السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أظن -والله أعلم-أن والدي يعاني وسواساً قهرياً، فهو يعتقد أن أمي تقيم علاقات محرمة مع رجال، وأحياناً رجال ليس لهم وجود في الحقيقة!. ابتدأ الأمر منذ ست سنوات، ومرة حاولت سؤاله عن مصدر هذه الأفكار وما هي الدلائل على كلامه فلم يجبني. كانت أمي في بادئ الأمر تأخذ اتهاماته بجدية فتواجهها بعصبية وبكاء حتى قرأت وإياها عن موضوع يشبه ذلك أن الرجال في هذه السن يعانون من تغيرات، وربما بسبب الفراغ الذي يواجهونه في هذه المرحلة. يعود أبي من العمل لينام وبعدها يجلس على كنبة في غرفة المعيشة أمام التلفاز، لا يفعل أي شيء آخر مطلقاً يحيد عن هذا الروتين، هو بيتوتي جداً لا يحب الزيارات والخروج بكثرة، وكلما حاولنا نصحه بقضاء وقته في شيء مفيد يقول إن شاء الله! نحثه على قراءة كتاب روحي أو حفظ ما يتيسر له من القرآن فيقول: "ربنا يسهل"! ونقترح عليه أن نخرج معه نتنزه أو "نغيّر جو" فيرفض، لا حياة لمن تنادي.
أبي -والله- طيب جداً وإنسان يحترمه كل الناس... فكرت أمي بأخذه لطبيب نفسي لكنه رفض مراراً لأنه ليس مجنوناً -على حد قوله-، وفي مرة وافقها وراح، وطبعاً وصف له الطبيب حبوباً مهدئة لكنه لم يستمر في العلاج لاعتقاده أنه "كلام فارغ" وأنه أصابه التعب الشديد من تناوله لهذا العلاج كما أنه ليس مجنوناً! ومهما أفهمناه أن المرض النفسي لا علاقة له بالجنون وأنه مرض كأي مرض عضوي لا نصل معه لنتيجة. المهم، ينتهي الموضوع ويهدأ لفترات ثم يعود فترات أخرى، وحالياً كل ما تفعله أمي ألا تعير كلامه اهتمامها، وأن تحاول شغل نفسها في أي شيء حتى لا نقع أي مشادة بينهما. ولاحظنا أيضاً أن أبي أصبح شخصية أكثر سلبية؛ كلما تقابله المشاكل لا يفعل أي شيء إلا أن يسبح الله، لكن لا يصدر عنه أي رد فعل يعبر عن غضبه!
أمي محتارة فيما تفعل، هي مؤمنة وتعرف أنه اختبار وابتلاء من الله، لكننا لا ندري كيف نتصرف حيال هذا الابتلاء إلا بالصبر، ونود لو نعرف كيف نتعامل معه؛ فقد عجزنا عن إخراجه مما هو فيه، وهو لا يقتنع أن ما فيه إنما هو وهم وليس له حقيقة، وحين نكلمه عن العلاج أو الذهاب للطبيب يرفض بحجة أنه ليس مجنوناً! بم تنصحيني؟ وكيف نتصرف؟ فنحن نخشى أن يعرف أحد باتهامات أبي لأمي، كما أن أمي متعبة جداً جداً.. طيب، هل هذا وسواس فعلاً أم ماذا؟ مع العلم أن أبي واعٍ تماماً معنا؛ يعني في كل حياته وتصرفاته لا يشكو من شيء، لكن من أين وكيف تخطر هذه الأفكار على باله؟
اللهم الطف بنا واسترنا ولا تفضحنا، يا رب.
8/3/2009
رد المستشار
أيتها الفاضلة الكريمة،
نشكرك كثيراً على تواصلك مع هذا الموقع، ولك الشكر والتقدير على اهتمامك بحالة والدك.
هنالك حالات نفسية تصل فيها الغيرة لدرجة مرضية، ويظهر ذلك في شكل وجود الظنان وما يسمى بالأفكار الاضطهادية واللجوء إلى سوء التأويل، مما ينتج عنه اتهام الزوجة بالخيانة. هذه الحالة تنحصر لدرجة كبيرة في الرجال، وقد تكون حالة ظنانية منفردة أو تكون جزءاً من مرض الفصام، وفي بعض الحالات تكون جزءاً مما يعرف بمرض "الاكتئاب الذهاني". والدك-جزاه الله خيراً- رجل ذو سلوك سليم لكن المرض هو الذي دفعه لهذا الوهام، ولا شك أنه يسعى لطرد هذه الأفكار ولكنها مطبقة عليه.
العلاج يتمثل في الآتي:
1) أن يفهم أهل المنزل أن حالة الوالد هي حالة مرضية، ولكن دون إشعاره بذلك، ويجب ألا يقلل مطلقاً من مكانته وقوامته على الأسرة.
2) على والدتك أن تتحلى بالصبر وألا تسوق له الأدلة والبراهين على براءتها حين يتهمها، وفي نفس الوقت يجب ألا تتجاهل كلامه بل تقول له بلطف: "نسأل الله أن يصلح أمرنا ويبعد عنك هذا التعب والإجهاد النفسي الذي جعلك تفكر بهذه الطريقة" أو أي كلام على هذا النمط، المهم أن يكون الحوار قائماً على الاحترام والتجاهل بقدر المستطاع.
3) يجب أن يُكلم الوالد في خصوص العلاج من هو أكثر تأثيراً عليه بينكم، ولا يطالبه الجميع بالذهاب إلى الطبيب.
4) يكون التواصل الكلامي معه بلطف ويقال له: يا أبي حفظك الله أنت من الواضح غير مرتاح ومنعزل، وأنا قرأت أن حالتك هذه تسمى بالإجهاد النفسي، ولا علاقة لها بالجنون، وقد عرفنا بفضل الله تعالى أنه الآن توجد أدوية ممتازة وفعالة جداً، فلماذا لا نذهب إلى الطبيب من أجل أن يساعدك ويساعدنا حتى ترجع لحالتك الطبيعية ولانشراحك؟ فنحن في حاجة إليك ونريد أن نراك دائماً مرتاحاً ومنشرحاً.
5) يمكن أن ينبه الطبيب النفسي إلى إعطائه الأدوية غير المهدئة والتي لا تسبب النعاس أو الشعور بالهمدان والتكاسل، الوالد يمكن أن يستفيد من دوائين أحدهما يعرف باسم "أبيليفايل" والآخر يعرف باسم "بروزاك" فهي بجانب فعاليتها غير مهدئة وتحسن من الدافعية والنشاط، وتوجد أدوية أخرى كثيرة معروفة لدى الأطباء النفسيين.
نسأل الله له الشفاء والعافية.
ونشكرك مرة أخرى على تواصلك معنا.
التعليق: الله يشفيه