الاغتصاب وإدمان الأحزان... العلاج ممكن فعلا
ردًّا على رسالتكم التي نصحتني فيها بزيارة طبيبة نساء، أحب أن أشكرك على تلك النصيحة التي أتمنى أن أعمل بها، وأن تأتيني الجرأة في يوم ما وأذهب إليها، وقبل ذلك أثق في أنها لن تفضح أمري، وأنني سوف أتقبل الصدمة بدون سقوط.
ذكرت في رسالتك التي أرسلتها أن هذه المشكلة هي القشة التي قسمت ظهر البعير أو هي مربط الفرس، ولكن للأسف لم تكن هذه هي مربط الفرس، ولكن هناك أشياء أخرى تملأ نفسي ألمًا شديدًا، قد يكون أكبر من معاناتي من تلك المشكلة، ولا أستطيع التغلب على أحزاني؛ لأنها أصبحت جزءًا مني، أصبحت أعاني الخوف والقلق والشك في كل من حولي، والدمع الدفين في عيني يكاد يقتلني؛ لأنه مكتوم، وصرخات أود أن أخرجها ولا أستطيع، عذرًا على تلك الكلمات القاسية، ولكنها هي الحقيقة، ماذا أفعل في نفسي، وأنا أدرك تمامًا أن العلاج لن يأتي معي بنتيجة، وأشعر أنني سأموت قريبًا من شدة أحزاني؛ حتى أصبحت هي الصديقة والأم والأب وكل شيء بالنسبة لي.
أشياء كثيرة دفينة بأعماقي منذ زمن بعيد، أعانيها وأعاني أثرها في قلبي، كيف أتخلص من قسوة أب وإهمال أمّ لي وانشغالها عني بعملها، بالرغم من حنوها وحبي لها، أدري أنها غير متعمدة، ولكن هذا لا ينفي حقي عليها، وكيف أنسى أن الجاني يحيا معي في بيت واحد، كل يوم أفكر في الانتقام منه، ولكن الله وحده هو الذي يمنعني عنه، ولا أدري إلى متي، إلى متى سأظل هكذا؟ الله وحده يعلم كم أنا محتاجة إلى يد تمد يد العون إليّ؛ لتنقلني إلى شاطئ الأمان؛ حيث لم يعد حولي أي شيء يمسح عني أو يهون عني ما أنا فيه، حتى لم يعد لي أي أصدقاء، كلهم بعتهم إثر تعذيبهم وخيانتهم لقلبي، أصبحت وحيدة في الدنيا، إيماني وحده هو الذي يبقيني على قيد الحياة، وخشية الله وحدها تمنعني من جنوح نفسي،
أرجوك لا تتخلَّ عني واحتملني حتى أتغلب على تلك المحن،
وآسفة لكلماتي القاسية والطويلة، فكم هي تريحني كثيرًا عندما أتكلم.
28/7/2025
رد المستشار
أختي العزيزة، سبق ورددت عليك في رسالتين أولهما: "أشياء في الصدر" ولا يمكن أن أصف لك مدى سعادتنا حين يستمر التواصل بيننا وبينك، وكذلك أي سائل أو مستفسرة، إنها والله نعمة من الله أن نكون في عصر شبكة الإنترنت التي كما أنها تمثل للبعض نافذة يطل منها على ألوان وفنون الشيطنة من أفعال بني البشر، فإنها تمثل لآخرين آفاقاً لمعرفة بلا حدود، ولنا ولكم حبل موصول نتواصل عبره، ونتشارك، ونتقاسم الهموم لعلنا نستطيع تخفيف بعضها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أختي، آثرت أن أتمهل في الإجابة عليك حتى أنتهز فرصة مناقشتي لأطروحة جامعية تختص بحالتك، وما يشابهها، ولتكون هذه مناسبة لمراجعة آخر الأدبيات العلمية والطبية التي طرحت القضية وعالجتها.
ودون أن يتحول ردي عليك إلى محاضرة جافة أقول لك: إن جميع المشاعر والأعراض التي تنتابك هي من تداعيات حادث الاغتصاب الذي تعرضت له في صغرك، إن مضاعفات وعواقب هذه الجرائم تتنوع وتتعدد حتى تشمل كل ما تصفينه أنت بصدق كبير ودقة لافتة؛ منها ما وصفته في رسالتك الأولى من الشعور بالاكتئاب، والقلق، والشك، وهو ما تواصل وصفه وتفصيله في الرسالة الثانية، والثالثة من الشعور بالحنق على الأهل، والتردد، والتقلب بين المبالغة في الشعور بالذنب واتهام الذات تارة، واتهام الآخرين وكراهيتهم تارة أخرى... كل هذا من التأثيرات المزمنة طويلة المدى للحادث المشئوم، وقد يتأخر ظهور بعض الأعراض أو تفاقمها إلى ما بعد الحادث بسنوات.
ما حدث لك شيء فادح وإجرامي بكل المقاييس، والرسالة الجامعية التي أحدثك عنها تتعرض لجانب التشريعات والقوانين، من أول خطوة، وهي إثبات الجريمة على الفاعل إلى العقوبة الرادعة، وحالتك متكررة، وصلنا من أمثالها الكثير، ذكوراً وإناثاً، وهذا من شأنه أن يدمر النفس، ويقتل الروح إلا من رحم ربك.
رزقك الله إيماناً يعصمك من إيذاء المعتدي الأثيم، ويعصمك من إيذاء نفسك ماديًّا، ثم رزقك ـ بعد حين ـ من يستمع إلى شكواك، وتثقين به، فلماذا لم يتمثل ذلك في إدراكك على أنه فضل من الله، وخطوات على طريق العلاج والحل، والفرج من عنده؟!!
لكل مشكلة حل، ولا تخلو الحياة من ابتلاء ندعو الله ألا يكون في الدين، وأن يرزقنا معه العون والتخفيف: "إن مع العسر يسرًا" فكوني ممن يحسنون الظن بالله؛ فهو القائل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء" ولا تستسلمي للأحزان كمن يدمن العقاقير، أو كأنك اتخذت من الحزن خليلاً، ومن الهم رفيقاً، والدنيا أوسع من هذا الركن الضيق المظلم الذي تحبسين نفسك فيه.
وعلاج حالتك قد يستغرق بعض الوقت والجهد، وهدفه إعادة تأهيلك لتمارسي حياتك الطبيعية مرة أخرى، ونظراً للشكوى المتكررة من التحرش الجنسي بالصغار مما يعد ضرباً من العنف الموجه إلى هذه الفئة المستضعفة؛ ونظراً لأن هذه الصفحة لا تغرق نفسها في وصف تفاصيل البرامج العلاجية التي تتم أصلاً تحت إشراف الطبيب المتخصص... فإنني سأرسل لك على بريدك الخاص بالبيانات المتعلقة بمركز متخصص في علاج مثل حالتك، والقائمون عليه والقائمات هم مجموعة من الأطباء والطبيبات، وقد أخبرتهم عن حالتك، والعمل تطوعي، بمعنى أن الأمر لن يكلفك مالاً يرهق أحوالك المادية التي ينبغي أن تتطور بخروجك إلى العمل إن شاء الله. إن توجيهنا لك بمراجعة هذا المركز لا يعني أن تنقطع صلتنا بك، بل ينبغي أن نظل على متابعة لحالتك، والأفضل أن يتم هذا بموافاتنا بآخر التطورات أولاً بأول.
وسيقوم هذه المركز بتوفير الكشف الطبي لدى الطبيبة الثقة المتخصصة بأمراض النساء، وغير ذلك من البرامج المطلوبة، وستصلك البيانات على بريدك الخاص، وسننتظر متابعتك القادمة، ونرجو أن تكون قريباً.