لست من المعجبين كثيرا بالأمير المدلل ولا أرتاح لملامح الطفولة (غير البريئة) البادية عليه، ولست أدرى لماذا تذكرني هذه الملامح بمثيلاتها عند جورج بوش الابن، ولكن اتصالا هاتفيا من المذيعة اللامعة والأخت العزيزة بثينة كامل جعلني أتابع تفاصيل الموضوع فوجدت أنني قد وقعت على حدث ملئ بالدلالات النفسية التي تستحق المناقشة والتأمل.
* فالأمير تشارلز يبلغ الآن من العمر 56 عاما ولكنه مع ذلك يبحث عن "أم".... أم بديلة بمواصفات مختلفة حيث أن صرامة وجدية الملكة إليزابيث الثانية ربما لم تمنحه فرصة للشعور بحنان الأمومة ولذلك اختار نموذج "الزوجة الأم" حيث أن كاميلا تكبره عمريا ب 16 شهرا ويبدو أنها تكبره اجتماعيا ووجدانيا أكثر من ذلك، فهو يحتاج رعايتها واحتوائها.
والعلاقة ليست جديدة فهي تمتد ل 35 عام مضت، ويبدو أنه اضطر لزواج الأميرة الجميلة ديانا تحت ضغط البروتوكولات الملكية لكي تنجب له وليا للعهد ثم يستغنى عنها بعد ذلك (كما ذكرت هي في أحاديثها)، وعلى الرغم من جمال ديانا الذي أسر القلوب في العالم كله إلا أن الأمير "الصغير" كان يبحث عن أم، ولذلك استمرت علاقته بعشيقته حتى الآن وجعله هذا العشق ينصرف عن زوجته الفاتنة ويطلقها، ثم ينتظر كل هذه السنين ليتزوج حبيبته دون أن يعير اهتماما للتجاعيد التي تملأ وجهها وما ظهر من جسمها، وبصرف النظر عما حدث فإن هذا الحب يؤكد أن العلاقة بين المحبين لا ترتبط بشكل أو بشباب أو بتجاعيد بل تتجاوز كل هذه التفاصيل.
وهذا الزواج يحمل بجانب ذلك الكثير من علامات التمرد، فهو تمرد على البروتوكولات الملكية في الزواج، وهو تمرد على الأم (التي ترفض هذا الزواج وقبلته مكرهة)، وهو تمرد على الكنيسة الإنجيلية (التي ترفض الزواج من مطلقة مازال زوجها على قيد الحياة)، وهو تمرد على القانون البريطاني الذي لا يسمح لأفراد العائلة المالكة بأن يتزوجوا زواجا مدنيا.
والملكة إليزابيث الثانية قد التقطت -بفطرتها الأنثوية والأمومية- علامات التمرد هذه من ابنها المدلل وثارت بداخلها مشاعر غيرة من هذه الأم البديلة التي اختارها ابنها، ولذلك قررت عدم حضور مراسم الزواج المدني واكتفت بحضور المراسم الكنسية، وأعلنت أن"كاميلا" لن تحصل على لقب ملكة فيما لو وصل الأمير تشارلز إلى العرش وأنها لن تحضر معه المواكب الرسمية، وقد فسر المراقبون هذا بأنه "ازدراء للزوجين".
وقد جاء هذا الزواج بعد أحداث درامية حيث كن الأمير شارلز على علاقة بكاميلا أثناء زواجه بالأميرة ديانا مما أثر بشكل كبير على الأخيرة وجعلها تلجأ إلى الشعب البريطاني يدللها بدلا من زوجها ثم إلى شعوب الأرض بعد ذلك حيث أصبحت معشوقة الملايين. ولكن يبدو أن هذا العشق الجماهيري لم يشبعها فكانت لها علاقات هي الأخرى خارج علاقة الزواج، وهذه العلاقات يمكن تفسيرها بأنها علاقات احتياج (نظرا لانشغال زوجها بعشيقته) وعلاقات انتقام أيضا (لكي ترد له جرح كرامتها الأنثوية). ولقد حاولت الأميرة الشابة أن تشكو لحماتها مشكلاتها الجنسية مع زوجها ويأسها من علاقته بعشيقته "كاميلا باركر" فأجابتها الملكة إليزابيث الثانية (حماتها) بأن تشارلز ميئوس منه فزادها ذلك رغبة في الانتقام منه.
وقد كانت خيارات ديانا لعشاقها تؤكد هذه الرغبة الانتقامية، فعلاقتها الأولى كانت مع "بارى مانالي" وهو أحد أفراد الشرطة الملكية المكلف بحراستها، وقد تم فصله من عمله ثم مات في حادث دراجة غامض بعد ذلك، أما علاقتها الثانية فكانت بشاب مصري عربي مسلم هو "دودي الفايد" وهو لا ينتمي إلى أي طبقة حاكمة وإنما ينتمي إلى والد عصامي حديث العهد بالثروة نسبيا وتكون النهاية موته معها في حادث سيارة في باريس عام 1997، ذلك الحادث الذي تحوطه الكثير من علامات الاستفهام.
والأسرة المالكة لديها تاريخ سابق حافل بتجارب الحب، فذاك الملك إدوارد الثامن (عم الملكة إليزابيث الثانية أم الأمير تشارلز) وقد تنازل عن العرش ليتزوج من المطلقة الأمريكية "ليدي سمبسون" تاركا السلطة والعرش والصولجان لأخيه "جورج" (والد فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية). ولدى الأسرة أيضا تجارب للفشل في الحياة الزوجية حيث تم طلاق الأميرة "مارجريت" والأميرة "آن" (شقيقات الملكة) من زوجيهما، وكذلك الأمير تشارلز من ديانا ، وأخيه الأمير أندرو من سارة. ويبدو من تكرار حالات الطلاق بهذا الشكل أن هناك تمردا خفيا على التقاليد الملكية البريطانية الصارمة.
وهذا التمرد يظهر بوضوح في شخصية الأمير هاري (20 عاما) الابن الأصغر للأمير تشارلز (بعد وليام) وهو الثالث في الترتيب لعرش بريطانيا بعد أبيه وأخيه، ومعروف عنه أنه الأمير المشاغب، فهو يدخن الماريوانا، ويشرب الكحول قبل بلوغه السن القانوني، إضافة إلى تردده الكثير على النوادي الليلية (بحسب وكالة الأسوشيتد برس)، وقد اشتبك مع مصور صحفي يدعى "كريس أنكل" وجرح شفته السفلى. وهذا السلوك العدواني المتمرد لدى هاري يمثل الوجه الظاهر للعدوان السلبي الذي يمارسه والده من خلال سلوكه المتمرد وزيجاته وعلاقاته العاطفية.
اقرأ أيضاً:
الانتحار بين المرض والاختيار: الجزء الثاني / أزمة منتصف العمر / سيكولوجية المرأة / الصحة النفسية للمرأة / سيكولوجية الاستبداد (الأخير)