السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كنت قد أرسلت إليكم تعقيبًا على استشارة عنوانها "علاقات الشات.. خداع بالكلمات"، ولكنني لم أجدها في موقعكم الكريم بعدما أرسلتها على بريد المشاركات وهاهي ذي الآن أرجو منكم أن تنشروها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. إلى السادة القائمين على "استشارات مجانين" أرجو أن تدرجوا تعقيبي هذا في صفحتكم. وهو تعقيب على الاستشارة التي عنوانها: "علاقات الشات.. خداع بالكلمات" .. وأبدأ كلامي حول دور الكتابة في تحديد شخصية المتكلم بعدما أحسست أن ذلك الشاب تعرض للظلم سواء من طرف المستشيرة أو المستشارة.
نعم.. إن الكتابة وحدها تعطي صورة ناقصة عن المتكلم.. ولكن أليس الكلام نفسه طريقة لمعرفة الإنسان واكتشاف بواطنه ومعرفة حقيقة نفسيته؟؟ أليس هناك ما يسمى في قاموس الطب النفسي بالجلسات النفسية والتي في الجزء التشخيصي منها إنما هي جلسات استماع؟؟ وهل يستمع لغير المتكلم؟؟ ألم يؤثر عن علي رضي الله عنه قوله: "المرء مخبوء تحت لسانه.. تكلموا تعرفوا"؟؟.
إذن فالكتابة مفتاح مهم يمكننا من معرفة أسرار الشخصية.. وأنا هنا لا أنكر إمكانية الكذب.. بل ما أكثر الكاذبين.. ولكن حبل الكذب قصير كما يقال.. والسلوك الواقعي هو وحده من يمكننا من معرفة حقيقة الإنسان المتكلم إن كان صادقًا أو كاذبًا. ويحضرني الآن الحديث البليغ للنبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"، بمعنى أننا لا يمكننا أن نصدر حكمًا بالزنى على شخص ما إلا إذا وصل به الأمر إلى ارتكاب الفاحشة المعلومة.
وهدفي من إيراد هذا الحديث هو أن أشير إلى أن الشاب الذي تحدثت عنه الأخت المستشيرة، قالت بأنه لم يتجاوز حدوده تجاهها في مرحلة التعارف، بمعنى أنه حتى المقدمات التي تسبق المعصية الكبرى لم تحدث.. وبالتالي فإن الحكم المنطقي عليه هو أنه لا يمكن إلا أن يكون صادقًا. فما الذي كان يمنعه من أن يطلب منها أن تريه وجهها عبر الكاميرا أو أن يطلب منها رؤيتها عيانًا ما دام يريد الزواج منها، بل ما الذي كان يمنعه من أن يفعل معها ما نسمعه كثيرًا مما يقع بين الشباب المستهترين والفتيات اللاتي أعمت الأحلام الوردية بصيرتهن.
وكلنا يعلم أننا لا يحق لنا أن نحكم على شخص ما إلا بعد مروره بموقف يسهل عليه فيه أن يعصى الله عز وجل، ولكنه يأبى إلا أن يراقب الله في أفعاله.. وهل كان لنا أن نحكم على يوسف عليه السلام بالعفة لولا أنه مرّ بموقفه العصيب مع امرأة العزيز؟؟. أنا أعرف أنني أبدو الآن وكأنني أدافع عن هذا الشاب.. ولكن الذي دفعني إلى هذا هو ما أراه وأقرأ عنه من حالات التلاعب بين الفتيان والفتيات تحت شعار الزواج.. وعندما أقارن بين هذه الحالة والحالات التي أعلمها أجد أن هذا الشخص يستحق أن تبحث عنه الفتاة لا أن يبحث هو عنها.
ومن جهة أخرى فإنني أرى خطورة وصف هذا الشاب بعدما علمنا عليه من حسن التصرف بأنه كاذب ومخادع.. فإذا كان ما فعله هذا الشاب يعتبر كذبًا وخداعًا فما الذي بقي للكذب والخداع الحقيقيين؟؟ إذا سمَّينا من يغضّ بصره مخادعًا فماذا نسمّي من يطلب من الفتاة أن تظهر له جزءًا من جسدها، سواء كان عورة مخففة أم عورة مغلظة من أجل أن يعرفها على حقيقتها كما يدَّعي؟؟ إن للحق شواهد كما أن للباطل شواهد!!.
لا يحق لي أن أقوم بدور لا أتقنه ولا خبرة لي فيه.. وليس من عالج مئات الاستشارات بل الآلاف منها كمن يطلع بين الفينة والأخرى على استشارة هنا وأخرى هناك.. ولكن لو أتيحت لي الفرصة لنصح هذه الفتاة لقلت لها إن ما ذكرت عن هذا الشاب يجعله في صنف الشباب النادرين الذين يستحقون أن يضحي المرء من أجل الظفر بهم.. وسأنصحها بأن تسأله عن الأمور التي لم تعجبه فيها كي تعدلها إن كانت طبعًا قابلة للتعديل.
وأنا أقول هذا الكلام لشدة ألمي وحزني على ما نسمعه دائمًا من ارتفاع متزايد لحالات الطلاق والتي من بين أسبابها الرئيسية سوء خلق أحد الزوجين أو كلاهما... أنا هنا لا أشهد بالصلاح التام والمطلق لهذا الشاب.. ولا يحق لي ذلك.. وأنا أعرف أن طول العشرة هو ما يفضح حقيقة النفس ويبين صدق معدنها من زيفه.. ولكن نحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر. وأنا لا أدعو هذه الفتاة للزواج مباشرة بهذا الشاب.. بل أدعوها إلى زيادة التعرف عليه عبر الخطبة الشرعية والتعارف الحقيقي عبر السؤال عنه بين أصدقائه.
إن من أكبر البلايا التي ابتليت بها الأمة المسلمة في عصور متقدمة وما زالت آثارها إلى يومنا هذا.. بلية الإفراط والشطط في استخدام قاعدة سد الذريعة.. ولا يخفى عليكم حجم الضرر والحرج والمشقة التي حصلت للمسلمين من جراء الاستعمال الخاطئ لهذه القاعدة الجليلة.. لن أسهب في الحديث عن هذا الأمر، ولكنني سأذكر ما له علاقة بتعقيبي المتواضع هذا.
إن من قرأ رد الأستاذة الكريمة في هذه الاستشارة سيحس لا محالة بأن الزواج عبر الشات مفسدة وأي مفسدة.. ولا يمكن بحال من الأحوال أن نجد من يمكنه الاستفادة من هذه الوسيلة لتأسيس أسرة صالحة أسّس بنيانها على تقوى من الله ورضوان... ومعلوم عند العلماء أن الأمور بمقاصدها والوسائل بغاياتها.. وأن يستعمل الناس وسيلة ما للإفساد في الأرض فقط؛ لأنهم لم يستعملوها الاستعمال الصحيح لا يخول لأحد أن يحرم هذه الوسيلة بشكل قطعي على الجميع.. عاقلهم وسفيههم...
إن القارئ لرد الأستاذة داليا لن يجد ما يدل على أنها أفتت بحرمة الزواج عبر الإنترنت أو أحالت على من أفتى بحرمة هذا بشكل مباشر أو غير مباشر.. ولكن الرسائل الباطنية وغير المقروءة توحي بذلك بشكل جلي وواضح.. ولا أدل على صحة هذا الكلام من العنوان نفسه: "علاقات الشات.. خداع بالكلمات" وحتى لو افترضنا أننا لا ينبغي أن نحكم على المقال من عنوانه فإنني شخصيًّا لم أجد في الاستشارة كلها بعد أن قرأتها مرات عديدة ما يدل على أننا يمكن أن نستثمر الإنترنت للزواج إذا أحسنا ذلك.. ولا ننسى أيضًا أن هناك زيجات نجحت بواسطة الشات.. والسر يكمن في شيء واحد هو الصدق! ذلك الخلق المهدد بالانقراض!. ولو كان الزواج عبر الإنترنت مفسدة كله لما وجدنا في خدمة "شريك الحياة" التي يقدمها موقعكم المبارك هذا أكثر من عشر تجارب ناجحة تكللت بالزواج.. وربما تكون هناك حالات ناجحة، ولكن أصحابها لم يذكروا ذلك.
أما مسألة المفاضلة بين هذه الفتاة وبين الأخريات من طرف الشاب فلا أرى أي حرج في الأمر؛ لأن وضعية المفاضلة ليست وضعية ذميمة وغير أخلاقية.. وأنا أوافق أستاذتي الرأي في هذه النقطة إذا كان هذا الشاب قد التقى بالفتاة وفعل معها ما فعل، ثم ما لبث أن تركها لأنه "لم يقتنع" بها أو بالأحرى شبع منها.. وعندنا في التراث الإسلامي أن رجلاً أتى الحسن بن علي رضي الله عنهما وقال له بأنه قد تقدم لابنته خطاب كثر فلمن يزوجها؟ فأجابه الإمام بأن يزوجها المؤمن.. أليست هذه مفاضلة؟ نعم، ولكنها مفاضلة مشروعة؛ لأنها تختار الأفضل.. ولا نتصور أن الإمام قصد بألا يزوجها الكفار فلا أظن أن الكفار يتقدمون لابنة السائل.. ولكنه يقصد أكملهم إيمانًا وأحسنهم خلقًا.
وكما في استشارة الأخت السائلة فإن الشاب لا يريد الاستعجال حتى لا يندم حيث لا ينفعه الندم.. وإذا كانت مفاضلته تلك خطأ فإنني أتمنى أن يخطئ شباب أيامنا هذه مثل هذا الخطأ؛ لأن فشل الشباب في المفاضلة هو ما يجعلهم في كثير من الأحيان يهيمون على وجوههم في اختيارهم لشريكة حياتهم.
وأما أنه مر بتجربة زواج فاشل فلا يعني بالضرورة أن نخوّف الفتاة من فشل آخر قادم.. بل أعتقد شخصيًّا أنه بما فعل ربما استفاد من زواجه السابق وأراد الزواج من جديد حتى لا يقع فيما وقع فيه من أخطاء في الماضي.. شاب مثل هذا حرِيّ بهذه الفتاة أن تتمسك به. وتحياتي الحارة للأستاذة داليا مؤمن ولكل المستشارين.
28/7/2024
رد المستشار
أهلاً ومرحبًا بك وبكل القراء الذين يشاركون بآرائهم ويودون أن تكون صفحتنا أفضل ما يكون.. قرأت رسالتك الطويلة يا أستاذ "عبد الحي"، وشعرت أنك تعلق على رد آخر غير ردي على المشكلة ذاتها... سأبدأ بتفنيد تعليقك، فمعك حق في بعض الأمور وهناك أمور تحتاج إلى توضيح حتى تكتمل لك الصورة.
نتفق معًا على الجزء الأول من رسالتك والتي كتبت فيه بشكل رائع كيف أن الحكم على الإنسان يكون من خلال تصرفاته وليس كلامه فقط.. فقلت: " ..والسلوك الواقعي هو وحده من يمكننا من معرفة حقيقة الإنسان المتكلم إن كان صادقًا أو كاذبًا". وهو نفس المعنى الذي عرضته في ردي على المشكلة حين ذكرت على سبيل المثال أن "التواصل عبر الإنترنت لا يمكننا إلا من التعرف على 7% من الطرف الآخر" ... إذن نحن متفقان على أن الأفعال هي الفيصل في معرفة الناس.
أتفق معك أيضًا أنه لم يتجاوز حدوده في الشات الذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع، ولا يمكن أن نعتبر هذا هو التصرف الوحيد لنحكم عليه بأنه حسن الأخلاق أم لا!! كما أنه لا يمكننا أن نقول إنه شاب ممتاز يستحق أن تبحث عنه أي فتاة... فهذه الفكرة مجرد افتراض قد يصدق أو لا يصدق؛ لأننا ببساطة لا نعرفه فقد يكون هذا صحيح أو غير صحيح..
ما أختلف معك فيه هو قولك "عن هذا الشاب يجعله في صنف الشباب النادرين الذين يستحقون أن يضحي المرء من أجل الظفر بهم.. وسأنصحها بأن تسأله عن الأمور التي لم تعجبه فيها كي تعدلها إن كانت طبعًا قابلة للتعديل.." كيف يمكن أن تقول هذا عن شاب لا يريد التقدم أو الزواج بفتاته، فكيف لها أن تضحي وبماذا تضحي إذا كان لا يريدها أصلاً؟ هل تريدها أن تطلب منه أن يخطبها وهو على وشك الزواج من أخرى، هل ستطلب هي منه أن يتعرف عليها ويأتي إلى زيارة أسرتها ويذهب في نفس الوقت إلى أسرة الفتاة الأخرى؟ فإذا كان من حقه المفاضلة بين فتاة وأخرى فمن حق الفتاة الأولى صاحبة المشكلة أن تحافظ على مشاعرها ولا تؤذي نفسها بالتعلق بشاب لا يريدها، وهو شاب لا تعرفه أصلاً، بل معرفتها به عبارة عن مجرد كلمات مكتوبة لا أكثر ولا أقل.
كما أن وجهة نظري تختلف تمامًا مع تصورك أن ردي هو أن الزواج عبر الشات مفسدة، وحين أعدت قراءة ردي لم أجد هذا مكتوبًا ولم أجده بين السطور، من خلال خبرتي في قراءة كم من المشكلات الناتجة عن العلاقات عبر النت، وكذلك من خلال المشكلات التي قابلت أصحابها في العيادة النفسية.. كانت الدردشة وسيلة ناجحة إذا كانت البداية، وتبعها لقاء وحوار ومواقف مختلفة تمكن كل طرف من التعرف على الآخر، ومع اللقاء والسؤال واستشارة الأسرتين، ومع فترة خطبة تناسب كل شريكين يكون النجاح.
أما أن أحكم على عريس تعرفت عليه عبر النت ولا أعرف عنه شيئًا آخر، فهذا لا يمكن أن يليه عقد قران مباشرة.. ذلك أن كل المشكلات التي وردتني تبدأ بنفس التصور عن الطرف الآخر، فتجد الشاب أو الفتاة يقول إنه قابل فتاة/ فتى الأحلام وعادة ما تختلف الصورة تمامًا مع اللقاء والحوار - إن لم يكن اللقاء صدمة.
استثمار النت في الزواج له مميزات.. فالنت يساعد المغتربين على التواصل والبحث عن شريك الحياة، ويساعد غيرهم.. وفي نفس الوقت التواصل عبر النت يواجهه عقبات كثيرة، أهمها أنه لا يوجد وسيط موثوق فيه بين الطرفين.. حتى يمكن لتلك الفتاة أن ترجع إليه، ويكون هناك محاولة للجمع بين الشريكين، وعبر النت أيضًا لا تكون العلاقات هي علاقات طبيعية كأن يكون من تقدم إليها من المعارف.
يا سيدي.. ليس من حقي أن أُفتي فلدينا قسم ومتخصصين في الفتوى، وأذكر أنني أحلت بعض أصحاب المشكلات إلى خدمة شريك الحياة على موقعنا، وبالنسبة لعنوان المشكلة "علاقات الشات.. خداع بالكلمات" فهو ليس العنوان الذي اخترته للمشكلة، ولكني اخترت عنوانًا هو "طلب يدي على النت"، ولكن هناك تحرير صحفي يتبع ردودنا على المشكلات ويأخذ في الاعتبار أن يكون العنوان جذابًا.
على أي حال الرد على أي مشكلة يكون هو نوع من الرد على صاحب المشكلة بشكل خاص، مع تناول عام للمشكلة بحيث يستفيد الآخرون، وإذا كانت صديقتنا في حالة نفسية مؤلمة... هنا عليّ أن آخذ بيدها.
هذا الشاب لم يؤهلها نفسيًّا أنه يمكن أن يفكر في تركها أو يتحدث مع غيرها، لدرجة أنها تعلقت به وبرمجت نفسها على العيش معه، بل قالت عنه "كان يسألني عن أمور تفصيلية؛ لأنه لا يريد تكرار تجربة الطلاق وكان يعبر لي عن رضاه بإجاباتي وأنها هي ما كان يبحث عنه"، ولم يخبرها أن هناك شيئًا في كلامها أو سلوكها لا يعجبه مما جعلها تتساءل "لماذا تركني إذن"؟ .. وكأنها تقول لماذا تركني رغم أنني قبلت بشروط ليس سهلة؟ إنها هي التي تشعر أنه خدعها، والله أعلم.