أبدأ بأن عمري 32 سنة متزوج من 10 سنوات، ولديّ طفلة عمرها 9 سنوات وطفل عمره 6 سنوات.. أحب زوجتي جدًا، فلقد تعرفنا قبل التخرج من الجامعة، وأوجز مزاياها العديدة في أنها مريحة في تعاملاتنا على مختلف أنواعها، وتتجنب استفزازي بأي طريقة لعلمها بسهولة غضبى.. علاقتنا الجنسية ممتازة نفسيًّا وفيزيائيًّا، وإن كنت أعاني بتمنعها في بعض الأحيان بحجة شعورها بالتعب والإرهاق من متطلبات المنزل وما شابه.
والمشكلة وجود جهاز كمبيوتر في منزلي يسمح بالدخول على الإنترنت وما به من بلايا المواقع الإباحية، ورغم قضائي للعمرة حوالي 5 مرات وقمت بالحج العام الماضي- وهى نعمة كبيرة في مصر لارتفاع تكلفة الرحلة- وأغلب صلاتي مع الجماعة، فإنني أصبت بحالة من الإدمان لمشاهدة هذه المواقع رغم محاولاتي العديدة لدرجة توقفي عن فتح جهاز الكمبيوتر، ولكن نظرًا لحاجتي للبريد الإلكتروني وما للشبكة من منافع عديدة أعود مرة أخرى، خاصة في حالة امتناع زوجتي عني شهريًّا أو للتعب كما ذكرت.
إني أكاد أجزم بأني أحاول أن أتقي الله في كل شيء وأنجح غالبًا إلا في هذا الموضوع. ورغم إحساسي بالملل من هذه المواقع حتى أن تأثيرها عليّ أصبح ضعيفًا، فإني أجد لذة في تعقبها واكتشاف الجديد بها.
سيدي، أشعر بالاشمئزاز من نفسي؛ فكيف أصلي العشاء في جماعة وبعدها بساعة أكون أمام هذه المواقع وكأني عندي انفصام في الشخصية؟!
أعينوني على نفسي أعانكم الله.
22/6/2024
رد المستشار
الأخ الكريم:
منذ فترة ليست بالقصيرة أود أن أجمع مجموعة من الأسئلة المشابهة لسؤالك- وهي متكررة- لأجيب عليها كاشفًا عن زاوية لم نتطرق إليها من قبل، رغم ما يبدو لي من أهميتها في فهم وعلاج ظاهرة "إدمان الإنترنت"، أو على الأقل تلك العلاقة القوية القائمة بين العديد منا، وهذه الشبكة العملاقة التي تتسع كل يوم لتشمل الجديد والمثير.
كتبت في إجابات سابقة، وفي مقالات ضمن ملفات مختلفة على موقعنا هذا ... كتبت عن آثار شبكة الإنترنت، وعن طبيعة العلاقة بين المستخدم وبين المواد عليها، خاصة تلك التي تختص بالعري والجنس، وحبذا لو تعود إليها، وكل هذه المواد موجودة على صفحات الموقع وكذا الاستشارات السابقة.
واليوم أقول: إن متابعة هذه المواقع يبدو لي بديلاً للإثارة والترفيه عند الكثيرين، أكثر مما يبدو ممارسة شهوانية، أو جنسية مختلة؛ فحياة أغلبنا تخلو من الإثارة والتشويق، وتمتلئ بالرتابة بين روتين العمل أو الدراسة، وحتى العبادات تحولت لدينا إلى عادات بلا روح، وفراغ الروح من الجديد النافع واللذيذ الممتع، هذا الفراغ هو المساحة التي يمتد فيها غزو الباطل من الترفيه بالإنترنت والأطباق اللاقطة للبث الفضائي وغير ذلك.
وسيندهش الكثيرون عندما أقول: إن الترويح عن النفس واجب ديني وحق طبيعي ومشروع للإنسان، وإن من أهم معالم الثقافات والحضارات هو كيف يقضي الناس أوقاتهم وكيف يقومون بالترويح والترفيه عن أنفسهم وذويهم. والترويح بل واللهو قد يكون محمودًا وقد يكون مذمومًا، وأتوقف عند كلمة اللهو المحمود التي أرجو أن يبحث عنها كل قارئ أو قارئة لهذه السطور في كتب الفقهاء القدماء والمحدثين؛ لأني لم أجدها وغاية ما وجدت تعبير اللهو المباح، رغم أن وصف أصناف من اللهو المحمود جاءت في حديث معروف للمصطفى –صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: "لهو الرجل محمود في ثلاث: تأديبه لفرسه، ومداعبته أهله، ولعبه بقوسه ونبله". بعض اللهو إذن مطلوب ومحمود وليس مجرد فعل مباح، وقد أتى النبي بالأحباش الذين يلعبون بتصويب الحراب على أهداف ثابتة، ويُظهرون في ذلك مهارة كبيرة إلى مسجده ليشاهد المسلمون هذا الترفيه، ووقفت أم المؤمنين "عائشة" وراء النبي تشاهدهم، وهو يقول لها: "حسبك اكتفيت"، وهي تقول ليس بعد"
وفي الترويح من حيث المبدأ نصوص كثيرة تؤكد أنه حق وواجب يعين على الطاعة ويجدد القلوب والنفوس، راقب حال المسلمين المعاصر، وانظر أين هم من هذا التوجيه. بعضهم يذم كل أصناف الترويح والترفيه ويعتبره رجسًا أو لغوًا فيهجره جملة وتفصيلاً، أو يقول إنه مع الترفيه الجاد، ولا يقول لنا ما هو هذا "الجاد"، ولا يعطينا أمثلة، والبعض يعطي أمثلة عملية محدودة لا إبداع فيها ولا اجتهاد.
انظر إلى أنواع الفنون والمهارات والمواهب والاهتمامات لتجد الهابط والركيك والسمج السخيف، ناهيك عن المنحل والمنحرف. ولقد تعجبت حين تساءلت يومًا يا رب هل عاشت هذه الأمة طوال قرون دون فنون أو آداب أو اهتمامات تشغل أهلها بالحق والمعالي والإمتاع الطيب؟!! وتابعت جذور هذا النقص فوجدت إهمالاً شديداً وجهلاً فادحًا وتخلفًا وفراغًا من معالم كانت موجودة فأصبحت مهجورة؛ مما ترك الساحة للمستورد صورة وصوتًا وفكرًا وتنفيذًا أو المحلي الممل الذي لا متعة فيه، ولا إفادة غالباً، ولو أن إحدى الحكومات العربية عرضت على حكيم أن يختار بين إدارة قطاع التثقيف والترفيه أو قطاع التربية والتعليم لاختار الترفيه؛ لأنه من أخطر وأهم وسائل التربية، كما أنه أوسع انتشارًا وأبلغ أثرًا.
ورغم هذا، فإن ساحة التثقيف والترفيه تبدو خالية من أصحاب العقول المبدعة، والنفوس السليمة ومن بقي منهم على استحياء يبدو متحرجًا وكأنه يخوض غمار مستنقع "مضطرًا" لاعتبارات العيش، رغم أن صناعة الترفيه واللهو المحمود هي فريضة غائبة، وهي من فروض الكفاية وبغيابها نأثم جميعًا ويقع الضرر على الأمة بأسرها كما هو حادث حاليًا، والأجيال التي توشك أن تتسلم زمام الأمور في أوطاننا والأجيال التي تليها هي نتاج برامج تثقيف وترفيه أكثر منها حصاد مناهج تعليم.
وحتى ينتبه الملتزمون لهذه المساحات التي سبقهم غيرهم إليها أرى لزامًا على كل مسلم أن يبحث بنفسه عن أساليب اللهو المحمود والترفيه الممتع النافع؛ لأن هذا كما أسلفت هام في تكوين الشخصية السوية وأساسي في إصلاح وتقوية النفس المؤمنة والقلوب المتعلقة بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والمسألة تحتاج إلى بعض الجهد في البحث والتنقيب، وهناك الكثير من الجيوب والمساحات التي تبدو معزولة عن التيار العام وللترفيه السفيه والتثقيف السخيف، وإنعاش هذه الجهود وتطويرها يبدو هدفاً آخر يجدر السعي إليه.
والخلاصة يا أخي الفاضل أن نفسك وأسرتك يحتاجان إلى حياة متكاملة، فيها من الاهتمامات بالشئون الاجتماعية ودروب الفنون والآداب والهوايات الممتعة والمفيدة ما يحتاجه كل إنسان سوي، وأنا واثق من أنك حين تجد الطريق إلى هذه المناشط ستغلق الإنترنت دون ذلك النوع من الترفيه الذي يُخِل بمروءة أي إنسان، فما بالك بمسلم ملتزم يجد متعة في رؤية العورات والسوءات "أعزك الله"؟!
ويمكنك مراجعة إجابة سابقة لنا بعنوان: المواقع الساخنة..الاستمناء ودائمًا للإدمان ففيها برنامج عملي للتخلص من هذه العادات السيئة. ويا أخي، داعب أهلك وخفف عنها بعض أسباب التعب والإرهاق الذي يمنعها عنك أحيانًا، فإنك إن تفعل هذا معها تكن لك خير جليس وأنيس وسمير.
ووالله إن ساعة صفاء بين زوجين متحابين يتناجيان في كنف الله عز وجل وفي جو المودة والرحمة تحفهما ملائكة الرحمة، وتغشاهما السكينة من شأنها تجديد الروح، وتبديد السأم أفضل من التحديق في صورة عورات الساقطات؛ حيث قد تبدو الشيطانية التي في الصورة أجمل شكلاً، ولكن الزوجة خير وأبقى.
واقرأ أيضًا:
أنا والإنترنت.. ضَرَّتان تحت سقف واحد