السلام عليكم ورحمة الله
سيدتي أشكرك كثيرا على ردك الجميل على رسالتي والتي نشرت بعنوان: حياتي دون "نكهة أسطورية".. ولكن دعيني أوضح لك أكثر.. إنه ليس صراعا بين العاطفة والعقل بالمعنى التقليدي، أو مجرد شعور بعدم الرضا عن زوجي، بل المسألة تتعدى لأوجه أخرى في الحياة.
سيدتي ألم تشعري يوما أن لديك مخزونا هائلا من الطاقات والأحلام لم تتهيأ لك الفرصة لكي تخرجي بعضا منها، ألم تشعري أن مكانك الحالي في الحياة ضيق عليك.. حدودك مترامية لكن لا تستطيعين بلوغها خوفًا من حسابات الربح والخسارة، ولست أقصد هنا خسارة بمفهوم الشرع والدين، بل في اختيارات الحياة المتاحة والمشروعة.
أبدا سيدتي ما فكرت أن أكسر الحاجز وأخترق الممنوع، لكن تضطرب جوانحي بالتمرد على الحدود التي أحاطني بها الآخرون ضمن الإطار الرائع للحياة، ودائما أحلم أن هناك إطارا أوسع وأرحب وحدودا بعيدة أود أن أبلغها بطاقات وقدرات مدفونة.
الرغبة في التمرد على زوجي ليست لشخصه في حد ذاته، وإنما هي فيض من السيل على ذلك القيد الأخير الذي أضيف إلى الصورة المرسومة بعناية، ربما لو التقيته وأنا أبحث عن نفسي خارج الحدود الضيقة لاختلف الشعور، إنه رائع وجميل ونعمة لم أكن لأحلم بها، لكن تظل دوما تلك الطاقة المكبوتة داخلي لا أعرف لها سبيلا، يظل دوما ذلك الإحباط أن الاختيارات المصيرية في الحياة لم يكن مردها إلي في المقام الأول.
أحكم العقل دوما في أن تلك الاختيارات سترضي الناس من حولي، لكن رغبتي في رسم الصورة المثالية جعلتني دوما أكثر حذرا في اختياراتي، بينما داخلي يتوق إلى المغامرة.. إلى المخاطرة.. إلى الاكتشاف والإبداع، لكن تظل الحقيقة الراسخة أنني أبدا لم أتمكن من ذلك إلا نادرًا.
سيدتي أعترف أن صراعًا داخلي يدور بين العقل والقلب ينتصر فيه العقل في أغلب الأحوال، لكن ليس كما يتخيل معظم الناس أنه صراع حول الصواب والخطأ، كلا.. إنه توق النفس إلى تنفيس طاقات أحسبها هائلة ضاقت نفسي عن حملها بين جوانحي عمرا، وتضيق أكثر وهي تعرف أنها ستظل أسيرة متاهات الأعماق للنهاية، إنها الرغبة في المغامرة والإبداع وقد فات أوانها، وودِدْت لو يعود الزمن بي فأبدل اختياراتي وأعيش حياة بها بعض الألوان الزاهية بدلا من ألواني الداكنة تلك التي تتميز دوما بالوقار والهدوء.
إنه الإحساس.. إنني أبدا لم أعش سني في الوقت المناسب.
أشكرك كثيرا وجزاك الله خيرا عن المسلمين والإسلام.
12/8/2024
رد المستشار
أريد أن أسألك سؤالا، قد يبدو ساذجا بعض الشيء.. ولكن أرجوك تأمليه جيدًا، ولا تتسرعي في الإجابة عنه.. سؤالي هو: ما الذي منعك من الانطلاق والإبداع والخروج عما هو تقليدي طالما أنه لم يخرج من دائرة الصواب إلى دائرة الخطأ؟
كل أولئك الذين أبدعوا وانطلقوا كانت حولهم من الأسوار والموانع مثل ما حولك، ولكنهم بالرغم من كل هذا.. استطاعوا اختراق السور (الرائع)، وأطلقوا الكنوز التي بداخلهم.. أسأل السؤال بصورة أكثر عمقا.. هل الذي منعك هو أن الحصار عليك كان أشد وطأ من أولئك الذين أبدعوا؟ أم أنك لم تتمتعي بالشجاعة الكافية التي تدفعك نحو ما تحلمين به وتدافعين عنه؟ أم أنك لم تمتلكي القوة الكافية التي تصل بك إليه؟
أم أنك لم تكوني قادرة على التوازن بين (توكيد ذاتك) و(إرضاء الآخرين)؟!
توكيد الذات هو أن يحقق الإنسان نفسه دون المساس بحقوق الآخرين.
لماذا تميزت حسابات الخسائر والمكاسب لديك بالخوف والتراجع بشكل لا يتناسب مع رغبتك الجامحة في الانطلاق؟
أي الإجابات السابقة صحيحة؟ أم أن كلها صحيحة!! ومهما كانت الإجابة أعتقد أنك الآن بحاجة إلى ثلاثة أمور:
الأول: هو أن تعيدي اكتشاف نفسك، وتتعرفي على مواطن قوتها وضعفها.
والثاني: هو أن تفتحي في حياتك ولو بابا واحدًا للانطلاق.
والثالث: هو أن تقيمي وتطوري تجربتك يومًا بيوم، وترصدي شجاعتك وخوفك، قوتك وضعفك، قدرتك على التوازن بين توكيدك لذاتك وحقوق الآخرين وعلاقتك بهم.
ولا مانع أن تخطئي ثم تتعلمي من خطئك وتصححي مسارك وتطوري خططك.. وتذكري دائما.. أن قدرتنا على صنع الأحلام لا تتناقض مع مرور العمر -كما تقولين- فالإنسان قادر على الحلم حتى يلقى الله، وهذا هو رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا قامت الساعة وفي يدك أحدكم فسيلة فليزرعها".
القدرة على الحلم موجودة دائما، المهم هو القدرة على تحويل هذا الحلم إلى حقيقة بالعقل والمشاعر والتجربة والبدء ولو بخطوة.