وفاة الوالد وأصدقاءٌ لا ترحم....!
السلام عليكم ورحمة الله
أشكركم على هذه الخدمة المميزة..
أنا شاب في 18 من العمر أعاني من مشكل في الأسرة، ومشكل في الدراسة..
ففي الأسرة الأب توفى ولدي أخوة أكبر مني وأنا أصغرهم فنجد الأخوة أنهم لا يبالون بأمر البيت فأكبرهم في أوروبا مند 11سنة ولا يأتي إلا في العطل ويذهب إلى العمل والآخرون مثله
فأصبحت أنا من يتكلف بأمر الأسرة من بناء و من تجارة التي امتهنها أبي قبل وفاته..
فأصبحت مختلفا كثيرا عن زملائي فهناك من يقول لي أنك ستصبح رجلا لا تخيفه الصعاب في المستقبل وهناك من يقول أنك ستندم على هذا الوقت فإخوتك حققوا مستقبلهم وأنت؟
فأنا في مرحلة هامة في مجال الدراسة بكالوريوس فلم أجد جو العطف والحنان والحب داخل الأسرة هي الزاد الفني، والرغيف الساخن، الذي يمنح الطالب وكل أفراد الأسرة القوة الذاتية الكفيلة بصنع النجاح والتفوق وعلى الرغم من كل التحديات فأنا لدي أهداف ذات قيمة في الحياة أريد أن أكون بها مفيدا لهده الأمة فأريد منكم نصيحة لكي أوفق بين أمر الأسرة والدراسة والسلام عليكم..
1/6/2005
رد المستشار
الأخ الكريم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة؛ وأعاننا على أن نكون دوما عن ظن الأحباء من الأخوة والأخوات بنا..
صدقت حين قلت أنك في مرحلة هامة في حياتك.. مرحلة تكوين ومسئولية عن نفسك وغيرك.. أعانك الله على حمل هذه الأمانة.. وأعانك على الوفاء بها كما يحب الله ويرضى وثبتك على الحق. وتأكد أنك عندما تؤدي أمانتك ستكون طبيعيا على طريق بناء هذه الأمة بحق.. المسئولية أخي تبدأ من الصغر وليس كما يعتقد البعض وللأسف هم كثر أنها تبدأ بعد سن الثلاثين.. كن متأكدا أن من لم يعتدْ المسئولية صغيرا لن يفي بأمانة مسئولياته كبيرا.. أحمد الله أنه يسر لك التدريب المبكر عليها . وتعال نناقش ما أوردته في رسالتك:
ما هو مشكلك في الأسرة بالضبط :
- هل هو عدم وجود أخوتك في دائرة المسئولية؟ وماذا عن علاقتك بأخوتك ما علاقتك بأمك؟
- أم أنك تفتقد الدفء والرعاية؟
- أم أنك تحتاج للراحة لبعض الوقت؟
- أم أنك تحتاج فقط لمزيد من الموازنة بين عملك وحياتك الأسرية؛ ومستقبلك المهني ودراستك؟
- أم انك تتخوف أن يفوتك وقت المرح الخالي من المسئوليات؟
- أيهم أكثر ما يلح بخاطرك ويقلقك؟؟؟
- لماذا لا يسود جو الحب رغم تواجدكم في مكان واحد؟
ما هو مشكل الدراسة أيضا بالضبط :
- هل تحتاج لبعض مهارات الاستذكار التي تعينك على المضي أيسر وأسرع في دراستك؟
- هل تحتاج لبعض أفكار لإدارة الوقت بشكل أكثر فاعلية؟
- كنت أود لو علمت مجال دراستك؛ ومدى تقبلك وحبك لها؟ وما طموحاتك المهنية والدراسية .. ومدى نجاحك الدراسي؟
ماذا عن أهدافك :
- ذكرت أنك لديك أهداف كبيرة .. هلا شاركتنا إياها؟ هل حددتها ؟
- ما خطتك لتحقيقها ؟ وهل أنت على الطريق إليها؟
- ما مدى اتساقها مع القيم ودوائر الاهتمام في حياتك؟
ما الأدوار التي تؤديها في حياتك: ( عددها لي: ابن؛ طالب؛ .... )؟
أي الأدوار أكثر أهمية في حياتك ؟ وأي الأدوار أكثر إسعادًا وإمتاعا لك؟
أين موقع الأسرة من اهتمامك و أولوياتك إذا ما كنت تختار؟
وكيف ترى مسئوليتك عن أسرتك: واجب ثقيل أم مسئولية تجزى عنها يوم العرض والحساب؛ ويعجل لك في دنياك ببعض نعمائها؟
أريد أن أقف عند جملتك: "فأصبحت مختلفا كثيرا عن زملائي".
ما الذي تراه من اختلاف: هم لديهم وقت لمزيد من اللهو وأنت لا. بحكم كثرة انشغالك الجاد وكثرة مسئولياتك.
هم أحرار فيما ينفقون من وقت وإنما أنت لا تملك هذه الحرية.
ربما لديهم وقت للعلاقات العاطفية وأنت لا.
لديهم وقت للخروج والسهر.
لديهم قدرة على الإنفاق فيما يشتهون من أشياء نافعة وغير نافعة..
هم لا يفكرون في مسئوليات ولا ينشغل عقلهم بتدبير أو تفكير. إنما أنت تفكر وتدبر لأن لديك ما تفكر فيه.
هم لا يحملون للدنيا هما فلديهم من يحمل عنهم أعباءهم ومن يهمش وجودهم.. إنما أنت مضطر لأن تفكر في أمور حياتك وحياة أسرتك وتدبرها وتكون في قلب الحياة بدلا من الوجود على هامشها..
أسألك إذا ما كان الاختلاف يعنى الأفضلية لحالة عن أخرى فمن وجهة نظرك ونظرهم: أي الحياتين أفضل ؟
أخي الكريم
هل تصدق أن: "كل نفس بما كسبت رهينة"؟
إن تمكن منك هذا اليقين فلن تفكر إلا فيما يجب عليك أنت أن تفعله..
لن تنظر لما يفعله الآخرون؛ و لن تفكر فيما ينبغي عليهم فعله؛ ما يقصرون في فعله..
وفي هذا مكاسب كثيرة: أولها أنك لن تشحن نفسك بأي مشاعر سلبية تجاه أخوتك مما يساعد في قربكم وعلى أقل تقدير لن يزيد في فرقتكم.
سيظل ذهنك منشغلا بما عليك فعله ليس بما على الآخرين فعله مما يعنى أنه سيكون هناك فعل حقيقي ممكن؛ لأن الفعل الحقيقي والممكن هو ما نفعله نحن وليس غيرنا . وهو مما يزيد إنجازك في كل مجال ومما يزيد تقديرك لذاتك ورضاك عن نفسك. وهو مما سيزيد مرة أخرى من إنجازاتك وهكذا تدور الدائرة.
من مزايا التركيز على دائرة التأثير أيضا (دائرة ما يمكننا نحن فعله) أنك ستتخلص من الحيرة والتأرجح بين أقوال أصحابك المتباينة لأنك على يقين. فأنت تعلم دافع اختيارك وأنت راض عنه..
إن وصلنا لهذه النقطة تعال نفكر معا في أمرين:
- كيف يمكنك التوفيق بين العمل والأسرة والدراسة.
- ما الذي يمكنك أن تفعله أنت بشخصك لتنعم بما تحلم به وتتمناه من دفء أسرى.
التوفيق بين عدة مجالات في وقت واحد ممكن جدا بشرط:
- القناعة بأهمية ما نقوم به فنكتسب حفزا مستمرا ونشاطا دائما. وهو ما تفعله بكفك عن التفكير في كل ما لا يقع في دائرة تأثيرك الشخصي (دائرة الممكن). وإن كنت تحلم بهدف لهذه الأمة وترى نفسك جزءا من هذا الحلم؛ فاعلم أن كل جهد يصب في الحلم الكبير . واعلم أخي أن هذه الأمة تحتاج رجالا.. بما تحمله الكلمة من معنى غاب عن كثيرين..
- تفهم الأولويات لكل فترة من حياتنا. (طالت هذه الفترة أم قصرت).
- اغتنام الصحبة الصالحة وإحاطة نفسك بشبكة من العلاقات الداعمة. فمن الأشخاص من يدفعنا للعلا ومنهم من يطرحنا للثرى. فاحذر كل من يثبط همتك. اعلم أن كل إنسان بحاجة إلى الدعم فتلمسه في جنب الله والقرب منه؛ ثم تلمسه في تلك الصحبة الصالحة التي سيمن الله عليك بها إن شاء الله.. وتلمسه في نفسك محفزا لها ودافعا إياها.
- استخدامك المتزن للتفويض لبعض المهام إن أمكن. فاحصر كل ما تقوم به يوميا وكرر ذلك لعدة أيام. ثم فكر ما الذي يمكنك أن تتخلى عن عمله بنفسك؛ وتفوضه للآخرين.
- قضاء وقتا في الترفيه الذي يجدد النشاط ويدفع عنها السأم والملل. فكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "النفوس إذا كلت عميت.."
- اقترب بكل حب وود من إخوتك ولا تلمْ أو تنتقد بل حاول أن تسألهم العون إن احتجته؛ وأطلعهم أولا بأول على ما يجرى من شئون الأسرة.. أشركهم واجذبهم خطوة خطوة لتحمل بعض المسئولية. وتأكد أن هذا ممكنا ولكن طريقه الطويل يبدأ بالحلم واللين. والحب الذي سيظلكم جميعا بإذن الله.
فكر في شيء واحد يمكنك أن تفعله لتنشر هذا الجو من الحب: فكر فيما يمكن أن تفعله أنت: احصر كل ما يجول بخاطرك وإن ظننته فعلا صغيرا: "لا تحقرن من المعروف شيئا؛ ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.
هيا فكر.. القلوب طريقها اللين والكلمة الطيبة.. ما الذي يمكنك أن تفعله: رسالة ودودة؛ اتصال تليفوني، ثناء على فعل ولو صغير من أخوتك؛ كلمة طيبة تضعها لدى أمك تقر بها عينها؛ مدح في أحد أخوتك الغائبين يخفف عن أمك إحساسها الذي ربما لم تحدثك عنه من قبل خوفا من إثارة مشاعر سلبية تجاه أي من الإخوة.. فكر ودون كل ما تجده ممكنا ولو على المدى الأبعد.. دون لتحفظ ما تجد في عقلك وقلبك وأوراقك التي تذكرك تأكد أن هناك الكثير والكثير يمكن أن يعيد الدفء لأسرتكم إن شاء الله.
التزم الدعاء بأن يؤلف الله قلوبكم.. والتزم الأفعال التي تؤلف القلوب فعلا .. وتأكد من بعد ذلك أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. افعل واحتسب.. وتأكد من عدل خالقنا..
أخي.. ستصبح إن شاء الله – بل أصبحت - رجلا بمعنى الرجولة التي تشتمل على الإيجابية والمسئولية والانشغال بالمهام ذات القيمة والعزوف عن التفاهات..
جرب بنفسك أي الحياتين أمتع: حياة العمل والمسئولية والوجود الحقيقي أم حياة التفاهة واللا عمل واللا مسئولية.. وبالتالي اللا وجود..
أخي من لا مسئولية له لا حياة حقيقية له.. ولا سعادة له.
إننا نكتسب تقديرنا لذواتنا من وفائنا بما بين أيدينا من مسئوليات وأمانات؛ وهذا ما يفتقده الكثيرون من الشباب وللأسف افتقد معه تقديره لذاته؛ وإحساسه بوجوده وقدرته على أي فعل. ولأننا خلقنا بدافع فطرى في الشعور بالأهمية والوجود فيلجأ من لا مسئولية حقيقية لديه بالانشغال والوجود في أي شيء آخر: حفلات؛ تأييد مغنين من كل صوب وحدب؛ التدخين؛ علاقات متكررة مع الجنس الآخر....... إلى آخر ما تعرفه وتلمسه أكثر مني.
المهم أن يشعر هذا المهمش أنه موجود وأنه قادر على الفعل -أي فعل- وإن كان هذا الفعل في حقيقته لا فعل!!!!
حين تتأصل لديك القناعة بما اخترت من طريق في الحياة الجادة الهامة الحقيقية؛ أرجوك أن تبدأ في أن تنقل لغيرك من الشباب تجربتك ونجاحاتك بإذن الله؛ وشعورك بالإنجاز والتميز والرضا..
انقل لهم كيف تشعر أنك مهم وأنك تفعل شيئا قيما في الحياة. وكيف أنك اخترت أن تكون رجلا بحق.. رجلا كهؤلاء الذين نتلمس آثار أفعالهم في السنة المطهرة حين كانوا بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام سيوف ورماح هذه الأمة؛ ونتلمس إنجازات من الله عليهم بها في سن أصغر من سنك أنت ورفاقك.. بارك الله فيك وألهمك الصواب..
ونحن معك في خطواتك نحو حياتك الحقيقية خطوة خطوة فكن معنا..
استعن بالله ولا تعجز..