أشكو إليكم وأنا على وشك الانهيار فأصبحت لا أقدر أن أقاوم.. فكل يوم أشعر بغصة في حلقي ودموعي لا تجف من عيني.. إن حالتي هذه بدأت من حيث انتهى حلمي ومات داخلي وحكم عليه بالإعدام، ومعه انحنى ظهري وفقدت قوتي..
ذلك الحلم الذي حلمت به أنا وذاك الشاب الذي تعرفت عليه من أحد مواقع الزواج.. ووجدت فيه ما أبحث عنه في شريك حياتي، وكذلك هو قد وجد من يبحث عنها؛ لتكون معينة له على طاعة الله وتكون له زوجة وعونًا وسندًا.. وتحقق بيننا كل توافق فكري وعاطفي لأبعد حد، وزاد تعلقنا بعد ما رأينا بعض وتحدثنا في وجود أخته.. وحلمت معه لأن أكوِّن أسرة مسلمة مثالية مبنية على طاعة الله.. تعاهدنا ألا نغضب الله بقول أو حتى تلميح حتى ينتهي من باقي شهور دراسته في كلية الطب ليفاتح والده ليخطبني.. واقتصرت تواصلي معه على قليل من الرسائل التشجيعية والأدعية لتكون دافعًا له للنجاح.. وقد تخرج بتفوق والحمد لله.. وفور تخرجه فاتح والده في الموضوع ليجد ما يحطم حلمه!!
رفض نهائي لأسباب شكلية وظاهرية معروفة في مجتمعاتنا.. حيث المستوى الاجتماعي وأنٍا من محافظة أخرى، وكيف يسأل علينا وغيرها.. وكان رفضه ينمّ عن خفايا في نفسه بأنه يريد أن يزوجه زواجة على مزاجه يحلف بها الجميع ويتفاخر بها وهذا ما قاله له.. على الرغم من إقراره له بأني فعلاً قد أكون فتاة مهذبة وملتزمة وعلى درجة علمية جيدة، ولكن ليس هذا المهم ولكن المهم أنه زوّج ابنه لبنت فلان أو بنت كذا.. مع أني سيدتي ليست بنت البواب أو من طبقة تحت الأرض، لكن والده حتى يحلم بما هو أعلى منه!!
حاول معه بكل الطرق وأصبح يسوق عليه هذا وذاك لكن دون جدوى... وقف حائرًا بين حبه وحلمه وعجزه عن تحقيقه فوالده هو الذي يملك المال وهو في بداية حياته ووالده يهدده بأن يطرده ويعلن عليه سخطه ووو..
انهار وانهرت معه وحاولنا أن نستجمع قوى إيماننا لنقر بأن القدر لم يشأ لنا، وعلينا أن نرضى وقررت أن أقطع علاقتي به.. وهو أيضًا لا يرضى أن يعلقني بجانبه إلى أن تتحسن الظروف على حد تعبيره، وأقر لي أني ما زلت وسأظل حلمه، لكن ربما يتقدم لي من هو أقدر على إسعادي.. رضيت سيدتي بالأمر الواقع وقلت أصبر فإن الله سوف يجمع بيننا أو يكون لي نصيب في أحد غيره ينسيني إياه ويعوضني.. لكن أشعر الآن بعد مرور عدة أشهر على فراقنا بأن صبري قد نفد أصبحت أضعف يومًا بعد يوم فأنا لم أنسه وأصبحت أتذوق كل يوم مرارة احتياجي له.. أقاوم حبي واحتياجي له بدموعي.. أقاوم شهوتي ورغبتي في الزواج بدموعي التي أصبحت تلازمني ليلاً ونهارًا.. أصبحت متشائمة جدًّا وأفقد الأمل في الزواج كيف والفرص قليلة.. ولم أعد أقدر أن أجدد حلمي بالأسرة المثالية مرة أخرى
أخاف على نفسي من العنوسة.. أخاف على نفسي من السخط.. فأنا أنظر حولي أجد الفتيات الغافلات اللاتي عشن حياتهن مع هذا وذاك واللاتي لا يعرفن عن الزواج سوى الفستان والفرح والهيصة يتزوجن... وأنا ومن مثلي ممن لديهن هدف ورسالة من الزواج يقفن في طابور العوانس.. أستغفر الله فإن هذا من ضعف نفسي.. أرجو مساعدتي فنفسيتي كل يوم تتحطم.. وأصبحت أفقد قوتي لمقاومة احتياجي له فإني لم أجد غيره... كل يوم أحتاج له ألف مرة وأفكر أن أرسل إليه أنا أحتاج له ليساعدني لكي أخرج مما أنا فيه فإني أعلم أنه ما زال يحبني، لكنه يقاوم هو الآخر حرصًا عليّ فمشواره طويل.. وأيضًا لم أتعود منه إلا الأدب فدومًا يخشى أن يجرح التزامي حتى بسؤاله عني.
فشلت أن أخرج نفسي من الحالة التي وصلت لها رغم نشاطاتي الاجتماعية في الأعمال الخيرة وثقافتي بعلم النفس وعلوم التنمية الحديثة.. فحاجتي إلى الزواج والحنان الذي أفتقده تقف لتكون أكبر من ذلك.. أشعر أني أريد أن أتزوج وأبني بيتًا جميلاً وأعفّ نفسي بالحلال.. وأعطي نفسي إيحاء بأني على استعداد لأن أتقبل غيره وأتزوجه، ولكن أين غيره هذا؟.
أعلم أن كلماتي تحمل بين طياتها نبرة تشاؤم، لكن غصب عني فهذا ما أشعر به ووحدها مشكلة ألوم نفسي عليها.. لأني لم أستطع تطبيق الأثر القائل "تفاءلوا بالخير تجدوه"، لكني أدعو الله أن يذهب عني غمامة التشاؤم ويرزقني روح التفاؤل..
انتهت مشكلتي وأرجو مساعدتكم.
ولكم كل الشكر والتقدير
26/6/2024
رد المستشار
لقد أبهرني صدقك مع نفسك؟ وفهمك الدقيق لها، وقدرتك على تحديد مشكلتك بشكل واضح، وهذا يشجعني لأتحدث معك بنفس الوضوح ولكن بشكل أكثر منطقية. سأتناول أفكارك الواحدة تلو الأخرى لنعيد قراءاتها معا بهدوء، ولكن دعينا نتفق اتفاقًا، عندما أقول لك: "هذه الفكرة تحتاج مراجعة، لا أقصد بهذا أني لا أصدقك، أو أني أستهين بمشاعرك، ولكني فقط أدعوك لإعادة التفكير فيها حتى ترى الأمور بشكل مختلف".
• الفكرة الأولى: أن حبك لهذا الشاب واحتياجك له يسيطر عليك سيطرة كاملة جعلتك على وشك الانهيار وعدم القدرة على المقاومة هذه الفكرة تحتاج مراجعة.. وهنا أسألك سؤالاً: هل يوجد (حب) في الدنيا يمكن أن يصل بالإنسان لدرجة العجز والانهيار؟ أقول لك: لا.. لو كان هذا صحيحًا لانهار المسلمون الأوائل عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قد يكون المثال بعيدًا، ولكني فقط أردت أن أقول إن أي حب مهما كانت قوته، وأي فراق مهما كانت قسوته لا يمكن أن يقضي على الإنسان وإنما الذي يقضي على الإنسان هو: استسلامه لضعفه!! طالما ظل الإنسان يقاوم، مؤمنًا بقوته، وعون الله سبحانه وتعالى له فإنه يتجاوز ألمه ومحنته، بل يخرج من كل تجربة -وما أكثر التجارب التي ستمرين بها- أكثر صلابة، وأقوى عزمًا، وأقدر على إدارة ذاته، وأعلى شفافية وصلة بالله عز وجل.
• الفكرة الثانية: أن شهوتك ورغبتك في الزواج تسيطر عليك ليلاً ونهارًا، مما أصابك بالحزن ومرارة الدموع وهذه فكرة أيضًا تحتاج لمراجعة، فالله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان القدرة على استبدال فكرة بفكرة.. وهذا من نعم الله علينا وكذلك استبدال سلوك بسلوك وهذا يسمى "التخلية والتحلية" ... الله تعالى جعل الإنسان قادرًا على أن يستغرق في فكرة جديدة بالتدريج بدلاً من الأولى وهذا قد يستغرق وقتًا، ولكنه يحدث على أية حال -إذا أردت هذا- فبدلاً من أن يصيبك الحزن والهم 24 ساعة في اليوم؛ بسبب انشغالك بفكرة الاحتياج للزواج، يمكن أن تصبح 20 ساعة فقط، ثم 15 ساعة، ثم 10 ساعات، ثم ساعتين، ثم بضع دقائق قبل نومك، وأخيرًا.. على فترات عندما تتعرضين لما يذكرك بالتجربة.
ولكن السؤال هو: ما هي تلك الفكرة الجديدة التي تحل محل الأولى؟ ربما حلم أو هدف يتبعه عمل وخطة، ولكن المهم أن تبحثي عن فكرة تملأ عليك حياتك" قبلك وعقلك وجوارحك.
• الفكرة الثالثة: الخوف من العنوسة هذه الفكرة أيضًا تحتاج للمراجعة. فالزواج يا ابنتي رزق من الله "واعلم أنه لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بما كتب الله لك". وكما ورد في الحديث القدسي "أن الإنسان إذا جرى جري الوحوش في البرية لن ينال إلا ما كتب الله له". وهذا المعنى -بالمناسبة- يمنحنا الاطمئنان، ولا يصيبنا بالقلق؛ لأنه إن كان كل شيء عنده بقدر وأنه سيرزقنا بما يشاء وقتما يشاء -فهو سبحانه- أعلم بنا من أنفسنا، يعلم متى يبسط ومتى يقبض فهو يقدر ولا نقدر، ويعلم ولا نعلم.. هو الحكيم العليم مالك الملك.
• الفكرة الرابعة: البنات الملتزمات لا يتزوجن، والبنات اللاتي لا تعرفن شيئًا عن الزواج يتزوجن.. هذه فكرة أيضًا تحتاج لمراجعة.
هل عملت إحصائية أثبتت هذا؟!! في الحقيقة أنت تحتاجين ثلاث إحصائيات:
الأولى عن نسبة الزواج، والثانية عن نسبة السعادة، والثالثة عن نسبة الطلاق.. وتقارني الملتزمات بغير الملتزمات حتى تستنتجي الحقيقة.. وأقول لك.. إن النتيجة ستكون حتمًا لصالح الملتزمات.. لسبب بسيط جدًّا: وهو أن (الدين) من صنع الله.. وطالما أننا مؤمنون بالله فنحن نؤمن بالدين الذي أنزله لنا وفرضه علينا، ونؤمن أن فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة مهما كان الظاهر موحيًا بعكس هذا، وإذا افترضنا -جدلاً- أن الشر والبغاء سيطر على الأرض لدرجة أنه لا تتزوج إلا الساقطة المنحرفة فلنحيا بغير الزواج ونكون نحن الفائزين في هذه الصفقة، ولكن -أكرر- هذا ليس هو الواقع الآن، وإنما الواقع هو أن الشاب الملتزم الذي تنتظرينه هو أيضًا ينتظرك الآن، وكما أنك لا تقبلين بالزواج من أي شاب تافه، فهو أيضًا لا يقبل بالزواج إلا بمن هي مثلك.
والآن جاء وقت الختام.. وأريد أن أختم بنصيحة خاصة وتساؤل عام... أما النصيحة الخاصة فأوجهها لك، وأقول ملخصة كل ما ذكرت: أنت تستطيعين تجاوز التجربة، وعدم السماح لفكرة الحب والزواج والرغبات أن تسيطر عليك، وأن تؤمني أن الرزق بيد الله تعالى، وأن الفتاة المحترمة ما زالت مطلوبة، ولكن عليك أن تستمري في تقويتك لعلاقتك بالله سبحانه بالقلب والعمل، وتتحركي بالمزيد من الحيوية في أنشطتك الثقافية الخيرية، وتحصني نفسك بالصحبة الطيبة، وتستغرقي في أحلامك وخططك، وتستعيذي بالله من الشيطان، وتستمدي العون من الخالق، وأما التساؤل العام -الذي لا أستطيع أن أمنع نفسي من طرحه- وأنا لن أجيب عليه في الحقيقة، فهو:
إلى متى سيظل الآباء الأغبياء يتحكمون في مصائر أبنائهم؟ هل هذا بسبب (قوة الآباء -بالمال والسلطة-)؟ أم بسبب (ضعف الأبناء) وعدم قدرتهم على اختيار مصائرهم، وعجزهم عن التوازن بين بر الوالدين وحرية الاختبار؟.
ابنتي صاحبة المشكلة.. هذا السؤال الأخير ليس لك؟ فلا تتوقفي عنده فهو فصل من قصتك قد انتهى، وعليك أن تنشغلي بالفصول التالية أنا طرحت السؤال ليفكر فيه أصدقاؤنا قراء الصفحة... لعلنا نصل لإجابة تجعل حياتنا أقل غباء.
واقرئي أيضًا:
أحبه وأهله يرفضون!
أحبها وتحبني.. وأهلها يرفضون!
القصة المكررة: تحبه وأهلها يرفضون!