علاقتك بهذا الشاب تتحمل كل هذا؟!.
يا ابنتي إن الاتصال اليومي، وأحلامك الجميلة، وما ترسمينه من صورة في ذهنك لهذا الشاب، ولحياتك المستقبلية وصراعك أو موقفك من مقاومة والدك، وكل ما ذكرته في رسالتك لا يكفي لتصفي أن ما بينك وبينه هو الحب الكافي لخوض معركة من أجل إقامة أسرة، وحين تعتقدين أنه أعظم إنسان، وأن ما بينكما أقوى حب، وأنك تريدينه بكل ذرة في كيانك، ولو كان الأمر بيدك لخرجت إلى الساحل تصرخين عبر الأثير: أحبك!!! حين تفكرين بهذا وتحلمين به فهو شيء رائع يغبطك عليه من يعرفه، ومن هو محروم منه، ولكن ذلك كله - على جماله - ليس اللازم أو الكافي لنقول لك: مبارك، ونحن معك. أو نقولك لك: انتظريه مهما طال الزمان، ولا تتزوجي من غيره. إن ما بينكما هو علاقة اتصال تتدفق عبرها مجموعة من الانطباعات والمعلومات والمشاعر والقصص والحكايات أوجدت بينكما نوعا من التعود والألفة تشعرين أنت معها بالاحتياج والحنين إلى الاتصال به وافتقاده إذا غبت عنه، وواضح أن هناك مسافة بينك وبين أهلك حتى من قبل أن تعرفيه، واضح أن المحيط حولك لا يغري بالبقاء بل يحبذ التفكير في الرحيل كما هو واقع أغلبية شبابنا، ولكن حتى الرحيل يحتاج إلى تدبير محكم.
وكما أن للهروب أو الارتحال أصولا وفنونا فإن لتنمية العلاقة بالشريك أو الطرف الآخر فنونا يبدو أنك لا تدرين بها، أو هي ضائعة وسط أصوات المدافع والمشاعر والمعارك التي تعيشينها، فاستمعي.. أذكرك وأقول لك كما يقول المصريون: "متدلقيش كده" ، والحكمة المصرية تصف وتدين الاندفاع في التعبير عن المشاعر كلها دفعة واحدة وفي غير وقتها وما سببها ، والتعبير المصري الدلق هو بمعنى السكب المفاجئ والكامل، وكأن نبتة الحب تحتاج إلى تدريج وزراعة، والزراعة تحتاج إلى وقت وخطوات، أما أنت فتريدين بذر البذور وحصد النتائج والثمار في ضربة واحدة! فهل هذا هو الصواب شرعا أو عقلا؟!!
نفترض جدلا أنك ستبوحين له بصراحة مطلقة بأنك تحبينه - وكأنه لا يعرف ولا يدرك هذا بوضوح - فهل تسمحين أن أسألك: ثم ماذا بعد؟ ماذا بعد هذه المصارحة التي قد تريحك، ولكن ماذا بعدها؟! ماذا بعد أن تقولي له: أحبك؟! وماذا بعد مشاعرك أو دلقها يوميا وبقوة هل سيتبقى في الإناء شيء للغد أو بعد الغد وأنت أمامك للارتباط به عدة سنوات على الأقل؟ لا قَدْر ما بينك وبينه، ولا إيقاع أو جدول الظروف يسمح بكل هذا الصراحة أو التدفق أو الاندلاق!!
4- موقف والدك متوقع بالطبع وربما لا يكون الأنسب أو الأكثر حكمة وهو معذور فقد اخترت تركيبه صعبة ولا يسهل القبول بها ، فلماذا تطلبين من أهلك أن يقدروا مشاعرك بينما أنت تتجاهلين مشاعرهم؟!! وبالمناسبة أرجو ألا تكوني في مشهد الصراحة المطلقة قد أخبرتهم برغبتك في السفر لتصبحي استشهادية لأن معنى هذا عندهم سيكون فادحا ليس لأنه يعني فقدهم لك فحسب، ولكن لأنه أيضا يتضمن أنك تفضلين الموت على البقاء معهم!!
هل وضعت نفسك مكانهم قبل أن تكرهي والدك أو تلومي والدتك، وأنا هنا لا أبرئ تصرفاتهم بالقفز إلى اتهامك بالسقوط… إلخ، ولكنني أعاملهم بنفس المقاييس والمعيار فهم أهل عاديون أطلقوا عليك رد الفعل الشائع لردعك، ووقف ما يرونه خطأ في تصرفك ظانين أن في هذا بعض العلاج، وأنت أيضا تخطئين الأخطاء الشائعة في الفهم والتصرف، وما بينكما من تشابه وتقارب أكبر بكثير مما تظنين، ولا أجد مبررا للفجوة التي بينك وبينهما إلا سوء التفاهم التاريخي المزمن بين أجيالنا، وسوء القدرة على التعبير، ناهيك عن التفكير السليم، وإدارة العلاقة داخل الأسرة، وأصارحك أن هذه مسؤولية مشتركة تخطئين أنت فيها، وهم كذلك، وهذه مسألة تحتاج منك لاهتمام وعمل، بدلا من ارتفاع الضغط، وسهر الليالي، والبكاء المتواصل دعيني - بعد هذه الخلفية اللازمة - أقول لك باختصار جوابا على سؤالك ماذا أفعل؟!!!!!
* تفهمي موقف والدك على النحو الذي شرحته لك، وكُفي عن كراهيتك له لأنها تسمم مشاعرك، وليس لها مبرر حقيقي غير التباس الفهم والتعامل المتبادل بينكما، وإذا قال والدك شيئا لا تقولي له : لا، وأوقفي إطلاق النار تماما على هذه الجبهة، ولا تناقشيه، ولا تعارضيه لأن المنطق لن يسعفك حاليا على الأقل.
* ضعي علاقتك بهذا الشاب في حجمها وحدود ما تسمح به ظروفكما الحالية ، فلا داعي لكل هذا "الاندلاق" ويكفي الاتصال من آن لآخر دون تصعيد أو تسخين أو دموع أو أفلام، فقط معرفة الأحوال العامة، والاطمئنان على الجديد، وبين قطع العلاقة وتصعيدها درجات كثيرة، وأنواع عدة.
* انتبهي لدراستك وصحتك، فلا يحب الشاب الناجح أن يرتبط بفاشلة أو مريضة، ولو كان ذلك بسبب حبها له، وأنت ستتحملين وحدك نتيجة عدم تماسكك فتماسكي وتفهمي مشاعرك ودوافعك وأبعاد ظروفك جيدا قبل أن تطلبي من الآخرين أن يتفهموها.
- كوني على صلة بنا، واستعيدي صلتك بصديقاتك حتى تتدفق عبر أسلاك العلاقات بيننا وبينك، وبينك وبينهن بعض الحكايات والهموم والمشاعر بدلا من تحميل هذا التيار من الضغط العالي على سلك رفيع هو العلاقة الإلكترونية التي بينك وبين فتاك لأن هذا التحميل الزائد على هذا السلك الرفيع يمكن أن يحرقه في أية لحظة.
* راجعي علاقتك بربك ... له الأمر من قبل ومن بعد ، وإليه المشتكى، هو وحده العالم والقادر، والشكوى لغيره مذلة كما تقول الحكمة المأثورة، ولكن المشاركة الإنسانية مطلوبة فلا تقتصري فيها على إنسان واحد فيمل أو يشعر بأنه محتاج إلى من يسمعه ويساعده، هل تعتقدين أنه يمكن أن يشكو إليك ، أو يطلب مشورتك، وكل إنسان يحتاج إلى عون وهو يراك بكل هذا الضعف؟!!!!.
*عليك بتوسيع خبراتك وتجاربك عن طريق الاندراج في الأنشطة التي تساعدك على هذا داخل وخارج الكلية، وأغلب الفتيات الملتزمات –وغير الملتزمات أيضا- لديهن من المشاعر الحارة والأمنيات الحاملة أكثر بكثير مما لديهن من المهارات والكفاءات والخلفيات العلمية والتدريبية لتحويل هذه المشاعر إلى برامج أو تحقيق هذه الأمينات في عالم الواقع.
في مؤتمر دولي حضرته مؤخرا بالإسكندرية، وأشرت إليه في إجابة سابقة بعنوان: منتظرة ومتهمة بالزنا.. حواء العربية المضطربة
أشرت إلى مشهد الفتيات من أرجاء العالم كله، وقد جئن يطرحن ما لديهن من خبرات وتجارب في التعليم والتشغيل والتدريب والتنمية، وكان من العادي هناك أن تشاهدي فتاة تجيد عرض أفكارها على المنصة أمام آلاف الحاضرين دون اهتزاز أو خجل، والعديد منهن تجيد أكثر من لغة إضافة إلى أداة استخدام تقنيات الاتصال الحديثة جئن من أفريقيا وآسيا وأوربا وأمريكا ووسط هذه المشاهد بدت أغلب الفتيات العربيات باهتات تائهات يتعثرن في الخطو والنطق، ليس لديهن سؤال أو تعقيب، وكان كل ما يقال لا يعنيهن أو لا يمثل لديهن شيئا!!!!
ووسط هذه المعمعة من نقاشات ساخنة وأنشطة متنوعة تعرفت إحدى زميلاتنا في فريق المستشارين -وكانت مشاركة في المؤتمر- على فتاة عربية ملتزمة تدرس بإحدى كليات القمة، ووسط هذا العالم الزاخر الذي لم يكن فيه للإسلام صوت يُذكر، أو إسهام يلفت النظر، انتهزت تلك الفتاة الفرصة لتسأل زميلتنا عما يؤرق مضجعها، ويشغل تفكيرها أتعلمون عن ماذا كان السؤال؟!!! عن حكم ارتداء النقاب!!!!
هل هذه أمة تستحق النصر؟!!!
وتابعينا بأخبارك
ويتبع>>>: الحب بالتنقيط: فلسطين... السياسة، وفش الخلق مشاركة م