السلام عليكم
أنا صديقة قديمة لصفحتكم، وقد أرسلت لكم مشكلتين كانتا بعنوان حكاية الأخت "تي تي".. صرخة من الخليج و"تي تي" تطمئنكم : الصبر مفتاح الفرج، وأريد أن أعرض عليكم أحوالي الحالية بعد أن غادرت بلدي في الخليج لأدرس في الشام بجامعة أسكن في سكنها الداخلي الخاص بالفتيات .
تعرفون مشكلتي الطويلة مع والدي ، ورغم أنه وافق بعد إلحاح شديد على حضوري هنا للدراسة، فإنه لا يثق في سلوكي ؛ فعندما أتى لزيارتي هنا أخذ يسترجع ذاكرة هاتفي النقال ليعرف الأرقام التي أتصل بها ، أو أستقبلها ، وقد كان يتنصت علينا في مكالماتنا عندما كنت هناك في بيت الأسرة!! ولم يكن مسموحًا لي بالخروج هناك إلا في صحبة محرم؛ فماذا إذا علم أن لي زملاء هنا في الجامعة من الذكور بحكم نظام الدراسة؟!! وماذا إذا علم أنني أحيانًا أخرج لقضاء بعض حاجياتي دون أن يكون معي سوى بعض صديقاتي؟!
وهل أكذب عليه، وأقول بأنني لا أغادر السكن أبدًا إلا في صحبة المشرفات؟!! أنا خائفة جدًا؛ لأنه إذا علم أنني أقوم بمثل هذه الأشياء –التي هي من طبيعة الحياة هنا- فربما يعيدني إلى بلدي ويحرمني من الدراسة التي أحبها، وأنا متفوقة فيها.. والحمد لله.
الجميع يعلم -ووالدي أولهم- أنني لست مبتذلة، ومع ذلك فشكه المستمر في سلوكي يشعرني بالخوف المستمر والاختناق.
ومما يضاعف من مخاوفي أنني لا أريد العودة إلى بلدي بعد إنهاء الدراسة؛ لأنني أكره الحياة المغلقة، ولا أحب طريقة الناس هناك في تعاملهم مع الأمور، كما كنت قد ذكرت لكم من قبل، والالتزام بالدين عندي ليس هو التشدد، ولكنه أسلوب مختلف نوعًا ما عن السائد هناك، ولذلك أيضًا فلا أريد الزواج من أحد مواطني بلادي.
باختصار: لا أطيق مجرد التفكير في العودة للاستقرار هناك؛ فالعيش هناك يعني الموت البطيء بالنسبة لي، ولقد كان قدومي إلى الشام مثل الميت الذي عادت له الحياة، والكل لاحظ هذا.
لا أريد أن أفقد مكاني هذا الآن أو حتى بعد إنهاء الدراسة، وطبعًا ليس مسموحًا لي بالعمل إذا عدت.
أملي الوحيد في الزواج بشخص من بلد غير بلدي، ولن يكون هذا إلا إذا اقتنع والدي أنني سأصبح عانسًا، ولذلك فقط يمكن أن يوافق على تزويجي من غير بلدي، وأنا أعيش على هذا الأمل، مع العلم أنني خُطبت من قبل، ولكن لم يحصل توفيق.
أريد أن أنشئ أسرة بمعنى الكلمة على التدين والإيمان والإسلام، بعيدًا عن التحجر والأجواء التخلفية. أرشدوني هل أحتاج إلى عون نفسي لتحقيق آمالي أم أترك الأمور كما هي وأصبر؟ وكيف أتخلص من مخاوفي تجاه والدي.. ووساوس القلق تقتلني؟
6/8/2024
رد المستشار
ولأنك صديقة قديمة لصفحتنا أكتب لك هذه السطور، وقد قمت بتحرير صيغة سؤالك؛ لأن كلماتك جاءت مبعثرة ومبهمة، ولكي أخفي التفاصيل التي يمكن أن تعرضك للمتاعب التي تخافين من بعضها.
أنا أتذكرك جيدًا، ولذلك فأنا أجيب اليوم استنادًا لمعرفتي بفصول قصتك، إلا أن تكون بعض هذه التفاصيل قد غابت عني خلال الفترة الماضية في رسائل لم أطلع عليها منك!!!
سفرك للدراسة خارج بلدك كان مفاجئًا بالنسبة لي تمامًا، وأصدقك القول بأنني بدأت في التفكير بأن والدك ليس الشيطان الذي دأبتِ على الشكوى المريرة منه، ولا يعني هذا طبعًا أنه ملاك أو نبي مرسل، ولكنني أصبحت أقرب إلى رؤيته بوصفه أبا عاديا مثل كل الآباء في بلدك؛ بحيث يرى أن ما يفعله هذا إنما هو لحماية عرضه، ومتابعة شؤون حريمه، والقيام بواجبه نحوهن، وهكذا يكون الواجب عندكم، ولا يبدو والدك استثناءً أبشع من غيره كما كنت تصورينه لنا!!!
وبهذا المعيار –معيار السياق الاجتماعي الشائع- ينبغي أن تقيسي تصرفاته، وتتفهميها بوصفها سلوكيات رجل عادي؛ لأن كل واحدة مثلك ربما تريد أن يكون أبوها زعيم ثورة اجتماعية تقلب الموازين، وينفرد هو فيها بنظرة مختلفة عن المحيط الذي يعيش فيه.
هل يعني هذا أنني أوافق على ما يفعله أو أبرره؟! أنا فقط أقول لك: إنه سلوك طبيعي، وليس مرضيًا كما تظنين بمعيار البيئة التي يعيش فيها، وسنرى بعد أن تتخرجي لعلك تكونين "زعيمة الثورة" المنشودة
لا أريد أن أطيل –وقصتك تغري بالإطالة-، فقط أقول لك يا أختي الكريمة: خوفك مشروع، ولكنه يحتاج إلى تعامل وتعبير أنضج من مجرد القلق، أو الطموح إلى أن تكوني عانسا!!!
اجتهدي في دراستك؛ فهذا هام للغاية في تلك المرحلة، ولا داعي للخروج لغير حاجة، ليس خوفًا من الوالد، ولكن لأن هذا هو الصواب لفتاة في غربة، وتعاملي مع زملائك في حدود الشرع والأدب، واحرصي على ما ينفعك مما حولك؛ لأن أمامك شوطا طويلا من إنضاج الشخصية قد تحتاجين فيه إلى إرشاد.
واتركي ما سوى ذلك لله سبحانه؛ فلا تسبقي الأحداث قبل أوانها؛ وتوكلي عليه هو يضعك حيث يشاء، فقط خذي بالأسباب، ولا تعبديها، ولن يخزيك الله أبدًا، وقد كان رفيقًا بك حين أخرجك مما كنت فيه، واسمحي لي بخاتمة مصرية صميمة: "إحنا كنا فين، وبقينا فين"!!
وأذكرك بقوله سبحانه: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم" تابعينا بأخبارك. ولأنك صديقة قديمة لصفحتنا أكتب لك هذه السطور، وقد قمت بتحرير صيغة سؤالك؛ لأن كلماتك جاءت مبعثرة ومبهمة، ولكي أخفي التفاصيل التي يمكن أن تعرضك للمتاعب التي تخافين من بعضها.