أنا امرأة في الثلاثين من العمر، قد تكون شكواي مثيرة للعجب؛ حيث أصبح من المعتاد أن يُسمع مثل هذا الكلام من فتاة مراهقة، ولكني لست مراهقة، بل زوجة وأم لأطفال، أعاني من طباع أمي؛ فقد سببت لي كما كبيرا من المعاناة والتعاسة منذ طفولتي، ثم وكأنما لا يكفيها الماضي؛ فلا تزال تستمر إلى الآن.
لقد سافرت بعد زواجي مباشرة، وأقمت لمدة خمس سنوات في دولة أوروبية؛ لا يعلم إلا الله تعالى كم عانيت خلالها؛ فقد رأيت الكثير والكثير من الغربة، فما أقسى الوحدة، وما أشدها حين المرض أو حين المصائب والملمات! ومع ذلك فبعد عودتنا سعدت في البداية بدفء الوطن والأهل، واعتقدت أن الماضي قد مضى؛ لكنني الآن لو اخترت لاخترت الغربة؛ فهي خير من البقاء في جحيم المشاكل، ومن الحياة وسط أناس ينغصون عليك، أو آخرين يعملون على سلب أحق وأبسط حقوقك.
ليست المشكلة في أمي فقط، لكني أكتب الآن بشأن أمي.. إنها كمدمن المشاكل؛ لا تستطيع الحياة بدونها، كما أنها لا تحسن الحوار؛ بل تنطلق تجرح وتهين وتستفز حتى تُخرج من أمامها عن وعيه. وكذلك تحب التدخل؛ فأنا لي بيت، ولي شؤون حياتي، وأحب أن أستقل بشخصيتي، وهي تحب أن تقرر لي حتى نظام البيت، وترى من حقها أن أطيعها، وتعتبر خلاف ذلك عقوقا لها.
ولقد سئمت هذا التدخل الخانق، كما لم أعد أطيق طريقتها في الحديث، ولا كثرة المشاكل التي تثيرها بدون سبب.. هل يتخيل أحد أني أقيم في القاهرة، وأهلي يقيمون في الإسكندرية، وزياراتي لهم كانت قليلة ومتباعدة، وهي تكون سعيدة بي في البداية، وتتمنى حضوري، ولكن لا تتمالك نفسها عن الإساءة إلي، حتى إنني في إحدى المرات انصرفت من المنزل وأنا غاضبة! ولم تفكر حتى بعدها في الاعتذار، بل اتصلت بي لمزيد من المشاكل، وحاولت أنا أتناسى الأمر، وحاولت الاتصال بها للسؤال عنها؛ فكانت ترد علي بطريقة سيئة.
ومع ذلك تحملت وصبرت، واستمرت علاقتنا طيبة.. لقد صبرت عليها كثيرا كثيرا.. لا يتصور أحد ما كانت تفعله بي، ولا كيف صبرت عليها.. والآن أتساءل: كيف تحملت كل هذا؟ الآن لا أطيقها فعلا.. وحتى وأنا في مدينة وهي في مدينة؛ فإن المشاكل والنكد مستمران بالتليفون.. لا أدري كيف صبرت عليها من قبل.
في النهاية حلت القطيعة بيننا من جانبها لسبب لا يصدقه أحد، لا لسبب أصلا، كنت أحدثها في رغبتي في أن أدعو أختي وخطيبها مع أسرته وأسرتنا على الغداء؛ فتطور الحديث، وحولته بقدرة قادر إلى مشكلة؛ فقد قلت لها كلاما واضحا، ولكنها فهمته بمعنى آخر تماما، رغم أن كلامي كان واضحا، ولا يجيز لها سوء الفهم، ووالله حتى لو كان ما أخطأت فهمه مقصودا فعلا؛ فهو لا يستحق ما فعلته، إن كان يستحق أصلا.
كلام فارغ كله، لكنها طلبت مني أن أقاطعها؛ فوافقتها بهدوء، وطلبت منها إنهاء المكالمة، فعادت تتصل كل دقيقة لتتشاجر وتستفزني، وفي كل مرة أنهي المكالمة، وتعاود الاتصال حتى أخرجتني عن وعيي، فألقيت السماعة، وتركتها تحدث نفسها، وكنت في حالة غضب شديد، ورحت أبكي بصوت عال.. أمضيت عدة أيام في حالة نفسية سيئة، وأنا أدعو الله تعالى أن ينتقم منها، رغم أني لم أكن أدعو على أحد بتلك الصورة أبدا، وقررت ألا أعود إليها أبدا بعد الآن؛ فإلى هنا وكفى، وبعد عدة أيام هدأت نفسيتي، وعندما أفكر فيما حدث لا أرى هناك سببا يغضبها؛ إلا أنها استسهلت الأمر.. إني أراقب علاقتها بإخوتي؛ فأخي مثلا يثور عليها ويبهدلها؛ لأنها تجننه، ولكن مع ذلك فهي لا تفعل أبدا معه مثلما تفعل معي، بل ولا تستقوي عليه بالصورة التي كانت تفعلها به قبل أن يشتد عوده، ويتمرد عليها.
علمت أنها تستضعفني، وذلك الموقف الأخير أكد لي أنها استسهلت أن تسيء إلي، وتقاطعني أيضا، وهي تعلم أني لن أطيل عليها، وسأعود لمصالحتها. ولكن الآن فاض بي الكيل، وأنا أعلم أن موقفي هذا أثار دهشة الكثيرين ممن كانوا معنا في الصورة، لكني في كل الأحوال لا أبالي بأحد من هؤلاء؛ فليس منهم من منع الظلم عني من قبل.
والآن صرت لا أطيق.. لا أريد التعامل معها بأي شكل من الأشكال.. أعلم بما سوف تنصحونني به.. حق الأم، وأنه لا مفر من تحملها.. وردي على كل ذلك أن الله تعالى عادل؛ لا يضيع عنده كل صبري السابق عليها، ولا يضيع عنده كل ما رأيته من ظلم منذ طفولتي، والله تعالى رحيم وأرحم منكم جميعا.
إني بسببها أهمل بيتي وأطفالي؛ فأيهما خير؟ أتحمل إساءاتها، وفي المقابل تسوء نفسيتي، وأهمل بيتي وأطفالي، أم أبتعد عنها فتهدأ أعصابي، وأهتم بأطفالي؟ لا يتخيل أحد أنني أهدأ بالبعد عنها، وأكون عصبية ومتوترة حال التعامل معها، نصحني البعض بأن نتصالح على أن تكون العلاقة بيننا مختصرة، ولكن لا يتخيل أحد أني حاولت وفشلت؛ فطالما هناك كلام معها؛ فهو يأتي وراءه بالتدخل، والشجار، والتجريح، والإهانة.. ثم إنه حتى لنتصالح؛ لا يمكن لأن طبعها كما هو، وهي تريد أن أعود أنا إليها صاغرة، وأتودد إليها، وأتحمل صامتة ثورتها وإهاناتها، ثم نتصالح، و"تعود ريمة لعادتها القديمة"، ولا سبيل آخر للصلح من جانبها.
أنا مستحيل أن أسمح لها بذلك مرة أخرى، ولا أقبل إلا أن تعترف هي بخطئها، وتتحدث معي بطريقة لائقة، وتعد بتغيير أسلوبها، ويتغير أسلوبها فعلا؛ حتى أستطيع التعامل معها في علاقة طبيعية، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تكون علاقة قوية، لكل ما رأيته منها وهي تهينني. هل هناك من يفهمني وينصحني بنصيحة خير على ألا يكلفني ما فوق طاقتي؟
لدي سؤال هو أني بسبب تلك المشاكل أتأذى وأصير عصبية، أو أقضي وقتي في حزن وانطواء، وأعجز عن ممارسة واجباتي تجاه بيتي وأطفالي، ولا أدري هل أستعين بطبيب نفسي للخروج من تلك الحالة أم أن تلك الأمور أبسط من الاحتياج لطبيب نفسي؟ علما بأنني أطلب القوة النفسية من أجل أبنائي، وحتى أتمكن من الاهتمام بهم؛ لأني فعلا أكون مهملة تماما حينما تتعب نفسيتي. وجزاكم الله خيرا.
26/6/2024
رد المستشار
يا الله يا ابنتي
نعم هناك من يفهمك ويشعر بك بل وربما مر بما مررت به لن أرد على أسئلتك، ولن أنصحك فلقد رأيت مثلك نساء، وكنت شاهدة على الموقف، ولم أجد عندي ما أقوله وقتها غير: "معلش هي برضه ماما" فقد كان الموقف أعجب وأغرب وأكثر استفزازا، من الأم طبعا، وأسوأ من أي محاولة ترقيع أو تجميل أو تحسين.
ولكني سأفعل مثلما كان يفعل الأقدمون سأروي لك قصة، وأستحلفك بالله أن تصدقيها، فأنا لا أؤلفها يا ابنتي من باب الحديث، هي حقيقة واقعة، ولقد شاهدتها أيضا.
أم كأمك عصبية المزاج جدا، لديها ابنة واحدة وسط مجموعة من البنين كانت أكبر أبنائها، وأظنك كذلك هذه الأم كانت في صراع دائم مع الزوج "الأب" نتج عنه عصبية واضحة في شخصيتها، ونكد وحزن دائم في طبيعتها فهي في النهاية إنسان حاولت أن تتحمل الرجل من أجل البيت والأبناء وصبرت على أذاه وسوئه، فلما مات تحول ذلك بداخلها إلى ديكتاتورية شديدة، ورفض لأي نقاش أو حوار أو اعتراض، بل وغضب وثورة إذا روجعت.
وقد مرت سنوات الطفولة والمراهقة للجميع تحت سيف ثورتها وغضبها المسلط على الرقاب فلما كبر الجميع أفلت الرجال من تلك القبضة، وظلت الابنة وحدها تعاني، وحدث لها قريب مما حدث لك فقد بدأت تثور على تلك السلطة وهذا القهر وكانت البداية حين أرادت أن تتزوج بمن اختارته، والذي بالطبع لم يعجب أمها لضيق ذات يده ومشواره الطويل، فضربت برأيها عرض الحائط، وتمسكت به وتزوجت بهدوء، بلا حفلة ولا زفة توفيرا للنفقات، وغيظا لتلك الأم التي ما أرادت إلا الاحتفال ليشاهد الناس ابنتها وهي عروس، وتستمتع مزهوة بوجودها على رأس الزفة، ومواقف كثيرة من هذا القبيل ترفض الابنة تنفيذها لسبب ما منطقي في رأسها، أو حتى بدون سبب لأنها تريد أن تتحرر من سطوة هذه الأم الجبارة.
والأم لا تكل ولا تمل، ولا تكف عن الغضب والتذمر والشكوى من سوء حظها في الجميع، ومن سعادتها المفقودة إلى الأبد، ومن الحزن المحكوم عليها به لن أطيل في سرد المواقف، فواضح يا ابنتي أن لديك أشكالا وألوانا من هذه النوعية.
الخلاصة أن تلك الابنة استطاعت أن تخرج أمها من حياتها تماما وكانت إذا اتصلت لتسأل عنها تتحدث بكلمات مقتضبة كنوع من الواجب، ولا تترك فرصة لأي كلام يجر كلاما، وتنهي المكالمة في أقل من دقيقة وقد أدت واجبا ثقيلا جدا، وساعدها في ذلك وجودها في دولة أخرى، حيث إنه لا زيارات إلا في المناسبات، والتي كانت ترتب ظهورها فيها مصحوبة بأقارب آخرين من أبناء الخالة والعمة حتى لا تضطر أن تجلس -كما نقول- رأسا لرأس مع أمها.
أين العبرة؟ أين النهاية؟ أين النصيحة؟
اسمعي ما تبقى وبهدوء ولا تنفعلي علي، فأنا لا مصلحة لي في أي شيء هذا موقف شاهدته أنقله إليك قبل أن تقفي فيه عاجزة أمامه.
كبر الأحفاد أبناء الابنة الذين تفانت في حبهم ومنعت عنهم أفكار الجدة المسممة ولقد أكرمها الله بنجاحهم وحسن خلقهم وأدبهم الشديد وحبهم لها وهو ما جعلها تتأكد من أنها أحسنت في كل ما فعلت والجدة العجوز بعد أن أصبح عمرها وحالتها الصحية لا تسمح بكثير من المشاكل ما زالت لديها اعتراضات، ولكنها تعبر عنها بضعف، ولا تكف عن نعي حظها العاثر مع الجميع.
وجاء يوم تنتظره كل أم خطبة الابنة والعريس الذي يأتي إلى البيت والمنزل الذي يستعد لاستقبال المدعوين والملابس والحلوى والفرحة ولكن هيهات يا ابنتي.
لم تحصل صديقتي تلك من كل قصة الزواج إلا على القهر والحزن ليس لأنها أرادت أن ترهق الفتى بالطلبات، فهي أول من يقدر الكفاح المشترك لأنها عاشته، وليس لضيق ذات اليد فقد وسع الله عليها وعلى زوجها ليس لأي سبب يخطر على البال ولكنه حدث. حدث لأن زوجها تشاجر في لحظة مع أبي العريس لسبب رأى كل واحد فيهما أنه على حق واشتعلت النار وبدأت تحاول جاهدة أن تطفئها وتصلح بينهما وبعد أن استطاعت أن تجعل الأمور تهدأ وصولاً للحل الرائع الذي أمكن الوصول إليه: "الولاد مالهمش ذنب يتجوزوا على بركة الله".
لم يكن الفرح كأي فرح بل مقتصر وبارد والزفة ليست كأي زفة، بل لم يكن هناك زفة الابنة سعيدة والأم مكسورة الخاطر.
الأسباب مختلفة والوضع واحد أراك لم تفهمي.
قرر زوج ابنتها أن يهاجر حاملا أسرته معه، وحاولت أن تثنيه عن الهجرة والاكتفاء بالسفر لفترة، ولكن ابنتها قالت لها بكل حب وحنان: "أنت عشت حياتك يا ماما سيبينا نقرر حياتنا مش أنت علمتيني كده؟". الأسباب مختلفة والوضع واحد قلب فارغ بفراغ البيت من الابنة المحبة التي تتصل مرة أسبوعيا بكل أدب لتقول بضع كلمات: "يا رب تكونوا بخير، إحنا كويسين أوي".
القشة التي قصمت ظهرها كانت في ابنها البكر الذي أصر على زواج غير متكافئ إطلاقا -أسريا واجتماعيا- من زميلة له، وبعد محاولات مستميتة لإقناعه بالمشاكل التي من الممكن أن تنتج عن مثل هذا الارتباط رغم قوة شخصية العروس وتفوقها الدراسي اضطرت للموافقة، ولكن لم تقبلها العروس أبدا، ولم تنسَ وقفتها أمام إتمام الزواج، فعاملتها بكل برود وجفاء، وحرمتها الفرحة للمرة الثانية.
الأسباب مختلفة والوضع واحد هل تعرفين ماذا فعلت تلك المرأة بعد أن شاب الشعر وانكفأ العود؟ صارت تذهب يوميا لأمها تحاول أن تسعدها. تفعل أي شيء غريب وعجيب تطلبه تلك الأم المسنة لمجرد أن تراها تضحك، وتبكي طالبة رضاها وتتحمل كل كلامها الجارح ونقدها السخيف لتصرفاتها وهي الكبيرة الناضجة وتستمع إلى كل الأوامر وإعادة ترتيب الأولويات التي تطلقها الجدة وتطلب من الله أن يسامحها ويعفو عنها.
إن عقوق الأمهات يبدأ العقاب عليه في الدنيا، ولو لم تكن طاعتهم صعبة لما كانت بابا للجنة، فمنذ متى كانت الأعمال الصالحة سهلة ومقربة إلى القلب؟ تقولين: إنها صعبة ومتسلطة، وهناك أمهات أفضل منها، أكيد أنا أصدقك في هذا، ولكن هذا هو بلاؤك وابتلاؤك فإما أن تنجحي في امتحانك أو.!!
لن أزيد فالقرار لك.
واقرئي أيضًا:
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب
ابنتنا ترسم معالم استراتيجية التعامل مع الوالدين
التعليق: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إستعيني بكتاب "حصن المسلم" للشيخ سعيد بن وهف القحطاني، وهذا الكتاب متوفر مجانا في الانترنت، و داومي عليها في الصباح والمستء وقبل النوم، وعلى قول سبحان الله 100 مرة، الحمدلله 100 مرة، ولا إله إلا الله 100مرة، والله أكبر 100مرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله 100 مرة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 100 مرة، أستغفر الله وأتوب إليه 100 مرة، سبحان الله وبحمده 100مرة، واظبي عليها شهر، سوف تجدي بأنه لا يمكن أن تهدأ نفسيتك إلا مع التحصن بالأوراد الشرعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها طيلة فترة حياته كانت سبباً في جعله قوياً لتحمل الغزوات ومشاكل و مصائب والضغوط النفسية واحتواء نساءه الإثنى عشرة زوجة، وتحمل إدارة البلاد وتنظيمه وإرشاد الصحابة المكون من أكثر من 60 ألف نسمة في أول دعوته، فهذا يحتاج إلى شخصية قوية وحازمة ومع ذلك تتسم باللين والعطف والرحمة والحكمة، ولا يمكن ذلك إلا بالأوراد الشرعية وقراءة القرآن كل يوم جزء، إقرأي تجارب النساء مع سورة البقرة كيف تغيرت حياتهم، والتجارب في الإستغفار والحوقلة وغيرها كثير كلها مسطرة في الإنترنت.