أنا شاب أدرس في العراق في كلية الطب ولله الحمد، ومن أسرة أنعم الله عليها بالهداية، وأهلي يقيمون في السعودية، أبلغ من العمر 26 سنة، لا أدري في الحقيقة كيف أبدأ قصتي فهي تمتد لأربع سنوات مضت عليّ كأربعة عقود، وأنا أحاول إقناع أهلي بفتاة أحبها عقلي قبل قلبي، وإليكم المشكلة بتفاصيلها الدقيقة:
الفتاة عراقية وكانت شيعية قبل أن أقنعها بخطأ مذهبها، وهي الآن سنية ولله الحمد، اسم والدها عبد الزهراء، والدي يرفض تمامًا فكرة الزواج من عراقية، ويريد مني أن أتزوج من سورية، أما والدتي فتحتج بحديث يقول: "إن العرق دساس"، وأن الفتاة لو أصبحت سنية؛ فهذا لا يضمن أن ترتد بعد ذلك، وأن تؤثر عليّ وعلى أولادي، لا سيما وأني سأقيم في العراق خمس سنوات هي فترة التخصص في كلية الطب،
وأقول: إن الزواج لا يشترط فيه موافقة ولي أمر الشاب، وفرض مثل هذه الشروط هو سلب لحق أباحه الله لي، وهل من حق والداي أن يغضبا عليّ إذا أردت أن أرتبط بفتاة أرى فيها السكن لروحي وجسدي، إن علاقتي مع أهلي تزداد سوءاً يومًا بعد يوم،
ولا أدري كيف الخلاص من هذا الكابوس، فأنا لا أريد أن أغضب والداي،
وفي نفس الوقت أرى استحالة زواجي من غير تلك الفتاة فسعادتي لن تكون إلا معها.
10/8/2024
رد المستشار
أخي العزيز: لكل اختيار في الحياة جوانبه السلبية والإيجابية، وأنت قد ارتبطت عاطفيًّا بفتاة كانت شيعية المذهب، وأهلك يرفضونها لهذا، والسؤال الآن: هل يرشحون لك فتاة معينة بديلة؟
هناك تخوفات مشروعة تحدث عند الاقتراب بطرف من ثقافة مختلفة، وعادات وتقاليد مختلفة، والزواج هو ارتباط بين أسرتين إضافة إلى كونه رباطاً بين زوجين، فهل فكرت في العلاقة المستقبلية بين أولادك وبناتك، وأهلهم من ناحية الأم؟!
ليس هناك مشكلة "غير عادية" في الارتباط بفتاة من بيئة شيعية، فالشيعة "الزيدية" و"الجعفرية" و"الاثنا" عشرية مذاهب إسلامية معترف بها، ولكن الثقافة الفرعية، والعادات والطباع تختلف مثلما تختلف من قطر إلى قطر أحيانًا، ومثلما تختلف من مكان إلى مكان داخل القطر الواحد أحيانًا أخرى، وهذا الاختلاف يكون تنوعًا في إطار الوحدة الإسلامية، وهذا التنوع قد يكون مقدمة لتبادل وتكامل لطيف - إذا توافرت المرونة وحسن السماحة والتعقل من الطرفين - وقد يكون التنوع مقدمة للتنازع والشقاق إذا كان التعصب وضيق الأفق هو الحاكم للسلوك من أحد الطرفين أو كلاهما، وأعني بالأطراف هنا الأسر، وليس فقط الأبناء.
إذن لا يبدو هناك حرج - في قصتك ورغبتك - من الناحية الشرعية في الارتباط بهذه الفتاة، إنما المشكلة تكمن في أن ما يثيره أهلك "له وجاهته"، وأرجو أن تنظر فيه على النحو الذي أسلفته لك، وتسأل نفسك: هل ستكون العلاقة طيبة بين الأسرتين فينمو الأبناء في بيئة طبيعية بين دائرتين فيهما بعض الاختلاف، ولكنه اختلاف تنوع؟؟ أم سنكون بصدد صراع يتمحور حول الخلاف المذهبي الضارب بجذوره في التاريخ، ولا يوجد حل عاجل له سوى الوعي والكياسة، والاتفاق على الأساسيات، "الاختلاف الثقافي" إذن هو مربط الفرس الذي ينبغي أن تحسم موقفك تجاهه، وقبولك به، وتعاملك معه، وتأثيراته عليك وعليها، وعلى أولادكما من بعد.. إن شاء الله.
ومن الناحية الإنسانية قد يفيدك - إن قررت الاستمرار في هذه العلاقة، وعزمت على الارتباط - أن تتعرف الوالدة وأخواتك البنات على هذه الفتاة، فلعل في أخلاقها ومظهرها ما يذيب صخور الرفض "خاصة إذا كانت جميلة".
وفي كل الأحوال فإن مسؤوليتك عن اختيارك لزوجة المستقبل، وإباحة مخالفة الأهل في مثل حالتك لا تنفي وجاهة ما يثيرونه من اعتراضات، كما لا تنفي واجباتك تجاه استمرار محاولات الحصول على رضاهم "على الأقل بعدم الممانعة"، ولكن تبقى الكرة في ملعبك؛ لأنك أنت الذي ستتحمل عواقب مثل هذه الزيجة، وستدير دفة التعامل مع الاختلافات الموجودة، ويلزمك أن تحسم استعدادك لهذا بكل ما سيحتاجه من جهد، وحسن تدبير.
تمنياتي بالتوفيق والسعادة، وكن على اتصال مستمر بنا لتعلمنا بالتطورات.