حياة بدون أصدقاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أكتب لك الآن يا دكتور وأنا أشعر باختناق لم أحس بمثله من قبل، صعب جداً أن تحب أحداً لا يشعر بحبك واهتمامك.
أنا تلميذ في الصف الأول الثانوي؛ هادئ جداً -أكره هذه الصفة عندي، لكني عاجز عن التخلص منها- والحمد لله محترم ومحبوب من الجميع وليي لي أعداء، لكن ليس عندي أصدقاء أيضاً! صاحبت كثر، وأنا صغير صاحبت أربعة لكن لم نعد أصحاب... كلهم يبيعونك عندما لا يعود لهم مصلحة عندك!.
تصور يا دكتور الأول كان صاحبي منذ الثاني الابتدائي أول صاحب لي بعدما رجعت من السفر، وبقينا أصحاب حتى السادس الابتدائي وبعدها تراجع اهتمامه بي، لا يسأل ولا نخرج معأً حتى بتنا الآن نتقابل صدفة مرة في الشهر على أكثر تقدير ومن غير أي سبب.. أما الثاني فكنا أصحابأً وكنت أحبه جداً رغم أنه كثيراً ما كان يفرق بيني وبين صاحبي الأول، ومنذ سنة بدأ يتدين ويعاملني كما لو كنت كافراً! وقال لي أنه ملّ مني وأن الأصحاب كفردة الحذاء متى ما قدمت لزم تغييرها!.. أما الثالث لم نعد أصحاب! في حين أني أعرف أن الرابع صاحب مصلحة، لكن لو طلبت منه أي شيء لي فلن يفعله.
أنا الآن أعيش دون أصدقاء لكن في بداية الدراسة بدأت ابحث عن صاحب ووجدته؛ هو الوحيد الذي في المدرسة الذي أستريح له، أحس أنه رجل حقاً وليس ممن يبحثون عن مصالحهم فقط، وهو محترم. أنا أحبه جداً وأتمنى أن نصبح أصحاب، لكن لن استطيع أن أخبره بذلك! في زمننا هذا ليس هناك صداقة ولو قال أحدهم لصاحبه أحبك سيسيء الآخرون فهمه، أريد طريقة تقربني منه ليحس بحبي لكن دون أن أقول له.
ماذا أفعل؟ أيمكنكم مساعدتي؟ أحياناً حين أجلس معه لا أدري ماذا أقول! أكون هادئأً زيادة عن اللزوم، وهذا يحدث لي مع العديد من الناس فيظنون أي متضايق لوجودي معهم، وأخشى أن يكرهني لسكوتي هذا.
أنا آسف لأني أطلت عليكم.
مع السلامة.
28/01/2010
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
هوّن الله همك وشرح صدرك وفرج كربتك. نظرتنا للأمور مسؤولة عن مشاعرنا ويزيد الصورة قتامة تعميمنا لبعض الخبرات على كل الحياة وجميع الناس وكذلك المبالغة في تقدير الأمور. أريدك أن تتعلم التفكير المنطقي الذي يتجنب المبالغة فلا تقل صاحبت كثيراً ليظهر أن الكثير مجرد أربعة! فهذه مبالغة! وعندما تتكلم عن حياتك وكأنك عشت منها ثلاثين عاماً، المبالغة تزيد أي مشكلة تتعامل معها سوءاً.
ولنبدأ بأن تحدد مفهومك للصداقة قبل أن تقرر وجودها أو انعدامها في الوقت الحاضر وبعدما وجهت لك النصيحة طبقتها فوجدت أن الصداقة في أول معانيها ارتباط شخص بآخر بمشاعر اهتمام وود أو احترام، الصديق هو من يقدم المساعدة والدعم، والصديق هو الشخص الذي ينسجم مع الآخر دون عدائية، وغيرها من المعاني فما هي صفة الصديق الذي تريده أنت.
سيساعدك أيضاً الانتباه لتشويه الحب ومعانيه الناتج عن تناوله باستخفاف رغم أهميته، أتفهم مشاعرك نحو زميلك دون سوء ظن فهناك أنواع من الحب ولا تحتوي جميعها على الجانب الحسي والشهواني ويمكن أن تكون معجباً بزميلك لدرجة تدفعك للتعلق به والحرص عليه واحترامه والرغبة في مرافقته والتعلم منه وهي أمور توجد ضمن جميع أنواع الحب مثل ذلك المتبادل بين الأصدقاء وبين الآباء وأولادهم فلا تخجل من مشاعرك تجاه زميلك فهي أحد معاني الصداقة، والناس تحب أوطانها ولكن سوء استخدام مفردة الحب أفقدها باقي معانيها وقصرها على العلاقة بين الذكر والأنثى وما هو أسوأ بين نفس النوع. فلا داع لأن تخجل من ميلك نحو زميلك ما لم يكن من ضمن مشاعرك ميلاً حسياً نحوه.
لا تعمم خبرتك مع هؤلاء الأربعة على الحياة والصداقة بصفة عامة فحياتك ما زالت في بدايتها وستتأثر بما تقبله وتقتنع به بغض النظر عن مدى صحته.
يمكنك أن تبدأ بإلقاء التحية على هذا الزميل، ثم مرافقته ومشاركته اهتماماته وعرض اهتماماتك عليه ومع شيء من الوقت ستصل إلى تكوين صداقة قوية معه إن كان هناك انسجام حقيقي بين شخصياتكم.
متوقع أن يتغير ِأصدقاؤنا عبر مراحل حياتنا حسب تغير معطيات وظروف هذه الحياة فالصداقة في الطفولة تعتمد على قرب المسافة ومع تدرج النضج تصبح الاهتمامات الفكرية والميول الشخصية أكثر تأثيرا في اختيار الأصدقاء واكتساب المزيد من الأصدقاء لا يعني بالضرورة التخلي عمن سبقهم فالناس لا تفقد قيمتها بمرور الوقت كما أشار من كان صديقك بل نضيف لهم في كل مرحلة من حياتنا.
أول خطوة للانطلاق في جوانب الحياة ومنها اكتساب الأصدقاء تقدير الذات وتقبلها فتعلم أولاً كيف تحب نفسك وتقدر لها صفاتها الإيجابية وخطط لتقوي نقاط ضعفها، فإن كنت غير محباً لنفسك كيف تتوقع أن يحبك الناس.
آخر ملاحظة راجع تقييمك لأصدقائك ستجد أنك تقيمهم على مدى قدرتك الاستفادة منهم وهذا أسلوب سيشوه شخصيتك ويحولها إلى شخصية أنانية ونفعية تقدر الناس بقدر ما تستفيد منها ورغم أننا نسعى لطلب المساعدة من أصدقائنا إلا أن عجزهم أو رفضهم لمساعدتنا لا يجب أن يكون سبباً في التخلي عنهم.