وقفات من الخلف ومن الحاضر ومن المستقبل (فضفضة)
أود ممن سوف يتكبد عناء قراءة رسالتي أن يجاوبني عن ماذا أفعل عندما أشعر بالاختناق والرغبة في البكاء... أبكي؟؟ وماذا بعد البكاء تسود الدنيا حتى أنني أرى كل ما أنجز بلا فائدة وبلا أهمية.
أنا مدرسة لغة انجليزية وطالبة بالدراسات العليا في تمهيد الماجيستر ولا أشعر بأي سعادة في أوقات كثيرة أتمنى لو أن ترتسم على شفتي الابتسامة أشعر أنني غير محظوظة فأنا أكبر في السن ولم أتزوج حتى الآن كان هذا الموضوع في السابق لا يهمني حتى أنني كنت أتمنى لوقت قريب أن لا أرتبط ولكن عندما بدأت أخرج للعمل حيث أنني حديثة العهد بوظيفتي وجدت أن هناك فرقا بين الفتاة التي يتهافت على خطبتها الشباب وبين الفتاة التي لم يدق بابها خطيب واحد يؤلمني بشدة إن قال لي أحد عقبالك لا أعرف أشعر وكأن اليوم لن يأتي الذي أصبح فيه زوجة رغم أني أدعو الله كلما تيسر لي ذلك أن يرزقني الزوج الصالح لأني بحاجة إليه ليس فقط لتزيد ثقتي بنفسي ولكن لأنني بحاجة إليه ليعصمني من نفسي التي تغويني بالعادة السيئة.
كلما شعرت أنني أسير في طريق مسدود... أنظر للخلف ولا أحب أن أنظر للأمام فليس في مستقبلي ما أحب أن أراه وليس في حاضري ما أتمنى أن يبقى سوى أحبتي أمي وأبي وأخوتي ولكن في ماضيي الكثير مما أود أن يعود ساعدوني كيف لي أن أساير هذا الشعور بالحنين علما بأن ماضيي مرتبط بمكان آخر بعيد حيث كنا نعيش أنا وأسرتي في بلد عربي أشتاق للأصدقاء للمدرسة للمعلمات حتى أنني أشتاق لنفسي وأنا في تلك السن أشتاق لذلك الزمن الجميل لا أريد أن أكون كما أنا مدرسة وطالبة لا أعرف لا أشعر بالسعادة لما اخترته أنا بنفسي فبالله عليكم شيء لا أشعر نحوه بالسعادة كيف سأنجح فيه.
حياتي لم تعد ملونة وليس هذا تعبيرا بلاغيا هي كذلك لم أعد أحب الألوان وألفت كل شيء يقترب إلى العتمة لا أعرف أين الصواب وأين الخطأ بات كله سيان أصبحت لا أعرف نفسي ولا أفتخر بها كنت أكتب الشعر والآن توقفت، وأكثر وقت كنت أكتب فيه الشعر بغزارة وقتما كنت أحب شخصا ما تعرفت إليه عن طريق الإنترنت... أعلم أن من يتابع رسالتي هذه سيصاب بالملل لتكرار السيناريو ولكنني لم أختر هذا السيناريو لحياتي... لماذا لم يكن حبه لي حقيقيا؟؟
الإجابة واضحة لأنني لست باللتي تستحق أن يحبها شاب لا على الإنترنت ولا في الحياة فأنا لست بجميلة أخواتي أحلى مني واحدة منهن تصغرني وأجمل مني وتقدم لخطبتها شاب وهذا دليل على أني ليس مرغوب في أعلم هذا ولم أكن أحتاج للدليل فأنا وجهي مليء بالحبوب وبقعها وجسمي كله لم يخلو إلا ذراعي وقدمي من ذلك الذي يدعى حب الشباب أريد أن أترك العمل مع العلم أنني ناجحة في عملي وكل الأمور تسير على ما يرام ورؤسائي يوميا يثنون علي ولكن أريد أن أتركه هكذا أريد أن أترك دراستي على الرغم من المشقة التي كابدتها هذا العام بين الدراسة والعمل وعلى الرغم من اقتراب موعد الامتحان الذي لم أستعد له............
أريد أن أترك دراستي أريد أن أغير من نفسي أريد أن أكون شخصا آخر أحب والدي ولكن أوقات كثيرة أشعر أنه يفضل أختي عني ومما زاد حبه لها أنها تميل إلى الرسم وهي قريبة من مهنته كمهندس ديكور لا أشعر أنه فخور بأي شيء أفعله هو لا يفعل أي شيء ضد دراستي أو عملي بالعكس فرح جدا يوم قبولي في الوظيفة ويفرح بطريقة عادية عندما نجحت العام الماضي بتقدير امتياز وكأنه كان يعرف لم أكن أنتظر حفلا بل كنت أنتظر شيء أشعر أنه حقا فرح من أجلي أما أمي فأنا أحبها جدا وأوقات كثيرة أشعر أنها قريبة مني وأوقات أكتفي بصباح الخير وتصبحي على خير وأنا الأخت الكبرى لأختين التالية تصغرني بعام واحد وأنا أحبها ولكن أشعر أنها لا تفهمني دائما أما الصغرى فهي تصغرني بعامين علاقتنا جيدة نتصارح ونتحاور ونتشارك الرأي أحيانا كثيرة أخر.
ما أود أن تساعدوني فيه لنا جيران يسكنون في العمارة المقابلة زوج وزوجة لديهم ثلاثة أطفال ويوميا أسمع صراخ الأطفال وهم يبكون أثر ضرب الأم لهم وأسمع وقع الضرب أحيانا كثيرة يذكرني صوتهم وصوت الأم وهي تصرخ فيهم أذكر أبي عندما كنا صغارا فكان يضربنا أذكر ذلك جيدا فهو لم يتوقف عن ضربنا إلا من 3 سنوات تقريبا الغريب أنه عندما يأتي مشهد في التلفاز ويكون فيه أب أو أم تضرب ابنها لا أرى في عيني أبي أو أمي أي ندم أو ضيق وعندما أقارن بين حالهم معنا الآن وحالهم معنا قديما يخيل لي وكأنني أنا التي تتوهم أننا كنا نضرب كيف نتوهم وأنا أذكر كل شيء صرخاتنا آلامنا، الأشياء التي كنا نضرب بها إني أشفق على نفسي من التذكر أو أن أسمع أصوات هؤلاء الأطفال أريد أن أكون أقوى أريد أن أنسى الماضي أريد أن أحب ذاتي أريد أن أفخر بها.
أريد أن أجد دوما من أستطيع التحدث معهم والفضفضة هكذا فأنا أثق في موقع مجانين وأثق في مستشاريه ولكنني عندما تسود الدنيا في وجهي أركض نحو أي موقع أبحث عن أي ضالة قد يكون بحثي عن إجابة لتساؤلات تخص الجنس أو عن الجنس نفسه أو قد يكون بحثي هو محاولة لتذكر إيميل ذلك الشاب الذي أوهمني أنه أحبني ليس لشيء إلا لنسيان من أكون أنا حينها أريد أن أكون أكثر ثباتا أليس من الواضح أنني حتى الآن لم يتقدم لخطبتي أحد لأنني لست فتاة أحلام أي شاب أعلم أن تلك الأمور نصيب ولكن أيضا علامتا الأمر اتضحت فأنا لا أجلس في البيت إلا قليلا أعني أن الكثير من الشباب يلاحظونني سواء في العمل أو في الجامعة... فهل هذا يعني أنني خلاص عنست وعجزت كمان اللي هياخدني أصلا هايبقى مسكين هياخذ واحدة مش جميلة أنا عارفة أن الجمال مش كل حاجة بس حاجة من حاجات.
عمر ما حد تقدم لي لو حصل ودار حديث عن شخص ما وتناولنا موضوع الهيئة والشكل يكون لي رأي في الوسامة أعتذر أن كانت رسالتي غير منظمة ولكني كثيرا ما كنت أود اللجوء إليكم فكنت أعد ما أريد البوح به وهذه المرة عندما شعرت بذات الألم في نفسي دخلت إلى الموقع وأنا أشعر أن باب الاستشارات مغلق ولكني فوجئت به ينتظرني لذلك أريد أن أضيف أنني سبق وطلبت مشورتكم ولكني لا أذكر الاسم الذي اخترته ولكن أراسلكم من نفس الإيميل وأتذكر وقتها ردت علي الدكتورة حنان وأنا الآن أعيش مع أختيّ بمفردنا في بيتنا في مصر ووالدي ووالدتي في بلد عربي يتكبدان عناء ومشقة الغربة ليوفروا لنا عيشة كريمة وأشكر سعة صدر قارئي رسالتي ومن سوف يرد عليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
03/05/2007
رد المستشار
صديقتي؛
شعرت بوجع في قلبي وأنا أقرأ كل كلمة وكل حرف من كلماتك.. أشعر بمدى الألم/ تلك الغصة التي تشد قبضتها على قلبك الغض فتنزف من خلال أصابعها تعاسة لا مثيل لها.. عندما تضيع هوياتنا في زحمة الحياة.. فنفيق في لحظة لا نعلم من نحن وأين ولماذا نعيش؟؟ عندما نحفظ في سياج مغلق طوال حياتنا ونتعلم أن الدنيا محدودة الخبرات والاختيارات، وفي لمح البصر نكتشف أننا كنا نعيش في كذبة كبيرة.. وأن حطامنا الداخلي لا يؤهلنا لمواجهة الحياة التي لا ترحم فيصيبنا الانطواء أو الانتحار.
تتساقط تنهداتك -ورقة الخريف- من جوانب نفسك.. وفي كل زفرة وجع جديد.. لكن لا تيأسي ودافعي الاكتئاب.. لا تستسلمي للامبالاة.. ابحثي عن أي شيء يسعدك ولو كان بسيطًا واهتمي به إن استطعتِ.. هواية، عمل تطوعي، تعلم القرآن، خروج مع صديقات..... الخ
مازلتِ في مقتبل العمر، -ولا ارتباط بين العمر والزواج الناجح- فالأمر يعود للاختيار، وللإصرار على النجاح والعمل له.. كما أن الزواج بحد ذاته ليس مقياسًا للسعادة.. لكِ أن تحلمي بالحب، لكن لا تنسي أن هذا الحب يحتاج منك إلى تعب ومجاهدة، يحتاج نفسًا قوية ثابتة تستطيع مساعدة نفسها أولا حتى تكون مسئولة عن غيرها.. والزواج لا يختزل في مفهوم -العصمة- لأنك لو تزوجتِ أي طارق بغض النظر عن التوافق أو التفاهم لن تكون هناك عصمة منطقيا فإن لم ترتو الروح.. تعس الجسد.
لا تنتظري من الزوج القادم أن يبني لديك الثقة بنفسك.. فكما تريدين يريد.. وليس في صالحك أن تظهري بمظهر المترددة أو المحتقرة لذاتها، مهما كنتِ تشعرين.. إنها فترة وستتخطينها بعون الله فلا تقلقي.. لم تذكري شيئًا عن علاقتك بأصدقائك أو زملاء العمل -علاقاتك الاجتماعية عمومًا- هل لكِ حياة اجتماعية خاصة تتيح التعرف عليكِ من قرب؟؟ ألم تتساءلي يومًا لماذا لم يدق بابك خطيب؟؟
ليس لما قلتِ -فأنتِ جميلة بلا شك-، ولكن لأنك في زاوية من الدنيا، برغم الازدحام من حولك.. تعملين في صمت وتدرسين في صمت.. ومع أول تجربة لكِ كانت في صمت أيضًا -من خلال أزرار الحاسوب- بداخلك جمال وروح وإبداع وانطلاق ولكنك توهمين نفسك بالنقص ناقمة عليها وعلى الدنيا وعلى الناس.
لم يدق بابك خطيب -واعذريني- لأنك كآلاف الفتيات في الغربة.. لا يجدن الرجل المناسب في المقيمين، ولا يعرفهم أحد في الإجازات الصيفية عندما يعودون إلى أوطانهن.. لم يأتِ ببساطة بسبب عدم وجود "مجتمع خاص" يأتي من خلاله.. فوالداك مسافران، وأنتِ وأخوتك ربما تخافون التعرف على الناس أو تشعرن بالغربة.
إذن.. التي "يتهافت على خطبتها الشباب" هي فتاة لها حياتها الاجتماعية الخاصة، أو تعيش مع أهلها أصحاب المكانة "الاجتماعية" أيضًا.. وأقصد هنا بالاجتماعية وجود معارف وأصدقاء وأقارب وروابط صداقه وبالتالي صدى جيد في المحيطين.. هل عرفتِ الآن؟؟
تشتاقين للماضي وكأنك لم تتجاوزي أزمة الانتقال من مجتمع إلى آخر، سيذهب ذلك الاشتياق لو عدتِ لفترة بسيطة ولا مدرسة أو صديقات.. وسوف تعرفين أن وحدتك الآن أفضل بكثير من وحدتك هناك.. وصلتِ إلى سن الزواج، والزواج هو حلم بمستقبل دفيء.. فلا يعقل أن توقفي حياتك الآن على الماضي وأحلامه لأنها ببساطة لن تفيدك.. ما يفيدك هو إصلاح حياتك الآن وتحويل كل أخطاء الماضي إلى إنجازات وأن يكون الحاضر دائما أفضل..
تقولين لا أشعر بالسعادة فيما اخترته لنفسي؟ فهل اخترتِ لنفسك بالفعل؟؟ أم أنك لم تختاري أي شيء بنفسك وإنما تدورين في دائرة مفرغة رسمت لك ولا تجدين فيها أي متنفس إلا بالدموع ونقش الألم.. ينقش لك الألم ذلك الشعر، والحب، وربما أمل زائف لا تتوصلين إليه، ليس لأنك لا تستحقين ولكن لأنك لم تتعلمي بعد الحياة ومقوماتها وكيف عليك أن تختاري ما يناسبك حقًا وتقدري نفسك قدرها..
تعبرين عن جوهر الاكتئاب.. -ويحق لكِ- بعد الوصول إلى هذه النقطة ومازالت الحياة مبهمة وحزينة بالنسبة لك.. لم تعرفي نفسك بعد، ولم يكن افتخارك بها سابقا إلا صدى لافتخار من حولك.. ولكن أنت في داخلك لا تقدرينها أبدا وتشعرين أنها كوم من الفشل والتعاسة..
معك بأنك لم تختاري لنفسك هذا السيناريو لحياتك.. ولكنك قادرة على تغيير مسار الحياة وكتابة سيناريو آخر يريح قلبك وفكرك معًا ولا يحيد عن دينك.. أنت قادرة على تحقيق الحياة التي تكونين فيها أنتِ كما يناسبك، ولستِ أنت الصورة المكررة من أحد حولك.. أو الأنموذج المثالي القالب الجاهز للفتاة الكاملة من الخارج، حتى وإن كانت محطمة من الداخل..
أنظري للحياة من حولك وتأملي ممن هن أقل منك حظًا في الجمال وقد تزوجن وأنجبن.. لم يكن الزواج يومًا يا صديقتي عموده جمال الشكل.. وإلا لما قال عليه الصلاة والسلام "فاظفر بذات الدين تربت يداك".. فبديعة المنظر قد تصاب بما يغير شكلها بسبب مرض أو كبر.. فإن لم يكن هناك دين وأخلاق وحسن عشرة لا تستقيم الحياة ولا يعود لها أي سحر..
وكوني على يقين.. أن الرجل الذي يستحقك وتستحقين سينظر إلى جمال روحك وشفافيتك -وهذا ما تحتاجين- وعندما يبعث بأول دفقات للحب الصادق في قلبك سيتحول حبه لكِ إلى عصا سحرية تغير شكلك.. صدقيني.. سترين نفسك أجمل الجميلات وسوف تزول كل الأعراض الجسدية، بسعيك وبتحسن حالتك النفسية.. سوف تشرق لكِ الدنيا إشراقة الحياة.. فقط لا تيأسي وكوني على يقين بالله وحده وسيتحقق أملك.. لا تتركي عملك.. وإن كان هناك ما يزعجك فيمكنك البحث عن آخر، لأن الانشغال أفضل بكثير من الفراغ ويخفف كثيرًا من التوتر النفسي وهو الذي يعطيك الدافع للتحصيل.. ستكونين شخصًا آخر عندما تكونين أنتِ.
تقارب هواية أختك مع هواية والدك، لا يعني أنه يفضلها عليكِ يا عزيزتي.. ولو كان والدك شاعرًا لكان اهتمامه بموهبتك أكبر، أليس كذلك؟؟ حاولي أنتِ إذن أن تظهري إبداعك وأن تريه إياه، ومن المؤكد أنه سيبهر به.. فرح بوظيفتك لأنه رأى فيها تطبيقًا لعملك وتوكيدًا لشخصيتك ودخولا في الحياة العملية، وربما رأى فيها مفتاحًا للخير فقد تقابلين شابًا مناسبًا.. كل الآباء يتمنون أن تتزوج بناتهن عندما يصلن إلى سن الزواج إلا ما ندر.. لكن هذا لا يعني أنه لم يفرح بنجاحك يا عزيزتي -ما أدراكِ- ربما كان يعاني من بعض المشاكل في تلك الأيام أو الضغوط خاصة أنه ما يزال في الغربة فلم يتح له من السعادة إلا كما رأيتِ.
تحبين والدك ووالدتك كما تقولين.. ولكن شعورًا خفيًا يتسلل من بين أسطرك يعبر عن مسافة شاسعة من البعد.. لا تشعرين بقربهم.. قد يكون لسبب سفرهم.. أو لأسباب ترسبات الماضي الذي تصرين أن تحكمي أقفال سجنه على أحلامك.. لا تستطيعين تحديد كنه علاقتك بهم فتكتفين بـ (أحبهم).. وتظل بداخلك مسافة باتساع الدنيا من وجه ذاهل ودموع.
أما عن "ذكرى الضرب"، وذلك الوخز الذي يأتيكِ وأنت لا تشاهدين أي امتعاض على وجه والديكِ إذا ما عرض المشهد القديم أمام ناظريهم، فتفسير ذلك يا صديقتي أنهم كانوا على اعتقاد بأن ما يفعلونه هو الصواب.. ولعل توقفهم عن ذلك الأسلوب ما كان إلا لوصولهم لقناعة أنكن قد "كبرتن على الضرب".. وساعد ذلك سفركن وابتعادكن عنهما.. والتربية بالقسوة قناعة موجودة عند الكثير من العائلات -خاصة المغتربة- لما يحملون من خوف وقلق متزايد على أولادهم، بالإضافة إلى ندرة وجود الأقارب أو عدمهم مما يغلق دائرة الرؤية على العائلة.
أخطاء كثيرة نتعرض لها في طفولتنا، ولكن الصواب أن نصححها بعدما نكبر ويكون لدينا محصلة من "الوعي" بالماضي وبما يجب علينا تجاه أنفسنا في المستقبل.. عندما تشعرين بالمسؤولية التامة عن نفسك "الآن" ستمدين يديك للأمل يا صديقتي.. لا تلتفتي للماضي إلا لتحمدي الله على الحاضر الأفضل.. لابد أن يكون الحاضر أفضل لأنك تعملين لذلك، و"إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".
وكعمل إيجابي "حتى تكونين أقوى" وتساعدي نفسك في التغلب على هذه الذكرى الدفينة.. حاولي أن تكلمي الجارة التي تضرب أبناءها بهدوء.. لا مانع أن تذكري لها تجربتك، وإن لم تنسبيها لنفسك.. ذكريها أن للضرب قواعد وشروط.. فاستعماله "للتأديب" يجب أن يكون في مرحلة صفاء وإحصاء عقلي للخطأ وحجمه، حتى لا يتحول إلى تفريغ شحنة الغضب الكامنة في نفس الوالدين أو كلاهما بسبب خروج أبنائهما قدر أنملة عن منطق الكمال والمثالية..
يؤلمني قلبي وأنا أتذكر منظرًا رأيته في أحد الزيارات.. طفلة في الثالثة من عمرها تشرب من كوب العصير الخاص بها ثم تضعه جانبًا وتعود للشرب منه.. تنتبه والدتها فتجدها تمد يديها للكوب -الناقص- فتظن أن ابنتها تشرب من كوب ليس لها.. وتهوي بصفعة قاسية على وجه الطفلة.. صمتت الطفلة طويلا قبل أن تنفجر في بكاء مر، وأسكتتني الصدمة فلم أستطع أن أنطق وجرت دموعي رغمًا عني.. أخطاء كبرى -وجرائم- تحدث في كثير من البيوت باسم "التربية"، مع أن المنهج النبوي لم يدع شيئًا من طرق التربية وتفصيلها إلا ذكره.. ونحن على يقين أن التربية الصحيحة لابد وأن تثمر، فمن زرع حصد.. وإنك لا تجني من الشوك العنب.
بوصولك يا صديقتي إلى هذه القناعة، سوف تحاولين مساعدة غيرك، وبالتالي أنتِ تساعدين نفسك.. وما يدريكِ.. لعل كلمة منكِ تكون باب رحمة لطفل مظلوم لا يظهر له من الحياة إلا الوجه القاسي.
صدقيني.. برغم تلك الأسطر القلقة، المتعثرة، القاسية على نفسها، فإن ورائها نقاء يبحث عن طريق للحياة.. وتأكدي.. أن فهمك ومعرفتك، ووعيك بما هو لكِ وما عليكِ وما تريدين، سيفتح لكِ بابًا من النور.. وستقدرين نفسك قدرها بركونك على الله، ثم عملك وإرادتك.. لا تنتظري من الدنيا أن تبتسم لكِ.. هي لا تبتسم إلا لمن يجتهد في الحصول على ابتسامتها.. الطريق صعب.. ولكن الوصول هو النجاح الحقيقي في الحياة.. وتقدمك لخطوة واحدة أفضل ملايين المرات من نظرة واحدة للخلف تسحبك ألف عام في قاع الحزن.
لا تنظري للقشرة الخارجية/ جمال الشكل، ابحثي عن جمالك الداخلي الذي سينعكس بلا شك على صفحة وجهك.. لا يكفي أن "يلاحظك" أحد حتى يعجب بك ويتقدم لخطبتك.. وإنما يجب أن تكون هناك معاملة في ذلك النطاق -العمل، الدراسة- حتى يتبين لك أفكار من تتعاملين معه، وكذلك يتبين له جوهرك.. أنتِ لا تريدين زوجًا يقيم قياسات جسدك ومطابقة مواصفات ملامحك لأي ملامح يريدها.. تحتاجين شابًا يحبك بصدق.. يحب تلك الروح الشفافة المختبئة بداخلك.. خذي نفسًا يا صديقتي وابدئي الحياة بإشراقة وانفضي عنك ألم الماضي.. ثقل يجثم عليك بقوة حاولي بشراسة أن تنتصري عليه.. وسوف تنتصرين.. وأخيرًا.. وتعقيبًا على قولك: "الآن أعيش مع أختاي بمفردنا في بيتنا في مصر ووالدي ووالدتي في بلد عربي يتكبدان عناء ومشقة الغربة ليوفروا لنا عيشة كريمة".
العيشة الكريمة يا صديقتي الجميلة لا تشترى بالمال.. العيشة الكريمة هي التي لم تصلي إليها بعد.. هي شعورك بالثقة والاستقرار، وجود والديكم بجانبكم في هذا السن.. أرجو أن تحاولي أنتِ وشقيقاتك أن تقنعوهما بالعودة -وإن كانت هناك صعاب- لأن مسؤوليتهم الأولى هي "رعايتكم"، لكن رزقكم مكتوب لكم ويصلكم لا محالة أينما كنتم "نحن نرزقهم وإياكم"..
العيشة الكريمة أن يكون والدك ووالدتك بجواركم حتى يكون لكما بيئة مجتمعية سليمة تستطيعون من خلالها الدخول في مجتمع تشعرون فيه بالغربة وهو وطنكم.. لا أن يتركا ثلاث فتيات بمفردهن يعانين ألم الغربة وآلام الوحدة ويبقون في رحلة الخوف الطويلة باسم "العيشة الكريمة"، فهذا ما لا يقبله عقل..
يصيبني ذلك -الوجع- وأنا أقرأ أحرفًا مثل أحرفك.. وأنا أرى الضحايا من أولاد الغربة.. يبحثون عن هويتهم.. قليل منهم من يجدها، من يجد التوجيه السليم ويتفهمه.. ومن يحاكمه بجرم ليس له حق فيه فلا يعرف للحياة من خلاله إلا وجه الضياع.
رسالتك صرخة ذبيحة علها تصل لكل من لا يشعرون.. وكل من يعتقدون أن الهروب الأبدي باسم الغربة سلاح جيد لمعالجة مشاكل الحياة.. تفرخ لنا الغربة ضحايا لا يُعَدّون.. يضجون بالألم والأسى والعقد الدفينة.. ويبقى يدافع الكبار عن مبدأ الهروب بأنه سعي للأفضل، دون موازنة بين الواجب والأوجب، ودون النظر إلى عواقب تلك الخطوة وأثرها المستقبلي على حياة الضحايا/ الأبناء.
خفف الله عنكِ وأعانك، ولا شكر على واجب.. أعتذر لك بشدة على التأخير.. وبانتظار مراسلاتك القادمة، ودمتِ بخير.
واقرئي من على مجانين:
تغيير استراتيجي: - بدلا من انتظار الزوج
بدلا من انتظار الزوج – متابعة2
ويتبع ..........: شبح العنوسة وفضفضة مجانين م