"مسلمون نحو عولمة بديلة "
(مقترح يتطلب النقاش والتطوير)
برز الدور المحتمل لحركات مناهضة العولمة في الواقع الدولي- بشكل لافت- بعد مظاهرات مناهضة الحرب على العراق في 15 فبراير مما دفع الكثيرين من المراقبين والمحللين لوصف هذه الحركات " بالقوى الكبرى" الصاعدة في وسط أجواء عالم أحادي القطبية، وبما لفت النظر لها في العالم الإسلامي الذي اكتشف تبنيها لأجندة قضاياه النازفة منذ حين.
وبالرغم من الاهتمام السابق لدى بعض من دوائر المسلمين النشطة بما تطرحه هذه الحركات من هموم ورؤى، فإن الاكتشاف التام لها من قبل المسلمين - سواء في بناها الحركية أو في الأدوات التي تعتمدها في الممارسة – لم يتحقق بعد، إذ أن المنطق يقول بأن تحققه يقتضي مزيد من الاحتكاك والخبرة.
والملاحظ أن
حركات مناهضة العولمة – والتي قد يفضل لها البعض تعبير أكثر دقة وهو حركات العدل الاجتماعي- إنما تتخذ في بنيتها شكل شبكي ديناميكي لا شكلا هيراركيا جامدا، وهو ما قد يسمح بتحالفات مؤقتة ودائمة تشجع المسلين – ولو نظريا- على مزيد من المشاركة في تلك الحركات عبر تبني بعض من قضاياها خاصة ما يتعلق بقضايا العدل الاجتماعي والتنمية والحفاظ على الخصوصية الثقافية و كذلك السعي نحو تقديم نماذج بديلة وإثارة جدل دائم حول الهيمنة الأمريكية وتداعياتها، والمسلمون هنا إنما يدافعون عن رؤى إنسانية يرونها تتطابق مع قيم الإسلام وأهدافه العليا.
وبما أننا نعلن وقوفنا ضد كل أنواع الظلم، فينبغي هنا الإيمان بإمكانية تكوين ائتلاف إنساني يعمل كقوة دافعة لإعادة هيكلة وتقييم العولمة وآثارها، وكذلك الإيمان بخصوصية القيم الإسلامية الثقافية والروحية وقدرتها والتي تؤهلنا لأن نكون جزءًا فاعلا وناشطا في مثل هذا التحالف.
ولهذا فجدير بالمسلمين أن يكون شركاء في مثل هذه الحركات الديناميكية، وأن يصبحوا صوت من لا صوت له، وأن يتبنوا الخطابات الإنسانية لهؤلاء الذين يحملون خطابا أخلاقيا وإنسانيا مشابها على الساحة الدولية.
إلا أن هذا يستدعي الكثير من الدراسة والتقييم لما يتعلق بمشاركة المسلمين وكيف يمكنهم التخطيط والتنفيذ لمشاركة نشطة في هذه الحركات المتنامية والتي تحمل قدرا كبيرا من التشابك – بل وأحيانا التضارب- في الرؤى والمصالح.
ولا يعد المقترح التالي والذي ينتظر أن يدعمه – مستقبلا- موقع إسلام أون لاين . نت بإنشاء المنتدى الالكتروني " مسلمون من أجل عولمة بديلة"، لا يعد محاولة أو نداء للانعزال بتخصيص المسلمين في عنوانه بقدر ما ما يمثل مبادرة لجعل مشاركة المسلمين في الحركة أكثر تأثيرا وليساهم في تقديم هذه الحركات للمسلمين بشكل تفهيمي واقعي يؤكد على المبادئ ولكنه أيضا يتعامل مع الفرص ويبرز التحديات.
ولهذا فإننا ندعو كل الأفراد والنشطاء والمفكرين المهتمين بإعادة تقييم وتنمية مشاركة المسلمين في حركات العدل الاجتماعي ومناهضة العولمة لأن يكونوا جزءا من هذا المنتدى.
وعلى ضوء هذا المقترح يمكن مناقشة بعض الأفكار والاعتبارات لدى إطلاق مثل هذا المشروع، والتي تعكس كل من الفرص والتحديات، وهو ما يمكن اعتباره نقاط مبدئية تحتاج لمزيد من المناقشة والتعميق:
- ضرورة إحياء فهم حقيقي " للإسلام التحرري" – إن صح التعبير- والذي يحتاج منا لجهد لإعادة المراجعة والنظر، إذ أن منظومة القيم الثقافية والروحانية للإسلام يمكن أن تلعب دورا مفتاحيا في حلول لأزمات اقتصادية وسياسية وهو ما يحتاج إلى إعادة تنشيط ومتابعة.
- إن خصوصية –وليست استثنائية– القدرات الكامنة للمنظومة الإسلامية يمكن أن تساعد في إدراك كون المسلمين مرشحين لتقديم نماذج لعولمة بديلة وليس مجرد انخراطهم في الحركات المناهضة بالمفهوم الاحتجاجي.
- إدراك أن ممارسات المسلمين تختلف عبر العالم الإسلامي وخارجه وفقا للسياق الاجتماعي والثقافي وهذا ما يجعل مناقشات المسلمين والحوار الإسلامي/الإسلامي ضرورة يجب أن يعمل هذا المنتدى على تحقيقها، وهو ما يؤكد عليه
طارق رمضان
قائلا:"المشكلة عميقة ويمكن أن ترجع أصولها إلى غياب حوار بين المسلمين أنفسهم، إن المدارس الفقهية والعلماء والمفكرين قد توقفوا عن إدارة مثل هذا الحوار ".
- الاستمرار في تثمين وممارسة "نقد الذات"، فعلى سبيل المثال علينا أن نتعرف على ضعف البنية المعرفية الإسلامية المعاصرة وكذلك التمييز غير المقبول في قضايا الفقر والمرأة والأقليات.
- بالرغم من إيماننا بشمولية الإسلام "كطريقة حياة"، فإن اعتبار الأرضية المشتركة الفاعلة بين الإسلام والأديان الأخرى ألا وهي الروحانية مدخلا ضمن مداخل التأثير في هذه الحركات فعلى عكس ما قد يتصور البعض – وكسرا للقوالب والتصورات المسبقة – فإن كثيرا من أعضاء حركات مناهضة العولمة يرون القيم الروحانية أساس لكل الحضارات وأننا في عالمنا المتغير بحدة يحتاج الناس إلى مرفأ حقيقي يتمثل في هذه القيم.
- يواجه العالم الإسلامي حاليا أنماط متزايدة من التحديات والتي قد تقوي أكثر الشعور بأننا "ضحية" وتدعم الخطاب الاستغاثي، وإذا لم ننخرط في ظل خطاب فاعل وشراكة مع محاولات التغيير فسنظل أسرى لخطاب يكرس انعدام المسئولية والنظر إلي أنفسنا دائما كضحية.
- و وفقا لطارق رمضان، فإن الجزء الأكثر تحديا في انخراط المسلمين داخل الحركة هو اختلاف المرجعيات، فالنقاد يرون أن اختلافات حادة بين الخلفيات الأخلاقية والقيمية بين ناشطي حركات المناهضة وتلك التي يتبناها المسلمين، وهذا الجانب الإشكالي لا يمكن تجاوزه دون فهم مشترك وقبول بطبيعة هذا التحالف والذي عليه أن يكون اكثر ديناميكية وتسامح بتقوية واستمرار تبادل الخبرات فالمرجعيات حتما ستختلف كما ستختلف مجالات التطبيق، ولكن روح واحدة ستبقى مشتركا بين الجميع وهي مقاومة المصلحة العمياء للقوى الكبرى المتعددة الجنسيات.
- وفي الإطار نفسه فعلى المسلمين إذا ما أرادوا شراكة حقيقية لهذه الحركات أن يديروا جانبا من النقاش والرد حول الانتقادات التي توجه لحركات المناهضة ومن بينها:
* غياب أهداف واضحة حيث تتباين آراء المشاركين أحيانا إلى حد التناقض.
* بالرغم من أن الحركة تتصدى لمشكلات كارثية فإنه نادرا ما تقدم حلولا تفصيلية، كما أن هذه الحلول غالبا ما يتم الترويج لها على أنها محاولات اليسار الفاشلة لاستعادة خطابها وأثره القديم.
* هناك مشكلات تتعلق بالديمقراطية والانفتاح – وهو ما قد يعتبره البعض ميزة بينما يراه آخرون عيبا - فالحركة لا تملك قيادة أو رأس، وليس لها بنية متحدة تسمح بالنقاش والتصويت.
ومن جانب آخر فإن الحركة مفتوحة للأفرد والأفكار وهذا هو قلب ديناميكيتها، وهو ما يضع عبئا حقيقا على كاهل المسلمين إذ عليهم أن يفتحوا النقاش ويقدموا الإسلام والمسلمين في الوقت نفسه الذي عليهم أن يرفعوا فيه الوعي بين المسلمين بقضايا الآخرين.
أقرأ أيضا:
تسويق "الإيمان" في "سوبر ماركت" العولمة!!! / مدى تأثير الإعلام والعولمة في ضياع هوية أبنائنا؟! / فسيفساء شغل الفراغ