السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لي أخ يحمل شهادة ليسانس حقوق ويعمل في أمن أحد الهيئات الحكومية، يعاني من مرض نفسي. النواحي الحسابية عنده جيدة؛ يعرف ماله وما عليه، لا يكلم أحداً في العمل ولا في نطاق الأسرة وليس له أصحاب ويعيش بمفرده في شقته -فهو له شقة خاصة-، ويربي قطة! يرفض أن تقوم أمه بإعداد الطعام له أو غسل ملابسه حيث يقول أننا سنسمه، ويقول كلاماً غريباً من قبيل: "القيامة قامت، والناس كلها كافرة..." وفي مرة أقول له معرض حديثي: "أخوك أحمد يقول..." فقاطعني مستنكراً: أليس أحمد ميتاً ودفناه؟!". شعره طويل ويربطه من الخلف بمطاطة، وشعر ذقنه طويل كذلك.
في البداية، أنا أعمل في وظيفة مرموقة بالحكومة ولم أتزوج، أنا أكبر إخوتي سناً ولي أربع أخوة وأخوات: أخي المذكور وأخت أمينة مكتبة (ليسانس آداب) متزوجة من مهندس زراعي، وأخ معهد يدرس ويعمل فني ديكور، وأخت دبلوم متزوجة من تاجر. توفي والدي وأنا في الثانوية العامة، تزوجت أمي من عمي وكانت طباعه صعبة، كان يعايرنا بما يصرفه علينا، أولاده غير متعلمين ولديه مزرعة مواشي ومحل كباب، ولك أن تتخيل معاملته معنا ونحن متعلمون ولم نعتد تلك المعاملة القاسية. أبي كان طيباً جداً ولكنه ضعيف الشخصية، وأمي كانت في صفّ عمي طوال الوقت وخاصة أنها لم تحب أبي ووجدت في عمّي قوة الشخصية، اثنان تأثرا بهذا الأمر: أنا وأخي المذكور. أود أن أذكر أن أخي قبضت عليه أجهزة أمن الدولة بسبب ذقنه وشعره الطويل واحتجز لأكثر من 10 أيام، وظلّ يقول كلاماً غير مفهوم: أن "أمي أجبرتني أن أترك خطيبتي..." مع أن هذا لم يحدث وهو الذي ترك خطيبته، وأن أمه وأهله يريدون أن يأخذوا ميراثه! ولذلك يقولون أنه مجنون حتى يستطيعوا أخذ ميراثه. الحمد لله أفرج عنه، حيث لم يثبت انتماؤه لأي جماعة ولاختلاله النفسي.
أخي كان يعاني من الاكتئاب وطلب أن يسكن في شقته بمفرده، وإن لم نستجب لطلبه يدمر الشقة ويتشاجر ويضرب أمه وأخاه، وبالفعل عاش في شقته وأخذ ميراثه. كانت الحالة بسيطة ولكنها منذ أن سكن بمفرده في تفاقم بالغ؛ فلو سأله أحدهم: "ألن نفرح بك يا فلان؟" يرد قائلاُ: "أنا متزوج وعندي أطفال"! رغم أنه ليس كذلك، بعضهم قال أنه "مخاوي" جانّ... هو يرفض مبدأ العلاج ولا يعترف أنه مريض، مع أن مظهره بات مروعاً بشعره وذقنه، وكان من الممكن أن يفقد وظيفته لحالته تلك لكني أحاول ألا يحدث هذا. كيف نتعامل معه؟ كيف يمكننا علاجه؟ هو ليس عدوانياً ولا يسبب المشاكل مع أحد إلا في حال أن يقال له أنه يجب أن يتعالج، أو في الحالة التي كان يريد فيها ميراثه. على فكرة أمي غير ناضجة وتسببت لي ولأخي بالكثير من المشاكل بسبب جهلها وعدم نضجها، ورغم ذلك لا تحس بالذنب! أذكر أنها كادت أن تجن عندما علمت أن عمي سيتزوج عليها مع أنها كانت تقول أنها ستطلق منه لأجلنا، ولكني أعلم أنها كاذبة وأنه عندها أهم من أولادها بكثير.
هل ستؤثر حالة أخي على زواجي؟
وهل لا بد أن أذكر لمن يتقدم لي ظروفه النفسية؟.
07/06/2009
رد المستشار
صديقتنا الفاضلة،
أهلاً بكِ مجدداً في موقعك مجانين، نرجو أن تكوني بخير، وأن تكون دراستك الأخيرة قد أفادتك في عملك وأن تستمري من تقدم لتقدم.
رسالتك مشوشة؛ مليئة بالكثير من الأحداث وتحمل في طياتها عدة مخاوف ومشكلات لعل أهمها بالنسبة لكِ هو موضوع زواجك الذي يمثل لك نقطة المحور التي تدور عليها الحياة، حتى وأنت ِتحكين عن مأساة شقيقك لم تنسي أن تتساءلي إن كان هذا الأمر سراً يجب أن تخفيه عمّن يتقدم لخطبتك أم لا.
يا صديقتي،
الإنسان على قوته ضعيف أمام الحزن، يحصد الاكتئاب أرواحاً في كل لحظة، ويغلف ذلك بالمرض والجنون، والبذرة لم تكن إلا شعور بألم أو ظلم أو قهر، عدم الوعي منا لأنفسنا وممن يحيطون بنا يدفعهم لإيذائنا ويدفعنا الجهل لعدم المقاومة حتى يمسك الحزن بتلابيب الروح فلا يلومنّه أحد فيما يفعل بعد ذلك.
توفي والدك وتزوجت والدتك –لم أفهم معنى وصفك لها بأنها "غير ناضجة"- وعاملكم زوجها -العم- بقسوة، أثّر ذلك بشدة في نفس أخيكِ الذي يبدو أنه كان صغيراً وقتها –أقل من سن الرشد-، وبما يعاني من إذلال من زوج والدتك بما يصرفه عليه، كان من البديهي أن يتطلع إلى الاستقلال المادي، وكان من البديهي أيضاً أن يحصل على ميراثه الشرعي فور بلوغه السن القانوني دون الحاجة إلى أن تضطره الضغوط للانفجار حتى يذعنون لمطالبته بحقه.
ما يشعر به أخوكِ من اضطهاد وتوهمه لأشياء لم تحدث هو نتيجة حتمية لما لاقى من ضغوط في صغره وحتى بعد تخرجه، وقبل كل شيء يجب أن تتوقف هذه الضغوط، فإن كان يثور فقط كلما قال له أحدهم "لازم تتعالج" فاتركوه وشأنه. من الطبيعي أن يستقل بشقته وبما له وأن يطيل شعره كما يشاء وأن يربي قطة، وأخشى أن مجرد طلبه للاستقلال –وهو بديهي- أدى إلى أن تقوم عليه حرب شعواء سببت في انهياره نفسياً فساءت حالته، مع أنكِ تقولين أنه –في العادة- منطوٍ لا يكلم أحداً، لماذا؟ وهل كان له أصدقاء من العائلة وخارجها وقاطعهم فجأة أم أنه منذ صغره مبتعد، وما الأسباب؟؟.
يحتاج هذا الأخ إلى دعم وتفهم –وليس زيادة تحطيمه وغرس المرض فيه أكثر-، وإن كنتم غير قادرين على إعطائه ذلك فتوقفوا تماماً عن لومه ولا تعلنوا الاستياء عن أفعاله حتى لا تزيد الحالة سوءاً، وسيخبركِ د.وائل بتفاصيل أكثر عن الذهان على أن شقيقك أصبحت هذه حاله بالفعل وليست فقط صدمة "رد فعل" يوجهها لكم –كما ذكرتِ أنه مستقر في عمله- كرجع صدى للألم العظيم الذي ظل سنوات طوال يكتمه.
نرجو له الشفاء العاجل، وشكراً لكِ وتابعينا بأخبارك.
* ويضيف أ.د وائل أبو هندي الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك، لا أستطيع استبعاد كون أخيك مريضا باضطراب الفصام وهذا يستدعي تدخلا حاسما وسريعا من قبل الطبيب النفساني ودون انتظار حتى لموافقة أخيك فهو إن لم يوافق يجب إدخاله المستشفى وعلاجه دون إرادته... وسبب ذلك التعجل والصرامة هو أن المآل المرضي لحالته يعتمد أساسا على سرعة العلاج أي كلما سارعنا بعلاجه كلما كان الأمل أكبر في أن يتمكن من الحياة السوية...
واقرئي على مجانين:
الفصام وما يتبع..
الفصام المزمن وأعراضه السالبة-مشاركة
ذهاني تحت العلاج: إلى متى؟
أمي والفصام المزمن ووصمة الطب النفسي
الفصام ليس فقط نقص مادة في المخ
الفصام ونكباته متابعة